جدة (واس) جدّدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" تأكيد التزامها الراسخ بدعم الجهود التحولية التي تقودها المملكة العربية السعودية لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، ومكافحة زحف الرمال، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وذلك في اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف الذي يصادف الاحتفاء به 17 يونيو تحت شعار "استعادة الأراضي وإطلاق الفرص"، في دعوة عالمية للدول والمجتمعات والمنظمات لتوحيد الجهود من أجل استعادة النظم البيئية المتدهورة وتعزيز قدرتها على الصمود.


21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م

وشكّلت المنظمة شريكًا إستراتيجيًا للمملكة منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي، في مسيرة التنمية الزراعية والبيئية، التي بدأت بمشاريع ري رائدة في وادي جازان، وسرعان ما توسعت لتشمل دعم سبل العيش في المناطق الريفية، وإدارة الغابات، واستعادة وتأهيل المراعي، وبناء القدرات المؤسسية، منوهة بمستهدفات اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، في ترسيخه للدور الحيوي الذي تلعبه استعادة الأراضي في تعزيز الاستدامة البيئية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحقيق الرفاه الاجتماعي.



وأبرزت إرث الشراكة الراسخة مع المملكة لأكثر من ستة عقود من أجل التنمية المستدامة، وتصدرها للجهود العالمية الرامية إلى مكافحة تدهور الأراضي، والتخفيف من آثار الجفاف، وخفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وذلك عبر تبني سياسات مبتكرة وتنفيذ مبادرات طموحة تتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، مما يجعلها نموذجًا عالميًا في الاستدامة البيئية والتنمية المتوازنة، مشيرة إلى أن هذه الشراكة الإستراتيجية أثمرت عن إنجازات ملموسة في مجالات الإدارة المستدامة للأراضي، والتكيف مع تغير المناخ، وتعزيز الأمن الغذائي.



وعرّفت الفاو بمبادرات المملكة لاستعادة الأراضي ومواجهة التصحر، إذ استضافت الرياض في ديسمبر 2024، مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، بوجود 200 دولة تحت سقف واحد، وإطلاق مبادرة رائدة بعنوان "شراكة الرياض العالمية من أجل القدرة على الصمود في مواجهة الجفاف"، التي نجحت في حشد أكثر من 12 مليار ريال "نحو 3.2 مليارات دولار"، موجهة لدعم الدول المعرضة للجفاف عبر استثمارات من القطاعين العام والخاص، مستهدفة أكثر من 80 دولة من بين الأكثر هشاشة؛ مما يعزز قدرتها على التصدي لتدهور الأراضي والتكيف مع تحديات الجفاف المتزايدة.



وضمنت ذلك في رؤية المملكة 2030، وإطلاقها "مبادرة السعودية الخضراء"، التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة، وتوسيع نطاق المناطق الطبيعية المحمية لتغطي 30% من مساحة المملكة، إضافة إلى تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، وزراعة أكثر من 41 مليون شجرة بنجاح في مختلف أنحاء المملكة والمنطقة ابتداء من عام 2023، في خطوة تعكس ريادة المملكة في جهود التشجير على المستويين الإقليمي والعالمي، وقيادة المملكة أيضًا "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، التي تهدف إلى زراعة 40 مليار شجرة إضافية في أنحاء المنطقة، مما يضع المملكة العربية السعودية في طليعة واحدة من أكثر حملات التشجير طموحًا على مستوى العالم، إلى جانب إعادة تأهيل منطقة البيضاء قرب مكة المكرمة بوصفها مثالاً حيًّا على دمج تقنيات حصاد المياه التقليدية مع أساليب الزراعة المستدامة في البيئات الجافة، كما شهد متنزه ثادق الوطني عمليات إعادة تأهيل ناجحة، زُرع خلالها مئات الآلاف من الشتلات المحلية، مما أسهم في تثبيت التربة، والحد من التعرية، وتحسين الصحة البيئية للنظام الطبيعي.



ونهضت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الفاو في ظل رؤيتها المستقبلية الواعدة شريكًا فنيًّا موثوقًا للمملكة، بدورها عبر برنامج التنمية الزراعية الريفية المستدامة، والتعاون مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، ووزارة البيئة والمياه والزراعة، لتنفيذ أطر فعالة للإدارة المستدامة للأراضي، وتوسيع نطاق مشاريع إعادة تأهيل الموارد الطبيعية، وبناء القدرات الوطنية، مشيرة إلى دور المركز الحيوي في إعداد وتنفيذ خطط إستراتيجية لمكافحة التصحر والجفاف وزحف الرمال، وخطته الوطنية الشاملة التي تتضمن أنظمة للإنذار المبكر، وبرامج للتشجير، واستعادة المراعي، والمبادرات المجتمعية لإعادة تأهيل الأراضي، وقد بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها في مناطق ذات أولوية مثل الجوف وتبوك والمنطقة الشرقية.



ونظّمت الفاو بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر والشبكة العالمية لنهج وتقنيات حفظ الموارد، برنامجًا تدريبيًّا متقدمًا لأكثر من 40 خبيرًا وطنيًّا في تقنيات الإدارة المستدامة للأراضي، مسفرة هذه الجهود بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني، عن إنشاء مشاتل للنباتات المحلية، وتشكيل أحزمة شجرية، واستخدام حواجز ميكانيكية من سعف النخيل الجاف للحد من زحف الرمال، إلى جانب تنفيذ حملات توعية مجتمعية، مما مكّن المجتمعات المحلية من حماية وإعادة تأهيل أراضيها، لافتة النظر إلى إسهام المركز في تعزيز التزامات المملكة الدولية في مجال مكافحة التصحر وتدهور الأراضي، ويسعى إلى تحقيق هدفي التنمية المستدامة 13 و15، ودعم الخطة الإستراتيجية للأمم المتحدة للغابات، والإطار الإستراتيجي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى جانب المساهمة في تحدي بون العالمي.



ونفذت أربع تجارب ميدانية مبتكرة لتثبيت الرمال في المنطقة الشرقية، من خلال دمج تصاميم ميكانيكية متطورة مع أدوات مراقبة حديثة، أظهرت هذه التجارب نتائج واعدة في تثبيت حركة الكثبان الرملية، وزيادة الغطاء النباتي، واستعادة التوازن البيئي في المناطق الهشة، كما تعمل في مشروع مشترك آخر، مع المؤسسة العامة للري على تنفيذ مشروع لاستعادة الأراضي على الحدود الشمالية للطريق الدائري الشمالي لبحيرة الأصفر، بمساحة تقارب 47.3 هكتارًا، معتمدًا هذا المشروع على أربع تقنيات مبتكرة تشمل: تتبع حركة الكثبان الرملية، وقياس تدفق الرمال، ومراقبة نمو الغطاء النباتي، وتحليل كثافة ومسامية مصدات الرياح، بهدف تقييم فعالية وتحسين أنشطة وجهود الحد من زحف الرمال، لتجسد هذه الجهود المتواصلة التزام الفاو الراسخ بتعزيز الحلول العلمية لمكافحة التصحر، والعمل جنبًا إلى جنب مع وزارة البيئة والمياه والزراعة، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي، والمؤسسة العامة للري، لتسليط الضوء على أهمية الحواجز الميكانيكية والإستراتيجيات المبتكرة في استعادة النظم البيئية وبناء القدرة على الصمود في البيئات الجافة.



وأكدت المنظمة تجربة المملكة بصفتها نموذج ملهم في إحداث التحولات الجذرية في المشهد البيئي الوطني، وتقديمها دروسًا قيّمة للمجتمع الدولي، من خلال الحلول التمويلية المبتكرة، والمبادرات القابلة للتوسع في استعادة الأراضي الجافة، منوهة أنه من خلال الابتكار، والتعاون، والالتزام الراسخ بالحلول العلمية، يمكن إعادة تأهيل الأراضي وإنعاش النظم البيئية، وفتح آفاق مستقبل مستدام للمملكة ولدول المنطقة، بالعمل المشترك بحماية الأراضي وإعادة تأهيلها لحماية كوكب الأرض للأجيال الحالية والمستقبلية.

تم تصويب اخطاء، منها:
(وتكنولوجيا) إلى (وتقنيات)