العلا (السعودية) (رويترز) - في منطقة شمالية نائية بالمملكة العربية السعودية، تقف آثار حضارة قديمة تأمل المملكة أن تحولها إلى وجهة سياحية عالمية في إطار سعيها للانفتاح على العالم وتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط.



زائرون يتجولون في قبور مدائن صالح المنحوتة في الصخور بالقرب من منطقة العلا بالسعودية يوم 25 يناير كانون الثاني 2019. تصوير: فيصل الناصر - رويترز.
وبدعم من استثمارات بمليارات الدولارات تقودها الدولة وشراكة ثقافية فرنسية، تتوقع السلطات أن تجذب منطقة العلا وقبور مدائن صالح المنحوتة في الصخور هناك، في النهاية ملايين الزوار من السعوديين والأجانب على السواء.

ويثير ذلك الحماس في المملكة، ويقوض اعتقادا سائدا بين كثير من السكان بأن المنطقة مسكونة بالجن وينبغي الابتعاد عنها.

ويأتي تطوير العلا ضمن حملة لصيانة مواقع تراثية تعود لفترة ما قبل الإسلام بهدف جذب السائحين غير المسلمين وتعزيز الهوية الوطنية وتخفيف النزعة المتزمتة التي هيمنت على السعودية لعقود.



ومدائن صالح مسجلة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وهي مدينة يعود تاريخها إلى ألفي عام نحتها الأنباط في الصخور الصحراوية، وتقع في منطقة العلا. والأنباط قبائل عربية عاشت قبل الإسلام وشيدت أيضا مدينة البتراء في الأردن.

وتؤدي واجهات متعددة الطوابق منحوتة بإتقان على الصخور الرملية الحمراء إلى غرف داخلية كانت تحتضن الجثث في السابق. وخلال الليل، تتلألأ النجوم في الصحراء الشاسعة.

ويعود الاعتقاد السائد بشأن الموقع إلى حديث منسوب للنبي محمد يحذر فيه المسلمين من دخوله ”إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم ما أصابهم“ في إشارة إلى سكانها الذين قيل إنهم هلكوا بذنوبهم.

ورغم الجدل بشأن تفسير الحديث، إلا أن رجال الدين السعوديين المدعومين من الحكومة استشهدوا به على مدى سنوات. وفي عام 2012، قال أحد رجال الدين إنه ينبغي فتح العلا أمام العامة لكن وبعد سنوات لاحقة، ذكرت وسائل إعلام محلية أنه جرى إغلاق مدرسة بالمنطقة بشكل مؤقت بعدما تحدث طلاب عن أنهم رأوا ”الجن“.




* ”مجرد بداية“
وخلال جولة إعلامية رفض السكان الحديث عن سمعة المنطقة بأنها مأهولة بالجن وركزوا بدلا من ذلك على فرص جني الأموال والترحيب بالزائرين.

ويخطط سكان محليون لفتح مطاعم ومتاجر، وسافر بضع مئات من شباب المنطقة إلى الخارج لدراسة الفندقة والضيافة. ومع تخفيف القيود الاجتماعية بالسعودية، سيكون من بين المرشدين السياحيين في العلا نساء.

وقال أحد السكان ويدعى طلال الفقير إن المجتمع المحلي مسالم ومثقف ومضياف.

وأضاف ”ولي العهد... مهد الطريق أمام العالم كله لزيارتنا ورؤية الحضارات الضخمة في منطقتنا. هذه مجرد بداية“.

وفي إطار الحملة التي يتبناها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحويل الاقتصاد ودعم انفتاح المجتمع، حظيت العلا بمكانة بارزة.

وركب ولي العهد عربات مخصصة للسير على الرمال هناك، ووجه الدعوة لمستثمرين ومشاهير غربيين للقيام بجولات بطائرات هليكوبتر في المنطقة. وتقع العلا قرب موقع مشروع نيوم وهي مدينة ضخمة يرغب ولي العهد في تشييدها على البحر الأحمر بتكلفة تبلغ 500 مليار دولار.



ويجرى في السعودية منذ سنوات مناقشة خطط لاستقبال السائحين لكنها لم تؤت ثمارها بسبب البيروقراطية البطيئة، والمخاوف بشأن المشاعر المحافظة.

وقد يدفع الغضب الدولي بشأن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على أيدي عناصر سعودية في أكتوبر تشرين الأول، بعض السياح المحتملين إلى التوقف، لكن دعوات إلى مقيمي حفلات غربيين لمقاطعة المملكة لم تلق دعما.

وكثير من زوار العلا في مهرجان موسيقي قائم حاليا شخصيات مهمة وأثرياء حيث يصل سعر التذكرة إلى عدة آلاف من الدولارات. ويجري تنظيم عملية إصدار التأشيرات على أساس كل حالة على حدة.

وقامت دانا دهام التي تقيم في الرياض بزيارة للمنطقة مع أصدقائها الشهر الماضي حيث استقلت قطارا من جدة إلى المدينة ثم قطعت رحلة بالسيارة لمسافة 300 كيلومتر.

وقالت ”لم نتوقع أن تكون بهذه الروعة. نسمع دائما قصصا من الناس، لكن هذا أعظم بكثير مما توقعنا“. وأضافت ”إنه مذهل وجميل“.

وقبل أيام حضرت حفلا موسيقيا لأم كلثوم بتقنية الهولوجرام. وأقيم حفل آخر لمغني الأوبرا الإيطالي أندريا بوتشيلي، ومن المتوقع إقامة حفلات مشابهة للمغني اليوناني ياني، والنجمين العربيين كاظم الساهر ومحمد عبده.