فلسطين - رائد جمال موقدي (آفاق البيئة والتنمية) : تم الإعلان مؤخرا عن قرية "فرخة" في محافظة سلفيت، كأول قرية بيئية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يعد خطوة نحو تحقيق نقلة نوعية في مجال استغلال الموارد الطبيعية المتاحة وتنميتها، إضافة إلى التركيز على الزراعات الطبيعية البعيدة عن أي نوع من المواد الكيميائية الضارة.


- الزراعة البيئية في قرية فرخة

تم الإعلان مؤخرا عن قرية "فرخة" في محافظة سلفيت، كأول قرية بيئية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يعد خطوة نحو تحقيق نقلة نوعية في مجال استغلال الموارد الطبيعية المتاحة وتنميتها، إضافة إلى التركيز على الزراعات الطبيعية البعيدة عن أي نوع من المواد الكيميائية الضارة.

خطوة تحتاج إلى تسليط الضوء عليها وتبنيها للوصول الى النمط الصحي السليم في مجتمعنا الذي هيمنت عليه الأمراض والكوارث الصحية والبيئية، في ظل العشوائية والأنانية في التعاطي مع المواد الكيميائية الضارة بالتربة والزراعة.

الفكرة والانطلاق
جاءت الفكرة بداية عام 2013م، خلال ورشة تدريبية حول الزراعة البيئية في مدينة طولكرم، شارك فيها المهندس سعد داغر كمدرب بحضور ممثلين عن شبكة القرى البيئية العالمية ومندوبين عن قرية "تميرا" البيئية في البرتغال، تم فيها نقاش كيفية تطوير نشاط الشبكة البيئية في فلسطين.

يومها طرح المهندس داغر إمكانية إنشاء قرية بيئية نموذجية في فلسطين، ورشح قرية فرخة لذلك، إذ يوجد هناك 15 دونما قامت جمعية المهندسين الزراعيين العرب التي يديرها داغر باستئجارها من وزارة الأوقاف بهدف إقامة محطة زراعية بيئية تستخدم كمشاهدات حية للمزارعين وللمهتمين بالقضايا والزراعات البيئية في فلسطين، عدا عن وجود ما لايقل عن 15 عائلة زراعية في فرخه يمارسون الأنشطة البيئية في عملهم الزراعي، الذين سيتم دمجهم في أنشطة القرية البيئية المنشودة.

بعد زيارة للموقع المستهدف من ممثلي شبكة القرى البيئية العالمية ووفد عن قرية "تميرا" البيئية البرتغالية، تم اعتماد قرية فرخه كقرية بيئية عالمية لتنضم بذلك إلى عضوية الشبكة العالمية للقرى البيئية، ومن هنا كانت الانطلاقة نحو ترجمة واقع جديد قائم على فلسفة تعمق علاقة الإنسان بالبيئة، من خلال إتباع طرق عديدة في الزراعة المستوحاة من الطبيعية مع نمط حياة صحي ممزوج بالتأمل، ومعتمد على الاستثمار بالطاقة الإنتاجية، التي يجسدها المهندس داغر وعمل على تنفيذها على مدار عقدين من الزمن.


- العمل جار لتحويل فرخة إلى قرية بيئية

فلسفة القرية البيئية
فلسفة القرية البيئية تقوم على عدد من المدخلات العصرية الحديثة في فلسطين، حيث تعتمد الفكرة على نمط بيئي حديث يستند بالأساس على قيام مجموعة من المزارعين بأنشطة زراعية وبيئية تشكل نمط حياة متجدد حول التعاطي مع المصادر البيئية المتاحة، بحيث يتم المحافظة على تلك المصادر وتنميتها بالشكل الأمثل عبر مجموعة من المشاريع والأنشطة البيئية، لتشكل في نهاية المطاف التنمية المستدامة المنشودة.

وخلال العامين 2014-2015م خضع 30 ناشطاً بيئيا من بينهم مزارعين ومهندسين زراعيين ونشطاء أجانب، لتدريب مكثف حول تصميم القرى البيئية وأهمية تلك القرى في واقع حياة الإنسان.

خلال التدريب، تم التطرق الى احتياجات القرية التنموية والبيئية لتشكل قاعدة بيانات يتم الاستناد عليها في إنشاء إستراتيجية لتلك القرية، حيث كانت مخرجات التدريب تنصب في إنشاء مكتبة عامة في القرية، ترميم الحارة القديمة في القرية بصفتها إرث تاريخي يجب الحفاظ عليه، كذلك تنفيذ عدد من مشاريع الحصاد المائي والحفاظ على الماء في التربة، بالإضافة الى زراعة الأشجار في محيط القرية لتعكس الجانب الجمالي فيها، كما تم التركيز على أهمية الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة البديلة المتجددة واستخدامها في الزراعة.

من أبرز المخرجات أيضا: إيجاد حل وآلية صحيحة لتدوير النفايات الصلبة، وكذلك التركيز على استغلال المواد العضوية في تسميد التربة والابتعاد عن الكيماويات.

ويرى داغر أن تلك الخطوات والمخرجات بحاجة إلى المزيد من العمل والأنشطة لتنفيذها، للوصول الى التنمية المستدامة، حيث يرى من الإعلان عن قرية فرخه كقرية بيئية خطوة هامة نحو تحقيق حلمه الذي سعى نحو تنفيذه رغم كافة العقبات التي كانت تعترض طريقه، لكن إصراره وقناعته التامة بأهمية التنمية الريفية على أسس بيئية صحية، كانت كفيلة لتحقيق نجاحه.


- فرخة أول قرية بيئية في الضفة الغربية وقطاع غزة

مسيرة كفاح بيئي
البداية كما يشير المهندس داغر كانت منذ مطلع التسعينيات حيث عمل مديرا لمكتب الاغاثة الزراعية فرع رام الله والبيرة حتى نهاية عام 2002م، وخلال تلك الفترة وعبر عمله كمرشد زراعي، تبلورت لديه فكرة خلق مشاريع تنموية مستدامة تهدف الى تطوير قطاع الأراضي الزراعية وتنمية المرأة في الريف الفلسطيني، عبر الاستعانة بالنمط البيئي لتنفيذ أجندة المشروع.

وتعتمد الفكرة على اختيار ثلاثة تجمعات ريفية في كل محافظة قريبة من بعضها لتنفيذ المشروع، ومن ثم الانطلاق الى ثلاث قرى اخرى مجاورة بعد الانتهاء من تلك الأولى لنقل الفكرة إليها، مع ربط القرى الجديدة من الناحية التنموية مع القرى السابقة عبر ما يعرف بالسلسلة العنقودية، ما يعزز بذلك مفهوم التنمية الزراعية وينمي قدرات المزارعين الإنتاجية، بالتوازي مع الاستمرار في إرشاد المزارعين نحو زراعة صحية تعتمد على المدخلات البيئية والعضوية.

لكن هذه الفكرة لم تخرج فعليا الى حيز التنفيذ نتيجة لأسباب تمويلية وإدارية، لكن إصرار المهندس داغر كانت كفيلة للاستمرار بهذا المضمار، حيث كان يمتلك مزرعة نموذجية في قريته الأم "مزارع النوباني" شمال مدينة رام الله، وكان يكرس كل إمكانياته وخبراته في مجال الزراعة البيئية الخالية من الكيماويات في تلك المزرعة.

بل كان يتخذ من مزرعته حقل مشاهدة في إقناع الكثير من المزارعين حول أهمية الزراعة البيئية، في الحفاظ على الموروث الزراعي والتنوع البيئي والحيوي للنبات.



إنشاء مزرعة للخضار العضوية...
في صيف عام 2002م انتقل المهندس داغر للعمل في مدارس الفرندز في مدينة رام الله ضمن مشروع التوعية البيئية الممول من مؤسسة " هرنش بل"، حيث تم إنشاء حديقة بيئية تعتمد على الزراعات العضوية الخالية من الكيماويات، حيث يشير داغر إلى أن تلك المزرعة حققت نجاحا مميزا فهناك الكثير من المواطنين الذين كانوا يتوجهون لشراء منتجات المزرعة من الخضار، انطلاقا من قناعاتهم الذاتية بالزراعات البعيدة عن المكافحة الكيميائية.

بالتوازي مع ذلك، لم يدخر المهندس داغر جهدا في نشر الوعي البيئي بين شرائح المجتمع خاصة فئة المزارعين، حيث كان ينظم العديد من الورش التثقيفية التوعوية في مناطق متفرقة في الضفة الغربية.

فرخة... الغاية والوسيلة
يرى المهندس داغر أن عمله كمدير لجمعية المهندسين الزراعيين العرب منذ عام 2008م شكّل نقطة انطلاق نحو هدفه المنشود، حيث بدأ بتطبيق فكرته بالزراعة العضوية على نطاق أوسع، عبر مشروع يشتمل على الزراعة البيئية ودورات تدريبية وخطط لإدارة النفايات الصلبة بطرق بيئية صحية، تساهم في حماية الطبيعة والموروث البيئي في المجتمع، وذلك في عدد من التجمعات في محافظتي رام الله وأريحا.

وبعد نجاحه في الإعلان عن فرخه كقرية بيئية، يطمح داغر نحو تكريس التجربة في عدة قرى أخرى في الريف الفلسطيني الجميل، بحيث تشكّل تلك القرى البيئية نواةً نحو الزراعة البيئية المنشودة والأكثر استدامة.


قرية فلسطينية تسعى أن تكون نموذجا للزراعة العضوية
فرخة (الضفة الغربية) علي صوافطة (رويترز ) - تسعى قرية فرخة الفلسطينية الواقعة على تل تكسوه أشجار الزيتون وسط الضفة الغربية أن تكون نموذجا ومصدر إلهام لقرى أخرى بشأن الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية وإنتاج المحاصيل الزراعية بدون استخدام المواد الكيماوية.


واختار نشطاء من القرية جانب تل من أراضيها وبدأوا قبل سنوات العمل على استصلاحه وزراعته بأشجار اللوز والتين والمشمش والخوخ والحمضيات والخضر فضلا عن النباتات الطبية وأطلقوا عليها مزرعة (قمر البلد).