القاهرة - محسن عبد العزيز (الأهرام) : ظل الرئيس عبدالناصر يصغي لنشرة الأخبار من الراديو حتى انتهت، وطلبت منه ألا يتحرك، وأن يستريح فأغلق الراديو ورد قائلا: أنا استريحت خلاص يا صاوي، وفوجئت برأسه يميل إلى الجانب الأيمن فجأة.



وفي الحال تحسست النبض فوجدته قد توقف!! فقمت بعمل تنفس صناعي وتدليك خارجي للقلب - في وجود الدكتور "زكي الرملي" والدكتور "منصور فايز"- واستمرت هذه المحاولات لمدة ثلث ساعة دون جدوي.

وتوفي الرئيس جمال عبدالناصر بالصدمة القلبية، وهي من أخطر مضاعفات انسداد الشريان التاجي.

هذا ما قاله الدكتور "الصاوي حبيب"، طبيب الرئيس جمال عبدالناصر للكاتب الصحفي "محمد هلال" في كتابه المهم "أسرار موت عبدالناصر" الذي يأخذنا خلاله الكاتب في رحلة بحثية طويلة للرد على ما يثار كل فترة عن وجود جريمة جنائية في موت الرئيس جمال عبدالناصر وعمره ٥٢ عامًا فقط.

ولعل أبرز من قالوا بذلك كان الكاتب "محمد حسنين هيكل"، عندما صرح بأن السادات صرف السفرجي الخاص بالرئيس عبدالناصر، وأعد له فنجان قهوة مسمومًا أثناء إقامته بفندق الهيلتون وقت انعقاد القمة العربية في سبتمبر عام ١٩٧٠، وهو ما استندت إليه الدكتورة هدى عبدالناصر في إتهامها للرئيس السادات بأنه كان عميلًا للمخابرات الأمريكية، وأنه قتل والدها.

وفاة جمال عبدالناصر وعمره ٥٢ عامًا فقط، جعلت شواين لاي رئيس الوزراء الصيني يقول لأول وفد مصري يزور الصين بعد الوفاة: "لماذا تركتم عبدالناصر يموت؟".

وفاة الزعيم بقدر ما تركت من دهشة وحزن في قلوب المحبين، تركت أيضًا أسئلة كثيرة حول وجود مؤمرات للتخلص منه لمصلحة أمريكا وإسرائيل.



هذا اللغط كان الدافع الأول ليحاول مؤلفنا المدقق أن يجيب عن مثل هذه الأسئلة من خلال حوار طويل مع الدكتور الصاوي حبيب، وكذلك تقصي ما كتبه الدكتور منصور فايز علاوة على ما كتبه كل من "هيكل" و"سامي شرف" مدير مكتب الرئيس عبدالناصر.

وحتي ندرك حجم المعاناة التي واجهها المؤلف يكفي أن نذكر أن "هيكل" قال بخمس روايات مختلفة حول وفاة عبدالناصر، وأن روايتين لـ"هيكل" - يفصل بينهما ١٥ يومًا فقط - يوجد بهما سبعة اختلافات.

الجهد البحثي الكبير الذي قام به كاتبنا الموهوب "محمد هلال" يعيبه أنه يميل أحيانا إلى وجهة نظر الأطباء المرافقين للرئيس عبدالناصر، خاصة الدكتور الصاوي حبيب، بينما هم أصحاب مصلحة في تفنيد رواية السم؛ لأنها تطعن في كفاءتهم دون الالتفات إلى الدكتور "زكي الرملي"، الذي رفض التوقيع على شهادة الوفاة؛ لوجود شبهة جنائية في الوفاة.

المؤلف عرض كل وجهات النظر، وكانت عملية التقصي التي قام بها فيما يتعلق بشهادة السادات التي قال فيها إن عبدالناصر تم تسميمه في الاتحاد السوفيتي عندما استخدم الأكسجين في العلاج، فتحت باب الشك واسعًا خاصة بعد أن نفى سفير مصر في موسكو ما قاله السادات!

كما كان رد الدكتور "الصاوي حبيب" و"سامي شرف" عليه بأن هذا غير حقيقي.. رواية السادات المثيرة لم يقل بها غير المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي.. فكيف ولماذا قالها وهي غير حقيقية بالمرة؟

كتاب "محمد هلال" الذي أراد أن ينفي وجود شبهة جنائية في حادث وفاة الرئيس عبدالناصر فتح الباب لمزيد من الأسئلة والتشكك في وجود جريمة وراء الوفاة.

وهو شيء يحسب للكاتب "محمد هلال" الذي ترك الباب مواربًا لكل الأسئلة وشهادة على حياديته يستحق عليها التحية.