مسقط - صلاح بن خليفة المقبالي (أثير) : ظاهرة سلبية دخيلة غزت فلذة أكباد مجتمعنا العماني، فشبابنا هم عصب حياة هذا المجتمع وعماده، وظاهرة “الترقيم” على الدارج في تسميتها، نجدها تتردد في كثير من ألسن الشباب، فمنهم معارض لها وبعضهم يراها – مع الأسف – مفخرة أمام أقرانه، إلا أن المجتمع يراها من خوارم المروءة التي تحط من قدر الرجال إلى أسفل سافلين، فهي استهانة بكل أحكام الشرع الحنيف، وكأن مرتكبها قد نزعت الغيرة من قلبه، وبالمصطلح القانوني هي فعل مخالف للنظام العام والآداب العامة، وعلى كل من تسول له نفسه إتيان هذا الفعل أن يتقي الله سبحانه وتعالى حق تقاته، وأن يترفع عن مثل هذه الأفعال، وألا ينجر خلف الشهوات والتقليد الأعمى.



وفي هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” سوف نتحدث عن هذا الموضوع وهو في غاية الأهمية، وحساس جداً، إذ إن هذا الأمر يخدش الحياء العام وينتهك حرمة الحياة الخاصة، وذلك بأن يقوم بعض الشباب بمطاردة الفتيات في الأسواق والأماكن العامة مثل (الحدائق والمجمعات التجارية والجامعات وغيرها) وذلك بهدف الحصول على أرقام هواتفهن للتواصل معهن بعد ذلك، وهذه العادة دخيلة على مجتمعنا المحافظ، وسلوك يتنافى مع أخلاقنا وقيمنا الإسلامية التي زرعت فينا ثقافة العفة والحياء وعدم الخوض في سقط المتاع.

وقد يتساءل البعض هل هذا السلوك مجرم قانوناً ؟

جواب ذلك أن قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/74) وتعديلاته، لم يتعرض لتجريم مثل هذا الفعل سواء بمسماه الدارج أو أن يخلع عليه مسمى آخر، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال أن من يأتيه سيكون في منجى من العقاب، حيث إن هذه الأفعال إذا ما حدثت ووقعت في الأماكن العامة تعد سلوكا إجراميا يعاقب عليه القانون، ووفقاً لقانون الجزاء العماني فإن هذا السلوك مؤثم وفق نص المادة (269) منه والتي نصت بـ: “يعاقب بالسجن من عشرة أيام إلى ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرة ريالات كل من أهان كرامة أحد الناس بإحدى الوسائل المذكورة في المادة (34) من هذا القانون. وتتوقف الملاحقة على اتخاذ المعتدى عليه، أو أقربائه حتى الدرجة الرابعة إذا كانت الإهانة موجهة إلى ميت، صفة الادعاء الشخصي، وللقاضي أن يعفي الفريقين أو أحدهما من العقوبة إذا كان المعتدى عليه قد تسبب الإهانة بعمل غير محق أو كانت الإهانة متبادلة”.



ونصت المادة (34) من القانون ذاته، بـ “تعتبر جرائم علنية الجرائم التي تنشر بالوسائل التالية:

1-الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو إذا شوهدت بسبب خطأ الفاعل من قبل من لا دخل له في الفعل.

2-الكلام والصراخ سواء جهر بها الفاعل أو نقلت بالوسائل الآلية بحيث يسمعها من كلا الحالين من لا دخل له في الفعل.

3-الكتابة والرسوم والصور اليدوية أو الشمسية والأفلام والشارات على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو في مكان معرض للأنظار أو مباح للجهور”.

وعليه يتضح لنا من خلال نص المادتين السابقتين أن هذا السلوك يشكل وفق الوصف القانوني جريمة ”الإهانة” أو “إهانة الكرامة” المؤثمة بنص المادة (269) من قانون الجزاء العماني، والتي ممن الممكن أن تقع بأي فعل سواء كانت بأقوال أو أفعال أو بالإشارة والإيماءة المفهومة عرفاً أو الكتابة أو وسائل الاتصال، وتؤدي هذه الأفعال إلى الحط من كرامة من وقعت عليه، وتخدش صفوها، إلا أن ذلك مشروط أن تكون في مكان علني أو أن تصل إلى سمع أو بصر من لا دخل له في الفعل، وعقوبتها تتراوح بين مدة حبس أقلها عشرة أيام وأكثرها ستة أشهر، أو أن يتم توقيع غرامة مالية عليه لا تتجاوز عشرة ريالات، وتوقيع هذه العقوبة يقع على عاتق القاضي الذي ينظر في هذه الجنحة، وهو الذي يقرر العقوبة بحسب ما تسفر عنه التحقيقات والأدلة ويقيسها مع جسامة الفعل المرتكب.



وفي هذا الصدد، ولمّا كانت هذه الجريمة تتعلق بشخص من وقعت عليه، وعقوبتها عقوبة تأديبية، يثور لدى الكثير من الناس سؤال آخر هو: من له الحق في تحريك الدعوى العمومية في هذه الجريمة، هل للادعاء العام بموجب اختصاصه أن ينشط لها بنفسه ويحيل مرتكبيها حال ضبطهم من قبل مأموري الضبط القضائي، أم هي تكون معلقة بشكوى المجني عليه؟

والجواب أن الجريمة المشار إليها في المادة (269) من قانون الجزاء العماني تُعدُ من الدعاوى المقيدة على شكوى من قبل المجنى عليه أو المتضرر، وتقدم الشكوى لدى الادعاء العام المختص ويتحدد الادعاء العام المختص بمقر المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها نظر الدعوى الجزائية بعد إحالتها وهي التي وقع في دائرة اختصاصها الجرم، أو في موطن الجاني “المتهم” أو الذي يقبض عليه فيه بحسب ما قرره المرسوم السلطاني رقم (97/99) بإصدار قانون الإجراءات الجزائية في المادة (141)، وإذ إن أمر تحريك هذا النوع من الدعاوى مقيد بشكوى فإنها بالتالي وتبعاً لذلك تسقط بالتنازل من قبل المعتدى عليه.

المصدر