القاهرة - محمد الريس (الأناضول) : من وقت لآخر بمصر يتكرر الحديث عن دور للقبائل في محافظة شمال سيناء، شمال شرقي البلاد، وهو ما يدفع معنيين إلى المطالبة بتفعيله سريعا لا سيما في هذه الفترة مع تصاعد العمليات الإرهابية بهذه المنطقة المتاخمة لإسرائيل.



الأوضاع غير المستقرة بسيناء وضعت قبائلها في كثير من الأحيان موضع المُدان، ودفعت إثرها ثمنا باهظا على مدار السنوات الماضية، ما بين تهجير وطوارئ وملاحقات أمنية، واستهداف من جانب المتشددين.

وأكد اثنان من كبار مشايخ القبائل بسيناء، في حديث للأناضول، أن هناك ثلاثة مسارات يعمل من خلالها أهل سيناء بالتنسيق والتعاون مع الأمن وهي "تقصي الأثر"، و"رصد الغرباء والإبلاغ عنهم"، و"لجان شعبية داخلية" ضمن مبادرة قبلية مطروحة لتسليح أفراد من كل قبيلة لمساعدة الأمن.

وبينما اعتبر خبير عسكري مصري للأناضول، أن تعاون القبائل مع السلطات لم يصل للمستوى المطلوب، أكد ثان أن السواد الأعظم من قبائل سيناء متعاونون معلوماتيا مع الدولة وهو ما ظهر جليا خلال العمليات الأخيرة.

قبائل بشبه الجزيرة .. ممتدة
النفوذ القبائلي يتلاقى في عدة مناطق متفرقة بشبه جزيرة سيناء، وفق الشيخ خالد عرفات، أحد عواقل (قادة قبائل) العريش بمحافظة شمال سيناء في حديث للأناضول.

ويمتد النفوذ القبائلي بداية من قناة السويس (غربي سيناء) حتى الحدود الدولية مع فلسطين (أقصى الشمال الشرقي)، بعمق 30 كلم تقريبا من البحر المتوسط، وأبرزها: السواركة والأخارسة، والبياضية، والدواغرة والرميلات، والترابين والتياها والحويطات والأحيوات.



3 مسارات ومبادرة .. مطروحة
دور القبائل بسيناء، يحدده سالم أبو غزالة الخويلدي، رئيس المجلس الأعلى للقبائل العربية (غير حكومي)، قائلا للأناضول: "دورنا في مقاومة الإرهاب في سيناء واضح وغيّر من المعادلة على الأرض، وهناك تعاون قدر المستطاع مع الجيش عبر 3 أمور".

موضحا المسار الأول، قال الخويلدي، إنه يتمثل في مساعدة الأمن عبر "تقصي الأثر" كمهنة توارثوها أبا عن جد، فهم يعرفون الأماكن الوعرة التي لن يستطيع الأمن الوصول إليها بدونهم، وهو ما ظهر في حادث دير سانت كاترين الأثري مؤخرا.

والأربعاء الماضي، أعلنت الداخلية المصرية مقتل أحد منفذي الهجوم الإرهابي على حاجز أمني بالقرب من الدير بمساعدة عناصر بدوية كانوا يقتفون أثر المسلحين عقب قتلهم شرطيًا مصريًا وهروبهم.

والمسار الثاني، وفق الخويلدي، يتمثل في "الإرشاد عن الغرباء" في المناطق المأهولة بالسكان لرجال الأمن "ما يسهل من مهمتهم في الوصول إلى الكثير منهم قبل ارتكاب أي عمليات إرهابية".

وأشار القيادي البدوي البارز إلى دور هام موجود عرفيا تحت مسمي "لجان شعبية" وهو المسار الثالث الذي ينتظر التفعيل رسميا لمواجهة الإرهاب.

وأضاف الخويلدي: "هناك مبادرة مع الداخلية بأن يكون هناك من كل قبيلة 10أو 20 فردا يتبعون الوزارة لحماية المناطق كل تبع قبيلته والمساحة الموجودة بها".

واستدرك "إلا أن الوزارة لم تفعلها، ولكنها موجودة حاليا كلجان شعبية داخل المدن والقرى يحمون ممتلكاتهم وذويهم خاصة خلال الفترة الأخيرة".

وفي مايو/آيار 2015، أصدر اتحاد قبائل سيناء (غير حكومي/يضم 30 قبيلة وعائلة سيناوية) بيانا أكد فيه مساندته للجيش المصري في الحرب ضد الإرهاب عبر مجموعتين من شباب القبائل.

وحسب البيان ذاته، فإن المجموعة الأولى تقوم بجمع معلومات موثقة عن عناصرهم وأماكن تواجدهم وكذلك المخابئ السرية التي يلجؤون لها هرباً من هجمات الجيش، بالإضافة إلى رصد مناطق الأنفاق غير الشرعية مع قطاع غزة.



والمجموعة الثانية تتكون من شباب متطوع لمشاركة القوات المسلحة في الحملات العسكرية على بؤر الإرهاب وعناصره، لتحديد الأشخاص والمناطق المستهدفة وترشيح شخص من كل "ربع (منطقة)" في قبيلة، يكون مسؤولاً عن تحديد العناصر المتطرفة داخل منطقته وإبلاغ الجهات المعنية عنهم.

إلا أنه حتى اليوم لم تعلن السلطات المصرية تأييدها أو رفضها للمبادرة لكنها دائما ما تؤكد التعاون التام من قبل القبائل في سيناء مع الأمن دون تحديد ماهية التعاون.

وهو الطرح الذي جددته مواطنة من محافظة شمال سيناء تدعى "شيماء" خلال لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء الماضي ضمن فعاليات المؤتمر الوطنى الدورى الثالث للشباب والذى يعقد بمدينة الإسماعيلية (شمال شرق) على مدار 3 أيام.

وقالت شيماء: "لن نحارب الإرهاب إلا بالتنمية وليس بالرصاص؛ لأنهم خفافيش لا يظهرون، لابد من مشاركة مجتمعية من أهل سيناء مع الجيش والشرطة بشيء فعال كلجان شعبية في كل شوارع العريش (مركز محافظة شمال سيناء) ومدن شمال سيناء".

فيما تحفظ السيسي على فكرة اللجان الشعبية المسلحة بينما أكد على أهمية الوعي المجتمعي والإيجابية عبر الإبلاغ عمن يصل فكرهم إلى التطرف والتكفير وعدم إيوائهم حتى يتحقق الأمن والاستقرار.

عودة دور القبيلة.. ضرورة
وأيد خالد عرفات، أحد عواقل محافظة شمال سيناء، الكثير من حديث الخويلدي، مشيرا إلى أن الأهالي يساندون الجيش عبر إرشاد قوات الشرطة لأماكن المسلحين والمشاركة في عملياته البرية بالأماكن الجبلية الوعرة المعروفة للبدو والتبرؤ ممن يخترقون فكريًا من قبل التنظيمات الإرهابية.

وفي سبيل تنمية دور مستقبلي للقبائل طالب عرفات، في حديث للأناضول، بـ"عودة مكانة القبيلة أولا إلى ما كانت عليه سابقا"، مؤكدا أن "الدولة مسؤولة عن ذلك، هي من همشت القبائل".

وحول الأسباب البارزة في تهميش الدور القبلي، أضاف عرفات أن "اختيار شيخ القبيلة من قبل السلطة أحد العوامل وكنا من قبل نختار صاحب المشورة وراجح الفكر وقوي العقيدة والمبدأ، ثم تم تهميش دور الشيخ، ففقد قيمته ومكانته".

وأشار إلى أن مصادر التنمية من تجارة وزراعة انعدمت وكذلك الدور السياسي والاجتماعي والثقافي، وبات ما يشغل الجميع الآن هو حق الحياة، وهو ما يشجع مناخ الإرهاب"، وفق قوله.

وأضاف عرفات: "هناك حيرة لدى أهل سيناء فهم بين مطرقة الإرهاب وسندان مواجهته، وكثيرا قاوموا المسلحين، لكنهم تعرضوا في النهاية مرة للتهجير والطرد، ومرة للقتل، وتلاحقهم منشورات تحذيرية من وقت لآخر بعدم التعاون مع الجيش".

والفترة الأخيرة تقول السلطات المصرية إنها اتخذت إجراءات تنموية في سيناء بالتوازي مع الأعمال العسكرية.



سلاح القبائل .. حماية
وعن وجود السلاح بيد أبناء سيناء، لفت الشيخ خالد عرفات إلى أن "القبائل والعائلات تحمل سلاحا خفيفا ومتوسطا، لأغراض التفاخر، والصراعات والخلافات".

وأكد أن "غالبية المسلحين ليسوا من قبائل سيناء، بل أتوا من الخارج عن طريق البحر أو الحدود الشرقية (مع قطاع غزة وإسرائيل)".

وتنشط في محافظة سيناء، عدة تنظيمات مسلحة أبرزها "أنصار بيت المقدس" الذي أعلن في نوفمبر/تشرين ثان 2014، مبايعة تنظيم "داعش" الإرهابي، وغيّر اسمه لاحقاً إلى "ولاية سيناء".

الاستمالة والتعاون .. مطلوبان
الخبير العسكري المصري، اللواء المتقاعد، طلعت مسلم، اعتبر أن الإرهاب جريمة كغيرها لن تنتهي ولكن يمكن العمل على منعها وللقبائل دور كبير لا يقلل من مسؤولية أكبر من الجيش والشرطة.

وأضاف مسلم للأناضول، أن "العمل على استمالة كافة القبائل للتعاون مع الأمن مطلوب وأولوية؛ لأنه لن يستطيع أي مسلح أجنبي دخول سيناء وتنفيذ عمليات مسلحة دون أن يكون له من يساعده من الأهالي".

وأشار الخبير العسكري إلى أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة في المقام الأول ولا نلقي بالمسؤولية كاملة على عاتق القبائل، مستدركًا: "هذا لا يمنع أن تعاونهم مع السلطات لم يصل للمستوى المطلوب".

وحول المطلوب من القبائل، أكد مسلم على أن أكبر مساهمة يمكن أن تقدمها القبائل في مواجهة الإرهاب هي إمداد السلطات بالمعلومات والتبليغ عن العناصر المتطرفة الموجودة بينها وعدم منحهم الملجأ الآمن.



حماية المتعاونين .. واجبة
ودعا الخبير العسكري في المقابل إلى اتخاذ إجراءات تنسيقية بين القبائل وقوات الأمن في ضبط العناصر المسلحة، وتأمين أفراد القبيلة في الوقت ذاته للحيلولة دون استهدافهم كما يحدث خلال الفترة الماضية.

وأشار إلى أن استهداف العناصر الإرهابية لكل من يتعامل مع الأمن جعل الكثيرين يحجمون عن ذلك قائلا: "مع توافر الحماية ستكون الأمور أكثر إيجابية من الطرفين".

وحول مبادرة تسليح بعض أبناء القبائل، أكد أنه يمكن مناقشتها بشكل واسع شريطة أن يضمنوا النتيجة وأن يخضعوا للسيطرة، فبدون ذلك لن نستطيع أن نفرز العدو من الصديق.

فيما اعتبر اللواء المتقاعد، نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا (حكومية) في حديث للأناضول، أن السواد الأعظم من قبائل سيناء متعاونون معلوماتيا مع الدولة وهو ما ظهر جليا خلال العمليات الأخيرة حيث وأد الأمن الكثير منها قبل إتمامها وكذلك استهدف الجيش الكثير من عناصر الإرهاب في مخابئهم.

وأكد سالم على أن دعم القبائل للجيش دفع "داعش" مؤخرا لقتل شيخ من قبيلة السواركة، لأنه كان "معتدلا ويدحض أكاذيبهم."

** استهداف متصاعد للقبائل
شهدت الفترة الأخيرة، اشتباكات بين مسلحين قبليين، وآخرين تابعين لداعش، ففي نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، أعلن تنظيم داعش الإرهابي، إعدام الشيخ سليمان أبو حراز (نحو 98 عاما) أحد رموز قبيلة السواركة في العريش.

وأمس الثلاثاء، قُتل 4 مسلحين قبليين وانتحاري، وأصيب 6 آخرون، إثر تفجير انتحاري بسيارة مفخخة في حاجز نصبه قبليون لفرض إجراءات تأمينية جنوبي مدينة رفح (شمال شرق) ومنع تسلل مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، وفق شهود عيان ومصدر أمني أعلن داعش مسؤوليته عنه، لافتا إلى أنه أوقع "40 شخصًا".

وذلك بعد أسبوع من اشتباك بين مسلحين قبليين وعناصر تابعة لتنظيم "داعش"، بالمدينة ذاتها رداً على هجومين للتنظيم استهدفا مقرا لقبيلة الترابين، وسيارتين تابعتين لأحد أفرادها تحملان "سجائر"، وهو ما ردت عليه القبيلة بمواجهة مسلحة واختطاف عنصر من داعش، وفق شهود عيان.

ويحرم تنظيم "داعش" التدخين، وسبق أن وزع منشورات تحذر من بيعها في سيناء، كما يحذر السكان مع "التعاون" مع أجهزة الأمن.