مسكين الدارمي ..
هو ربيعة بن عامر ابن أنيف بن شريح بن عمرو بن عمرو بن عدس زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميمٍ، الملقب بمسكينٍ .
قال أبو عمرٍ الشيباني: وإنما لقب مسكيناً لقوله:

أنا مسكين لمن أنكـرنـى = ولمن يعرفني جد نطـق
لا أبيع الناس عرضي إننى = لو أبيع الناس عرضي لنفق


وقال بعد ان مضت عليه الكلمة ..

وسميت مسكيناً وكانت لجاجةً = وإني لمسكين إلى الله راغب

وكان مسكين شاعراً مجيداً سيداً شريفاً ، وكان بينه وبين الفرزدق مهاجاةٌ , وذلك أنه لما هلك زياد رثاه مسكين فقال :


رأيت زيادة الإسلام ولّت = جهاراً حين فارقها زياد

فبلغ ذلك الفرزدق، فقال:


أمسكين أبكى الله عينيك إنـمـا = جرى في ضلال دمعها فتحدرا
أتبكي أمراً من آل ميسان كافراً = ككسرى على عداته أو كقيصرا
أقول له لما أتـانـي نـعـيه = به لا بظبي بالصريمة أعفـرا


فقال مسكين:

ألا أيها المرء الذي لست قـائمـاً = ولا قاعداً في القوم إلا انبرى لـيا
فجئني بعم مثـل عـمـي أو أب = كمثل أبي أو خال صدق كخالـيا
بعمرو بن عمرو أو زرارة ذي الندى = سموت به حتى فرعت الروابـيا


فدخل بينهما شيوخ بني عبد الله وبني مجاشع فتكافا .
وقال الفرزدق: نجوت من ثلاثة أشياء لا أخاف بعدها شيئاً : نجوت من زيادٍ حين طلبنى، ونجوت من ابني رميلة وقد نذرا دمى، وما فاتهما أحد طلباه ، ونجوت من مهاجاة مسكينٍ الدارمى، لأنه لو هجاني اضطرني أن أهدم شطر حسبى، لأنه من بحبوحة نسبي وأشراف عشيرتى، فكان جرير حينئذٍ ينتصف مني بيدي ولسانى.

ومن مختارات شعر مسكينٍ الدارمي قوله:

ولست إذا ما سرني الدهر ضاحـكـاً = ولا خاشعاً ما عشت من حادث الدهرِ
ولا جاعلاً عرضي لـمـالـي وقـايةً = ولكن أقي عرضي فيحرزه وفـري
أعف لدي عسري وأبدي تـجـمـلاً = ولا خر في من لا يعف لدى العسرِ
وإني لأستحي إذا كنـت مـعـسـراً = صديقي وإخواني بأن يعلموا فقـري
وأقطع إخواني وما حال عـهـدهـم = حياءً وإعراضاً وما بي من كـبـرِ
ومن يفتقر يعلم مـكـان صـديقـه = ومن يحيى لا يعدم بلاء من الدهـرِ

ومن مستحسن شعره:

إتق الأحمق أن تصـحـبـه = إنما الأحمق كالثوب الخلـق
كلما رقعت منـه جـانـبـاً = حركته الريح وهناً فانخرق
أو كصدعٍ في زجـاج بـينٍ = أو كفتقٍ وهو يعيى من رتق
وإذا جالسته في مـجـلـسٍ = أفسد المجلس منه بالخـرق
وإذا نهنهتـه كـي يرعـوى = زاد جهلاً وتمادى في الحمق
وإذا الفاحش لاقى فاحـشـاً = فهناكم وافق الشن الطبـق
إنما الفحش ومـن يعـتـاده = كغراب السوء ما شاء نعـق
أو حمار السوء إن اشبعـتـه = رمح الناس وإن جاع نهـق
أو كعبد السوء إن جوعـتـه = سرق الجار وإن يشبع فسق
أو كغيرى رفعت من ذيلهـا = ثم أرخته ضراراً فانخـرق
أيها السائل عما قد مـضـى = هل جديد مثل ملبوسٍ خلـق


وقدم على معاوية فسأله أن يفرض له فأبى، فخرج من عنده وهو يقول:

أخاك أخاك إن من لا أخـا لـه = كساعٍ إلى الهيجا بغـير سـلاحٍ
وإن ابن عم المر فاعلم جناحـه = وهل ينهض البازي بغير جناح?


وقال في معاوية :


إِلَيْكَ أَميرَ المُؤْمنينَ رَحَلْـتُـهـا = تُثيرُ القَطَا لَيْلاً وهُـنَّ هُـجُـودُ
على الطائرِ المَيْمُون والجَدُّ صاعدٌ = لكُـلِّ أُنـاسٍ طـائرٌ وجُــدُودُ
إِذَا المِنْبَرُ الغَرْبُّى خَلَّى مكـانـهَ = فإِنَّ أَميرَ الـمُـؤْمـنـينَ يَزيدُ



ولمسكين في الكرم :

طَعَامي طَعَام الضَيفِ والرَّحْلُ رَحْلُهُ = ولم يُلْهِني عنه الغزالُ المُـقَـنَّـعُ

وله في حسن الجوار :

ناري ونار الجـار واحـدة = وإليه قبلي تنزل الـقـدر
ماضر جاراً لـي أجـاوره = ألا يكون لبـيتـه سـتـر
أعمى إذا ما جارتي برزت = حتى يواري جارتي الخدر
ويصم عما كان بينـهـمـا = سمعي وما بي غيره وقـر


وله البيت المشهور ..

ليست الأحلام في حال الرضى = إنما الأحلام في وقت الغضب

ومن قصصه اللطيفة ..
أن بعض التجار قدم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه حمل من الخُمُر السود ، فلم يجد لها طالبا، فكسدت عليه وضاق صدره ، فقيل له: ما ينفقها لك إلا مسكين الدارمي، وهو من مجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة.
فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فأتاه وقص عليه القصة، فقال: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحال?
فقال له التاجر: أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرع إليه، فخرج من المسجد وأعاد لباسه الأول وعمل هذين البيتين وشهرهما وهما:

قل للمليحة في الخمار الأسود = ماذا عملت بناسك متعـبـد
قد كان شمر للصلاة ثـيابـه = حتى قعدت له بباب المسجد


فشاع بين الناس أن مسكينا الدارمي قد رجع إلى ما كان عليه، وأحب واحدة ذات خمار أسود، فلم يبق بالمدينة ظريفة إلا وطلبت خمارا أسود , فباع التاجر الحمل الذي كان معه بأضعاف ثمنه، لكثرة رغباتهم فيه، فلما فرغ منه عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه.

وقال في عظم هامات تميم ..

وإنا أناسٌ تملأ البيض هامنا = ونحن حواريون حين نزاحف


ولـه في الحماسة :


إنَّ أبانا بِكْـرُ آدم فـاعـلـمـوا = وحَواء قَرْمٌ ذو عِثانـين شـارف
كأنّ على خُرطومه متهـافِـتـاً = من القُطن هاجته الأكفُّ النوادفُ
وللَصَّدَأ المُسْوَدُّ أطيبُ عـنـدَنـا = من المِسك دافته الأكْفُّ الدوائفُ
ويصبْح عِرفان الدُّرُوعِ جلـودَنـا = إذا جاءَ يومٌ مُظلمُ اللّونِ كاسـفُ
تعلق في مثل السّواري سُيوفـنـا = وما بينها والكعب مِنَّـا تـنـائفُ
وكلُّ رُدَيْنـيٍّ كـأنَّ كُـعـوبَـه = قطاً سابقٌ مستوردُ الماء صائفُ
كأنّ هِلالاً لاحَ فـوقَ قَـنَـاتِـهِ = جلا الغَيْمَ عنه والقتامَ الحَراجِفُ
له مثلُ حُلقومِ النَّعـامة حـلة = ومثل القدامى ساقها متناصفُ


وله في وصف الهاجرة ( وقت شدة الشمس ) :

وهاجرةٍ ظلت كأن ظبـاءهـا = إذا ما اتقتها بالقون سـجـودُ
تلوذ بشؤبوبٍ من الشمس فوقها = كما لاذ من وخز السنان طريد


وله في كتمان الهوى :

أواخي رجلا لست أطلع بعضهـم = على سر بعض غير أني جماعهم
يظلّون شتّى في البلاد وسـرّهـم = إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعهم


وتوفي رحمه الله في سنة 90 للهجرة , وذلك في خلافة الوليد بن عبدالملك .
وليس له عقب .

تشرفت بالنقل