نشأ يتيم وتربى بين جماعته
والتي لم تحسن رعايته
فما أن بلغ الحلم حتى شد الرحال متنقلاً بين المدن
فلحق بركاب العلماء وأمسك بقوافلهم
فصنع من نفسه عظيم
رافق خير جليس وخير أنيس
فتنقل بين العصور والأماكن لينهل من العلوم في كل حقبة
علم نفسه الأمانة والصدق والإخلاص
حفظ القرآن الكريم
والمتون والشعر والنحو وعلوم الجرح والتعديل
ودرس التاريخ حتى أصبح مدينة من العلوم
أراد أن يكمل نصف دينه فتزوج فتاة صغيرة في السن يتيمة تربت في العديد من البيوت
حاول أن يرقى بها لترتفع إليه
إلا أن الجهل معضلة وأبت عليه نفسه النزول
حين تستمع إليه تذهل من بيانه وفصاحة لسانه
وعلمه الذي لا حدود له وأدبه وخلقه
حتى تتمنى أن يطول بك المقام معه
وحين تسمع عنه على لسان زوجته تمقت صنفه من البشر
مرت عليه السنون وهو من صعود لأخر حتى بزغ نجمه
أنجب العديد من الأولاد والبنات
منهم من نفذ من براثن أمه وحافظ على صورة والده
ومنهم من تأثر بكلامها وهم الأغلب فنشأ مستهتراً أرعن لا كبير له فيحترمه
ولا مثال له فيقتدي به
حين تعقد المجالس النسائية يكون حديثها عنه بغيضاً لا يتقبله من يعرف هذا العظيم
حتى لطالما سمعنا من يقف لها موبخاً لكنه الجهل أعياها وتقلدته
تقرب المحبون له بالنصح ليتزوج أخرى
خاصة أنه كثر غياب زوجته عن منزلها مما أحدث قصور وقصور كبير في أسرته
فتزوج من أخرى
هي الأخرى جاهلة في تعليمها لكنها أكثر وعي من الأولى
أنجبت له أولادا وبنات
كلما سمعت مقالها وتعذرها عن زوجها خاصة أمام ولدها علمت أن هذه المرأة تصنع عظيم
شتان بين الإثنتان
مرت الأيام وكبر الأولاد ونجح أولاد الثانية وتفوقوا في حياتهم بينما أولاد الأخرى
متخلفين عن ركاب الناجحين
كانت الزوجة الثانية تعظم أمر زوجها ومهما بلغ الخلاف بينها وبينه
تحافظ على صورته في عين أولاده
بينما الأخرى تتفنن في نعته أمام ولده بكل ما هو سيء
وجنت كلاً منهما ما زرعته
لا أزال حتى الساعة أستشهد بهذه القصة في كل مناسبة
وكلما غضبت من زوجي أغلقت علي داري حتى لا يسمع ولدي في مثله ووالده الغالي عليه
ما يفقده الثقة في نفسه
روت لنا أحدى صويحباتنا أن ضرتها شديدة بأس
تقول يحدث بينها وبين زوجي خلاف
يصك مسمعي حدته بل أسمع صراخها وأعلم أنه ضربها
ويخرج زوجي من البيت مغاضباً وأظن القيامة ستقوم علينا
تقول ماهي إلا ثواني حتى ترسل إلي بنتها لتدعوني للقهوة
يفصل منزلي عن منزلها أستراحة مشتركة ألتقي فيها بها
تقول ظننتها ستشتكي لي وسأراها منتفخة الأوداج كثة الشعر بعد المعركة
وما هي إلا أن أدخل عليها حتى أراها في أبهى حلة الإبتسامة تعلو محياها
متزينة متهندمة متعطرة وكأن لم يمر عليها ما ينكد عليها
وحين يكون الحديث عنه تراها تسهب في مدحه والثناء عليه
وأقول منافقة تريد أن تغيضني
وحين يدخل زوجي علينا الإستراحة تقوم مسرعة نحوه
تقبل يديه وتخلع عنه نعليه وتدللـه حد بكائي أمامهم
كانت تأتينا كل يوم غاضبة من تصرفات ضرتها
لكنها اليوم تدعو لها تقول تعلمت على يديها مالم تعلمنيه أمي
رغم أنها ضرتي إلا أنني أحترم أصرارها والذي كلل بالنجاح وتنعمت معها في هذا النجاح
مواقع النشر