بريدة - د. عبد الله المسند (كون) : في سباق محموم في جمع المال والمتاجرة بأي شيء حتى في موارد طبيعية من الصعب جداً تعويضها، والمتاجرة في موارد طبيعية مشاعة للجميع وليست ملك أحد بعينه، والمتاجرة في موارد طبيعية أدركت الدولة أهمية الحفاظ عليها فمنعت الاحتطاب وفي المقابل وأوجدت البديل عبر جلب واستيراد الحطب من دول غنية بمواردها الطبيعية البيئية ..



ولكن!! هناك فئة لم تحترم التشريعات في هذا الشأن! ويريدونها فوضى!! ولا يكترثون بحماية البيئة الطبيعية وفقاً لأوامر الشريعة الإسلامية! هؤلاء يمارسون الإفساد في الأرض ـ وللأسف ـ على حساب الآخرين وعلى حساب موارد طبيعية فقيرة، ويُخلون بالتوازن الطبيعي، وهم ينسون أو يتناسون أن الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار كما جاء في الحديث الشريف، بل وتمارس هذه الفئة تدمير عناصر البيئة وكأن الساعة تقوم غداً !! وحتى {إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها} كما أخبر بذلك رجل البيئة الأول وقدوتنا صلى الله عليه وسلم.

*****
وفي زيارتي الأخيرة لجبل طخفة وأوديتها العذراء والتي تعد من أجمل المناطق السياحية البرية في منطقة القصيم بل وفي نجد أيضاً، حيث تتميز كما يعلم من زارها بجبالها الشاهقة وأشجارها الباسقة وأوديتها الفسيحة وأجوائها العليلة ومظاهرها الطبوغرافية المميزة، علاوة على مئات من أشجار الطلح المعمرة والكثيفة الانتشار، كما تتميز أشجارها بأحجامها الكبيرة وطول أعمار بعضها الذي يناهز 350 سنة .. لذا تعتبر طخفة قبلة سياحية واعدة ومزاراً للمكاشيت شتاءً وصيفاً على حد سواء.

*****





ولقد فُجعت في زيارتي الأخيرة في ربيع الأول 1430هـ بما رأيت وشاهدت! حيث ضرب "الإرهاب البيئي المنظم" أطنابه في أودية طخفة الجميلة، في عمليات قطع ونشر جماعية لأشجار الطلح المعمرة بالمناشير الكهربائية وسحبها وتقطيعها ومن ثم بيعها، حيث لاحظ زوار طخفة بصمات الإفساد البيئي عبر عشرات الأشجار المقطوعة بشكل منظم بل وجريء، الأمر الذي أدهش الجميع، حيث عمد المفسدون (أصلحهم الله) إلى قطع شجرة معروفة كأكبر شجرة طلحة في نجد في عمل دنيء وأناني، وتخلف وطني وضعف ديني وإفساد في الأرض أيضاً، وقد نهى سبحانه وتعالى عن الإفساد في الأرض فقال: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}.

*****



وكما يعلم الكثير فقد ورد النهي عن قطع شجرة السدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار) صححه الألباني، وقد حمل أبو داودرحمه الله ذلك على السدر الذي يكون بالفلاة يستظل به الناس. قال البيهقي: الأولى حمله على ما حمله عليه أبو داود، وهو أن النهي والوعيد في من اعتدى على شجرة سدر أو نحوها مما ينتفع به الناس والدواب بظله أو ثمرته فلا يجوزقطعه ظلماً وعدواناً بغير حق. وفي مقابل النهي والتشديد في شأن قطع الأشجار نجد الترغيب في غرس الأشجار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها( صححه الألباني.

*****



وفي الختام أدعوكم إلى الإطلاع على صور محزنة مخجلة مفزعة مقلقة .. وهي قليل من كثير وغيض من فيض والله لا يصلح عمل المفسدين .. وكما عودتمونا بغيرتكم الدينية والوطنية كما البيئية أيضاً في هذا المنتدى الشامخ فإني أدعوكم إلى التكاتف والتعاون وتضافر الجهود في سبيل وقف المفسدين وردعهم بكل وسيلة حضارية وقانونية .. بل ومحاولة إصلاح ما أفسدوه من خلال استنبات أشجار الطلح وغيرها .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. كما أدعو إلى رفع هذه المذكرة أفراداً وجماعات للجهات المعنية فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن والله المستعان .. علماً أن قطع الأشجار هناك يبدو قائم بشكل أسبوعي .. وكل أسبوع يمضي نخسر 100 سنة أو 300 سنة بسبب هؤلاء أصلحهم الله.

وعلى دروب الخير نلتقي فنستقي ونرتقي.
حفظكم الباري إخواني .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بقلم : د. عبد الله المسند
رئيس المجموعة التخصصية لدراسات المناخ والبيئة والمياه في الجمعية الجغرافية السعودية