جيزان (واس) : رسم البحر ملامح البساطة على محيا الإنسان في جازان، حين ارتبطت حياة ذلك الإنسان بالبحر منذ القدم، فأطل عبر قاربه الشراعي، ومجدافه، وسنّارته، وعدة صيده، وهو يثب نحو الحياة، في رحلة كفاح يومية، سبر معها أغوار البحر أو كاد.. فكانت إطلالته قصة عشق لأمواج تعايش معها، لتزفّه في رحلات غدوه ورواحه نحو رزق يومه راضيًا بما قسم الله له من قوت يومه.



وشكلت رحلة البحر اليومية جزءًا من تاريخ أهالي جازان، الذين ظلّ جلّهم أوفياء للبحر عبر السنين، حتى توارث أبنائهم ذلك الحب، وظلوا أوفياء لمهنة صيد الأسماك، حتى وإن ارتبطوا بأعمال ووظائف متنوعة، إلا أن عشق البحر ورحلات الصيد، ظلت جزءًا من حياتهم وحياة أبنائهم، كإرث جميل بين الأجيال.



ويمثل مرسى الصيادين الحرفيين بمركز الحافة نقطة انطلاق يومية للصيادين بمدينة جيزان، وقد أسهم المرسى في جودة الخدمات المقدمة للصيادين، حيث تم إنشاؤه على مساحة 631,818 مترًا مربعًا ويضم كاسر أمواج وحماية صخرية، ومنصات للمراكب الصغيرة والكبيرة تستوعب أكثر 1250 مركبًا، إلى جانب الخدمات المساندة، فيما تنتشر مرافئ الصيد البحرية بمنطقة جازان في كل من المضايا والسّهي والموسّم والمقعد والسميرات وبيش والشقيق والقوز والخور وجنابه وتبته وسواحل قماح وجبال الإصباح والصدين وخور السقيد وأبو الطوق والماشي، لتشهد على رحلات الكفاح التي يخوضها أكثر من 5554 صيادًا بين صيادين تقليدين وصيادين راجلين وعمال صيد وصيادين مستثمرين، فضلا عن المتنزهين.



وتشهد رحلات الصيد اليومية عبر المرافئ على إتقان الصيادين لأنواع الصيد وطرقه التي تختلف من وقت لآخر تبعا لنوع السمك المراد اصطياده، فتستخدم شباك الصيد تارة وتستخدم السنّارة (الجلب) تارة، أو (المجرور) تارة أخرى، كما يختلف وقت اصطياد أنواع من السمك بين الليل أو النهار، فمن سمك الديراك (الكنعد) إلى العربي والسيجان والبياض والشعور والهامور وغيرها، فيما تطورت القوارب ووسائل الصيد عبر شباك الجر وشباك الشانشولا، في الوقت الذي ظل الصياد هنا وفيًّا للبحر، متطورًا في أساليب الصيد ووسائله.



وعزز مركز أبحاث الثروة السمكية بمنطقة جازان من تنظيم عمليات الصيد البحري في شواطئ المنطقة التي تمتد لأكثر من 250 كيلومترًا من الشقيق شمالًا وحتى الموسّم جنوبًا، مقدمًا خدماته للصيادين بجميع فئاتهم، فيما استغل المركز تميز سواحل جازان بوفرة العوامل البيئية الملائمة لنمو وازدهار الثروة السمكية على امتداد مياهها الإقليمية وسواحلها على البحر الأحمر، محافظًا على البيئة البحرية من التلوث من خلال الإشراف على الشواطئ ومنع رمي المخلفات الضارة بالبيئة، والإشراف على مراسي الصيد وتنفيذ جولات على مشروعات الاستزراع المائي ومتابعة حالات نفوق بعض الكائنات البحرية.



وأسهم المركز في إصدار 118 رخصة صيد حرفي العام الماضي، بالإضافة إلى 156 رخصة صيد للعمال السعوديين، و 428 رخصة مؤقتة للعمالة و13 رخصة غوص، و68 رخصة صياد راجل، إلى جانب تجديد الرخص، كما منح المركز تأييدا لطلبات قروض صندوق التنمية الزراعية من خلال استخراج 115 قرضًا، وإنهاء 1903 معاملات صادرة للصيادين للجهات الحكومية، وإنهاء إجراءات 57 عقدًا من عقود المبايعات بين الصيادين والمستثمرين.



كما يقوم مركز أبحاث الثروة السمكية بمنطقة جازان بالعمل على جمع البيانات الإحصائية الأساسية عن كمية الصيد من المصايد الحرفية والتجارية للأسماك والربيان وإجراء المسوحات العامة لمناطق الصيد واكتشاف مناطق الصيد الجديدة ودراسة التغيرات الموسمية لكميات صيد الأسماك السابحة والقاعية والربيان والقشريات الأخرى والرخويات ذات الأهمية الاقتصادية والعمل على تحسين طرق الصيد المستخدمة وإدخال وسائل تكنولوجية حديثة للصيد تلاءم الظروف المحلية إلى جانب العمل على تعزيز الوعي العام بأهمية الثروة السمكية والحفاظ عليها وحمايتها من الصيد الجائر والتلوث البيئي.â€ھ‬



ويعمل قسم المصائد البحرية بالمركز الدراسات البيولوجية على مخزون الربيان وعمل القياسات المورفولوجي على أسماك الكنعد وذلك بالتعاون مع عدد من المراكز والمؤسسات المتخصصة ومراقبة فترات الحظر المحدد لبعض أنواع الأسماك ومراقبة المراكب للتأكد من نظامية شباك الصيد بما يساعد في الحفاظ على الثروة السمكية، إلى جانب تنفيذ دراسات بيولوجية عن الربيان بالتعاون مع جامعة جازان.



بدوره أسهم فرع صندوق التنمية الزراعية بمنطقة جازان في تقديم 1066 قرضًا لصيادي الأسماك منذ افتتاح الفرع بالمنطقة مطلع العام 1395هـ، وذلك بقيمة بلغت 96,022,277 ريالًا، فيما بلغت القروض قصيرة الأجل لشراء معدات صيد الأسماك العام الماضي 322,550 ريالا.



وتُعد منطقة جازان واحدة من أكثر مناطق الإنتاج السمكي على البحر الأحمر حيث بلغت كميات إنتاجها نحو 8000 طن متري من الأسماك سنويًا، حيث تمتاز جازان بتوافر أنواع الأسماك التجارية طوال العام مثل الديراك " الكنعد " والهامور والشعور والبياض والعقام وأسماك التونة والباغة إلى جانب الربيان والقشريات والرخويات الأخرى والتي يتم صيدها معظم أيام العام، فيما ساعد وجود مساحات من أشجار الشورى "المانجروف" من توافر كميات كبيرة من الثروة السمكية بمنطقة جازان.



ويحافظ شباب جازان على مهنة آبائهم وأجدادهم وعشقهم للبحر، مطورين وسائل الصيد، في وقت ازدهرت فيه رياضة الصيد بالسنارة واستهوت الكثيرين من هواة البحر، فهؤلاء الهواة هم أولئك الأطفال الذين قضوا فترات من طفولتهم ومراحل عمرهم في رحلات البحر مع آبائهم، فورثوا عشق البحر، وأسهموا في تأسيس مجموعات تهتم بهذا العشق، منها إتحاد سنارة جازان، الذي يضم أعضاء من أطباء ومهندسين ومعلمين، حيث تسهم مجموعتهم في الحفاظ على المهنة ونشر ثقافة الحفاظ على البيئة والثروات البحرية، ونشر ثقافة "رده بحر" بإرجاع الأسماك الصغيرة للبحر، متمنين أن يحظوا باهتمام من قبل الاتحاد السعودي للرياضات البحرية في دعم نشاطاتهم البحرية.