[align=center]الثالث –

عن أم سلمة رضي الله عنها،
أنها قالت في شأن هجرتهم إلى الحبشة، بلاد النجاشي :..
فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا على أن يرسلوا إليه، فبعثوا عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا هدايا له ولبطارقته، فقدموا على الملك،
وقالوا إن فتية منا سفهاء فارقوا ديننا، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، ولجأوا إلى بلادك، فبعثنا إليك لتردهم.

فقالت بطارقته :
صدقوا أيها الملك. فغضب،
ثم قال :
لا لعمر الله لا أردّهم إليهم حتى أكلمهم، وقوم لجأوا إلى بلادي واختاروا جواري. فلم يكن شيء أبغض إلى عمرو وابن أبي ربيعة من أن يسمع الملك كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي، اجتمع القوم وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب،

فقال النجاشي :
ما هذا الدين ؟

قالوا :
أيها الملك، كنا قوما على الشرك، نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم والدماء، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا، نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي ونصوم.

قال :
فهل معكم شيء مما جاء به ؟
وقد دعا أساقفته، فأمرهم فنشروا المصاحف حوله.

فقال لهم جعفر :
نعم،
فقرأ عليهم صدراً من :
سورة كهيعص.
فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم.

ثم قال :
إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين، لا والله، لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينا ( ).

وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهـما،
قال :
نزلت هذه الآية :
{ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع }
( )، قال نزلت في النجاشي وأصحابه ( ).

فما أعظم أثر القرآن الكريم في نفوس سامعيه، سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم، وسواء كانوا من عامة الناس، أو من ملوكهم وسادتهم، فهذا النجاشي وبطارقته لم يملكوا أنفسهم عند سماع آيات القرآن الكريم، حتى بكوا وأخضلوا لحاهم.

فلذا ينبغي للدعاة إلى الله تعالى أن يحرصوا على تلاوة آيات القرآن الكريم على من يدعونهم إلى الإسلام إذا أرادوا تحقيق أعظم النتائج وأكبرها.


*******[/align]