السلام عليكم
إننا نشعر بنوع من نقص العبادة ونوع من التكاسل والفتور في وسط رمضان، هذا شيء ملاحظ فإن الناس في العادة ينشطون في أيام رمضان الأولى لما يحسّون من التغيير وما يجدون من لذة العبادة نتيجة الشعور بالتجديد في أول الشهر، ثم ما يلبث هذا الشعور أن يبدأ في الاضمحلال ويصبح الأمر نوعاً من الرتابة في العشر الأواسط ونلحظ هدأة الرجل على بعض الصلوات في المساجد خلافاً لما كان عليه في أول الشهر، ونلاحظ نوعاً من القلة في قراءة القران في وسط الشهر عما كان عليه في أوله، ثم تأتي العشر الأواخر بعد ذلك وما فيها من القيام وليلة القدر لتنبعث بعض الهمم والعزائم مرة أخرى، لكن فكروا معي هل من الصحيح أن يحدث لدينا نوع من التكاسل ونوع من الفتور في وسط هذا الشهر أم أنه ينبغي علينا استدراك ذلك، ويجب علينا أن لا نخسر شيئاً من أيام رمضان ولا نركن إلى شيء من البرود في أواسط هذا الشهر.
ولعل من أسباب هذا أن بعض الناس يحسون بالعبادة في أول الشهر، فإذا مر عليهم فترة فإن عبادتهم تتحول إلى عادة وشيء رتيب، فما هي السبل لمنع هذا التحول كيف نمنع تحول عبادتنا عبادة الصيام إلى عادة.. كيف نعيد اللذة والحيوية إلى هذه العبادة ونحن في أواسط رمضان؟


أولاً: ينبغي أن نحقق التعبد في الصيام باستحضار النية أثناء القيام به، وأن العبد يصوم لرب العالمين، النية لابد أن تكون موجودة دائماً الصيام لله رب العالمين، والهدف من هذا الامتناع "أي: عن الملذات" إرضاء رب العالمين ((إنما الأعمال بالنيات)).

ثانياً: مما يمنع تحول صيامنا إلى عادة أن نستمر في تذكر الأجر في هذا الصيام وفضيلة العبادة في هذا الشهر الكريم، نتذكر دائماً ونعيد إلى الأذهان حديثه: صلى الله عليه وسلم ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))، فما هو الشرط في هذه المغفرة؟إنه الاحتساب في كل الشهر، ليس في أوّله فقط وإنما الاحتساب شرط لحصول المغفرة، الاحتساب في جميع أيام الشهر، في أوله وفي وسطه وفي آخره، فالمحتسب على الله في الأجر يشعر بكل يوم وبكل صوم، ويرجع دائماً إلى الله سبحانه وتعالى يطلب المغفرة.

ثالثاً: أن نتمعن في هذا الأجر العظيم الذي يكون بغير اعتبار عدد معين، ((كل عمل ابن آدم له كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)).
الصيام سبب لتكفير جميع الذنوب، إلا الكبائر، ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر))؛ لا بد أن لا تغيب هذه الأحاديث عن أذهاننا، ونحن الآن أشرفنا على الثلث الثاني من شهر رمضان، الصيام يشفع لك يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة، منعته الشهوات في النهار فشفّعني فيه.هكذا يقول الصيام يوم القيامة.

رابعاً: فضائل الصيام وأهله كثيرة متعددة، يفرح الصائم بفطره، وعند لقاء ربه، والباب المخصص الذي يدخله الصائمون إلى الجنة "باب الريان"، والخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك، وفتح أبواب الجنة، وتغليق أبواب الجحيم، وسلسلة الشياطين، كل ذلك مما يمنع تحوّل الصيام إلى عادة.
مما يعيد الحيوية إلينا في وسط الشهر هذا أن نعرف حديثه صلى الله عليه وسلم : ((إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة- أول الشهر وأوسط الشهر وآخر الشهر كل ليلة، في جميع رمضان-: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)).
ثم انتبهوا أيها المسلمون لهذه العبارة العظيمة في هذا الحديث، عبارة حساسة جداً تجعل الصوم عبادة لنا في جميع الشهر، عبارة تمنع من تحول صيامنا إلى عادة، عبارة تمنعنا من التكاسل والفتور، قال صلى الله عليه وسلم : ((ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة))، فقد تكون أنت عتيق الله من النار في أواسط هذا الشهر، فلماذا الكسل والتواني؟ لابد من الانبعاث وإعادة الهمة.

خامساً: ونتذكر كذلك أن بعض كتب الله العظيمة نزلت في أواسط رمضان، قال صلى الله عليه وسلم : ((أنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان))، فنزول الإنجيل والزبور كانا في الوسط، وسط هذا الشهر الكريم، كما كان نزول صحف إبراهيم عليه السلام والتوراة في أول الشهر، ونزول القرآن العظيم في آخر الشهر.

سادساً: من الأسباب التي تمنع تحول هذه العبادة إلى عادة، التأمل فيها والوقوف على شيء من حكم الله؛ توحيد المسلمين، المواساة والإحسان، أثر الجوع والعطش، والأمر بضبط النفس....أمور كثيرة.

سابعاً: التفكر في حديثه صلى الله عليه وسلم : ((رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فأدخله الله النار فأُدخل النار فأبعده الله قال جبريل لمحمد:قل آمين، قال محمد صلى الله عليه وسلم : آمين)).

ثامناً: تنويع العبادة في أيام الشهر صيام، قيام، قرآن، إطعام، إنفاق، زكاة وصدقة، وصدقات.. وهكذا تتنوع العبادة، فيتجدد النشاط وتعود الحيوية.
يا عباد الله، لا تفقدوا لذة مناجاتكم وعبادتكم لله في أي جزء من هذا الشهر.
وكذلك ينبغي التعبير عن الابتهاج والتذكير في مجامع الناس بعظمة هذا الشهر وحلاوة أيامه ولذة عباداته.

تاسعاً: ومن الوسائل، عدُ كم ذهب من الشهر يرجعك إلى الحقيقة ويبين لك ما بقي، فتشعر بالرغبة في مزيد من الاجتهاد، كم مضى من شهرنا..كم ذهب من شهرنا.. كم ذهب؟ ذهب الثلث والثلث كثير.

عاشراً: مقارنة الحال بما قبله وما بعده، قارن حالك بما قبل الشهر وبما بعده، لتعرف عظمة هذا الشهر.. لتعرف قيمة هذا الشهر قبل أن يفوت الأوان، فلا تُفِدك المعرفة.

الحادي عشر: تذكر طول الوقت الذي سيمر حتى يأتي شهرنا مرة أخرى، تذكر طول الوقت الذي سيمر حتى يأتي هذا الشهر مرة أخرى، أشهر طويلة عديدة مديدة ستبقى حتى يأتي الشهر مرة أخرى، هذا التذكر يبعث إلى ازدياد النشاط ومضاعفة العبادة وترك الكسل ونفض الغبار والقيام لله رب العالمين.

الثاني عشر: ابتغاء وجه الله في هذا الصيام، قال صلى الله عليه وسلم : ((من صام يوماً في سبيل الله ـ يعني: صابراً ومحتسباً، وقيل في الجهاد ـ باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً))