مسقط - ‏محمد الهادي الجزيري (أثير) : ‏قارئ هذا الكتاب يحتار في كيفية نجاح عبد الرزاق الربيعي في استجواب الأمكنة واستنطاق الأزمنة، كأننا كائن تاريخي ناطق باسم الهوى متأملا سحر المدى،، حقيقة لقد أفلح الكاتب في الاحتفاء ببلد آمن بعد أن وجد في كنفه الحبّ والسكينة وصار جزءا منه،، وفي هذا الكتاب نقرأ كلّ شيء عن عمان ومدن أخرى كثيرة،، وكذلك يسافر بنا الكاتب عبر حنينه وذكراه إلى بغداد وطفولته وشبابه الأوّل… نقرأ مثلا عن الربيعي في منتصف التسعينات


- ‏ تأمّلاتٌ في تبدّلات الأمكنة، وتحوّلات الأزمنة - ‏عبد الرزاق الربيعي

‏كيف تأثر بكلام العديد من الأدباء عن مسقط وعن عمان،، انبهروا بعمرانها وتوحيدها بين الحداثة والتراث دون تفريط أو إفراط،، من هؤلاء نذكر شوقي عبد الأمير وعبد الوهاب البياتي وأمجد ناصر وسيف الرحبي،، يقول الكاتب:‏ ”وتطابق هذا الانطباع مع أدباء عديدين زاروها، ومنهم الشاعر عبد الرزّاق عبد الواحد الذي زارها عام 1997م، أي قبل وصولي بعام واحد، وأشاد بها كثيرا، وأكّد مرارا بأنّه لم يزر بلدا بمثل هذه النظافة، التي لم يجدها حتى في باريس، شهادات أخرى عديدة حفّزتني ليس لزيارة مسقط للإقامة فيها، بعد أن تفرّقت خطواتنا، بفعل الحروب، والأزمات العاصفة…”



‏يمرّ في باب آخر للحديث عن صور هذه العفيّة أو بوابة عُمان الشرقية،، وحقيقة نظرا لقربي من عبد الله العريمي ساكن هذه المدينة والمولع بها،، وجدتني متشوقا للقراءة عن هذه المدينة،، ومن ضمن ما قرأت:

”لقد اعتمدت “صور” اعتمادا كبيرا على البحر في التجارة، وبناء السفن التي شكّلت مهنة لمجموعة كبيرة من سكّانها، ومن أشهر سفنها الغنجة والبغلة، و(السنبوق) و(البدن)، وتتميز هذه السفن بالمتانة، والقوّة، وقد حافظ صنّاعها على أسلوب صناعة السفن التقليدية، وقد شمل هذا استخدام المواد والمعدات التي كان يستخدمها اجدادهم منذ مئات السنين، من أخشاب وأعمدة، وتجاوز ذلك إلى الوسائل، والأدوات التقليدية المنشار اليدوي، والمطرقة، والمنقرة، والازميل. وعند إتمام بناء السفينة تعمّ الفرحة، وتقام احتفالات تقدّم خلالها مختلف الفنون التقليديّة، التي يشارك فيها الرجال والنساء، ونستطيع أن نرى صور السفن، وأنواعها في المتحف البحري الذي أنشئ عام 1987، والذي عكس جوانب عديدة من التراث البحري، وأدوات الملاحة البحريّة، والأزياء الصورية، وصور ومخطوطات قديمة لولاية صور”



‏ولم ينس الكاتب مساءلة النفس عن جدوى الكتابة وأهميتها له،، وذلك حين يقول:

‏ولكن قد تسألين يا صغيرتي: ما الذي يجنيه الكاتب من فعل الكتابة؟

‏وأجيبك: للكاتب دور في تغيير المجتمع، وهذا ما يسمى بالنموذج الإصلاحي الذي يسعى لإصلاح مجتمعه كرفاعة الطهطاوي أو يستخدم الكتابة في وضع قواعد، ونظريات فلسفية كبرى، ورؤى بهدف تغيير واقع الإنسانية، كالنموذج الفلسفي الذي ضمّنه أفلاطون في كتابه (الجمهورية)، وواجب المثقف اليوم أن يكون شموليّا يجمع بين إصلاح مجتمعه الذي يعيش ضمنه، والمجتمع الإنساني الذي يحيا في محيطه.



‏ولا ينبغي أن نهمل الوظيفة الجماليّة للكتابة التي تسعى إلى الرقيّ بأسلوب الحوار، والبحث عن الجمال في المعنى، والقدرة على الرقي بالجدل العقلي بعيدا عن النقاش العقيم، فالمغايرة، والاستثنائية، والابتكار، أساليب جمالية داخل اللغة، ومن خلالها يمكن ابتداع أشكال من الفنون، والكتابات المغايرة لما سبقها.

تم تصويب (28) خطأ في الفواصل