مجلة العلوم : هل ستُمكِّن رؤى الاستصلاح وتقاناته أقطار شمال أفريقيا المهدَّدة بالتصحر من حماية تربتها وتنمية زراعتها؟ هل هذه الرؤى قابلة للتطبيق؟ وإذا كانت كذلك فهل ستطبَّق؟
رونيون - 1996 / المجلد 12
من المتوقع أن يقضي التصحر على ثلثي الأراضي الزراعية في المناطق الجافة، ويهدد حياة 900 مليون نسمة بسبب تردي التربة. وأيا كانت المبالغة في هذه الأرقام، فالجميع متفقون على ضرورة حماية البيئة الطبيعية كلما توجهت التنمية الاقتصادية نحو المناطق الجافة أو القاحلة.
تقضي سلامة منطق التنمية المستدامة بعدم تجاوز الاستثمار عتبة تجدد التربة والماء. وعلى الرغم من هذه البديهية فإن مناطق قليلة تلتزم بهذه القاعدة لا سيما المناطق القاحلة وشبه القاحلة حيث التقلب الإيكولوجي (البيئي) في أقصى حدوده، من اختلاف في كمية الأمطار، إلى أخطاء في طرائق الاستصلاح، إلى زيادة سكانية (ديموغرافية) لم يُحسب لها حساب. وهكذا وعلى مقربة منا تُهدَّد أقطار الشمال الأفريقي من موريتانيا حتى مصر بالتصحر.
ماذا أعدت هذه الأقطار لمجابهة هذه المشكلة؟ وما التقانات الحديثة للتصدي لهذه الكارثة؟ تقضي ديمومة تنمية الموارد الترابية والمائية باتخاذ ثلاثة أنماط من الإجراءات: أولا منع انجراف التربة أو منع إرمالها لهدف الاحتفاظ بالكمون الزراعي، ثانيا: ترميم التربة التي أجدبت نتيجة الاستثمار الجائر وتكدُّس الأملاح المعدنية التي استخدمت لرفع الكمون الزراعي، ثالثا وأخيرا: التوسع في إنشاء مواقع زراعية حديثة مقامة في حقول مفتوحة في دفيئات مغلقة مع تأمين الموارد المائية بالطرائق الحديثة تلبية لزيادة الطلب على المواد الغذائية.
يؤدي شح المياه في المناطق القاحلة وشبه القاحلة إلى بطء العمليات البيدولوجية الخاصة بتكوين التربة وتجددها بتفكك النبات: فالترَب المتكونة في مناخ وصلت إليه المياه حديثا ترب هشة معرضة للانجراف بالرياح والمياه. وإذا لم تتهيأ لهذه الترب حماية بكساء نباتي فإن سرعة انجرافها تكون مرتبطة بحالة سطوحها. وهكذا فإن نشر تقانات مكننة زراعية مطبقة في أوساط معتدلة أو رطبة، ودونما دراسة مسبقة، يزيد من أخطار التردي.
أخطاء تقنية
تسهل التقنيات المختلفة للحراثة أو الفلاحة تسرب المياه داخل التربة. إن إحلال محاريث الأقراص أو السكك محل المحاريث التقليدية عرَّض التربة للانجراف: وقد دلَّت التجارب المقارنة الحديثة لمختلف الآليات المستعملة في الفلاحة، بمعهد المناطق القاحلة في تونس، على أن محراث الشحب هو الأكثر ضررا في انجراف التربة. وهو محراث مؤلف من عدة صفوف من أقراص مائلة تُقلِّب كمية كبيرة من التربة وتسهِّل سرعة انجراف الطبقات السطحية بالرياح والأمطار.
كما أن الإسراف في ممارسة الزراعة الجافة التي روَّجتها الولايات المتحدة الأمريكية لزراعة الحبوب قد ذرَّ الطبقة السطحية للتربة وهدم البؤر التي يصعد بوساطتها ماء الشعرية وتَرَك التربة عارية فترة طويلة لا تمارس فيها الزراعة بهدف الحفاظ على مخزون التربة من الماء ومنع استخدامها لغير النافع من النباتات، ولكنه أثار ضياع كميات كبيرة من التربة التي جرفتها الرياح في السنوات العجاف: إن التجربة المأساوية لقصعة الغبار(1) dust bowl في عام 1930 في سهول أوكلاهوما شاهدة على قصور تلك التقنيات.
وفي تونس، سمحت الزراعة الجافة بالتوسع في زراعة الزيتون بالسهوب: فزراعة السهوب بالأشجار تحمي التربة من الانجراف أكثر من زراعتها بالحبوب، وانجراف التربة يبدو مقبولا في الأراضي المروية حتى خط عرض صفاقس ـ سوسة. أما في الجنوب، حيث تهبط كمية الأمطار السنوية إلى ما دون 150 مليمتر، فقد وُسِّعت المسافة بين أنساق الأشجار إلى ما بين 15 و 20 مترا لتحقيق الكفاية المائية. وبعد بضع سنوات من بدء الزراعة اجتيحت كروم الزيتون بكثبان رملية صغيرة. وأمام مشهد هذا الانجراف أُقيمت تجارب حديثة تدعم سطح التربة بالبقايا النباتية [انظر الشكل 1].
ومن مساوئ المكننة التنقية التدريجية للحقول من الأحجار السطحية التي لها دور إيجابي في الحفاظ على تربة المناطق الجافة: فهي تسهل تسرب المياه في التربة، كما تحميها من الانجراف بالرياح ومن صدمات قطرات المطر. كما تخفف الأحجار من تراص أجزاء التربة وتسهل نفاذ الجذور إلى الأعماق وتحقق توزعها المنتظم. فالأراضي المحجرة تلائم زراعة الأشجار أكثر من زراعة النباتات الحولية، لأن الأحجار تعرقل خروج النبات من التراب بعد الإنتاش (الإنبات).
إيقاف زحف الرمال
يهدد الإرمالُ الأراضي الزراعية، ويتمثل بتزايد كميات التربة المنقولة بالرياح، وما توضُّع الرمل سوى صورة مرئية لنقلٍ له أثر ميكانيكي ضار بالأجزاء النباتية الغضة. ويكافَحُ إرمال أيكات النخيل في الصحراء، حيث هجرة الرمال من الأمور الطبيعية، بالطرائق التقليدية، وذلك بإقامة حبكة أشجار نخيل في قمة كثيب آخذ بالتشكل على حدود الواحة. تُوقِف هذه الحبكة الرمال وتسمح بنفاذ الهواء، وإذا ما غمرت بالرمل أقيمت حبكة أخرى: يرتفع الكثيب حتى يتوازن عند ارتفاع ما بين 10 و 15 مترا. وتعتبر هذه الطريقة ناجعة في حالات اعتدال زحف الرمال.
1.أدى الإسراف في استعمال تقنية الزراعة الجافة إلى إرمال كروم الزيتون في الجنوب التونسي. فقد تحولت التربة السطحية إلى ذرور، وقُضي على البؤر (الثقوب) الرافعة لماء الشعرية، وعرِّيت الأرض لمنع وجود النباتات غير النافعة، وزادت المدخرات المائية للتربة. ويختبر حاليا موضوع الحد من انجراف التربة بنشر بقايا نباتية (في الأسفل).
تستعمل بعض الأقطار، لمنع الإرمال، ألواحا مثقبة من أسمنت ليفي تغرس عموديا: فهي إضافة إلى كونها سهلة الإقامة وقابلة لإعادة الاستعمال، تسهِّل مرور الهواء وتقاوم الرياح بطريقة جيدة. غير أنها أكثر كلفة من حبكات النخيل، كما تقذف جزءا من الرمل فوق الحاجز بسبب دوامات الهواء التي تسببها صلابة الألواح، وقد استُخْدمت لتجاوز هذا العيب أقمشة من نايلون مثقب أيضا بثقوب (تحقق نسبة 50 في المئة نفوذية أفضل) تشد إلى الأرض بوساطة أوتاد.
وإذا ازدادت كتلة الرمال المتحركة، يُحاط الكثيب من أركانه الأربعة بسياج أغصان أو نخيل أو ألواح أسمنتية ليفية أو قماش من النايلون على شكل أشرطة متوازية أو مربعات تُغرس فيها جوانب تحقق الارتفاع الآلي الصرف. إن شدة تعرق هذه الجوانب، وارتطامها بالرمال وتعرضها غالبا للرعي تجعلها بطيئة النمو ولا تلبي الحاجة الملحة إلى تثبيت الكثبان بسرعة.
وتثبَّت الطبقات السطحية للكثبان الرملية عن طريق رشها بمنتجات نفطية أو بمستحلبات مواد بلاستيكية، ولكن سرعان ما تنتشر الرمال فوق هذه الكثبان إذا لم تتم السيطرة على مصادرها. والوسيلة الناجعة لتثبيت الكثبان هي رصفها بالحجارة أو بقوالب أسمنتية: إذا ما تسربت الرياح بين هذه الأحجار حُملت الرمال الخفيفة وضمر الكثيب الذي يثبَّت على المدى الطويل بكساء نباتي [انظر الشكل 2]. وقد استعملت هذه الطريقة بنجاح في منطقة العيون بالمغرب بيد أنها مرتفعة الكلفة لا سيما في المناطق التي لا تتوافر فيها الحجارة.
وفي شروط من قُحولة مجحفة وتسارع في انتقال الكثبان استُهلكت أشجار كثيرة دونما جدوى ملحوظة في إعاقة تقدم الكثبان. والطريقة الأكثر نجاعة هي التي يتحقق فيها ـ في آن واحد ـ التشجير وإعادة تثبيت الرمال، والتي جُرِّبت منذ عام 1993 في موريتانيا من قبل <J .مونيه> [انظر الشكل 3]. زرعت أشجار الغاف (بروسوبيس) Prosopis الفتية وأحيطت بأسطوانات شبكية ارتفاعها 1.5 متر، وأحيطت كل أسطوانة بقماش بلاستيكي لحفظ رطوبة الهواء وحماية الغراس من شدة التبخر ورطم الرمال ورعي الماشية. ودُفن تحت كل أسطوانة خزان مائي يتسع لعشرة ليترات مكون من 6 زجاجات بلاستيكية سعة الواحدة منها 1.5 لتر. ففي كل رية تَرشح عشرة ليترات من الماء مكوِّنة كمًّا عموديا رطبا منشِّطا لنمو الجذور في اتجاه الماء المتبقي تحت التربة. وهكذا يتسارع نمو الأشجار (2.5 متر في ستة أشهر مقابل 0.75 متر في الحالة العادية) وتصبح الشجرة مستقلة بعد عام من السقاية.
تُرَتَّب زراعة الأشجار في نسقين متوازيين ومتعامدين مع اتجاه الرياح السائدة. يُنْصَب في السنة الأولى نسقان من أشجار يُلحق بهما نسق واحد كل سنة يُوجَّه باتجاه مضاد لاتجاه الرياح. ثم ينشر في السنة الأولى بين أسطوانات النسق الأول قماش مثقب لصد الرياح ارتفاعه 50 سنتيمتر، وينشر قماش ثان وثالث كلما غُمر القماش السابق بالرمال: وهكذا تحاط الأشجار خلال سنة بكثيب ارتفاعه 1.5 متر. كما تَثْبُت أشجار النسق الثاني وتصبح قادرة على الإمساك مباشرة بقماش صد الرياح. ويعاد استعمال أسطوانات الشبك المعدني في السنة التالية لزراعة النسق الثالث. وهكذا إذا ما تكررت العملية خلال عدة سنوات ارتفعت التربة 1.5 متر على كل السطوح المغطاة بالأشجار.
تمتاز هذه الطريقة بقلة الكلفة، وبإمكانية تطبيقها من قبل السكان المحليين حتى إذا كانت مواردهم المالية محدودة: فالشبك يُصنع محليا باستخدام منصة قابلة للنقل من درب إلى آخر، والخزان المائي يصنع من زجاجات بلاستيكية مستهلكة، وقماش صد الرياح يؤمَّن من أكياس البصل والبطاطا المرتجعة.
2.تتقدم الكثبان باتجاه الرياح (a) وتثبَّت برصف الحجارة حيث يغطى الكثيب بكتل حجرية (b). تُحمل ذرات الرمال الخفيفة بانسياب الرياح بين الحجارة (الأسهم الحمراء) وتتخلف الذرات الأثقل في قاعدة الكثيب الذي يهبط ويثبت تماما بعد زراعته (c).
المحافظة على خصوبة التربة
يجب أن تبقى التربة خصبة بعد حمايتها من الانجراف أو الإرمال، فممارسة إراحة الأراضي، قديما، حققت استمرارية خصوبة التربة، كما أن زيادة الطلب على المنتجات الغذائية طرحت مسألة تكثيف الاستثمار. فهل تستطيع التربة في العقود القادمة إنتاج ما يكفي؟
تحدَّد خصوبة التربة بما تحويه من أجزاء غضارية ودُبالية ممسكة بالعناصر الكيماوية اللازمة لنمو النبات. وبالرغم من فقر التربة الرملية بالغضار، وندرة الدبال أو قلته في التربة القاحلة وشبه القاحلة، وأضرار سوء الاستثمار التي تصل أحيانا إلى مستوى أضرار الجفاف، فلا بد من زيادة رقعة الأراضي الزراعية. وتتمثل الوسيلة الأولى باسترداد خصوبة الأراضي التي أجدبت نتيجة لسوء الممارسات الزراعية.
إن تطبيق الطرائق التقليدية لاستعادة خصوبة التربة هو من الأمور العسيرة: فالأسمدة الكيماوية مرتفعة التكاليف وملوِّثة، والسماد الأخضر وكذا العمارة (الزبل ـ سماد بلدي) نادران في المناطق الصحراوية لاعتماد تربية الماشية على الترحال والانتجاع (رعي الكلأ في مواضعه). لذا طُرحت حلول بديلة لاستعادة خصوبة التربة. كما طرحت في بداية الأمر بعض النباتات التي تزود التربة بالنتروجين (الآزوت) الضروري لتغذية النبات كالفاصولياء، وفول الصويا، والنفل والفصفصاء القادرة، بوساطة البكتيريا المثبتة على الجذور والمتعايشة مع النبات، على تحويل النتروجين الجوي إلى نتروجين قابل للاستعمال من قبل النبات. فالحصول على النتروجين انطلاقا من معين حيوي لا ينضب يُمكِّن بعض النباتات من تجاوز عوز التربة بالنتروجين بل يُمَكِّنها من رفع تلك العتبة.
وتوجهت الأبحاث النباتية نحو انتقاء أنواع قادرة على تثبيت النتروجين الجوي وتحسين تقانة إنقال (2) inoculation البكتيريا في أنواع نباتية جديدة. وهكذا استَعمل التحريج في المغرب ومصر الأنواع المختلفة من الفصيلة الكزورينية المتكيفة مع محطات حيوية (بيوتوب) متغايرة: تثبت النتروجين الجوي بالتعايش مع البكتيريا المسماة فرانكيا Frankia، وتنمو بيسر في ترب فقيرة جدا بالمواد العضوية، ملحية كانت أو رملية في المناخات القاحلة وشبه القاحلة. كما تم اصطفاء أنواع أخرى لها دور مهم في تكوين المنظومات البيئية كالأكاسيا زرقاء الورق Acacia cyanophylla.
وهناك مصدر آخر مهم لمخصبات التربة مرتبط بالمدن والتزايد السكاني. فقد أدى توسع المدن إلى زيادة كمية القمامة ومياه الصرف الصحي وما لهما من دور مهم في الزراعة. وتم تجربة استخدام مياه الصرف الصحي في إخصاب التربة في آشير بإيل دور فرانس في فرنسا، كما هو منتشر في جنوب المتوسط لا سيما في تونس ومصر، وهو في طريق الاختبار في أغادير وأوارزازات بجنوب المغرب.
لقد تَحسَّنت تقانات استخدام مياه الصرف بطريقة تختلف باختلاف مصادرها سواء أكانت منزلية أم صناعية، وباختلاف المحاصيل التي تروى بها كالأزهار أو الأشجار أو الخضر أو الحبوب أو التحريج: فمياه المستنقعات ترشح عبر طبقة رملية، كما يُراقَب مدى تلوث المنتجات الزراعية بالبكتيريا، والمياه الجوفية بأكسيد النتروجين. ثم تُستخدم المياه بعد ذلك للري بالتنقيط. وتؤكد التجارب المختلفة زيادة المردود الزراعي عند استخدام مياه الصرف الصحي المعالَجة في ري المزروعات أكثر من استعمال مياه الشرب لتلك الأغراض. ففي فلسطين تستعمل 35% من مياه الصرف الصحي لري 000 15هكتار من القطن، ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 80% في عام 2000.
3. تثبيت زحف الرمال بزراعة الأشجار. تحاط كل غرسة بشبك معدني أسطواني يُحاط بدوره بقماش بلاستيكي، وتُطمر في قاعدة كل منها ست زجاجات بلاستيكية: فارتشاح الماء يوجه دفع الجذور نحو الماء المتبقي في الأعماق. (الرسم التوضيحي في اليسار). يزرع نسقان من الغراس في السنة الأولى (في الأسفل) مع نشر قماش صدِّ الرياح أمام النسق الأول الذي يتكون فيه الكثيب خلال السنة الأولى (في الوسط)، ثم ينشر قماش صد الرياح أمام النسق الثاني، وتسترد الأسطوانات لتستخدم في زراعة النسق الثالث. وهكذا ترتفع الأرض بين الأنساق 1.5 متر في مطلع السنة الرابعة (في الأعلى) وتستمر زراعة أنساق أخرى باتجاه الرياح.
كما أن تحويل القمامة المنزلية إلى عمارة (زبل ـ سماد بلدي) أو حمأة بدلا من ترميدها يخفِّض عدد مَكبَّات القمامة حول المدن الكبرى، ويثبت في التربة العناصر المعدنية اللازمة للنبات كالنتروجين والبوتاسيوم والفوسفور، ويطرح حلولا قليلة الكلفة لمشكلة توزيع المخصبات. وتتمثل المشكلة الرئيسية لعملية تحويل القمامة إلى عمارة في احتمال حدوث تلوث عضوي أو معدني أو بلاستيكي أو تلوث بالمعادن الثقيلة الداخلة في التغذية البشرية، ويمكن تجنب ذلك بفرز مسبق للعمارة وتخصيصها لاستعمالات محدودة كالتحريج أو زراعة الأزهار.
4. في منطقة رجم المعتوق تتم زراعة رمال الصحراء الخالصة بالاستفادة من المياه الجوفية بعد إقامة حباك مانع للإرمال وإضافة العناصر الغذائية إلى مياه الري بالتنقيط.
5.يتم توضيب إبطاء نفوذية التربة (في اليمين) بطمر كرات الغرويات المائية الممسكة للماء والمبطئة للارتشاح (الأزرق) وينشر المستحلب الكاره للماء (الأحمر) الذي يوقف التبخر.
تحسين الصرف لتجنب التملح
تُجدب الأراضي الزراعية بالاستثمار الجائر والري المسرف: ففي الوسط القاحل تُخَلِّف شدة التبخر على سطح التربة الأملاح المعدنية المنحلة وتتسارع هذه العملية بالري الذي يؤدي إلى زيادة تعرُّق النبات وزيادة الأملاح الفائضة عن استعمال النبات والمتخلفة في التربة من كلوريد المغنزيوم أو الصوديوم أو سلفات الصوديوم. فإذا ما ساء الصرف ـ ولو كانت مياه الري فقيرة بالأملاح ـ فإن التملح أمر لا بد منه خلال بضع سنوات أو بضعة عقود. وهكذا ينخفض المردود، وينكمش الكساء النباتي مقتصرا على أنواع متكيفة مع الملوحة مثل قرن الملح (ساليقورنيا) salicornia وأنواع الفصيلة السالسولية ويُفْسَح المكان لمياه جوفية ملحية مجدبة.
يسوء صرف مياه الري في عدد من القطاعات المروية: إما بسبب إهمال في إقامة شبكة صرف لضعف انحدار التربة (تعذر جريان الماء)، أو بسبب بنية التربة الغضارية (التي تتطلب شدة في الصرف) أو في أفضل الحالات بسبب تسرب المياه على طول أنظمة الري التقليدي والذي يصل إلى 40%، أو بسبب ممارسة ري المساكب بالغمر. كل هذا يغذي المياه الجوفية التي ترتفع إلى أعلى تاركة الأملاح على السطح، ومساعدةً على تملح الأعماق، وهكذا أجدبت مساحات شاسعة في المغرب ومصر.
لاستصلاح تلك الأراضي، لا بد من خفض مستوى المياه الجوفية وذلك إما بإقامة شبكة صرف، أو بتحسين تلك الشبكة أو بإعادة تنظيمها. وهكذا يُستعاض عن الحُفَر القديمة المكشوفة باستخدام قنوات فخارية مثقبة تجمع مياه الصرف، وتستخدم أنابيب الـ (PVC) لقنوات الصرف، ويتم عزلها لمنع التسرب. ويجب تجنب جمع مياه الصرف الزراعي أو المياه الأجاجية بالقرب من الزراعات المروية كأيكات النخيل التقليدية التي تقام في أسفل حوض مائي يتعذر صرف مائه، ويستعاض عن ذلك إما بإعادة تنظيم صرف الماء في أحواض واسعة أو بتفريغ الحوض من مائه بطريقة آلية.
يعيد تجديد شبكة الصرف المعروض في الفقرة السابقة غسل وتصفية الأملاح وتجديد نظام صرف التربة. ويرتبط نجاح عملية استصلاح الأراضي الزراعية التي أجدبت بمحتواها الغضاري أكثر من ارتباطه بكمية الأملاح الموجودة في التربة. وتعتبر عملية استصلاح الأراضي الزراعية مرتفعة الكلفة بل إنها شبه مستحيلة إذا تجاوزت كمية الغضار 60%.
غالبا ما تكتنف عملية استصلاح الأراضي الزراعية التي أجدبت عقبات يتعذر تجاوزها، وهنا يُستحسن التوجه إلى مواقع جديدة أو تحويل الأراضي الصحراوية إلى زراعية، أو بناء وسط زراعي كامل كالدفيئات. تقام مشروعات من هذا القبيل في غرب النيل بمصر، كما يُتوقع إسكان ثلاثة ملايين نسمة في صحراء سيناء خلال 25 عاما.
التوجه نحو أراض جديدة
لقد تمكنت الحكومة الليبية بوساطة عوائدها النفطية من إقامة قنوات قطرها أربعة أمتار وطولها 1600 كيلومتر لنقل مليارين من الأمتار المكعبة من المياه الأحفورية (المستحاثة) سنويا إلى سواحل بنغازي وخليج سرت حيث المناخ الأكثر سماحة والتربة الأكثر جودة. ولئن تعذرت إقامة مثل هذا النهر الصنعي في الأقطار المجاورة فإن تونس والجزائر تمكنتا من إقامة قطاعات زراعية مروية فوق مسطحات صخرية بعيدة عن مراكز الزراعة التقليدية.
وهكذا يمكن استصلاح الأراضي القديمة التي تشكلت في شروط أفضل من الرطوبة ثم تآكلت أجزاؤها العلوية. فالأحجار المتركزة على السطح بسبب انجراف الأتربة الناعمة بالرياح والمياه تخفي تحتها تربة غنية ملائمة لنمو جذور الأشجار. والتربة الصحراوية الجديدة الأكثر قابلية للاستصلاح هي، مع ذلك، الرمال المنقولة في كتل كثبانية أو على شكل صفائح متقطعة: فبسرعة تسرب المياه بين ذرات الكوارتز النفوذة يُتفادى التملح، وبإضافة العناصر المغذية إلى مياه الري تتحقق الخصوبة.
إن القطاعات المروية في رجم المعتوق بتونس على الحدود الجزائرية هي أمثلة حية لإقامة زراعة من لاشيء ex nihilo، في رمال الكثبان [انظر الشكل 4]. يستثمر هذا المشروع المياه المكتشفة في الأعماق أثناء التنقيب عن النفط ليروي 2500 هكتار من عام 1995 وحتى عشر سنوات لإنتاج 000 20طن من التمور في السنة.
تم الري بالتنقيط بوساطة أنابيب مثقبة لتأمين رطوبة دائمة متحدية جفاف المناخ ونفوذية التربة. وكلما كانت نفوذية التربة قوية، دُفنت في مكان توقع انتشار الجذور كراتٌ أليفة الماء (هيدروفيلية) قادرة على امتصاص بضع مئات وزنها من الماء الذي تعيده ببطء فيما بعد. كما استخدم موضب آخر لمنع التبخر النهاري لسطح التربة وللإقلال من هدر الماء وتركيز الأملاح وذلك بنشر مستحلب من المواد البلاستيكية الكارهة للماء (هيدروفوب) على سطح التربة [انظر الشكل 5].
غالبا ما تروى هذه الأراضي المنتزعة من الصحراء بالري الدوراني الذي يوزع الماء على دفوف ممتدة بضع مئات من الأمتار بعيدا عن موقع وصول المياه الجوفية. يجب أن تُحمى هذه الزراعات المهدَّدة بشدة التبخر من الإرمال ومن الانجراف أثناء عراء التربة. فإذا سمحت مردودية الزراعات عُدِّلت أبعاد أجزاء التربة لتجمع في جموع تتجاوز أقطارها المليمتر قادرة على مقاومة الانجراف بالرياح: وفيما يلي طريقة توضيب أخرى لتجميع الأجزاء الناعمة للتربة.
تسمح هذه التقانة اليدوية المستخدمة لمواد بلاستيكية مستعملة بتكوين موضبات مانعة لانجراف التربة وقابلة للتفكك البيولوجي. يكفي تسخين البلاستيك المستعمل دونما تنقية إلى أكثر من 80 درجة سيلزية حتى يتحول إلى قوام عجيني. ثم تضرب العجينة البلاستيكية بعد ذلك بماء حار مع كمية صغيرة من مواد مساعدة على تحويل الخليط إلى مستحلب. تمكننا هذه الوصفة من التخلص من النفايات البلاستيكية المتزايدة بتزايد توسع المدن وتوسع الزراعة ضمن الدفيئات. وقد استعملت هذه المنتجات بصورة تجريبية مبدئية في كل من مصر وتونس.
الدفيئات هي الواحات المرتقبة
قلما تتلاءم النباتات مع الزراعة المكشوفة في المناطق الصحراوية وذلك لتعرُّضها إلى تغيرات كبيرة في ارتفاع درجات الحرارة وكمية الرطوبة وشدة الرياح. ففي الواحات التقليدية تتحقق حماية النبات بإقامة حزام مرتفع من النخيل تتدرج تحته نُطُق من زراعات مختلفة. ولكن بعض الأشجار كالمشمش تفضل الأوساط المكشوفة المشمسة وتأبى النمو في ظلال أيكات النخيل لكونها شجرة متطلبة للضوء ولا تتأثر ببرودة الشتاء لأنها ساقطة الأوراق. كما أن محاصيل الحبوب والنباتات الرعوية قادرة على تحمل القسوة المناخية في حين أن محاصيل الخضر لا تستطيع الحياة دونما دفيئات تحميها من شدة التبخر الذي يرفع معدل الاستهلاك المائي نتيجة تباين درجات الحرارة، كما تحميها من طلقات رُشَاش حبات الرمل المنقولة مع الرياح.
تمسك الدفيئة في جنوب المغرب ما بين 70 و 90 في المئة من الرطوبة التي تتطلبها زراعة الخضر والأشجار المثمرة. ومفعول الدفيئة الذي تنشده أوروبا والمتمثل برفع الحرارة داخل الدفيئة غير ملائم بل يجب تجنبه في المناطق الصحراوية إما بالتهوية الجيدة للدفيئة، أو بمضاعفة غلفها أو بتعريض الهواء الداخل إلى الدفيئة إلى حاجز مبخر للماء بهدف تبريده. وعلى الرغم من كل هذه التدابير فإن الحرارة المرتفعة فوق 30 درجة تؤدي إلى إيقاف الزراعة ضمن الدفيئات خلال أعلى شهرين حرارة في السنة.
6.إحلال الدفيئات محل الواحات في زراعة الأوساط الصحراوية (في اليسار)، ففي القبلي بتونس تؤمن التدفئة شتاء باستخدام المياه الجوفية التي تُحوَّل بعد تبريدها إلى الري بالتنقيط (في اليمين).
وبالمقابل يجب رفع حرارة الدفيئة في شمال الصحراء حيث يكثر الصقيع، ففي القبلي بتونس تستخدم الطاقة الحرارية الأرضية المجانية الصادرة عن الماء الساخن المنطلق من بئر ارتوازية للتدفئة شتاء أو لتحقيق عملية تحفيز النبات على الإزهار، ثم تستخدم المياه بعد ذلك للري بالتنقيط [انظر الشكل 6].
تسمح الدفيئة، بالرغم من صنعية تربتها وهوائها، بتوفير أكثر من 50% من المياه التي تتطلبها زراعة الواحات، كما يزيد مردودها، وتسهُل فيها مراقبة الأمراض الجرثومية والطفيليات، كما تتطلب زراعة الدفيئات رأس المال والتسويق السريع واستمرارية الإنتاج.
لقد عدَّلت التقنيات الحديثة من مفهوم الدفيئة التقليدي، بالاستعاضة عن المأطورات (البيوت) الزجاجية منذ أعوام 1950 بأقمشة مرنة من مواد بلاستيكية خففت وزن الهيكل وبسَّطته وخفضت تكاليفه على الرغم من أن عمر الأقمشة البلاستيكية أقصر من عمر الزجاج، كما أنها قابلة للاحتراق والتمزق بالعواصف، وصعبة الإقامة لتمددها وتقلصها بالتغيرات الحرارية. فضلا عن ذلك فإن مخلفاتها أصبحت، أخيرا، مصدرا ملوِّثا لا يمكن التغاضي عن مساوئه. وبالرغم من هذه الصعوبات فقد اتسعت مساحة الدفيئات في الجنوب التونسي من 1.3 إلى 87 هكتارا ما بين الأعوام 1985-1994، كما يتوقع أن تصل هذه المساحة إلى 500 هكتار عام 2000. إن تقنية الدفيئات تتقرب بشدة من مفهوم التنمية المستدامة، وعلى الرغم من أن كل مكوناتها مصنعة فإن كل ما في الدفيئة قابل للمراقبة أو الاستبدال.
الموارد المائية
يستدعي التوسع في هذه الزراعة الجديدة ازدياد الحاجة إلى الموارد المائية. فقد تضاعف استخراج المياه الجوفية في تونس ما بين 1980-1985، وزاد بنسبة 36% في الفترة ما بين 1985-1990. وارتفعت نسبة استثمار المياه الجوفية في الجنوب التونسي حتى وصلت إلى نضح 96% من مخزون المياه الجوفية الموزعة على 000 13بئر. وستصل مستودعات سدود المياه والآبار الارتوازية إلى حدود إنتاجيتها القصوى على المدى الطويل. وستطرح مسألة التنمية المستدامة للموارد المائية لا محالة بعد طرح مسألة التنمية المستدامة للتربة.
لقد سمحت سدود التخزين الكبرى بنشر الزراعات المروية ودعمت زيادة مردودها، وأبطلت مفعول فصل الجفاف الطويل وتردد السنوات العجاف، كما قدَّمت المياه الشروبة (الصالحة للشرب) للمدن والسياحة بكل إمكانياتها. تتزايد تكاليف إقامة هذه السدود كلما قربت من المناطق القاحلة بسبب زيادة أبعادها، وذلك لتتمكن من استيعاب حصيلة عدة سنوات تقررها عدم نظامية أمطار المناطق القريبة من الصحراء، إضافة إلى قصر أجلها بسبب تراكم وَحْل المنحدرات المتصحرة المحيطة بها. ويتراوح تناقص سعة هذه السدود في الجزائر والمغرب ما بين 2 و 3 في المئة سنويا، وهكذا يطفح السد بعد بضعة عقود: إن ديمومة أعمال صيانة منحدرات الأحواض وارتفاع تكاليفها تمثل عقبات يصعب تجاوزها.
تبدد هذه السدود جزءا مهما من مخزونها المائي: فكلما اتسع سطح المستودع زادت كمية المياه المبددة. ففي سد أسوان المقام في مناخ شديد القحولة يتجاوز حجم المياه المبددة في حدوده القصوى أكثر من عُشْر حصيلة النيل. وقد اتخذت إجراءات مختلفة لتجنب تبديد المياه مثل نشر غشاوة وحيدة الجزيء بين الماء والهواء كدريئة للتبخر، ولكن فعالية هذه الإجراءات مازالت تتطلب التوضيح.
وللحد من كلفة بناء السدود وكمية المياه المخزونة تقام بحيرات جبلية فوق وديان صغيرة تتجمع فيها الأمطار خلال بضعة أشهر فقط في مستودع يروي قطاعا صغيرا. إن إقامة مثل هذه الدكوك digue الترابية تقع ضمن طاقة السكان المحليين في أغلب الأحيان، كما أنها لا تغمر مساحات واسعة من الأراضي الطميية الصالحة للزراعة.
تخزين المياه في باطن الأرض
إن الإكثار من سطوح المياه الحرة ولو فصليا لا يفضي إلى حل مشكلة تبديد المياه بالتبخر، لذا وجب التوصل إلى أشكال جديدة لتخزين المياه في أسفل الحوض في مستوى المياه الجوفية للتربة اللحقية بمعزل عن التبخر بدلا من إقامة السدود في الأعلى وبتماس مع الهواء الطلق. يكبح سد عولوز، في أعلى وادي سوس بالمغرب، الفيضانات موجها الماء إلى التسرب في التربة ومحتفظا بكمية أخرى منه لتتسرب تدريجيا في المياه الجوفية للتربة اللحقية في سهل سوس. والأمر الذي يؤسف له في هذا المجال هو تعذر استعمال هذه المخزونات المائية اعتمادا على عوامل الثقالة: بل يجب ضخ المياه، الأمر الذي يزيد التكاليف. يتطلب هذا المدد الصنعي للمياه الجوفية وجود حجوم مناسبة من التربة اللحقية، ولكنه يعوض الإفراط في استثمار تلك المياه ويجنب ضياع المياه بالتبخر خلف السدود أو في الأحواض التي تخلِّف فيها المياه أملاحها.
تبقى مسألة بناء سدود التخزين أساسية من أجل كبح الفيضانات وتوليد الكهرباء وتزويد المدن بالمياه الشروبة. وهكذا يتطلب الاستصلاح المثالي الربط بين إقامة الحواجز المضادة للانجراف في أعلى المنحدرات وبين سدود تخزين المياه وسدود ضخ المياه الجوفية حسب الشروط المحلية [انظر الشكل 7].
7.تعدد أساليب إدارة الموارد المائية (في الوسط): من مساوئ إقامة سدود تخزين المياه وتوليد الكهرباء تكوُّن الوحل الناتج من انجراف تربة الهضاب، وفقدان كميات كبيرة من المياه بالتبخر (السهم الأحمر). تقام المدرجات لتخفيف شدة المنحدرات وتُزرع الأشجار لتخفيف الانجراف وتعتبر سدود الروابي أو التلال المقامة في أعلى الوديان أقل كلفة وأسهل صيانة. ويقاوم التبخر بحفظ المياه داخل التربة بإقامة دكوك كابحة للسيل وداعمة لارتشاح الماء الذي يُضخ بعد ذلك بطريقة آلية لري المزروعات (الأخضر). وتُستخدم المياه الجوفية في الصحراء الصرفة لري الزراعات فوق الرمال في دفوف أو مساطب دورانية كبرى. وتتحقق التنمية المستدامة للموارد المائية بنشر معامل نزع ملوحة ماء البحر ومعامل إعادة معالجة الماء الأجاج.
يقدم السبر الهيدرولوجي للأعماق موردا مهما آخر لمياه الري، ممثلا بالمياه الجوفية التي لا ترتبط كمياتها بالتغيرات السنوية لكميات الأمطار. ففي جنوب المغرب قلما، أو نادرا ما، يتحقق تجدد المياه الجوفية، الأمر الذي يستدعي استثمارها كمورد منجمي معرَّضٍ للنضوب خلال بضعة عقود أو في الحالات القصوى خلال قرن، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الضخ كلما تقدم الاستثمار الذي يؤدي إلى الانخفاض التدريجي لمستوى المياه الجوفية. إن مثل هذه المياه الجوفية نافعة بصورة مؤقتة في مقاومة التصحر.
الري بمياه البحر
هناك تقنيات أخرى تحقق التزود بالمياه: فالسقاية المتكررة والغزيرة بماء أجاج تغسل الأملاح بطريقة تمنع صعود الأملاح بالآلية الشعرية. كما أوضحت التجارب في المغرب ثم في مصر وتونس بأن الري بملوحة من مستوى 105 مليغرام في اللتر رفع حتى المردود في بعض شروط التربة شديدة النفاذ، فالتسرب السريع للمياه نحو الأعماق يجرف الأملاح الأكثر قابلية للانحلال، كما يسمح بتهوية الجذور بين فترات السقاية. وتتوضع الأملاح مغشية حبات الرمل في حين تمتص الجذور الماء العذب الناتج من الندى المتكثف مباشرة عن التبخر ضمن التربة، كما أن الإلمام بمعرفة آلية التوازن بين الأملاح المختلفة وبصورة خاصة بالعلاقة بين الصوديوم والبوتاسيوم يسمح من ناحية أخرى بتصحيح الآثار الضارة لبعض الأملاح باستخدام أملاح أخرى أكثر إيجابية. ففي بعض الترب الرملية العالية النفوذية، تروى الزراعة فوق الكثبان الرملية حتى بماء البحر وذلك بصورة خاصة في فلسطين وبعض دول الخليج. كما أن الأبحاث الجارية حول الجينات (المورثات) الخاصة بالتعرق ومقاومة الأملاح إضافة إلى ما تقدم، تفتح الأمل أمام تحسين تحمل النبات للملوحة.
أما عن تقنيات تحويل المياه المالحة إلى عذبة فهي مخصصة اليوم نظرا لارتفاع كلفتها للاستهلاك السكاني أو السياحي أو الزراعات عالية المردود. كما أن اللجوء إلى استخدام الطاقات المتجددة بدلا من النفط سيزيد الإنتاجية ويخفض تكاليف العائد المائي. وبما أن المحيط معين لا ينضب فيمكن تصور المناطق القريبة من الشاطئ في الشمال الأفريقي مغطاة، مستقبلا، بدفيئات تروى بمياه البحر، وهذه التقنية ممكنة.
تبدو الحلول المطروحة هنا متفائلة، كما يتطلب تحقيقها استثمارات ضخمة وتغييرات في التنظيم الاجتماعي والاقتصادي. فالاتفاقية الدولية حول التصحر المعتمدة في 17 /6/1994بعد قمة الأرض التي عقدت في ريو دي جانيرو عام 1992 أوصت، في هذا المجال، الدول الصناعية بتوفير الموارد المالية اللازمة وتيسير نقل التقانات.
تعتمد معظم الحلول المقترحة على موارد يتعذر نفادها كماء البحر، أو الطاقة الشمسية، أو المنتجات الثانوية المستمدة من نفايات المدن والتوسع السكاني. وتنسجم كل هذه الحلول مع متطلبات التنمية المستدامة. ويقع على عاتقنا متابعة الأبحاث في هذا الاتجاه كالطاقة الشمسية على سبيل المثال. وتلح الاتفاقية الدولية حول التصحر أيضا على ضرورة مشاركة السكان المحليين في برامج تحقيق مكافحة التصحر ومفاهيمه. وتُردُّ أصول كثير من إخفاقات الماضي إلى تجاهل هذا المطلب الذي قد يكون من أعسر الأمور تحقيقا.
مواقع النشر