الكويت - ريتشارد ويب (العلوم) : كتب «فينت سيرف» البروتوكولات التي تسمح لأجهزة الحاسوب بالتحدث إلى بعضها بعضاً. ويشغل حاليا منصب كبير مُبشري الإنترنت في غوغل، ويجادل في أن الشبكة قوة عالمية قوية من أجل الخير



عندما بدأ فجر الشبكات الحاسوبية بالرسالة الأولى على الشبكة ARPANET، الشبكة السابقة للإنترنت، في 29 أكتوبر 1969، كان فينت سيرف Vint Cerf طالب دراسات عليا يبلغ من العمر 26 عامًا يدرس مجموعة ربط حزم البيانات بجامعة كاليفورنيا University of California في لوس أنجلوس. وهو شخصية محورية في تطور الإنترنت منذ ذلك الحين. جنباً إلى جنب مع روبرت كان Robert Kahn، كتب بروتوكول TCP/IP، بروتوكول التحكم في الإرسال وبروتوكول الإنترنت الذي يدعم عمل الشبكة. ومنذ زمن طويل وهو يناصر الإنترنت المفتوح، وفي عام 1992 أسس جمعية الإنترنت Internet Society غير الهادفة إلى الربح مع كان وآخرين للمساعدة على الحفاظ على هذا المثَل الأعلى. ومنذ عام 2005 شغل منصب كبير مبشري الإنترنت Chief internet evangelist في غوغل Google.

أحيانًا يُطلق عليك وصف والد الإنترنت. هل يمكنك شرح ما فعلته؟
بالطبع، لم أكن أخطط لأكون والد الإنترنت أو حتى أحد آباء الإنترنت. اجتمعت مع كان في عام 1973 لحل مشكلة هندسية طرحتها وزارة الدفاع الأمريكية على طاولة النقاش. فالشبكات الحاسوبية الوحيدة التي أثبتت نجاحها آنذاك كانت تلك التي تُقام بين الآلات في الغرف المُكيَّفة. وكانت مشكلتنا استخدام الاتصالات اللاسلكية عبر الأقمار الاصطناعية والمحمولة إضافة إلى مراكز الهاتف المُخصَّصة لهذا النوع من الاتصالات لربط أجهزة الحاسوب معًا. ولحل هذه المشكلة التي استغرقتنا ستة أشهر تقريبًا، طورنا مجموعة من البروتوكولات Protocols والإجراءات Procedures والأنساق Formats والآليات Mechanisms للسماح لأجهزة الحاسوب بالتحدث إلى بعضها بعضا.

هل كانت لديك فكرة في ذلك الوقت كم سيكون حجمه؟
أعتقد أننا كُنَّا مؤمنين بأنها تقنية قوية جدا، على الرغم من أنني أضمن لك أننا لم نكن نعرف جميع التطبيقات التي ستظهر. لكننا صممنا النظام ليكون مرناً جدا وقابلاً لإضافة بروتوكولات وشبكات وتقنيات شبكات جديدة. لقد جعلناه مفتوحا قدر الإمكان، ودعونا أي شخص إلى لمشاركة في تنفيذ النظام وتطوره. وقررنا عدم تسجيل براءة اختراع التكنولوجيا على الإطلاق، لإزالة أي حاجز لاعتمادها على نطاق واسع. أودُّ أن أقول إننا كُنَّا صائبين إلى حد ما في هذا القرار.

هل ما زالت هذا المثالية المفتوحة موجودة على الإنترنت حاليا، مع هيمنة المصالح الخاصة والشركات الكبرى عليه؟
هذا نوع من الأسئلة المُحمَّلة بالتضمينات. اسمح لي بالتراجع للحظة لأقول إنه من النادر جدّاً أن تكون لديك بنية يمكنها إدارة هذا النوع من النمو الذي شهده الإنترنت. وفيما يتعلق بالشركات الكبيرة، نعم، هناك بالتأكيد اقتصادات ضخمة. ولكن هناك الكثير من المنافسة واللاعبين الجدد يأتون بسهولة يسيرة، حتى في الصين، حيث من المفترض أن تسيطر الحكومة الصينية على الإنترنت في الوقت الحاضر. انظروا إلى علي بابا Alibaba [عملاق التجارة الإلكترونية الصينية] الذي خرج من العدم. بعد ذلك رأينا الشركات التي شهدت انخفاضًا كبيرًا: على سبيل المثال الشركة AOL وياهو Yahoo. ولذلك يجب على الأشخاص الذين يشعرون بالحماس تجاه الشركات الناجحة أن يتذكروا أن النجاح ليس مضمونًا.

أنت حاليّاً كبير مُبشري الإنترنت في غوغل. ماذا يعني ذلك؟
يهدف كل عملي إلى توفير المزيد من الإنترنت. أعتقد أن توفر الإنترنت أفضل من عدم توفرها. يوميّاً، أحصل على فوائد أكثر من الإنترنت مقارنة بالسلبيات. وهذا لا يعني أنه لا توجد أي معلومة مغلوطة Misinformation وما شابه ذلك. والأمر يشبه المشي في شوارع لندن: إنه أمر خطير إذا لم تنتبه لما حولك.

ألا يُخفف هذا من مخاطر الإنترنت؟
هل تعلم أن الناس يجدون أشياء في المكتبات حول كيفية صنع القنابل والأسلحة؟ أقصد، إنه لأمر مروع، أليس كذلك؟ قد تجعل شبكة الإنترنت الوصول إلى المعلومات أكثر سهولة، لكنني أزعم بإصرار بأن آثارها المفيدة تفوق الآثار الضارة. فقد جلب اختراع المطبعة مشكلات مماثلة: كانت الثورة الأمريكية مدفوعة جزئيّاً بمنشورات مطبوعة مجهولة المصدر. لقد تقبلنا ذلك وأعتقد أنه يمكننا تقبل ذلك فيما يختص بالإنترنت أيضًا.



هل الحل سيطرة أكثر على ما يمكن للناس فعله وما لا يستطيعون فعله على الإنترنت؟
لا. أعتقد أن ذلك سيكون ضاراً جدّاً. هناك بعض الأنظمة التي لا تحبذ ذلك، إذ يمكن للأفراد استخدام الإنترنت للعثور على المعلومات ومشاركة المعلومات وتنسيق أنشطتهم. وأي شخص شاهد الربيع العربي في عام 2011 سيقدر استخدام تكنولوجيا الهاتف النقال والوسائط الاجتماعية لتنظيمها. إنني أنظر إلى الأمور من وجهة النظر الغربية، وهي أن التواصل والوصول إلى المعلومات لهما قيمة كبيرة وينبغي تشجيعهما. لكنه يؤدي أيضًا إلى نشر معلومات مضللة ومغلوطة. ويجب علينا معرفة كيفية التعامل مع ذلك دون تحويل الإنترنت إلى بيئة استبدادية لا يشعر الناس فيها بالحرية في التعبير عن أنفسهم.

هل يمكن للشركات مثل غوغل بذل المزيد من الجهد؟
شركات الإنترنت تعمل عبر الحدود المالية والقانونية. ولدينا الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لجعل الدول تتعاون مع بعضها البعض للتعامل مع بعض الانتهاكات التي رأيناها. وما نحتاج إليه هو التعليم. نحتاج إلى أشخاص قد يفكرون بشكل نقدي فيما يشاهدونه ويفعلونه عبر الإنترنت، ويكونون قادرين على تحليل وتشخيص المعلومات ذات الجودة الرديئة. ونحن بحاجة إلى عواقب تصدر بحق الأشخاص الذين يضللون الآخرين عن عمد.



لقد ذكرت أهمية الوصول. هل هذه المعركة معركة يمكن الفوز فيها؟
نحن فقط في منتصف الطريق إلى هناك. فما يقرب من نصف العالم متصل بالإنترنت، ومعظم الجزء غير المتصل أجزاء ريفية من البلدان يكون فيها شراء خدمة الوصول باهظ التكلفة. ويمكنك رؤية بعض الاستجابات لتلك المشكلة على شكل شبكات الأقمار الاصطناعية كبيرة الحجم، وكذلك الكابلات، ليس فقط لتوصيل القارات الرئيسية ببعضها، ولكن حتى الجزر في وسط المحيط الهادي.

ما أكثر ما يثير حماسك حول كيفية تطور الإنترنت الآن؟
عدة أشياء. بادئاً ذي بدء، تلك الزيادة السريعة في الوصول إلى الشبكة، والكميات المتزايدة من Wi-Fi، وبالتأكيد الجيل 4G وربما 5G. وبالمثل، فإن إنترنت الأشياء Internet of things سيربط جميع أنواع الأجهزة بالإنترنت، سيوفر المزيد من الراحة والاحتمالات، ولكن أيضًا الأخطار. إذ تغدو الأجهزة غير المحمية، مثل كاميرات الويب، مخاطرة أمنية. واعتمادنا المتزايد على الإنترنت قد يجعل الأمور أكثر هشاشة.

هل فكرنا تمامًا في هذه الأمور مع إنترنت الأشياء – ليس فقط الأمان، ولكن أيضًا النطاق الترددي والآثار المترتبة على استخدام الطاقة؟
أنا أقل قلقًا بشأن متطلبات الطاقة ومشكلات حيادية الكربون Carbon neutrality؛ لأنه يمكننا العمل باستخدام جميع مصادر الطاقة المنتجة من الطاقة الخضراء. وأنا أكثر قلقًا بشأن نقاط الضعف التي قد تواجهها هذه الأجهزة، خاصةً إذا كان الأشخاص الذين يصنعونها لا يوفرون وسيلة لتحديث البرامج أو إذا كانوا يستخدمون أنظمة تشغيل قديمة.



أنت من مشجعي الخيال العلمي – وأنت في هذا الدور، لنسرع الزمن متقدمين 50 عامًا في المستقبل، كيف ستتغير الإنترنت؟
ربما سيظل يطلق عليها إنترنت، ولكن قد يبدو مختلفة جدّاً. أعتقد أنه سيكون هناك اتصال واسع النطاق، وسيكون غير مرئي إلى حد كبير؛ مثلا، أنت تتصل من أي مكان. وسيكون من الصعب الهروب من الوصول إلى الإنترنت في أي مكان في العالم، إذ ربما ستزودها مجموعات كبيرة من الأقمار الاصطناعية. ولدينا بالفعل بروتوكولات الإنترنت الموجودة على متن المحطة الفضائية الدولية إضافة إلى بروتوكولات مركبات المريخ. من دون أدنى شك، سنقوم خلال 50 عامًا بإدارة شبكة إنترنت بين الكواكب، تربط بين الأرض والمريخ وبعض الكواكب الأخرى التي تستخدم بروتوكولات مُكيَّفة لعلاج التأخير المتغير والانقطاع المرتبطين بالتواصل بين الكواكب.

هل ستتسمر الإنترنت الأصلي التي صممتها؟
أتمنى أن أقول ذلك، لكن لا يمكنني ذلك لأننا اكتشفنا أن TCP/IP لا يصلح للربط بين الكواكب. لذا، طورنا بروتوكولًا جديدًا سميناه بروتوكول الحزمة Bundle Protocol الذي يمكنه الاتصال بين الكواكب.

هل هناك أي نقاط فخر أو ندم خاصة إذا نظرنا إلى الوراء قبل أكثر من 50 عامًا؟

يؤسفني السلوك الخبيث، بالطبع. لكن هذا هو الوضع الإنساني، وعلينا التعامل معه. لم نتغير منذ 50 عامًا. لكنني فخور جدّاً بحقيقة أن ما فعلناه قد توسع، وفخور بما حققه ذلك. أودُّ أن أُذكَر كشخص حاول جاهداً تطوير عالَمٍ أفضل.

بقلم: ريتشارد ويب

ترجمة: د. ليلى الموسوي
2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC