باريس - هيو سكوفيلد (بي بي سي) : إذا أردت من يذكرك بطبيعة الحياة في أوروبا المعاصرة وما يعتريها من صعوبات، فألق نظرة على الضجة المحمومة التي ثارت في فرنسا بشأن كتابات الروائي الجزائري، كمال داود.


ولد كمال داود في الجزائر عام 1970

فاز داود بجائزة "غونكور" للرواية الأولى عن روايته "ميرسو تحقيق مضاد"، التي استلهمها من رواية "الغريب" للكاتب الفرنسي ألبير كامو الحائز على جائزة نوبل للأدب.

وعمل داود صحفيا مستقلا بعدد من الصحف، ولذ اكتسب أعداء وأصدقاء كثر على مدار السنوات بسبب المقالات التي ينتقد فيها الأوضاع في بلده.

لكن داود، الذي ولد في 17 يونيو/حزيران 1970، أعلن نيته التوقف عن الكتابة الصحفية والتركيز على التأليف الروائي.

لماذا؟ بسبب رد الفعل الغاضب على مقال كتبه بصحيفة لوموند الفرنسية بشأن أحداث شهدتها مدينة كولونيا الألمانية عشية العام الجديد.

تضمن المقال، الذي حمل عنوان "كولونيا مدينة الأوهام"، هجوما مزدوجا على أفكار أثارتها عمليات التحرش الجماعي بنساء في المدينة الألمانية.

انتقد داود "الوهم" اليميني المتطرف، الذي يعامل كافة المهاجرين على أنهم مغتصبين محتملين.

لكن الجزء الأكبر من غضبه انصب على اليسار السياسي "الساذج" الذي تجاهل عمدا، في رأيه، الفجوة الثقافية التي تفصل العالم الإسلامي-العربي عن أوروبا.

ولذا، حسب داود، فإن أوروبا ترحب بالمهاجرين الذين يملكون تأشيرات ومقومات مادية، لكن من دون التعامل مع أمر مهم، وهو عالم القيم.

ويقول داود إن ما تبدى في كولونيا هو كيف أن الجنس يمثل "البؤس الأكبر في بلاد الله".

وتساءل: "هل اللاجئ ’همجي‘؟ (الإجابة) لا. لكنه مختلف. ومنحه أوراق ومسكن ليس كافيا، إذ لا يحتاج فقط الجسد المادي إلى اللجوء، بل تحتاج الروح إلى الاقتناع بالتغيير".

وأضاف: "هذا الآخر (المهاجر) جاء من عالم واسع أليم ومروع ، وهو عالم عربي إسلامي زاخر بالبؤس الجنسي، بعلاقته المريضة تجاه المرأة والجسد الإنساني والرغبة. مجرد استقباله ليس كافيا".

تغذية الأوهام
كانت هذه كلمات قوية، وجاء رد الفعل سريعا.


وقع حادث اعتداء جنسي جماعي في كولونيا الألمانية عشية العام الجديد

وفي مقال رأي نشر أيضا في لوموند الفرنسية، شنت مجموعة من المثقفين والأكاديمين هجوما لاذعا على داود الذي اتهموه بـ"تغذية أوهام معادية للإسلام تعتقد بها شريحة متنامية من السكان الأوروبيين".

وقالوا إن داود بنى حجته على تحليل "ثقافي" يفتقر للمصداقية. وبصيغة أخرى، فإنه جعل من الثقافة العربية الإسلامية العنصر المحدد في سلوك الأفراد.

والأسوأ، فإن دعوته لتعليم المهاجرين القيم الغربية تعتبر شكلا من "إعادة التربية".

واعتبروا أن "المشروع برمته مخز، ولا يعود ذلك فقط إلى تضمنه هراء قديم بشأن دور الغرب في نشر الحضارة وقيمه السامية".

وأضافوا أنه "علاوة على الأبوية الاستعمارية المعتادة...يقول (داود) فعليا إن الثقافة المنحرفة لهذا الجمع من المسلمين خطر على أوروبا".

لكن الأسوأ بالنسبة إلى داود أن الخلاف انتشر بعد ذلك إلى الولايات المتحدة.

ففي العام الماضي كتب آدم شاتز، وهو صحفي ليبرالي بارز، نبذة مطولة لمدح داود في صحيفة نيويورك تايمز.

لكن شاتز بات ضده.

وقال شاتز في خطاب مفتوح: "من الصعب جدا بالنسبة لي تصديق ما كتبته. ليس هذا كمال داود الذي أعرفه".

لقد أقلق شاتز - كما حدث مع المثقفين الرابط الذي خطه داود بين الأحداث في كولونيا والإسلام.

وقال شاتز: "قبل أعوام قليلة رأينا أحداث مماثلة في مهرجان بورتوريكو الوطني في نيويورك، واعتدي جنسيا على عدد كبير من النساء. لكن المعتدين لم يكونوا تحت تأثير الإسلام، بل الكحول".

ورفض شاتز فكرة أن الجنس في العام العربي "بؤس" بشكل عام. وفزع بسبب الإيحاء بأن ميول المهاجرين تجاه الجنس والنساء "مرض" يحتاج إلى "علاج.

وقال إن لغة مماثلة استخدمت من قبل مع اليهود.

احتدام الجدل
واشتعل الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.


استلهم داود روايته "ميرسو تحقيق مضاد" من رواية "الغريب" للكاتب الفرنسي ألبير كامو

وبالنسبة إلى البعض، مثّل داود بطلا لحديثه عن حقائق مزعجة بشأن ثقافة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وزاد الإعجاب به لذكره ذلك من موطنه في وهران وليس من منفى يعيشه فيه.

لكن بالنسبة إلى خصومه، فإن داود عربي يكره ذاته ويفضل الثقافة الفرنسية على الجزائرية، وهجومه على الدين مرتبط بمغازلته في السابق للإسلاموية. (كان داود في الثمانينات مسلحا متطرفا في شبابه).

والأسوأ أنهم قالوا إن حججه يتلقفها معادو المهاجرين في أوروبا الذين يستطيعون استخدامها لتعزيز "أوهامهم".

ويقول داود إن قد اكتفى من ردود الفعل.

وقال في خطاب مفتوح إلى شاتز إنه يشجب الأكاديميين والمثقفين الذين انتقدوه.

وأضاف أنهم "لا يعيشون في أرضي، وأرى أنه غير مشروع - ولا أقول مخز - أن يتهمني البعض بمعاداة الاسلام من ملاذه الآمن ومكان راحته على مقاهي الغرب".

وهذه كلمته الأخيرة.