أزمع عمر بن أبي ربيعة أن يطوف بالبيت وكان قد حلف ألاّ يقول بيت شعر إلا أعتق رقبة ، فبينما هو كذلك ، إذا بشابّ قد دنا من شابه ظاهرة الجمال فألقى إليها كلاما ، فقال له عمر : يا عدو الله ؛ في بلد الله الحرام وعند بيته تصنع هذا ! فقال : يا عمّاه ؛ إنها ابنة عمي ، وأحب الناس إليّ ؛ وإني عندها لكذلك ، وما كان بيني وبينها من سوء قط أكثر مما رأيت ، قال : ومن أنت ؟ قال أنا فلان ابن فلان ، قال أفلا تتزوجها ؟ قال : أبى عليّ أبوها . قال : ولم ؟ قال يقول : ليس لك مال ؛ فقال : انصرف والْقَني .


فَلَقيه بعد ذلك ، فدعا ببغله فركبها ؛ ثم أتى عم الفتى في منزله فخرج إليه وفرح بمجيئه ،ورحب وقرّب ، ثم قال : ما حاجتك يا أبا الخطاب ؟ قال : لم أرك منذ أيام فاشتقت إليك ! قال : فانزل . فأنزله وألطفه ، فقال له عمر في بعض حديثه : إني رأيت ابن أخيك ، فأعجبني ما رأيت من جماله وشبابه ، قال له : أجل ! ما يغيب عنك أفضل مما رأيت ؛ قال : فهل لك من ولد ؟ قال : لا ، إلا فلانة . قال : فما يمنعك أن تزوجه إياها ؟ قال : إنه لا مال له ، قال : فإن لم يكن له مال فلك مال ، قال : فإني أضنّ به عنه . قال : لكني لا أضنّ به عنه فزوّجه واحتكم ، قال : مائة دينار ، قال نعم ! فدفعها عنه ، وتزوجها الفتى .


وانصرف عمر إلى منزله ، فقامت إليه جارية من جواريه ، فأخذت رداءه وألقى بنفسه على الفراش وجعل يتقلّب ، فأتته بطعام فلم يتعرض له ؛ فقالت له : إن لك لأمرا ، وأراك تريد أن تقول شعرا ، فقال : هاتي الدواة فكتب :



تقـول ولـيـدتـي لـمّا رأتني ==== طربتُ وكنت قد أقصرتُ حينا

أراك اليوم قد أحدثت شوقا ==== وهـــاج لـــك الــهـوى داءً دفــــينا

وكنتَ زعمت أنّك ذو عزاءٍ ==== إذا مــا شـــئت فــارقــت القرينــــــا

بربّكَ هل أتاكَ لها رسولٌ ==== فشاقك أم لقيت لها خدينــــــــا ؟

فقلتُ : شكا إليّ أخٌ محبٌّ ==== كبعــضِ زمانا إذ تعلـــــــمينا

فقصَّ عليّما يلقى بهند ==== فذكّـــر بعضَ ما كنّــــا نسينــــــا

وذو الشوق القديم وإن تعزّى === مشوق حين يلقى العاشقينا

وكم من خلّة أعرضتُ عنها === لغير قلىً وكنتُ بها ضنينا

أردتُ بعادها فصددتُ عنها ==== ولو جُنَّ الفؤادُ بها جنونا


ثم دعا تسعة من رقيقه فأعتقهم لكل بيت واحد !