الجزائر (بان أراب) : الجلد وهو أكبر عضو من أعضاء الجسم وأسهلها رؤية، وقد استرعى انتباه الإنسان منذ القدم. أما علم الأمراض الجلدية فقد نشأ وتطور كتخصص في أوروبا في القرن السابع عشر فقط، وكثير من أطبائنا المسلمين القدامى الذين لم يكن لديهم وسائل للتشخيص، واعتمدوا على قوة الملاحظة فقط، وضعوا المظاهر المميزة لمختلف الأمراض الجلدية، وفي هذا العرض سـنركز على مساهمات علماء الإسلام وتأثيرهم على علم الأمراض الجلدية.



الترتيب الزمني لعلماء وأطباء الأمراض الجلدية في الاسلام:

لقد بلغ الطب، الإسلامي عصره الذهبي من عام 750- 850م وقد حمل الأطباء والعلماء المسلمون مشعل العلم على مدى خمسة قرون في عهد الظلام الدامس للعصور الوسطى حيث كانت أوروبا تتخبط في الجهل والبربرية.

فقد لعب جابر بن حيان الصوفي دوراً مؤثراً فهو، بحق (أبو الكيمياء) في الإسلام. فمن مشاهير كتبه (الزئبق الشرقي)، و (الكتاب الخالص)، و (كتاب التجمع)، ويعتبر جابر واحدا من أوائل علماء الكيمياء الحديثة بفضل اكتشافه للاحماض كحامض الكبريتيك،واستخلاص الصوديوم والبوتاسيوم والزرنيخ ونترات الفضة.

أما يوحنا بن ماسويه، فقد كتب أول وصف للجذام في كتابه (كتاب في الجذام) ويبدو أن هذا الكتاب قد فقد، ولكن وردت الإشارة إليه في أقوال العلماء المسلمين من بعده، ولفظ الجذام يشير إلى الدور النشيط للمرض، أما لفظ البرص فيشير إلى الطور المستقر وكلا الإسمين قديم. فالبرص ويعني: بقع بيضاء لامعة ويقصد به المراحل الاولى للجذام ويقول فلوجل: إن البرص هو المرض الوحيد الذي ذكر بالتحديد في القرآن حيت ورد في أن المسيح عليه السلام كان يبرىء الأبرص.

علي بن سهل بن الطبري: (850م): وهو تلميذ ابن ماسويه وقد تلقى أفكاره الطبية من معلمه ومن الكتب الشائعة آنذاك . وقد ألف كتاب (فردوس الحكمة) وهو من أقدم الموسوعات الطبية. وقد فسر الطبري الجذام علي أنه زيادة في السوداء تسبب اضطرابا في أخلاط الجسم، وهو يسبب سقوط شعر الحاجبين وسموه بداء الأسد، ومن الأعراض التي وصفها انكماش الأظافر وضمور الأنف وتشوه الأصابع، وقد ذكر الطبري أن المرض يصيب المني وينتقل إلى الذرية، وكانوا يعتبرونه معديا كالجرب والجدري، كما وصف الجرب والاكزيما. وتكلم عن الحشرة التي تسبب الحكه وذكر أنها يمكن ان تستخرج بطرف الابرة ولكنه لم يذكر أنها سبب مرض الجرب. ومع ذلك فقد نسب الفضل في اكتشاف حشرة الجرب إلى (هلد جارد) في القرن الثاني عشر الكندي (870 م): ألف كتاباً سماه "سبب الجذام وعلاجه " وقد فقد هذا المخطوط ولكن العلاج الذي وصف فيه ظل يتناقل على يد من بعده.

ثابت بن قرة: كتب عن الجذام في كتابه الطبي، وقد نصح بتجنب الالتقاء الجسدي مع المصابين بالأمراض المعدية والوراثية وكانوا يعتبرون الجذام منها.

أبو بكر الرازي: أكثر الشخصيات صولة في الطب الإسلامي ويعد كتابه "الحاوي " موسوعة طبية وقد تميز بدقة الوصف الام كلينيكي للمرض. وأكثر أعماله إبداعا هو (كتاب الجدري والحصبة) فوصفه للأعراض والعلامات والعلاج لا يختلف عما ذكره اوسلار من بعد. كما أنه أول من وصف حمى القش في رسالة كتبها عن الزكام الذي يظهر في الربيع عندما تتفتح الزهور وبذلك يكون قد ابتدع مفهوم الحساسية كسبب للمرض.

كما وصف داء الفيل والاصابة بديدان غينيا الطفيلية، ويتجه الباحثون المعاصرون إلى أعتبار مؤلفات الرازي أكثر أهمية من ابن سينا لما فيها من إبداع واهتمام بالملاحظات، وفي أواخر القرن العاشر ظهر ابن ابي الأشعث، وتكلم عن البرص والبهاق ولكن مخطوطه فقد، أما أهم وصف للجذام في هذه الفترة فقد كتبه علي بن العباس المجوسي 980 م في كتابه (كامل الصناعة الطبية) أو (كتاب الملكي)، وقد كان أول كتاب طبي إسلامي ترجم إلى اللاتينية عام 1127 وظل الكتاب المفضل حتى ظهور قانون ابن سينا. وفي الفصل الخاص بالأمراض الجلدية وصف الإكزيما والجرب وطفح العرق والقراع والاصابة بالقمل والالتهاب الجلدي الدهني والثعلبة ودرن الجلد وداء الفيل والجذام والجديري والحصبة والحمرة الخبيثة. كما أعطى التشخيص النوعي للأمراض وعلاجها ويعتبر الكتاب الملكي من ناحية وضوح التعبير وأصالة وجه النظر أحسن كتاب في الطب الإسلامي. وقد كانت معلوماته عن الامراض الجلدية على أسس واضحة، لذا يمكن أن يسمى علي بن العباس (أبو الأمراض الجلدية) في الطب الاسلامي.

أبو منصور القمري: كان عالما معاصرا للمجوسي وقد وصف الجذام في كتابه (الغنى والمنى) وأشهر تلاميذه هو ابن سينا، زهرة الثقافة الإسلامية، أو كما يقول عنه لاكلير (ظاهرة فكرية) أو كما يقول اوسلار (واحد من أعظم الأسماء في تاريخ الطب)، وقد غطى كتابه (القانون) على مائة كتاب آخر ألفها، وقد ظل القانون انجيل الطب (كما يقول اوسلار) على مدى- ستة قرون. وكان وصف الجذام في القانون اكثر تفصيلا ممن سبقوه. وفي الفن السابع من كتاب القانون يوجد عرض واف لوسائل التجميل لذلك يمكن اعتبار ابن سينا (ابو التجميل) في الطب الاسلامي.



وفي قرطبة في أوائل القرن الحادي عشر كتب أبو القاسم الزهراوي كتاب التصريف وفيه شرح مطول للجذام ويعتبر الزهـراوي أعظم جراح في الإسلام. وكان أول من وصف الاعراض العصبية لمرض الجذام، وقد وصف ابن القف (1286م) الخدر (أو فقدان الاحساس) الناتج عن مرض الجذام.

ابن أبي العلاء بن زهر (1162م) كان طبيباً عظيما وألف كتاب "التيسير" ويعزى إليه وصف حشرة الجرب وتسميتها ولكن تبين أن ابن الطبري وصفها في القرن العاشر.

أما تلميذه ابن رشد فقد كان طبيبا وفيلسوفا وألف (كتاب الطب) و (القواعد العامة للطب)، وقد ذكر فيه ان الجدري يصيب المريض مرة واحدة، وكان يعرف بابن سينا في المغرب الإسلامي. ومن تلاميذ ابن رشد موسى بن ميمون، وقد كان فياسوفا وطبيبا لصلاح الدين وأثر كثيرا في الطب الاوروبي.

نجيب الدين السمرقندي (1222م): كتب (كتاب الأسباب والعلامات) وذكر فيه ان شفاء البهاق شبه مستحيل.

وأول من تكلم عن البهاق هم قدماء المصريين في بردية ابرز. أما استخدام نبات الخلة في علاج البهاق في مصر فيرجع إلى ابن البيطار في القرن الثالث عشر، وقد ورد ذكر النبات في كتابه (مفردات الادوية) تحت اسم استرلال وهي كلمة بربرية معناها رجل الطائر وتعرف في مصر باسم (رجل الغراب)، (جذر الشيطان)، (الخلة الشيطاني) أما جالينوس فسماه آمير أول من اكتشف فائدة هذا الدواء لعلاج البهاق إحدى قبائل البربر في المغرب العربي وتسمى (بن شعيب). وقد تعود أبناء القبيلة بيع الدواء لمرضى البهاق ولكنهم احتفظوا به سرا.

اما ابن البيطار (1248) فقد استخدم الدواء وحده أو مخلوطا وكان يخلط درهما من بذور النبات مع عسل النحل وتعطى للمريض ثم يتعرض للشمس لمدة ساعة أو ساعتين حتى يحدث العرق، وقد ذكر أن البقع المصابة تتأثر وتظهر بها فقاعات بينما لا يتأثر الجلد السليم وبالتدريج يتحول اللون إلى الطبيعي، ومن أول من ذكر أن الجلد المصاب فوق النتوءات العظيمة يصعب علاجه كما ذكر أن استجابة المرض للعلاج تختلف، وهكذا يرجع الفضل في اكتشاف العلاج الضوئي الكيماوي إلى إبن البيطار في القرن الثالث عشر.

المناقشة:
إن علماء الاسلام تعودوا دراسة التاريخ المرضي واهتموا بالفحص وتمكنوا من وصف أمراض جديدة. وأوجدوا لعلم الأمراض الجلدية قواعد التشخيص العضوي. أما الطب الباطني فقد تقدم على أيديهم بفضل الدراسة المتأنية للمريض. وكانت معلوماتهم عن العقاقير أكثر ضخامة من معاصريهم الأوروبيين وأضافوا أدوية جديدة. وفي الطب الإسلامي يقولون إن الرازي كان اللؤلؤة الاكلينيكية في التاريخ وان ابن سينا واحد من أعظم نوابغ التاريخ لا ينافسه إلا ليونارد دا افنشي .