أديس أبابا - عبده عبد الكريم - إبراهيم صالح (الأناضول) : رغم أضراره على الصحة، التي أثبتتها الدراسات العلمية، وتحريمه من قبل بعض العلماء، إلا أن تناول نبتة "القات" المخدرة، باتت عادة غير حميدة في إثيوبيا، لا يتوقف عنها البعض خلال شهر رمضان؛ متوهما أنها تعينه على العبادة والتقرب من الله!.



اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية أصدرت فتوى تؤكد أن القات محرم لا يجوز لمسلم أن يتعاطاه أكلاً وبيعًا وشراءً

و"القات"، نبتة مخدرة على نحو خفيف، يتم زراعتها في المرتفعات الجبلية والهضاب بإثيوبيا، ويصل طولها أحيانًا إلى ستة أقدام، وتعتبر من النباتات المعمرة دائمة الخضرة، والتي تتحمل تقلبات الطقس، ويتم تجهيزها بعد قطع سوقها على شكل حزم تغلف بأوراق الموز لحفظها بشكل طازج.

"آدم عبد العزيز" (رجل أعمال/35 عاما)، أحد المواطنين في أديس أبابا الذين يقبلون على تعاطي "القات" في رمضان، يقول متجاهلا الأبحاث العلمية التي تتحدث عن الأضرار الصحية للنبتة المخدرة "تعطيني زيادة في الوعي، وتساعدني على التركيز في أعمالي اليومية!".

وفي حديثٍ لـ"الأناضول" يضيف عبد العزيز "أُجهز القات ضمن تحضيرات الإفطار في رمضان، وأبدأ في تعاطيه بعد الإفطار مباشرة؛ لأنه يساعدني في الذكر والتعبد وأداء صلاة التراويح"، دون أن يوضح كيفية تلك المساعدة.

ويشير "عبد العزيز" أن "تعاطي القات لا يقتصر على المسلمين فحسب، كما كان الحال في السابق؛ حيث انضم المسيحيون إلى قائمة من يتعاطوه في الآونة الأخيرة"، ولا يوضح المواطن الأثيوبي علاقة الدين بتناول "القات" ومصدر معلومته التي أوردها خاصة أن بعض علماء الدين الإسلامي أفتوا بتحريم تعاطيه وحتى زراعته.



على النحو ذاته، يبرّر "موجب صابر" (موظف حكومي بالعاصمة/23 عاما) تعاطيه "القات"، بقوله لـ"الأناضول" إن "الصائمين يقبلون في رمضان على تعاطي القات بكثرة في حلقات الذكر والمناسبات الدينية، وخاصة بعد صلاة التراويح".

ورغم أن المنطق يقول بأن الإقبال على تعاطي "القات" بعد الإفطار يأتي انطلاقا من كونه ممنوع قبله، إلا أن صابر يقول إن "المساجد في بعض الأقاليم الإثيوبية تؤخر صلاة العشاء؛ من أجل إعطاء الفرصة لمن يريد تناول القات بعد الإفطار؛ حيث يعتبرون القات منشطا يساعد المصلين على أداء صلاة التراويح والتهجد".

ويمتدح "صابر" من يتعاطون "القات"، زاعما أنهم يكونون "أكثر تركيزا وانضباطا من غيرهم".

وأرجع خطوة الحكومة الإثيوبية بحظر تجمعات متناولي "القات"، ممن يزيد عددهم عن 3 أشخاص، إلى "تخوف السلطات من أن يتسبب التركيز الذي يمنحه القات لمتعاطيه، في دفعهم لنقاش القضايا السياسية للبلاد"، حسب اعتقاده، ودون أن ينوّه بأن قرار المنع قد يكون وراءه الأضرار الصحية المترتبة على تعاطي النبتة.

تجارة رابحة
عوائد تجار القات تزيد أيضا، خلال رمضان؛ جرّاء الإقبال على تناوله؛ حيث يمثل تعاطيه أحد البرامج الرئيسية في ليالي الشهر المبارك بالعاصمة أديس ابابا.

يقول "سراج أحمد" (صاحب محل لبيع القات بالعاصمة)، إن "رمضان من أكبر مواسم بيع القات؛ حيث يحصد تجار القات أرباحا كبيرة في هذا الشهر؛ نظرا لإقبال الصائمين على تعاطيه".

وحول أنواع "القات" المختلفة وأسعاره، يضيف "سراج"، لـ"الأناضول"، "القات له أنواع كثيرة؛ منها ما يسمى (بلجي)، وسعر الحزمة منه يتراوح بين 80 و120 برا إثيوبيا(ما بين 3.5 و5.5 دولارا أمريكيا)، وهذا النوع يتميز بكون أسعاره في متناول الأيدي، كما أنه خفيف، ويمكن لجميع الشرائح تعاطيه".

فيما يشير "سراج" أن "القات" من أنواع "أوداي" و"أبو مسمار" و"قلوميس"، يعد من أغلى الأنواع؛ حيث تُباع الحزمة الواحدة منه بـ1000 بر (45.5 دولارا)، على حد قوله.

ويضيف أن أغلب المتعاطين للأنواع الثلاثة الأخيرة، هم الأغنياء، وتتميز تلك الأنواع بـ"قوة التأثير"، لكنه حذّر في الوقت نفسه من كثرة تناولها، معتبرا أن تعاطي كميات كبيرة منها "قد يسبب اختلال في العقل مع مرور الزمن".

ورغم رواج تعاطي هذه النبتة المخدرة، إلا أن كثيرًا من الأمهات يشتكين من إدمان أبنائهن عليها، ويطالبن الحكومة بوضع قيود للحد من تناولها، وتقديم تجارها للعدالة.

ومن بين الأمهات المشتكيات، السيدة "ألم بزابه"، وهي أم لأربعة أبناء، انتقدت في حديثٍ للأناضول، عدم قيام الحكومة ووسائل الإعلام بما يكفي للحد من انتشار "القات"، مؤكدة أنها تواجه مشكلة كبيرة؛ بسبب إدمان اثنين من أبنائها على النبتة المخدرة.

وتضيف متحسّرة "كل الذين يتاجرون بالقات ويربحون على حساب صحة أبنائنا، يجب أن يحاسبوا ويُقدّموا للمحاسبة".

لكن على ما يبدو أن مطالب السيدة "بزابه" ستذهب سدى، لأنه لا يوجد قانون في إثيوبيا يحظر تعاطي القات أو الإتجار به.

وفي سياق متصل، يشير الباحث الإثيوبي في الشؤون الاجتماعية والأستاذ بجامعة أديس أبابا، "دانيال مغرسا"، إلى تزايد انتشار تعاطي "القات" في إثيوبيا بين الرجال والنساء ومن جميع الأعمار.

وفي حديث مع "الأناضول"، يوضح "مغرسا" أن المساحات المزروعة بـ"القات" في إثيوبيا، خلال العام المالي 2014/2015، بلغت 248 ألف هكتار، بإنتاج وصل 275 ألف طن.

ويفيد أن إجمالي إنفاق المتعاطين على القات في إثيوبيا يصل سنويا نحو 800 مليون بر(36.4 مليون دولار).

وتشير وثيقة رسمية صادرة عن وزارة التجارة الإثيوبية، اطلعت عليها "الأناضول"، أن صادرات "القات" تدر على البلاد نحو 840 مليون دولار سنويا، لافتة إلى أن الحكومة تخطط لرفع هذه العائدات إلى 1.5 مليار دولار سنويا عبر توسيع صادرات النبتة المخدرة إلى دول جيبوتي، والصومال، وجنوب أفريقيا، وملاوي، وإسرائيل، والهند، والنرويج، والبرازيل.



طقوس خاصة
البخور يكون حاضرا في جلسات تعاطي "القات" التي تدوم عدة ساعات بوضع النبتة المخدرة بين الخد والفكين لمضغها وامتصاص العصارة الناتجة عنها في عملية تسمى بـ"التخرين"، كما يصاحب تعاطيه تناول المشروبات الغازية والشيشة(النرجيلة)؛ والهدف تفادي مرارة هذه النبتة.

وفي السنوات الأخيرة، شهدت بعض المطاعم في أديس أبابا، بيع "القات"، وتأجير غرف مستقلة لتعاطيه، تكون مجهزة بكل مستلزمات الجلسة، من شيشة ومشروبات ساخنة وباردة.

كما يُعتبر تعاطي "القات" من العادات والتقاليد في كثيرٍ من الأقاليم الإثيوبية؛ إذ يتم إعداده وتقديمه في الأعراس والمآتم.

الطبيب النفسي "مسفن ابيبي"، الذي يعمل في عيادة خاصة في منطقة "بياسا"، وسط أديس أبابا، يحذّر بدوره في حديثٍ أدلى به للأناضول من خطورة انتشار عادة تعاطي "القات" لدى المجتمع الإثيوبي، مؤكدا أن "البحوث النفسية والاجتماعية أثبتت تضرر الكثير من الإثيوبيين الذين يتناولون القات؛ حيث أُصيب العديد منهم بالاكتئاب وارتفاع ضغط الدم وبعض أمراض المعدة والأمعاء".

ويلفت إلى أنه في السنوات القليلة الماضية بدأ الشباب والفتيات في قضاء أوقات طويلة في تعاطي هذه النبتة خاصة في أيام العطل في الأماكن الخاصة والعامة والمطاعم والمنتجعات السياحية.

ويقول إن ظاهرة تعاطي "القات" أصبحت "لافتة وغير لائقة"، ووصل ضرره لطلاب المدارس والجامعات، مشيرا أن "الطلاب يعتقدون أن تعاطي هذه المادة يساعدهم في التركيز على دراستهم؛ لذلك يقبلون على تعاطيها خلال فترة الاختبارات".

وأصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، فتوى سابقة، موقعة من الشيخ محمد بن إبراهيم، عضو اللجنة، تؤكد أن القات محرّم لا يجوز لمسلم أن يتعاطاه أكلاً وبيعًا وشراءً.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن متعاطي "القات" عرضة للإصابة بمجموعة من الأمراض، مثل السل والأنيميا (فقر الدم)، والعجز الجنسي، لكن لا يبدو أن هذه المخاطر تثير قلق الإثيوبيين.