هبقة الطفرة الأولى


قبل أكثر من خمسة عقود كان الناس يتعايشون ويعايشون البساطة والعفوية في علاقاتهم ومناسباتهم الأسرية والإجتماعية حيث كانت الجارات يتبادلن تهادي حفنات صغيرة من الرز والسكر والشاهي والبن والهيل وحتى الطعام في أوان صغيرة بمايعرف (بالطعمه) ولكن هذه الأواني مليئة بالحب والقناعة والشبع حيث يتراكض مناديب أهل الولائم من الصبية وهم يحملون بعض الأواني المتروسة بالرزوالقرصان والجريش مع المتيسر
من اللحم لتوزيعها على الجيران ( طعمه )
فيتقبلون الطعمة والطعام بأنفس راضية وأنفاس حامدة شاكرة فمتقبل طعمة اليوم سيطعم جيرانه في الغد على إثر وليمة يحضرها كبار السن من الجيران ويتحلق حول السفرة من بعدهم صغار السن وأهل الوليمه
لقد كانت أيام مشرقة ومترعة بالحب والوفاء وحسن الجوار والغيرة من الجميع على محارم الحي حتى من أنفسهم حتى أن بعضهم يتعثر في خطاه غاضا بصره عند مصادفته مرور بعض نساء الحي في نفس مساره حتى أن بعض الرجال يصطدم بالجدران كأنه السكران بل ربما غير اتجاهه حياءا وتعففا


لكن وفجأة في أوائل الثمانينات الهجرية غزت هذه المجتمعات البسيطة الطفرة الاقتصادية الأولى كموجة اقتصادية شديدة الوقع حيث عصفت بهذه المجتمعات البسيطة ودمرت كثيرا من المفاهيم والعادات والقيم والمثاليات بل والمباديء وزلزلتها زلزالا شديدا فهجركثير من الناس بيوتهم الطينية بعد أن بنوا وسكنوا الفلل الحديثة وملؤا فنائاتها بالزهور والورود النادر مستبدلين القطط والدجاج ببعض الحيوانات المفترسة بما في ذلك الكلاب المدربة والنمورالمستأنسة وحتى الثعابين الضخمة الغير سامة

ويقال أن بعض النساء الحوامل أسقطن أجنتهن قبل أوانهم من شدة الخوف والهلع في حين يتندر بعض أولي النعمة الهابطة بإطلاق بعض المفترسات المستأنسة على ضيوفهم منتهكين بذلك وقارهم وأنفتهم وترفعهم عن المزاح السمج حتى أن أحدهم اضطر للدفاع عن مهابته وقامته الرجولية بإطلاق النار على قائمة نمر مستأنس يملكه أحد السفهاء

وفي ظل هذه العاصفة الهوجاء أو العاصوف التسونامي تغيرت عقليات ونفسيات البعض من ساكني بيوت الطين
(سابقا الله يسقي أيامها ) حتى أن أحدهم جائه أحدجيرانه من ساكني بيوت الطين بطعمة فرفضها بتأفف ونفخة كذابة وهو يقول حنّا لانقبل الصدقات وآخر يأمر خدمه بوضعها في صناديق الزبالة ونسي بعضم أو تناسى سيارة الأجرة المتهالكة خاصته المركونة في إحدى الزوايا شبه المهجورة في الحي الطيني القديم كيف لا وقد أصبح من واضعي البشوت الثمينة على الذراع والكتفين ممتطيا سيارة فارهة يقودها سائق خاص أنيق بعد أن يفتح له الباب الخلفي لينثبر في مقعده الوثير جدا

ومن مظاهر البطر بالنعمة إنعكاس هذا البطر على الممارسات الإجتماعية اليومية وتبعا لذلك فقد ازدهرت الحركة العقارية خصوصا في الأراضي والمخططات السكنية حيث يتم البيع والشراء فقط وبدون معلومات غير الوصف الشفهي وفي أحسن الأحوال بمجرد الإطلاع سريعا على صكوك الملكيه
بل بلغ الهوس العقاري حدا غير معقول فمثلا يعرض أحدهم أرضا خارج النطاق العمراني بالملايين من الريالات أثناء لعب البلوت ويتم المزاد أثناء اللعب بمنتهى العنجهية والجهل المركب والمكتسب وبعد انحسار موجة التسونامي العقارية ونتيجة الثراء الفاحش والمفاجي وبسبب جهل وحماقة بعضهم عاد لسابق حاله فمنهم من عاد لحماره وهو أجهل منه وآخر عاد لاستصلاح سيارة الأجرة المتهالكه

وكاتب هذا الموضوع كان أحد ضحايا هذه الطفرة وإن شئتم الهبقه
فقد كان والد أحد الزملاء رحمهما الله يملك أرضا على طريق الخرج القديم مساحتها 200×200م مربع ماتسوى حتى عشرين ألف ريال أيامها واستطعت أنا وزميلي إقناع أحد الأثرياء بشرائها بثمانمائة ألف ريال بل وقبضنا العربون عشرين ألف ريال وعندما عرضنا السومة على الشايب وقلنا له ثمانمائه فرفض ولدهشتنا قال أوافق على عشرة آلاف واستطرد الأراضي مرتفعة هاليومين وانا مناب مغفل حتى ابيع بثمان مية ريال ففاجئه زميلي قائلا يبه السوم بثمانمائة ألف ريال ومعنا عربون عشرين الف ريال

وفجأة سقط والد زميلي على أحد جانبيه وخرج الزبد من شدقيه فقد أصابته الجلطه في رأسه وتم نقل والده إلى مصر لتلقي العلاج وعند عودته بعد بضعة أشهر عاودنا العرض ولصدمتنا فقد رفض قائلا وصلوها العقم يعني المليون فرفض الزبون وضعنا في هبقات أصحاب الملايين وعدنا حافيين حتى بدون خفي حنين
وقد باعها وسيط عقاري محترف بمبلغ 2مليون ونص

حفلات الأعراس في الرياض ونجد كلها كانت بسيطة وتقام في البيوت حيث تتجمع النساء غير بعيد من الأحواش أو حتى الشارع الذي يضم الخاصة والعامة من الرجال وكلها بضعة رؤوس من الغنم ولا تأتي الساعة العاشرة والنصف حتى يخف الصخب وإذا جات الساعة الثانية عشرة تحمر العيون وتتمايل الرؤوس من النعاس وكلن ياكل لقمته ويقضبون الشارع بدون تكلف راجلين أو راكبين من كبار السن والنسوة وهم يتشعبطون العربات الكررو التي تجرها الحمير بدون أنوار
وحتى لاتشمخ وتمصخ أعتقد كذا كفايه وفهمكم كفايه