تونس (الشروق) ـ تتواصل ازمة السكن في تونس خلال السنوات التي اعقبت الثورة إذ تزامن ارتفاع سعر الكراء مع ارتفاع سعر اشتراء المنازل وهي حالة يصفها المختصون في الشأن الاقتصادي بالاستثنائية إذ ان منطق السوق يفترض حركة عكسية بين السعريْن.



من يفك هذا اللغز التونسي ؟ وهل نحن إزاء أزمة عقارات ؟ ففي الوقت الذي بلغت فيه اسعار اكتراء المنازل اقصاها خاصة في المدن الكبرى حيث فاق اكتراء منزل عادي يتكون من قاعة استقبال وغرفتين في حي عادي الألف دينار فيما تصل هذه الاسعار الى الألف وخمس مئة دينار في الاحياء الراقية وتفوق 500 دينار في الاحياء الشعبية.

ازمة الغلاء انسحبت ايضا على الكراء في المنازل الخاصة بالطلبة ليصل سعر الغرفة الواحدة الاربع مئة دينار !

هذا الغلاء وجد له البعض تفسيرا منطقيا الا وهو التزايد الكبير لحجم الطلب على الكراء. وإذا ما زاد الطلب على الكراء خفّ الطلب على شراء العقارات لكن العكس صحيح في تونس إذ يرتفع سعرا الكراء والشراء بشكل متواز ! إذ تتراوح اسعار الشقق في السوق العقارية ما بين 150 الف دينار و450 الف دينار كما ان الحكومة اطلقت برنامجا لتشجيع الاسر ذات الدخل المتوسط على اقتناء منازل لا تقل اسعارها عن 200 الف دينار. يحدث كل هذا وسط تدهور متواصل للقدرة الشرائية فاق 50 ٪‏ ووسط انهيار متواصل لسعر الدينار التونسي امام العملات الاجنبيّة بلغ ثلاث نقاط امام الاورو ووسط اندثار مستمر للطبقة المتوسطة والتي اصبحت تمثل ما يقل عن 60 ٪ وكذلك امام زيادة في نسبة تضخم بلغت 4.8 ٪‏ خلال العام الجاري.



زيادة
يشير اخر تعداد عام للسكان والسكنى للعام الذي انجزه المعهد الوطني للاحصاء قبل ثلاث سنوات الى ان ربع التونسيين غير قادرين على امتلاك منزل. رقم مرشح للزيادة وفقا لمتابعين للشأن العقاري ففي الوقت الذي يعجز فيه هذا العدد من التونسيين على اقتناء منزل ينشط الاستثمار في السوق العقارية لتصل الزيادة في هذه السوق الى 500 الف مسكن خلال عشر سنوات (من 2004 الى 2014).

ازمة عجز المشروع الذي أطلقته الحكومة منذ مطلع العام الجاري لتسهيل اقتناء المنازل عن فك لغزها.

هذا التباين قد يكون تدعّم اكثر خلال سنوات الاضطراب السبع التي تعيشها تونس منذ الثورة حيث اختار الكثير من اصحاب المال الاستثمار في المجال العقاري لتبييض اموالهم الامر الذي اسهم في زيادة عدد المشاريع العقارية وكذلك التركيز على الاستثمار في المنازل الرفيعة ممّا ساهم في ارتفاع اسعار العقارات بنسبة ناهزت 30 ٪‏. وامام تراجع نسبة الاقبال على اقتناء المنازل اطلق الباعثون العقاريون صيحة فزع أنتجت لاحقا تدخل الدولة لتخصيص جزء من المشاريع القائمة والتي لا تفوق اسعارها 200 الف دينار لفائدة الاسر ذات الدخل المتوسط ضمن برنامج بات يُعرف لاحقا ببرنامج المسكن الاول. الا ان هذا البرنامج لم ينجح بدوره بعدُ في تخليص الباعثين العقاريين من ازمتهم وهو ما قد يُفرز لاحقا ضغطهم من اجل التسهيل في ترويج مشاريعهم السكنية للأجانب.



فشل
فشل المشروع الحكومي الخاص بالتسهيل في اقتناء المساكن في اطار ما بات يُعرف بمشروع السكن الاول لأسباب بدت بالنسبة للكثيرين منطقية الا وهي تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي لعموم التونسيين واستفحال ظاهرة الغلاء.

ويقدر عدد الباعثين العقاريين في تونس ب58 باعثا اغلبهم فضل خلال السنوات الاخيرة الاستثمار في المنازل الرفيعة ذات الكلفة المرتفعة وبالتالي ذات الاسعار المرتفعة ليصل سعر الشقق الى 350 الف دينار و400 الف دينار. ويفسر هؤلاء ارتفاع اسعار العقارات بزيادة اسعار المواد الاولية والكلفة الجمليّة للبناء وكذلك ارتفاع اسعار الاراضي المخصصة للمشاريع العقارية.

تبريرات لا تبدو بالنسبة للطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك مقنعة فيقول «اسعار العقارات تضاعفت بشكل كبير وذلك في اطار ظاهرة عامة تعيشها تونس وهي ظاهرة الغلاء والتي لا علاقة لها بانهيار الدينار بل بجشع حيتان كبرى تتحكم في الاسواق «فنحن نعيش حرب وسطاء في سوق العقارات وغيرها وفي ظل غياب من يعدّل السوق اصبحت هذه الاسعار المبالغ فيها امرا واقعا فالطرف المُغَيّب والذي يتحمل مسؤولية تعديل السوق هي الدولة».

واعتبر ان اسباب عدم الاقبال على هذا البرنامج ترتبط اساسا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد ولعموم التونسيين قائلا «الموظف مرهون بالقروض وصاحب القدرة الشرائية يؤجل الاستثمار في العقار».



تقييم
من جهته قال نجيب السنوسي إنّ برنامج المسكن الاول لا يزال في بداياته إذ تمّ إبرام الاتفاقيات مع البنوك خلال شهر مارس الماضي وان البنوك انتهت من منظومتها المعلوماتية خلال شهريْ جويلية واوت الماضيين وبالتالي «لايزال البرنامج في بداياته».

واضاف ان 500 عائلة انتفعت الى حد الآن من البرنامج حوالي النصف منهم تحصلوا على مفاتيحهم والبقيّة ما زالت مطالبهم تحت الدرس. ومن ضمن التسهيلات التي تقدمها الدولة للراغبين في الحصول على مسكن في اطار هذا البرنامج هو منحهم قرض قيمته 20 ٪‏ من قيمة المسكن يتم سداده على مدى سبع سنوات بعد إمهال لمدة خمس سنوات.

واكد السنوسي ان الوزارة تدرس مع الباعثين العقاريين انجاز مشاريع سكنية في اطار برنامج المسكن الاول مبرزا ان البرنامج يتم تنفيذه حاليا وفقا للمشاريع القائمة. وذكر ان الوزارة بصدد تقييم المشروع-برنامج المسكن الاول- للنظر في الصعوبات التي تعيقه والوقوف على مجمل الاخلالات.

وفي انتظار ما سيتضمنه قانون المالية للسنة الجديدة من توظيفات جبائية يتوقع مراقبون زيادة في اسعار العقارات وخاصة مع الترفيع في نسبة الاداء على القيمة المضافة وهو ما لوّح به فهمي شعبان متحدثا باسم غرفة الباعثين العقاريين في تصريح اعلامي مضيفا إنّ مشروع السكن الاول ليس سوى جزء من الحل وعلى الدولة المساعدة في ايجاد مخرج لاصحاب العقارات من هذه الازمة مثل السماح للاجانب باقتناء منازل.