السلام عليكم
فهذهِ الآيةُ نزلتْ في أبي جهلٍ لما رأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّى عندَ الكعبةِ؛ فقالَ لصناديد قريش" هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ فَقِيلَ نَعَمْ. فَقَالَ-وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى-: لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ-قَالَ -فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّى زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ - قَالَ - فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِى بِيَدَيْهِ - قَالَ - فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ فَقَالَ إِنَّ بَيْنِى وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-«لَوْ دَنَا مِنِّى لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا». قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ نَدْرِى فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ أَوْ شَىْءٌ بَلَغَهُ (كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى) إلى آخر السورة.
وقد رواه أحمد بن حنبل، ومسلم، والنسائي، وابن أبي حاتم، من حديث معتمر بن سليمان بهِ"["تفسير ابن كثير": (8/437)].

مِنْ خلالِ هذه القِّصةِ أطلقُ القُّرآنُ هذا التَّعبير المعجِزَ: "أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى"، بِلغةٍ استنكاريةٍ تعجبيَّةٍ من فعلِ أبي جهلٍ!!، ولكنْ هي في الحقيقةِ سُنَّةٌ في أعداءِ الدِّينِ كُلِّهم لا يَرْضَونَ من المسلمينَ حتى مُجرَّدَ العباداتِ المحضةِ التي تُخالف ما عليه دينهم من الكفرِ، وإنْ كانتِ القوانينُ قد تسمحُ للمسلمينَ بممارسةِ العباداتِ، فإنَّ هذا الأمرَ لا يَعْنِي بالضَّرورةِ رضا الكُفَّارِ عنْ عباداتِ المسلمين وإظهارِها، وَمِمَّا َيدُلُّ على هذا الأمرِ أدلةٌ منَ القرآنِ:

فمن ذلك يقول الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}[البقرة: 120].
يقول الإمام القرطبيُّ-رحمه الله-في تفسير هذه الآية-: " ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا، بل لو أتيتهم بكل ما يسألون لم يرضوا عنك، وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلامِ، واتباعهم"["أحكام القرآن": (2/93)].
ويقولُ سُبحانَه عنْ ما يجولُ في نفوسِ الكُفَّارِ تجاهَ المسلمينَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم...}[البقرة: 109].