رسالة إلى فتاة النقاب

كتبه/ حسن عمر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيا بنيتي أبشري(1)... فلقد جَسدتِ معنى الحياء في زمن الغربة والوحشة، وسط الواقع المؤلم، والذي يدعو فيه الكثير من الدعاة على أبواب جهنم إلى الرذيلة.

قال -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَيَاءُ مِنْ الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فقلة الكلمات وعظمة الموقف منك يا صاحبة الفطرة الطيبة... يا حديثة السن؛ لقنتْ الناس جميعًا درسًا في الحياء، ولكِ الأسوة والقدوة في هذه المرأة السوداء التي كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يخبر: ألا أريكم امرأة من أهل الجنة؟! جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تشتكي أنها تصرع، وتطلب منه أن يدعو الله لها ألا تصرع؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ). فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا. (متفق عليه).

ويحكي الشيخ عبد الملك القاسم: "أنه كان في سفر إلى الدمام قبل سنوات، وإذ بسيارة واقفة على اليسار، ثم فتح الباب الأيسر وسارت المرأة نحو الشارع الرئيسي عند غروب الشمس فلطمتها سيارة كانت تسير بسرعة، فلم أرى إلا عباءة في السماء، ثم سقطت على الأرض، ووقفتُ ومن معي فإذا بالمرأة تمسك بعباءتها وتلبس جوربًا في قدميها وسروالاً طويلاً؛ فحفظها الله وسترها؛ فلم يُرى شيئًا منها، فأنعم بها من خاتمة حسنة".

يا حفيدة أمهات المؤمنين.. يا أخت سمية وأسماء... ففي دفاعك البريء، وتمسكك بحجابك في براءة وطهر إغاظة للكفار وأذنابهم؛ فهم يريدون تمزيق الحجاب حتى تقع المسلمة في مستنقع الرذيلة، وتطوي بساط الفضيلة.

فهو درس في الولاء والبراء؛ الولاء لأمهات المؤمنين، والبراء من الكافرين أمثال: "غلادستون" رئيس وزراء بريطانيا الأسبق القائل: "لن يستقيم حالنا في الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويُغطى به القرآن"!


وهو القائل -أخزاه الله-: "ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان".

يا بنيتي... جزاك الله خيرًا.

ومعلمتك أنعم بها من معلمة... على الصدع بكلمة الحق، والدفاع عن عنوان الفضيلة؛ فهذا درس يعلن للدنيا بأجمعها: أن التمسك بالمبادئ والدفاع عن العقائد من أعظم أسباب الانتصار في ميدان النزال بين الحق والباطل.

ولستِ بأول من سن هذه السنة، بل رفقائك على الطريق كثيرون: فهذا الغلام الذي ضحى بنفسه؛ ليعلن عن مبادئه وعقائده، فقد قال للملك: "ما أنت بقاتلي ولكن إذا أردت أن تقتلني فخذ سهمًا من كنانتي وقل: بسم الله رب الغلام فإنك قاتلي... ".

الله أكبر... ما أعظمه من درس.. فآمن الناس جميعًا!

فقال جليس الملك: "هذا والله ما كنت تحذر"!

فهذا والله ما كان يحذر شيخ الأزهر... !

فلم يكن يظن أن الدنيا لا زالت بخير، وأنه لا تزال طائفة أو عصابة من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم.

وهذا الشاب المسلم الذي يعتز بدينه لقن "موشى ديان" درسًا: "لقي وزير الدفاع الإسرائيلي في إحدى جولاته شابًا مؤمنـًا في مجموعة من الشباب في حي من أحياء قرية عربية باسلة، فصافحهم بخبث يهودي غادر غير أن الشاب المؤمن أبى أن يصافحه، وقال له: "أنتم أعداء أمتنا تحتلون أرضنا وتسلبون حريتنا، ولكن يوم الخلاص منكم لابد آت -بإذن الله- لتتحقق نبوءة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "لتقاتلن اليهود أنتم شرقي النهر وهم غربيه"(2).

فابتسم "ديان" الماكر، وقال: "حقـًا! سيأتي يوم نخرج فيه من هذه الأرض، وهذه نبوءة نجد لها في كتابنا أصلاً... ولكن متى؟ واستطرد اليهودي الخبيث قائلاً: "إذا قام فيكم شعب يعتز بتراثه، ويحترم دينه، ويقدر قيمه الحضارية... وإذا قام فينا شعب يرفض تراثه، ويتنكر لتاريخه، عندها تقوم لكم قائمة وينتهي حكم إسرائيل".

وهذه الفتاة التي يحكي عنها الشيخ "طه عفيفي": أنه التقى بقدر الله في القطار من محطة قطار طنطا، وقد وجدها يجرها الجنود وبعض جنود من دولة أخرى، يخطو خلفها شيخ عجوز، قال: فسألتُ الشيخ فعلمت أنه رجل أوروبي وهو وابنتيه يسكنان مصر، وكان لهم جيرة مسلمون تتردد عليهم الفتاة.

قال الشيخ: فتزيت بزيهم والتزمت صلاتهم، وكانت تسمى "روز"؛ فسمت نفسها فاطمة، فنهرها وزجرها فأبت إلا إعراضًا وشماسًا. فرفع شكواه إلى معتمد دولته فأرسل في طلبها.

قال الشيخ طه عفيفي:

"فقربت منها وهمست في أذنها فقلت: يا بنيتي: ما اسمك؟

فقالت: فاطمة.

فقلت: ومما تخافين؟؟

فقالت: أخاف أن يُلقي بي في مكان فيحال بيني وبين صلاتي ونسكي وعبادتي!!

فقلت: يا بنيتي... يا فاطمة: إن حكم الإسلام على القلوب، فهلا أخفيت دينك الجديد وأظهرت بين يدي معتمد الدولة بدينك القديم فيدعونك لنسكك وعبادتك؟!

قال: فنظرت إلي نظرة تضاءلت دونها، وقالت وهي تذرف الدمع بعينها: دون ذلك حز الأعناق، وتفصيل المفاصل، وإنه إن أطاعتني نفسي عصاني لساني!!

وهؤلاء كثر؛ فضلاً عن الطاعنون في السن الذين يلقنون الدنيا دروسًا في الثبات على المبدأ والعقيدة؛ ليتجلى الطريق الذي أسسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين سأله بعض أصحابه: دلني على عمل إذا عملته أدخلني الجنة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قلْ آمَنْتُ بالله ثُمَّ استَقِمْ) (رواه مسلم).

يا بنيتي: أبشري بخيري الدنيا والآخرة، فكم من دعوات من المؤمنين والمؤمنات أن يثبتك الله، ويرفع من شأنك.

وسيذكر التاريخ أن ابنة حديثة السن تدخل حلبة النزال بين الحق والباطل، وميدان الدفاع عن العقيدة والمبادئ، ولكِ الجزاء الحسن في الآخرة.

قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل:97).

وأقول: يا من تكره الحجاب: ما هكذا تورد يا سعد الإبل! فالله حافظ دينه؛ قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)، وقال الله -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ الا أدخله الله هذا الدين، بعزّ عزيز أو بذلّ ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) (رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني).

وإن الله ليعامل من يحارب العفة والطهر بنقيض قصده، وقد وقع والله ما كنت تحذر؛ فهذه الجموع ترتعد خوفـًا من الله، وخجلاً من موقفك، ومناصرة للضعيفة الصغيرة الحديثة السن، فنسأل الله لها الثبات.

الكلمات البسيطة من الفتاة الضعيفة أحيت في الأمة معاني الانتصار للفضيلة! فجزاها الله كل خير.

والحجاب عبادة ومن الدين، وليس عادة... رغم أنف الكارهون للفضيلة، والقول بغير ذلك ضرب من الخيال لا يمت للواقع، ولا للشرع بصلة.

فمن قال: النقاب عادة لا يمت للدين بصِلة! قوله باطل، مخالف لقول إجماع الأمة، فالإجماع على مشروعية النقاب وفضيلته لم يختلف فيه أحد من أهل العلم، حتى المنكر نفسه فهو يؤكد ذلك في كتابه: "التفسير الميسر"، الذي يُدرَّس في المعاهد الأزهرية.

واختلف أهل العلم في وجوبه: فمن قائل بالوجوب، وهذا قول الأحناف فقد جاء في الدر المختار: "يعزر المولى عبده، والزوج زوجته، على تركها الزينة، أو كلمة ليسمعها أجنبي، أو كشفت وجهها لغير المحرم".

وجاء فيه قول الطحاوي: "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه، وإن أُمن الفتنة لأنه أغلظ".

وقال ابن عابدين في شرح المنتقى: "تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة".

وفي المنتقى: "تمنع الشابة من كشف وجهها؛ لئلا يؤدي إلى الفتنة، وفي زماننا المنع واجب، بل فرض لغلبة الفساد".

المذهب المالكي:

قال العلامة صالح عبد السميع الآبي الأزهري في جواهر الإكليل: "وعورة الحرة مع رجل أجنبي مسلم جميع جسدها إلا الوجه والكفين؛ فإن خيفت الفتنة فمشهور المذهب وجوب سترها".

ويقول الشيخ أحمد الدردير في أقرب المسالك إلى مذهب مالك: "يجب عليها سترهما أي الوجه والكفين لخوف الفتنة".

وقال القاضي أبو بكر بن العربي -رحمه الله-: "والمرأة كلها عورة، بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة: كالشهادة، أو داء يكون ببدنها".

المذهب الشافعي:

قال العلامة تقي الدين السبكي -رحمه الله-: "إن الأقرب إلى صنع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر لا في الصلاة، ورجح الغزالي في الإحياء أن كشف وجه المرأة للأجنبي حرام، وأن نهي الأجنبية عنه واجب".

قال الزبيدي -رحمه الله-: "قوله لها في تلك الحالة: لا تكشفي وجهك، أي استري وجهك: واجب، أو مباح، أو حرام؛ لا يخلو من أحد ثلاثة، فإن قلتم: إنه واجب فهو الفرض المطلوب، ولأن الكشف معصية، والنهي عن المعصية حق".

المذهب الحنبلي:

نقل العلامة ابن مفلح عن شيخ الإسلام قوله: "وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الرجال الأجانب غير جائز".

وقال ابن قدامة: "لا يختلف المذهب في أنه يجوز كشف وجهها في الصلاة، وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها" إلى أن قال: "وقال بعض أصحابنا: المرأة كلها عورة لحديث: المرأة عورة".

وقال ابن عمر الشيباني: "الحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، والوجه والكفين من الحرة البالغة عورة خارج الصلاة باعتبار النظر كبقية بدنها".

فأين قول القائل: إن النقاب عادة وليس من الدين في شيء من أقوال هؤلاء الأئمة العظام؟! فما هكذا يا سعد تورد الإبل.

قد وقع والله ما كنت تحذر!! والحمد لله رب العالمين.

فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا الله.

اللهم ثبتنا على دينك، وكف عنا بأس أعدائك نحن وإخواننا، وجميع المسلمين. آمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخطاب لطالبة في معهد أزهري نهاها شيخ الأزهر الدكتور "محمد سيد طنطاوي"عن النقاب زاعمًا أنه عادة! فدار حوار بينه وبينها هي ومعلمتها، وجَّه فيه لهما ألفاظـًا جارحة؛ فكان هذا المقال مواساة لهما، وتبيانـًا لمشروعية النقاب.

(2) رغم أن الحديث ضعيف، إلا أننا أبقيناه؛ لأنه جزء من كلام الغلام، ويغني عنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود. فيقتلهم المسلمون. حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر. فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي. فتعال فاقتله. إلا الغرقد. فإنه من شجر اليهود) (رواه مسلم).


المصدر

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف