الريش المغرب (ماراكو برس) : ما تزال الكثير من الجماعات القروية والحضرية بالنفوذ الترابي لجهة درعة تافيلالت، خصوصا تلك الواقعة بالمناطق النائية، تفتقد إلى مجموعة من الشروط التي تساعد على تحقيق معيشة كريمة للساكنة، بسبب الحرمان والتهميش المفروض عليها من قبل المسؤولين الإقليميين والجهويين وكذا القطاعات المركزية.



وما تزال الكثير من هذه الجماعات الترابية تعاني من غياب أبسط متطلبات الحياة، ليبقي سكانها يكابدون عوامل طبيعية قاسية وأخرى بشرية فرضها تهرب الجهات المسؤولة من خدمة مثل هذه المناطق النائية بأفقر جهة في المغرب، التي تساهم في المقابل في خلق التنمية في المدن الكبرى، وهو ما وصفه عدد من المواطنين في تصريحات متطابقة لهسبريس بكون الدولة المغربية “كتزيد الشحمة في ظهر المعلوف”.

مدينة الريش نموذج لهذه الجماعات الترابية التي تتهرب الدولة المغربية من خدمتها قصد تنميتها لتكون مصدرا وموردا اقتصاديا يساهم في توفير اليد العاملة والمساهمة في الرفع من الاقتصاد الوطني، إلا أن التجاهل في حق سكان هذه المدينة جعلهم فئة غير مسموح لها بالعيش الكريم بعد أن فقدت الكثير من حقوق وجب توفيرها، وليس من حقها حتى الحلم في مستقبل أفضل، وهو ما جعلها تستسلم لأمر الواقع “وتقضي الحاجة بما هو متوفر”.

من يزور مدينة الريش لأول مرة سيصادف واقعا مأسويا؛ حيث تغيب عنها أبسط ظروف ومتطلبات الحياة، بسبب غياب مشاريع تنموية من شأنها أن تخلق فرص الشغل لأهل المنطقة، وغياب مرافق عمومية اجتماعية لتوفير أماكن للترفيه لأبنائها وإظهار مواهبهم في مختلف المجالات.



وتبقى ظروف معيشة ساكنة الريش محدودة لكون نشاطها يتركز حول الفلاحة والقليل من التجارة لا غير، كما أن واقع التنمية ما يزال مطلوبا منذ عقود بالرغم من الوعود التي يطلقها المسؤولون المنتخبون في حملاتهم الانتخابية بتجسيد مشاريع تزيل هموم السكان.

تقع مدينة الريش بين مدينتي الرشيدية وميدلت، وتبعد عن الأولى بـ 66 كلم وعن الثانية بـ 75 كلم، وتوجد بين مفترق الطرق التي تتجه نحو مكناس وواحة تافيلالت وإلى تنغير عبر أسول وإملشيل.

تم تأسيس الجماعة القروية للريش سنة 1959، وتحولت سنة 1992 إلى جماعة حضرية “بلدية”، وتضم حاليا حوالي 23 دائرة انتخابية حسب التقطيع الانتخابي الأخير.

“الريش” كلمة أمازيغية تعني بالعربية “ركام من الحجر”ـ وتتوفر المنطقة على عدد مهم من المواقع الطبيعية والسياحية ومن القصور والقصبات، ولعل حمامات مولاي علي الشريف، وحمامات مولاي هاشم، من أبرز المناطق التي يقصدوها السياح من كل مكان.



تأهيل مركز الريش
تبقى مدينة الريش، التي تقع بالنفوذ الترابي لإقليم ميدلت، تقبع في ذيل لائحة المدن الأكثر فقرا بجهة درعة تافيلالت؛ حيث لا يزال سكانها يتنفسون الفقر ويلتحفون التهميش والعزلة.

لا تزال الريش تتخبط في عزلة قاتلة وتعاني مخلفات التهميش، التي فرضتها السياسة الممنهجة من قبل الجهات المنتخبة المتعاقبة على تسيير الشأن المحلي، وكذا عدم اهتمام القطاعات الحكومية بهذه المنطقة، ما حرمها من عدة مشاريع تنموية؛ فلا طرقا مدت ولا مشاريع اجتماعية أو ثقافية دشنت، بالرغم من احتضان ترابها لمواقع تاريخية مهمة.

تقع مدينة الريش في جهة تصنف “أفقر جهة بالمغرب”؛ إذ لازالت هذه المدينة تتخبط في دوامة من الحرمان والفقر والتهميش منذ عقود من الزمن، ولم تتغير رغم الاعتمادات المالية المخصصة لإقليم ميدلت المنتمية إليه خلال كل الزيارات الملكية التي قام بها العاهل المغربي في السنوات الأخيرة إلى هذه المنطقة، وكذا تعاقب مجموعة من الرؤساء على إدارة شؤون المدينة. فقد بقيت تنتظر حلم التغيير الذي قد يأتي أو يتخلف عن الموعد، فتضيع معه أحلام آلاف من السكان الذين ينتظرون تجسيد مشاريع تنموية واقتصادية وفلاحية بالمنطقة، لانتشالهم من دائرة اليأس الذي يعيشونه.

سعيد أقسو، أحد سكان مركز الريش، قال إن حدة المعاناة بالمدينة تزداد بسبب جملة من النقائص والمشاكل لأسباب لم تعرف، باستثناء التجاهل من قبل المسؤولين.

وأردف بأن التجاهل هو العنوان البارز الذي عبر عنه السكان في العديد من المناسبات، وكذا في الشكاوى العديدة التي طرحت على المسؤولين للنهوض بالمنطقة وتأهيلها، رغم احتوائها على العديد من المؤهلات الطبيعية التي لا يستفيد منها أبناء المنطقة في ظل البطالة التي تحاصرهم.

وأضاف موضحا: “مركز مدينة الريش بقي على حاله منذ سنوات رغم بعض الترقيعات لإيهام الساكنة بأن الإصلاح قادم؛ فجميع الأزقة والشوارع لا تصلح للسير عليها في أوقات تساقط الأمطار بسبب كثرة الحفر وعدم تدخل المجلس البلدي لتهيئتها ولحماية ممتلكات الساكنة من الأعطاب وما قد تنتجه مثل هذه المشاكل البنيوية”.

وكما عاينت هسبريس، فإن مركز الريش لازال في أمس الحاجة إلى تنزيل مشاريع تنموية كبيرة لتغيير ملامح الوجه الشاحب للمدينة، من قبيل المنتزهات، وقاعات متعددة التخصصات، وملاعب القرب، والزيادة في الأقسام المدرسية لتخفيف الاكتظاظ، وتبليط الأزقة والشوارع، وبناء محطة طرقية.



المحطة الطرقية
تعيش المحطة الطرقية الحالية لمدينة الريش في كل مناسبة أو عطلة فوضى كبيرة تجعل المسافر يعيش لساعات جحيم الانتظار في البرد في أوقات الشتاء وفي الحر خلال الصيف، ما دفع العديد من أبناء الريش إلى مطالبة الجهات المسؤولة بإخراج اتفاقية سابقة تروم بناء محطة طرقية جديدة إلى حيز الوجود، مشددين على أن المسافرين من أبناء المنطقة والوافدين عليها من الزوار يعانون معاناة كبيرة مع المحطة الحالية لكونها تفتقر إلى مواصفات الراحة والاطمئنان.

سعيد ايت علي، فاعل جمعوي بدائرة الريش، قال لهسبريس إن “الساكنة والزوار يعيشان معاناة كبيرة يوميا مع شبه المحطة الطرقية الحالية”، واصفا إياها بـ “محطة الشارع”، ومطالبا المسؤولين بالجماعة الحضرية لمدينة الريش ببناء محطة طرقية جديدة تليق بالمدينة وساكنتها.

واعتبر المتحدث أنه “من العيب والعار أن تكون المدينة تتوفر على مؤهلات طبيعية وتاريخية وسياحية وفلاحية وهي بدون محطة طرقية. إنه حقا أمر مخجل”، بتعبير المتحدث.



وادي زيز “ملوث”
بالرغم من المخاطر التي قد تسببها مياه الصرف الصحي، من تلويث للبيئة والمساهمة في انتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة الناقلة للأمراض الخطيرة، فإن ساكنة مدينة الريش لازالت تعاني من تسرب هذه المياه إلى بعض الأزقة والشوارع، وهو ما يتسبب لها في معاناة يومية مع الروائح الكريهة التي تضر بصحة الصغار والشيوخ، كما أن وادي زيز يشهد كارثة بيئية خطيرة على مرأى من الجهات المسؤولة التي لزمت الصمت؛ حيث يتم التخلص من بعض قنوات الصرف الصحي بالوادي الذي تصل مياهه إلى الرشيدية.

وكما عاينت هسبريس، فإن التخلص من مياه الصرف الصحي بهذا الوادي يسبب في انتشار أنواع مختلفة من الحشرات والحيوانات، وهو ما يهدد الأمن الصحي للساكنة المتواجدة على طول ضفافه التي تستعمل مياهه في الكثير من المناسبات للشرب وقضاء بعض الأغراض المنزلية.

وفي هذا الإطار، قال حسن أعراب في حديث لهسبريس: “يجب على المجلس البلدي أن يتحمل مسؤوليته في هذا التصرف غير القانوني الذي يمكن أن يؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية خطيرة”.

وتابع: “سبق لنا أن راسلنا الجهات المسؤولة محليا وإقليميا وجهويا، وحتى الوزارة المكلفة بالماء والبيئة، من أجل إرسال لجنة مختلطة للوقوف على الأضرار التي تلحقها هذه المياه العادمة التي يتخلص منها بالوادي بصحة المواطنين، إلا أن رسائلنا وشكاياتنا يتعاملون معها بالإهمال واللامبالاة”، بتعبير المتحدث الذي حمّل المسؤولية إلى جميع المتدخلين في حالة وقوع كارثة بيئية أو ظهور أمراض بسبب هذا المشكل.



رؤية تنموية
وفي هذا الصدد، قالت رشيدة نعيم، فاعلة جمعية، إن مدينة الريش لها من المؤهلات ما يجعلها جوهرة ما وراء “نفق زعبل”، “غير أن الضبابية التي تسود برامج التنمية بالمدينة غالبا ما تدفعها إلى الفشل، سواء بسبب ضعف القيادات المحلية أو انعدام التمويل المستدام، ولا أحد ينظر إلى أن مداخل التنمية في هذا المجال متعددة، وتتنوع ما بين التاريخي والثقافي والجغرافي والفلاحي والسياسي الإداري”.

وأضافت الفاعلة الجمعوية: “لقد باتت الحاجة إلى مخطط تنموي واضح المعالم، يقوده الفاعل السياسي بتنسيق مع الفاعلين الترابيين بمختلف مستوياتهم وبشراكة مع فعاليات المجتمع المدني بالريش، ملحة ومصيرية لتحقيق إقلاع تنموي يأخذ بالخصوصيات السيوسيوـــ مجالية لهذا المجال الترابي، وينهل من جذوره التاريخية المتنوعة وموقعه الجغرافي المتميز، وهذا يقتضي بالضرورة إرساء آليات محلية لقيادة التنمية تنفتح على المخططات التنموية الإقليمية والجهوية والمركزية”.