عرقلة الولايات المتحدة الأميركية صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ويطالب بوقفه لا تعني سوى شيء واحد وهو أن الإدارات الأميركية بلا استثناء كانت ومازالت شريكاً للحكومات الإسرائيلية في جرائم الاستيطان المستمرة، وفي رفض إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، ومعارضة إرادة المجتمع الدولي في تسوية الصراع بالوسائل السلمية.



بقلم : عامر راشد - انباء موسكو

ممثلو روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة عدم الانحياز في مجلس الأمن الدولي عبروا عن إدانتهم لموافقة وزير الدفاع الإسرائيلي المنصرف، إيهود باراك، على بناء مدينة في الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" سيطلق عليها اسم "غفاعوت"، ستحوي 25 ألف مستوطن، في هجمة استيطانية جديدة بدأتها حكومة نتنياهو كعقاب للفلسطينيين على توجههم إلى الأمم المتحدة لحصول فلسطين على صفة "دولة مراقب غير عضو" في منظمة الأمم المتحدة.

ويرقى السلوك الأميركي في المنظمة الدولية إلى مرتبة إعطاء الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية لارتكاب جريمة حرب أخرى بحق الفلسطينيين، والتغطية عليها، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ومتواصلة جغرافياً وقابلة للحياة.

وفي هذا السلوك المتواتر أميركياً، تضع إدارة الرئيس باراك أوباما، في ولايته الثانية، سياساتها الشرق أوسطية في دائرة تساؤلات إزاء التوقعات التي بالغت في التكهن بأن نهجها خلال السنوات الأربع القادمة سيكون مختلفاً عن نهج السنوات الأربع المنصرمة، وعن نهج كل الإدارات الأميركية التي سبقتها، فيما يخص ملف الاستيطان وجهود التسوية السياسية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

وتبدو مواقف إدارة أوباما منسجمة تماماً مع المواقف التقليدية لأميركا في الشرق الأوسط، بثوابتها المعروفة: دعم لا محدود لإسرائيل وتوفير مظلة حماية لسياسياتها ومنع إدانتها، ورفض أي تسوية سياسية على أساس القرارات الدولية ذات الصلة، إلا ضمن تفسيرات أميركية وإسرائيلية خاصة لها وإدخال تعديلات جوهرية عليها تُذهب مضمونها بشرعنة الوقائع الاستيطانية الإسرائيلية على الأرض، وعدم ربط الحل على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي بالحلول على المسارات العربية- الإسرائيلية الأخرى، والحجر على أي دور فاعل للمجتمع الدولي في جهود التسوية للإبقاء على الاستفراد الأميركي الموظف لصالح إسرائيل.

وينسف السلوك الأخير لإدارة أوباما في مجلس الأمن الدولي مصداقية أي حديث عن جديتها عن الانحياز الأميركي الأعمى إلى جانب إسرائيل، وكانت قد أماطت القناع عن موقفها الحقيقي من الاستيطان عندما صوتت استخدمت في شباط/فبراير 2011 حق النقض (الفيتو) لإسقاط مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تقدمت به المجموعة العربية، وصوتت إلى جانبه 14 دولة في مجلس الأمن لصالحه من أصل 15 دولة. وخرجت حينها مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، سوزان رايس، بتفسير طريف لموقف واشنطن قالت فيه: "يجب ألا يساء فهم "استخدام حق النقض" على أنه يعني أننا نؤيد النشاط الاستيطاني". وأضافت: "إن وجهة النظر الأميركية هي أن المستوطنات الإسرائيلية تفتقد إلى الشرعية.. لكن مسودة القرار تخاطر بتشديد موقف كل من الجانبين. وأكدت الموقف الأميركي بشأن "ضرورة حل قضية المستوطنات والقضايا الأخرى المثيرة للجدل خلال مفاوضات سلام مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، وهنا كما يقال في المثل الشعبي العربي "مربط فرس" السياسات الأميركية المنحازة للسياسات الإسرائيلية، والمعادية للحقوق الفلسطينية.

التبرير البائس والمتهالك نفسه قدمته رايس في النقاشات التي جرت قبل يومين في مجلس الأمن الدولي حول الهجمة الاستيطانية الإسرائيلية المتجددة، وإذا كان المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة جراء تقاعسه في وقف الاستفراد والتعنت الأميركي غير الأخلاقي على امتداد أكثر من ستة عقود، تبقى المسؤولية الأكبر على العرب الذين لم يستخدموا ما بيدهم من وسائل ضغط على الإدارات الأميركية لثنيها عن مواقفها المعادية للحقوق العربية والفلسطينية، باستخدام قانون لغة مصالح الولايات المتحدة، فمن مفارقات العلاقات العربية- الأميركية أن أكثرية الحكومات العربية تصنف نفسها كحليف وصديق ثابت لساكني البيت الأبيض في واشنطن، وتلك الحكومات التي لا تصنف نفسها في هذه الخانة تخطب ود أميركا في الصباح والمساء.

ولذلك، فإن ميدان معركة زحزحة إدارة أوباما عن مواقفها، المؤيدة ضمناً لجريمة الاستيطان الإسرائيلي، ليس ساحته الأولى مجلس الأمن، بل توظيف الإمكانات العربية، والإسناد الدولي، في تصويب العلاقات مع واشنطن، في تقابل للمصالح، يترجم مبدأ المصالح الأميركية مع البلدان العربية مقابل احترام الولايات المتحدة للحقوق والمصالح العربية، وموقف أميركي متوازن من الصراع في الشرق الأوسط.

وبعدها تتوج المعركة بتفعيل دور مجلس الأمن الدولي في تصويب أسس العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجوهرها تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالصراع، التي تؤكد على أن الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة أراض فلسطينية محتلة يجب على إسرائيل الانسحاب منها كاملة إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وليست - حسب الزعم الإسرائيلي والأميركي- أرضاً متنازعا عليها بين الفلسطينيين والإسرائيليين تتطلب حلاً توافقياً بالتفاوض يعطي لإسرائيل حدودا توسعية جديدة على حساب الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وللتأكيد، فإن داء الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل دواؤه عربي بامتياز، وبمتناول اليد لكن ينقصه أن يوظف العرب إمكانياتهم في ميزان المصالح، وهو ما تحجم عنه الحكومات العربية، لغايات وحسابات سلطوية كانت عاملاً رئيسياً من عوامل ثورات "الربيع العربي"، التي مازالت انجازاتها في هذا الجانب تراوح في منطقة رمادية.

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)
_____