حدة (الاقتصادية) تقول «فيتش» إن السعودية تتمتع بإحدى أقوى الموازنات بين الدول التي يشملها تصنيف الوكالة؛ الأمر الذي يقلّص تأثرها بأي تصحيح قد تشهده أسعار النفط. خفَّضت وكالة «فيتش» تصنيف فرنسا الائتماني إلى درجة «سلبي» لعدم أخذها إجراءات كافية للسيطرة على الدَّين الذي تجاوز 1600 مليار يورو، وبالتالي فإنَّ إقراضها المال باتت فيه مخاطرة كبيرة بسبب زيادة الفوائد على الدَّين.

ماريا مالص : تصريحات وزير المالية الفرنسي لا تعنيني وملاحظات محافظ البنك المركزي ليست في محلها
مصطفى إبراهيم الدسوقي من لندن
ووضعت «فيتش» التصنيفات الائتمانية لإيطاليا وإسبانيا وأيرلندا وبلجيكا وسلوفينيا وقبرص قيد مراجعة ائتمانية سلبية وهو ما يعني خفضا محتملا للتصنيف على المدى القريب بحسب الوكالة، ليرتفع عدد الدول المهددة بفقد تصنيفها إلى 15 دولة من منطقة اليورو التي يبلغ عدد أعضائها 17 دولة، ما يشير إلى احتمال انهيار عملة اليورو مما سينسحب أثره السلبي وبلا أدنى شك على دول المنطقة العربية.
و«فيتش» وكالة عالمية مستقلة، ولها مقران رئيسان في لندن والآخر في نيويورك، وظيفتها تقييم الحالة المالية للدول والبنوك والشركات وقياس متانة اقتصاديات الدول، وقابلية دولة ما للاقتراض من الخارج، وتستخدم الوكالة مقياسا يضم 20 تصنيفا أعلاها (AAA) «أي أي أي» وأدناها (D) «دي»، ويعني العجز عن سداد الدين.
ولتأثيرها الهائل والفعال في النظام المالي العالمي وقدرتها على إغراق أي دولة من خلال تصنيف سنداتها ومنعها من الاقتراض من أسواق المال العالمية يهاب «فيتش» الكثيرون، والبعض الآخر يشكك في مصداقيتها بدعوى ازدواجية معاييرها في عملية تقييم وتصنيف الدول بتأثير من بعض القوى السياسية الكبرى ما يؤدي إلى كوارث اقتصادية.
ولمعرفة الأساليب التي تتبعها وكالة «فيتش» للتقييم ومدى مصداقيتها على المستوى العالمي، وللوقوف على تداعيات تفاقم أزمة منطقة اليورو واهتزاز استقرار قطاعها المالي ودور البنك الأوروبي في التوصل إلى حل شامل للأزمة، والآثار السلبية للوضع المالي للمنطقة في أعقاب رفض بريطانيا الانضمام إلى اتفاقية تعزيز قواعد عجز الميزانية بالدول الأعضاء، ومدى تأثير أزمة اليورو على اقتصاديات المنطقة العربية في مقدمتها المملكة العربية السعودية، التقت «الاقتصادية» ماريا مالص (Maria Malas-Mroueh) كبيرة المحللين الاقتصاديين في «فيتش» ورئيسة التقرير الصادر في 16/12/2011 من الوكالة والخاص بتصنيف دول منطقة اليورو الذي تسبب في أزمة فرنسية بريطانية. وفيما يلي مجمل ما دار في الحوار:
بصفتكم رئيسة التقرير وكبيرة المحللين في الوكالة هل هناك مخاوف من فقد فرنسا - التي تعد واحدة من أهم دول منطقة اليورو- لتصنيفها الائتماني؟ وما الحل من وجهة نظركم لخروجها من الأزمة؟
إنَّ فقدان فرنسا تصنيفها «3 أي» ليس وشيكا ولكن يحتمل حدوثه خلال عامين ما لم تتخذ فرنسا خطوات للحد من الدَّين العام إلى الحد الآمن، واتخذت تدابير إضافية لعدم الدخول في ركود اقتصادي.
وفقدان التصنيف ليس بالأمر المزعج، ولكن للأسف الشديد فإنَّ وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين تضخِّم الأمور، فدول كثيرة فقدت تصنيفها لكنها التزمت بالضوابط الائتمانية وعادت بصورة أفضل وخرجت من الأزمة أقوى مما كانت عليه.
هل تعتقدون أن تعهدات قادة دول الاتحاد الأوروبي بسرعة الاستقرار المالي كافية للاطمئنان على وجود شبكة أمان مالي؟ وهل تتوقعون حدوث أزمة سيولة في منطقة اليورو؟ وما دور البنك المركزي الأوروبي في وضع حلول للمشكلة؟
لا أظن أن تُحل أزمة ديون منطقة اليورو سريعا، وربما تحدث اضطرابات مالية في الأسواق في ظل غياب ركيزة مالية موثوقة، وأرى أن وعود قادة أوروبا لا تكفي لصعوبة توصلهم إلى حلول شاملة من الناحية السياسية أو الفنية، ولكني لا أتوقع حدوث أزمة سيولة شريطة التزام البنك المركزي الأوروبي بتخفيف مخاطر أزمة الدين في منطقة اليورو.
بعد صدور تقريركم قال فرانسوا بارو (François Baroin) وزير المالية الفرنسي إنَّ الوضع الاقتصادي في بريطانيا أسوأ من الوضع في فرنسا، وهو يعلق على ملاحظات كرستيان نوي (Christian Noyer) محافظ بنك فرنسا المركزي الذي قال: «ينبغي على وكالة «فيتش» أن تكون أكثر قلقا بشأن بريطانيا التي لديها ديون أكثر وتضخم أعلى مما لدينا»، فهل يعتبر هذا التصريح تشكيكا في تقييمات «فيتش» بخاصة أنَّ هناك من يقول إنَّ القوى السياسية العالمية قد تؤثر على نتائج التقييم؟
بداية ليس لديَّ ما أقوله لوزير المالية الفرنسي ولا تعنيني تصريحاته فنحن نعطي فكرة شفافة للمستثمرين عن استثماراتهم، وباعتبارها وكالة تصنيف مالي فإنَّ «فيتش» تقيس وتحلل وتعطي رأيها فيما يخص قدرة بلد ما على سداد ديونه وتتسم بالحياد فيما يتعلق بالخيارات السياسية للبلد ولا تهتم إلا بتأثير المؤشرات السياسية في أداء الاقتصاد الكلي للبلاد وماليتها العمومية والخارجية وصلابة نظامها البنكي.
أما ملاحظات محافظ بنك فرنسا المركزي فهي في غير محلها لأن الدَّين في المملكة المتحدة مستقر في مستوى أدنى وفي فرنسا أكبر، ما يجعل مسار ديونها أكثر تعرضا لخطر الانزلاق المالي، ولا تزال فرنسا تحظى بتصنيف (AAA) «أي أي أي» وهو تصنيف تستحقه حتى الآن.
هل تنظرون إلى دولة كالولايات المتحدة الأمريكية نظرة مختلفة كدولة قوية قادرة على تعديل أوضاعها الاقتصادية أكثر من غيرها؟
نحن لا ننظر إلى دولة ما كقوة سياسية ذات نفوذ، فهذا الأمر لا يعنينا على الإطلاق، لكننا نعطي تقييماً وتأميناً على قدرة الدولة على سداد الدين الخارجي العام والخاص فيما إذا كانت حكومتها فعالة، وطبيعة وضعها المالي، وقوة وفاعلية إرادتها في سداد ديونها، واستدامة تدفقات رأس المال، وأمريكا تتمتع بتلكم المميزات.
كيف تنظرون إلى دول الخليج من حيث معدلات النمو والأداء المالي للبنوك؟ وما تقييمكم للسعودية على سبيل المثال وفي أي تصنيف ترونها؟
يوجد في السعودية احتياطي هائل من النفط الذي يضمن إيرادات موثوقة من العملات الأجنبية، ولديها فائض في الميزانية، والدَّين العام منخفض للغاية وتمتلك برنامجاً حكومياً إصلاحياً ونظاماً مصرفياً قوياً. ومع ارتفاع أسعار النفط قامت المملكة السعودية بحزمة من الإصلاحات المالية والاجتماعية وفي قطاع الإسكان ونتوقع زيادة النمو الاقتصادي للمملكة في العام المقبل خاصة وأنَّه لا يتوقع تأثرها بالربيع العربي لتمتعها بالاستقرارين السياسي والاقتصادي، فتلكم العوامل كافية ومطمئنة ولذلك تحتفظ السعودية بتقييم الوكالة (AA) «أي أي» وهو تقييم جيد وقابل للارتفاع.
ما تقييمكم للسندات الإسلامية وهل تعتقدون أنها البديل الأمثل بعد اهتزاز ثقة المستثمر بالسندات التقليدية بعد أزمة اليونان ثم فرنسا؟
بالنسبة إلى تقييم السندات الإسلامية فهو «فوق المتوسط» لكني أستبعد أن تكون بديلا للسندات التقليدية في الوقت الحالي.
أخيرا.. ما رسالتكم التي يمكن أن تطمئن المستثمر العربي في أوروبا .. هل تتوقعون تفاقم الأزمة الاقتصادية في العام المقبل في أوروبا تحديدا؟ وهل هناك مخاوف من تفكيك أو إفلاس بنوك كبرى في أوروبا كتلك التي أفلست أو تفككت في أمريكا؟
أقول لكل المستثمرين من العرب وغيرهم بأنَّ هناك مخاوف كبيرة من تفاقم الأزمة في أوروبا لكني لا أنصحهم بشيء، فعملنا يحتم علينا تقديم تقييم غير منحاز للمستثمرين ومنها قياس الاحتمالات المتعلقة بوجود عجز في الوفاء بالالتزامات أو عجز عن تحصيل الديون على المدى القصير والطويل.
وعن حالة البنوك فقد خفَّضت «فيتش» أخيرا تصنيف ثمانية من أكبر البنوك في العالم من بينها بنك باركليز وبنك أوف أميركا ودويتشه بنك.
مواقع النشر