الحمد لله القائل في محكم كتابه : " ‏وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ " [ الذاريات : 55] .


قال ابن كثير في تفسيره : أي إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة.






والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل : ‏إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي ‏‏جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي ‏التَّحْرِيشِ ‏بَيْنَهُمْ . رواه مسلمٌ من حديث جابر رضي الله عنه .


إن الناظر فيما يقع بين الإخوة من شحناءٍ وبغضاءٍ بسبب سوء فهم ، أو عمل غير مقصود ، أو غير ذلك من الأسباب ليحزنُ أشدَ الحزنِ على ذلك .


وإننا نرى أن الشيطان قد نجح في زرع هذه العداواتِ ، وكيف لا وهو الذي أخذ العهد على نفسه بمثل هذه الأفعال .


ومما يبعث الحزن أكثر أن تجد هذا الأمر بين أناس من خيار شباب المجتمع ، بل ممن تربوا على العلم الشرعي الذي يحصن المسلم من الوقوع في مثل هذه الزلات ، والهفوات ، والتي قد تحسب عليه ، نسأل الله السلامة والعافية .


وفي هذا الموضوع أريد أن أذكر نفسي أولا ،ثم إخواني ثانيا بخصلة عظيمة نسيناها أو تناسيناها في زحمة المشاغل الدنيوية ، وعدم القراءة لسير سلف هذه الأمة .


هذه الخصلة هي " ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ "


.


نقف في هذا التذكير مع نصوص الكتاب والسنة ، ومع سير سلف هذه الأمة ، لعلنا نصلح ما قد أفسده الشيطان بين الإخوان .






نقف في هذا التذكير مع أنفسنا وقفة صادقة متجردة من الهوى ، وحظوظ النفس ، ونسأل أنفسنا : هل صدورنا وقلوبنا سليمةٌ على إخواننا الذين أخطأوا في حقنا ؟






1- ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ في القرآن :




- فضل كظم الغيظ ، والعفو عن الناس :



يقول تعالى : " ‏الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ‏ ‏" [ آل عمران : 134]





الشاهد من الآية " وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ " .
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمهُ الله - في تيسير الكريم الرحمن ( ص 148) :
" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ " أي : إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم - وهو امتلاء قلوبهم من الحنق ، الموجب للانتقام بالقول أو الفعل - ، هؤلاء لا يعملون بمقضى الطباع البشرية ، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم .


" وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ " يدخل في العفو عن الناس ، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل ، والعفو أبلغ من الكظم ، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء ، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة وتخلى عن الأخلاق الرذيلة ، وممن تاجر مع الله ، وعفا عن عباد الله رحمة بهم ، وإحسنا إليهم ، وكراهة لحصول الشر عليهم ، وليعفو الله عنه ، ويكون أجره على ربه الكريم ، لا على العبد الفقير كما قال تعالى : " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [ الشورى : 40] .ا.هـ.


اللهم اجعلنا ممن يكظمون غيظهم ، ويعفون عن الناس .






- يوسف عليه السلام يضرب المثل في سلامة الصدر :



قال تعالى : " ‏قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ‏قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " [ يوسف : 91 - 92] .






الله أكبر ! يوسف في موقف القوة ، وكان باستطاعته بإشارة منه أن ينتقم ممن آذاه ، ولكن سلامة الصدر ، والعفو ، والصفح .


قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في فوائده المستنبطة من قصة يوسف ( ص 62) :
الفائدة السبعة والعشرون : مبلغ عفو يوسف عليه السلام : ومنها : ما مَنَّ الله به على يوسف من حسن عَفْوه عن إخوانه ، وأنه عفا عمّا مضى ، ووعد في المستقبل أن لا يثرب عليهم ، ولا يذكر منه شيئا لأنه يجرحهم ويحزنهم ، وقد أبدوا الندامة التامة ، ولأجل هذا قال : " ‏مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ‏"


[ يوسف : 100] .


ولم يقل : من بعد أن نزغهم ، بل أضاف الفعل إلى الشيطان ، الذي فرَّق بينه وبين إخوته . وهذا من كمال الفتوة وتمام المروءة .ا.هـ.




- ثناءُ اللهِ على الأنصار بسبب سلامةِ صدورهم - رضي الله عنهم - :



قال تعالى : " ‏وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ‏وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ‏ ‏" [ الحشر : 10]






قال شيخ الإسلام في الفتاوى (10/119) :
وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار فقال : " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ‏‏وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " أى: مما أوتى إخوانهم المهاجرون . قال المفسرون : لا يجدون فى صدورهم حاجة أي : حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون ، ثم قال بعضهم : من مال الفيء ، وقيل : من الفضل والتقدم .ا.هـ.


قال الشوكاني في فتح القدير (5/201) :
" ‏وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً " أي : لا يجد الأنصار في صدورهم حسدا وغيظا وجزازة .ا.هـ.






- الدعاء بخلو قلب المؤمن من الغل على المؤمنين :



قال تعالى : " ‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ‏‏يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ‏وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏ " [ الحشر : 1]






قال الإمام الشوكاني في فتح القدير (5/202) :
" ‏وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا " أي : غشا وبغضا وحسدا . أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الأطلاق ، فيدخل في ذلك الصحابة دخولا أوليا لكونهم أشرف المؤمنين ، ولكون السياق فيهم .ا.هـ.


وأكتفي بهذه الآيات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .






2 - ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ في السنة :




- اللهُ يأمرُ نبيهُ بأخذِ العفو :



قال تعالى : " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " [ الأعراف : 199] .






قال الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التفسير ، باب خذ العفو ، وأمر بالعرف ، وأعرض عن الجاهلين :
‏حَدَّثَنَا ‏يَحْيَى ‏، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ‏، عَنْ هِشَامٍ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ " ‏قَالَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ ‏ ‏.


وَقَالَ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ ‏، ‏حَدَّثَنَا ‏أَبُو أُسَامَةَ ‏، ‏حَدَّثَنَا ‏هِشَامٌ ‏، ‏عَنْ ‏أَبِيهِ ‏، ‏عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏، ‏قَالَ ‏ : ‏أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ أَوْ كَمَا قَالَ .






- وصفُ التوراةِ للنبي صلى الله بسلامةِ الصدرِ :




عَنْ ‏عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : لَقِيتُ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏قُلْتُ ‏: ‏أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي التَّوْرَاةِ ، قَالَ : أَجَلْ وَاللَّهِ ‏ ‏إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ‏: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا " [ الأحزاب : 45] ‏وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ ‏ ‏المتَوَكِّلَ ‏ ‏لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا ، وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا . رواه البخاري (2125) .






وقد تأكد هذا الوصف من كلام عائشة رضي الله عنها .


‏عَنْ ‏أَبِي إِسْحَقَ ‏قَال سَمِعْتُ ‏أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ ‏يَقُولُ ‏: ‏سَأَلْتُ ‏عَائِشَةَ ‏عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ ‏: ‏لَمْ يَكُنْ ‏ ‏فَاحِشًا ‏وَلَا ‏مُتَفَحِّشًا ‏ ‏وَلَا ‏ ‏صَخَّابًا ‏فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا ‏يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ‏وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ . رواه الترمذي (2016) ، وقال : ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .


قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : ولكن يعفو : ‏أي في الباطن ‏.


ويصفح : ‏أي يعرض في الظاهر عن صاحب السيئة لقوله تعالى : " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [ المائدة :13] .ا.هـ.






- مواقفُ من سلامةِ الصدرِ عند نبينا صلى الله عليه وسلم :



لقد ضرب نبينا صلى الله عليه وسلم المثل في هذا الباب العظيم ، وهذه الخصلة ، فكانت له مواقف يقتدى بها صلى الله عليه وسلم وهي :




1 - ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش :



لقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش له الكثير ، ولكنه صلوات الله وسلامه عليه صبر ، وسلم صدره منهم على كفرهم ، وعنادهم . وهاهي عائشة رضي الله عنها تسأله عن هذا الأمر .






‏عَنْ ‏‏ابْنِ شِهَابٍ ‏قَالَ : حَدَّثَنِي ‏‏عُرْوَةُ ‏‏أَنَّ ‏عَائِشَةَ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏حَدَّثَتْهُ ‏ ‏أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ ‏ ‏أُحُدٍ ‏؟ ‏قَالَ ‏: ‏لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ ‏الْعَقَبَةِ ‏إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ‏ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ‏فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا ‏بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ‏ ‏فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا ‏جِبْرِيلُ ‏فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏، فَقَالَ : ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ ‏ ‏الْأَخْشَبَيْنِ ‏، ‏فَقَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا . رواه البخاري (3231) .


قال الحافظ ابن حجر في الفتح (6/364) :
وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه , ومزيد صبره وحلمه , وهو موافق لقوله تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ " [ آل عمران : 159] ، وقوله : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ‏ " [ الأنبياء : 107] .ا.هـ.






2 - موقفُ النبي صلى الله عليه وسلم من أهلِ مكةَ بعدما دخلها فاتحاً :



كان للنبي صلى الله عليه وسلم موقف مع أهل مكة عندما دخلها منتصرا ، فاتحا . وكان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتقم لنفسه من أذى قريش له عندما كان في مكة صلى الله عليه وسلم ، ولكنه ضرب لنا مثلا رائعا في الصفح ، والعفو عن حقه ضد من آذاه في دعوته إلى الله . وقد استثنى النبي صلى الله عليه وسلم الذين أهدر دماؤهم صلى الله عليهم وسلم .





3 - موقفُ النبي صلى الله عليه وسلم من الأعرابي الذي خنقهُ :



‏عَنْ ‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏قَالَ : ‏كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏، ‏وَعَلَيْهِ ‏ ‏بُرْدٌ ‏نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ ‏فَجَبَذَهُ ‏ ‏بِرِدَائِهِ جَبْذَةً ‏ ‏شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا ‏مُحَمَّدُ ‏مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏، ‏ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ . رواه البخاري (5809) .






ونكتفي بهذه المواقف من النبي صلى الله عليه وسلم .






- ما هو القلبُ المخمومُ ؟ :
عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏‏قَالَ ‏: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ ‏: ‏كُلُّ ‏مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ . قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا ‏مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ ، لَا إِثْمَ فِيهِ ، وَلَا بَغْيَ ، وَلَا ‏غِلَّ ‏، ‏وَلَا حَسَدَ . رواه ابن ماجة (4216) .






قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/299) : هذا إسناد صحيح رواه البيهقي في سننه من هذا الوجه .ا.هـ.


وقال الألباني في الصحيحة (2/669 ح 948) : وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات .ا.هـ.


قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجة :
‏قوله ( كل مخموم القلب ) ‏: ‏قال السيوطي : بالخاء المعجمة ، قال في النهاية : هو من خممت البيت إذا كنسته ونظفته ‏‏. قوله ( ولا غل ) ‏بالكسر الحقد .


- عمرُ بنُ الخطاب وقافٌ عند كتاب الله :
‏عَنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏قَالَ ‏: قَدِمَ ‏عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ‏فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ ‏ ‏الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ ‏، وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ ‏ ‏عُمَرُ ‏، ‏وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ ‏ ‏عُمَرَ ‏وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ ‏عُيَيْنَةُ ‏لِابْنِ أَخِيهِ : يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ ، قَالَ : سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ ، قَالَ ‏ابْنُ عَبَّاسٍ ‏: ‏فَاسْتَأْذَنَ ‏لِعُيَيْنَةَ ‏؛ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ ‏: ‏يَا ‏ ‏ابْنَ الْخَطَّابِ ‏، وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا ‏الْجَزْلَ ‏، ‏وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ . فَغَضِبَ ‏عُمَرُ ‏حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ ، فَقَالَ ‏ ‏الْحُرُّ ‏: ‏يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " [ الأعراف : 199] ‏وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ ، فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا ‏ ‏عُمَرُ ‏حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ .
رواه البخاري (7286) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .


قال االحافظ ابن حجر في الفتح (13/274) :
قال الطيبي : ما ملخصه أمر الله نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق فأمر أمته بنحو ما أمره الله به ، ومحصلهما الأمر بحسن المعاشرة مع الناس وبذل الجهد في الإحسان إليهم والمداراة معهم والإغضاء عنهم وبالله التوفيق .


فهذه بعض المواقف من سلامة الصدر في السنة النبوية ، ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر .


انتهى ،،،

:::الشيخ: عبد الله زقيل