الرياض (واس) : تواصلت مساء اليوم فعاليات النشاط الثقافي المصاحب للمهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" في دورته 33، بإقامة ندوة "تجديد الخطاب الديني"، وذلك بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الأنتركونتننتال بالرياض.



وبدأت الندوة بكلمة لعريفها أحمد آل مريع مرحبا فيها بالمشاركين في الندوة، معرفًا بالمشاركين وإسهاماتهم العلمية والعملية.

ثم قدم معالي المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ سعد بن ناصر الشثري ورقة عمل بعنوان "الفكر الإرهابي ومقوماته"، أكد فيها على أهمية التخلية قبل التحلية؛ وذلك بنزع فتيل العنف الذي قد يوجد عند من ضل السبيل من أجل أن نتمكن من تحليته بالخير والهدى بحسن التعامل، فالناظر في النصوص الشرعية كتابًا وسنة يجدها واضحة المعالم في نبذ العنف ونبذ كل تطرف يشتمل على العنف أو يكون مؤدياً إليه، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما كان العنف في شيء إلا شانه،،"، فضلا عن النصوص الكثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم التي تدعو إلى حسن التعامل وحسن اللقاء وحسن التخاطب مع الناس جميعًا سواء في سنته القولية أو سنته الفعلية.

وأشار معاليه إلى أن الإرهاب من الموضوعات المؤرقة التي كانت مدار الاهتمام العالمي وصدرت فيه بيانات المجامع الفقهية وكتبت حوله الكثير من القرارات وعقدت لمحاربته العديد من الاجتماعات، حيث برزت من ذلك الاهتمام عدة تساؤلات منها،، هل الإرهاب فكر أم سلوك وممارسة، مجيباً معاليه على ذلك بأن الناظر إلى حال منظمات الإرهاب يجد أن لها أفكاراً وعقائد مختلفة، والإرهاب والعنف يمثلان ممارسة لهذه التنظيمات وليس فكراً وبالتالي هو من الممارسات، ويحاول بعض الناس تغليف هذا الإرهاب بمبررات أو جعله مستنداً على نصوص مختلفة سواء كانت نصوصاً شرعية أو قانونية أو نحو ذلك، لكنه ليس الأساس بل بمثابة الغلاف الذي يكون على مثل هذه الأفكار وهذه العقائد.

وعن أهداف الإرهاب أشار الشيخ الشثري إلى أن الناظر إلى حال الإرهاب يجد أن الحوادث الإرهابية لا تقتصر على الحركات المنتسبة للدين ولذلك كان العنف مقترناً بنشاطات الكثير من الحركات الانفصالية وحينئذ نعلم الدوافع الحقيقية للإرهاب، وأن من يحاول إظهار الإرهاب هم على أنواع فمنهم من يجعله وسيلة دعاية بحيث يستقطب أولئك الذين لديهم نفسية معينة مرتبطة بالعنف والإرهاب من أجل أن ينخرطوا في سلك تلك المنظمات، أو دوافع نفسية نابعة من حب الانتقام وشفاء النفس من الأخذ من العدو أو من أجل دوافع دنيوية.



ولفت الشيخ الشثري النظر إلى أن الناظر في النصوص الشرعية يعي سماحة الإسلام وأنها تأمر بحسن الأخلاق وحسن التعامل مورداً بعضاً من الأمثلة التي فيها أعلى درجات التسامح ومن ذلك التسامح مع العدو قال تعالى: "وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ غ– فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىظ° يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ"، حيث كان التوجيه من الله تعالى بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره، فضلاً عن النصوص الكثيرة في السنة النبوية التي تنص على التسامح، مؤكداً على أهمية مجابهة الإرهاب على جميع الأصعدة، مقترحا عددًا من الآليات لمواجهة الإرهاب منها الخطاب التحصيني للأمة من خطر هذه المنظمات، وأن يكون الخطاب مبنيًا على دراسة هذه المنظمات قبل أن يستفحل أمرها.

إثر ذلك قدم معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس ورقة بعنوان: "تجديد الخطاب،، ضوابطه وأثره في تعزيز الوسطية والاعتدال"، أشار فيها إلى أن وسطية الإسلام تتجلى في كل المجالات ولم يسجل التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحداً من أصحابه أو التابعين أكره شخصاً واحدًا على أن يدخل في دين الله، بل سجل التاريخ أن أفواجًا دخلت الإسلام بحسن معاملة المسلمين لهم.

وسلط سماحته الضوء على المراد بتجديد الخطاب الديني وضوابطه وأثره في تعزيز الوسطية والاعتدال، لافتًا النظر إلى أن هناك عدة عوامل تسهم في انضباط الخطاب الديني وعدم دخوله في إشكاليات تأتي على خلاف المقصود من أهمها أن يعتمد الخطاب الديني على النصوص والأدلة الشرعية، والاهتمام بمقاصد الشريعة وقواعدها العامة والنهل من العلم الشرعي والرجوع إلى العلماء، والعناية بفهم العلم على منهج سلف الأمة الصالح، ومراعاة الفرق بين أصول الخطاب ووسائله والفرق بين النص والاجتهاد، وأن يتسم بالوسطية والاعتدال، ومراعاته للسياق التاريخي، واتساق الخطاب مع طبيعة المجتمع.



وأشار الشيخ السديس إلى أثر الخطاب الديني في تعزيز الوسطية والاعتدال الذي من أهم سماته أن يكون محدد الموضوع وأضح الهدف على ضوء نصوص الشرع الحنيف، والالتزام بشرف الوسيلة وحسن الأسلوب وجمال الطلب، ومراعاة حق المخاطب في الفهم والمناقشة، وضرورة الالتزام بالمصادر والمقاصد الشرعية في كل الجوانب وجمع الخطاب لأمرين هما العلم بالحق والرحمة والعدل مع الخلق.

واستعرض سماحته تجربة المملكة العربية السعودية في الخطاب الديني التي تسعى دائما إلى دعم وترسيخ الخطاب الوسطي المعتدل والحوار البناء بين أبنائها فضلا عن الشعوب المختلفة ولها في هذا المجال أياد بيضاء أشاد بها البعيد قبل القريب.

بعدها قدم معالي مفتي الجمهورية الموريتانية الشيخ الدكتور أحمد المرابط الشنقيطي ورقة عمل قدم فيها تعريفًا للخطاب الشرعي الذي عرفه بأنه "خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف به طلبًا أو تخييرًا"، مشيرًا إلى أنه لا يخفى على الجميع ما تعاني منه الإنسانية اليوم من غلو وتطرف وإرهاب يتمثل في التفجير والتدمير وقتل الأبرياء باسم الإسلام مع براءة الإسلام من ذلك وإنكاره له مستشهدًا بجملة من الأحاديث النبوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد.

كما سلط الضوء على تجديد الخطاب الشرعي حيث أشار إلى أنه من المعلوم أن المتغيرات والمستجدات والضرورات والحاجات المنزلة منزلتها هي ميدان تجديد الخطاب الشرعي، لافتًا النظر إلى أن تجديد الخطاب الشرعي مبني على ثلاثة أصول تكمن في مراعاة مقاصد الشريعة والضرورة والحاجة المنزلة منزلتها والعادة والعرف.

وفي ختام الندوة فتح باب الأسئلة والمداخلات للحضور.

الجدير بالذكر أنه ستعقد غداً ندوتين ضمن النشاط الثقافي المصاحب للمهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية 33":

- الاولى بعنوان: "الأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية"
- الثانية بعنوان: "الدبلوماسية السعودية والاستقرار الإقليمي والعربي والدولي".

يتحدث فيهما عدداً من المتخصصين في هذه المجالات.

تم تصويب (36) خطأ في هذا التقرير