تونس - لطوف عبد الله (الاخبارية) : بعد أن تبصرتُ الأمورَ من جميع وجوهها،، عقدتُ العزمَ على الرحيل إليه،، لعلي اقبس من حكمته قبساً ينيرُ بصيرتي التائهه، نعم إليه سأشدُ الرحالَ، إلى شيخ المعرّة... تشمّلْتُ قاصداً معرّته عبر سهل الغاب حيثُ تمرُّ القوافل ُمن البحر إلى الشرق.. أشوريون ومغول ورومان وأتراك وفرنسيون ،، كلُّهم مرّوا من هنا،



الشمسُ بدأتْ تتكيءُ على شمالي بضوئها الباهت والرؤية أصبحتْ مرتجفة فلا ألمحُ شيئاً من تلك القوافل المزعومة، وكلّما تقدمتُ مسافة يزدادَ صمتُ الحقول، فلا أسمعُ نحنحة ولا زغزغةً ولا حفيفا...

بدأ قلبي يتراقصُ ونبضاتُه تتسارعُ حتى ظنّنته هارباً بما خزنته من حنان وأشواق،

أمسكتُه بشماليً كي لا يهرب بثروتيً وانتضيتُ أملي سيفاً وامتطيتُ صهوةَ خوفي، فاختبأ في داخلي وسكن، فبدأتُ أحدثهُ عن الجواهري في ألفية أبي العلاء: قفْ بالمعرّة وامسحْ خدّها الترّبا.. واستوح من طوّق الدنيا بما وهبا.. الشهبُ تتساقطُ حولي ورعدها يزلزلُ الأرضَ تحت أقدامي...

اتنقلُ بين جثث الأشجار
والعراجين الملتفة أعناقها على بعضها
وكأنّها تحتمي بخوفها،
وأرى العناقيدَ قد نضبَ ماؤها وحلوها
فباتتْ تنتظرُ الريحَ يذروها على ظلامهم ليزداد عَتَمة.
لم يتركوا شيئاً خلفَهم إلّا خوفهم المرتجف من أديم الأرض وسوءَ فعلتهم،

نظرتُ حولي فرأيت دلواً معصوباً بحبله..
فأيقنتُ أنّ بئرا بجواري وبشرا.
نقبتُ فعثرتُ على بئره فرميته به
ثمّ جبدتُه فوجدتُ في قاعه أحلاماً دفنوها قبلَ رحيلهم..
أيقنتُ أنني بجواره..
حملتُ الدلو يترعُ أوهاماً
ودخلتُ إليه وقد أعياني كلَّ شيء...

جلستُ بجواره ومسحتُ وجهي بأطراف عباءته

وقلتُ له: بعد أنْ التقطت أنفاسي:
ما جئتُك سائلاً لا في سقط الزند
ولا في اللزوميات
ولا من أجل رأيك في الإمامة
ولا عن عشقك لبغداد..

لا هذه ولا تلك. ..

جئتُ قاصداً صمتك ياشيخَ المعرّة أما زلت مصمما على قولك:
مُتْ بداء الصمت خيرٌ لكَ من داء الكلام؟
ألا ترى وأنتَ تراقبُ كلّ شيئ وكلّ يوم ...

أنّ من سكتَ ماتَ وماتَ من تكلم...

إذاً أين الحكمةُ في حكمتك؟
ألا يجب بعد طول سنين أن تجري مراجعة يا شيخَ المعرّة؟
لماذا لا تجيب؟
هل احرجتك بالسؤال؟

أشخصتُ بصري نحوه فلم أجدْ رأسَه بين كتفيه.

...

لا إله إلّا الله...

قطعوا رأسَ المعرّي قبلَ أنْ يَحُل المشكلة..

اغتالوا عقلَه...
فلا مناظرة ولا أجوبة...
فقلت في نفسي وأنا اتنفسُ حسرةً...

لو أنّها عمامة لنسجتُها لكَ من أحلامي ...

أما أحزاني فلا تصنع عقلاً يا شيخ المعرّة...

حملتُ الدّلو وخرجتُ أبحثُ عن أوهام جديدة. ..

بقلم الدكتور لطوف عبد الله