ليس هناك ما يدعو للهلع من صناديق الثروة السيادية

- جديون راتشمان - 02/05/1429هـ
يبدو الأمر كما لو أنه قصة من قصص الإثارة السياسية للكاتب مايكل كرشتون. شيوخ العرب والشيوعيون الصينيون يكدسون مليارات الدولارات بانتظار لحظة ضعف مالي في الولايات المتحدة. ثم يستخدمون صناديق الثروة السيادية ذات الأموال الطائلة في شراء حصص كبيرة في شركات أمريكية استراتيجية. ويؤمنون مواقع لهم في مجالس الإدارات. ثم في لحظة حاسمة......
حسناً، ماذا يفعل هؤلاء على وجه التحديد؟ هل يتسللون خارج اجتماع مجلس الإدارة ويفجرون المبنى؟ هل يدمرون عن عمد الشركات التي استثمروا فيها، على أمل إلحاق الضرر بالأمريكيين الذين يمقتونهم؟
المخاوف التي أثيرت من خلال صعود نجم صناديق الثروة السيادية مخاوف عميقة، لكنها مبهمة. صناديق الثروة السيادية هي آليات استثمار تابعة للحكومات. وهي غنية وتزداد غنى. وهي في الوقت الحالي تتحكم في نحو ثلاثة آلاف مليار دولار، وحسب التقديرات ستصل قيمتها الإجمالية في 2015 إلى مبلغ يراوح بين عشرة آلاف مليار و15 ألف مليار دولار.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته في شباط (فبراير) شركة الاستراتيجيات العامة، وهي شركة استشارية، أن 55 في المائة من الأمريكيين يعتقدون أن استثمارات الدول الأجنبية ألحقت الضرر بالأمن الوطني الأمريكي. وهناك 10 في المائة فقط لم يوافقوا على ذلك. ويعلق الأكاديمي دانيال درزنر قائلاً: "هناك معارضة قوية وواضحة للاستثمار في مجال التقنية المتطورة أو في المؤسسات المالية – ولاستثمارات صناديق الثروة السيادية التي توجد مقارها في الشرق الأوسط أو في شرقي آسيا".
وقبل عام كان معظم الأشخاص غير المتخصصين يجدون صعوبة شديدة في شرح ما المقصود بصندوق الثروة السيادي. أزمة الائتمان هي التي سلطت الأضواء على هذه الصناديق. فبعض الأسماء الكبيرة في وول ستريت، ابتداءً من ميريل لينش إلى سيتي جروب ومورجان ستانلي، لجأت إلى صناديق استثمار تسيطر عليها حكومات أجنبية.
وأصبح ما تفعله صناديق الثروة السيادية مادة للأخبار اليومية الآن. وخلال الأسبوع الماضي أوردت "فاينانشيال تايمز" أن الصين تخطط لزيادة المبالغ التي تستطيع حكومتها أن تستثمرها في الخارج بمعدل الثلث، بحيث تصل إلى 90 مليار دولار، وأن آيسلندا تفكر في تكوين صندوق استثمار سيادي، وأن الحكومة الأمريكية تريد أن تعرف الارتباطات العسكرية للجهات الأجنبية التي تريد الاستثمار في البلاد. كذلك يفكر الأمريكيون في السماح للمستثمرين الأجانب بتفادي الإجراءات الأمنية، لكن فقط إذا وافقوا على التخلي عن حق المشاركة في القرارات الإدارية المهمة.
هل كل هذا الحذر والحيطة له ما يبرره؟ إن مشهد أرقى الشركات في وول ستريت وقد هب الآسيويون والعرب لإنقاذها يحمل رسالة رمزية قوية، لكن هناك ما هو أكثر من الرمزية معرّض للضياع. وفي حقيقة الأمر من الممكن التفكير في سيناريوهات تستخدم فيها الحكومات الأجنبية استثماراتها لأغراض سياسية.
خذ الخلاف الذي يحيط بجهود "غازبروم"، الشركة الروسية المحتكرة للغاز التي تسيطر عليها الدولة، للاستثمار في البنيات الأساسية الخاصة بالطاقة في غربي أوروبا. المتشككون يشيرون إلى أنه حتى إذا اشترت "غازبروم" شبكات التوزيع، فإن البنيات الأساسية المادية ستظل في غربي أوروبا – ولا يمكن تفكيكها بتعليمات من الكرملين. هذه حقيقة. لكن أعضاء مجلس إدارة "غازبروم" المعينين من الحكومة ربما يتحكمون في القرارات التجارية التي تنطوي على مضامين سياسية كبيرة، مثل هل يمكن السماح لشركة طاقة غربية أن تستثمر في خط أنابيب جديد يتفادى المرور بروسيا.
ومن الممكن أن تكون للاستثمار من جانب صناديق الثروة السيادية تداعيات أوسع على السياسة الخارجية. وأوضحت هيلاري كلينتون ذلك على نحو بليغ عندما قالت إنه من الصعب أن تفرض على مسؤول البنك الذي تتعامل معه كيف يتصرف. المحلل السياسي ألان تونلسون، يرى أن قدرة أمريكا على اتخاذ خط متشدد في حال حدثت مواجهة مع الصين بسبب تايوان، من الممكن أن تتضاءل إذا تمكنت الحكومة الصينية من التحكم في قطاعات من وول ستريت.
والمدافعون عن صناديق الثروة السيادية يشيرون إلى أن هذه الصناديق – حتى الآن - تعتبر جهات استثمار أنموذجية، فهي ذات نظرة بعيدة المدى ونادراً ما تسعى لفرض تغييرات في الاستراتيجيات على الإدارات، إذا لم تكن تلك الإدارات ترغب في ذلك (خلافاً لصناديق التحوط ذات الممارسات البشعة). كما أنها ظلت تلتزم بشكل صارم بالنأي بنفسها عن السياسة.
لكن ليس بالضرورة أن يكون الوضع كذلك. وإذا كنت تشك في الأمر، فانظر إلى المستثمرين الغربيين الكبار، مثل صناديق التقاعد، لترى كيف أنها تقوم باستمرار باتخاذ قرارات استثمارية بدوافع سياسية. ومن أوائل الأمثلة على ذلك الحملة التي كانت تهدف إلى إجبار المستثمرين الأجانب على الانسحاب من جنوب إفريقيا. وهناك حملات معاصرة تشمل الجهود التي يبذلها اليسار لسحب الاستثمارات من الصين بسبب دارفور، والجهود التي يبذلها اليمين للحؤول دون التعامل التجاري مع إيران والاستثمار فيها. والاستثمارات ذات النطاق الواسع تخلق بالفعل سلاحاً سياسياً من نوع أو آخر - حتى إذا كان استخدام هذا السلاح يمكن أن يضر في الغالب بالمستثمر بقدر ما يضر بالهدف.
لذا سيكون من الغباء استبعاد فكرة أن صناديق الثروة السيادية ربما – في يوم من الأيام - تمارس نفوذاً سياسياً بطرق يجدها الأمريكيون والأوروبيون غير مريحة. فالضغط السياسي – بالإضافة إلى قدر بسيط من الاحتراس – يعني حتماً أنه سيتم إصدار قوانين جديدة لتنظيم عمل صناديق الثروة السيادية، بحيث تتناول كل شيء من مستويات الملكية وحتى تعريف "القطاعات الاستراتيجية".
والمشكلة تكمن في أن الحذر المشروع تجاه صناديق الثروة السيادية من السهل أن يفيض ويصبح هستيريا غير مشروعة. فالاستثمار الأجنبي لا يزال موضوعاً يسهل استغلاله من السياسيين الغوغائيين، بدءاً من الولايات المتحدة مرورا بفرنسا إلى الهند. لذا يتعين على السياسيين الأمريكيين مراعاة أقصى درجات الحذر وعدم السماح بأن تتحول النظم المدروسة الخاصة بصناديق الثروة السيادية إلى قيود أوسع على الاستثمار الأجنبي بشكل عام.
والأكثر من ذلك أن أهم المضامين السياسية لاستثمارات صناديق الثروة السيادية هي مضامين إيجابية. وإذا كانت لدى الحكومات في كل من الصين وروسيا والشرق الأوسط استثمارات ضخمة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فهي بالتالي لديها مصلحة مباشرة في استمرار الازدهار في أمريكا والاتحاد الأوروبي.
وبالطبع، عمق العلاقات التجارية والاستثمارية بين الدول لن يجعل الدخول في حرب فيما بينها أمراً مستحيلاً. لكن من المؤكد أنه يقلل من احتمال أن تتصاعد الخلافات السياسية وتؤدي إلى صراع. وهذا أمر حسن. أليس كذلك؟