عالم الأطباء : هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم ابن أبي خالد بن أحمد الجزار القيرواني، طبيب و صيدلاني اشتهر في القرن الرابع الهجري . ولد في القيروان في أسرة عرفت بمهنة الطب، اشتهر منها والده إبراهيم بن أحمد بالكحالة، وعمه أبو بكر محمد بن أحمد بالجراحة. وقد اشتغل ابن الجزار بالطب فمارسه ودرسه وترك مؤلفات فيه، إلا أن الشهرة التي حظي بها كانت بسبب مؤلفاته في علم الصيدلة و الأدوية.



عاش ابن الجزار في الفترة التي حكم فيها المعز لدين الله الفاطمي بلاد المغرب، ثم شهادته مغادرته المهدية عاصمة الدولة الفاطمية ببلاد المغرب واحتلاله مصر سنة 359هـ وكان ابن الجزار صديقاً لأبي طالب الفاطمي، عم المعز لدين الله الفاطمي ولكن رغم قربه من مركز الأمارة والحكم، إلا أنه لم يكن يقترب من أولي الأمر ، ولم يسافرقط إلي أحد من رجال الحكم في بلاد المغرب إلا أبي طالب الفاطمي، لأنه كان صديقاً قديماً له.



وتتمثل أهمية ابن الجزار العلمية في أنه أول من تخرج من مدرسة القيروان الأصلية، فهو لم يغادر تونس ( أفريقيا ) ولم يتوجه إلى بلاد المشرق الإسلامي لدراسة الطب على يدي أئمته في تلك البلاد كما يفعل طلاب العلم في ذلك العصر، ولم يرحل أيضاً إلى الأندلس ولم يكن رحيله إلا للإقامة على شاطئ البحر فيقيم هناك طوال أيام الحر والقيظ، ثم ينصرف عائداً إلى أفريقيا .

ولقد لازم ابن الجزار الطبيب إسحاق بن عمران الذي هاجر من مصر إلى أفريقيا وعمل كطبيب خاص لأبي محمد عبيدالله المهدي – سلطان أفريقيا – فتتلمذ ودرس على يديه صناعة الطب. فأخذ عنه علماً كثيراً ونقل عنه عدداً كبيراً من مستحضرات الطبية ذكرها في كتبه، بالإضافة إلى ما نقله عن عمه وعن الأطباء القدامى و المعاصرين له.

وقد اعتمد ابن الجزار منهجاً علمياً متميزاً في جميع مؤلفاته، وهو الفصل بين الطب والصيدلة أثناء دراسته لهما وأثناء علاجه للمرضى شأنه في ذلك شأن الرازي. الأمر الذي جعله يحتل مرتبة علمية كبيرة في المغرب الإسلامي، كتلك المرتبة التي احتلها الرازي في المشرق الإسلامي. بل إن ابن الجزار فاق الرازي في تفريقه بين مكان العيادة للمرضى ومكان صرف الأدوية. فكان له عيادته الخاصة التي فتحها في منزله ليفحص بها المرضى، أما صيدليته فقد أقامها على باب داره وأقعد فيها غلاماً له يسمى ( رشيق ) ووضع بين يديه جميع المعجونات وأنواع من الأدهان و الأشربة والأدوية المختلفة، وكان يرسل إليه المرضى حاملين الوصفة الطبية التي يصفها لهم، بعد تحليله لقوارير البول، وإدراكه لعلة المرض، فيحضر لهم الدواء .

وكما عُرف ابن الجزار بنبوغه في مجال الطب والصيدلة، اشتهر أيضاً بأخلاقه المتميزة وبلاغته وحفظه للأمثال المشهورة. فقد كان من أهل الحفظ والإطلاع والدراسة للطب وسائر العلوم كما كان ذا شخصية قوية مُهابة بين زملائه لما عرفه عنه من عفة نفسه.

يروي ابن جلجل في فضائل ابن الجزار مايلي :
أنه كان أحد أبناء النعمان القاضي الذي تولى القضاء في عهد الحاكم المعز لدين الله الفاطمي مريضاً ، فجاءه ابن أخي النعمان القاضي ووصف له مرضه فأعطاه ابن الجزار العلاج فشفي ابن النعمان باذن الله فكتب القاضي النعمان لابن الجزار خطاباً يشكره فيه، وأرسل له كسوة من القماش وثلاثمائة مثقال من الذهب. فشكر ابن الجزار القاضي النعمان على خطابه وأعاد له القماش والثلاثمائة مثقال من الذهب التي أرسلها له.



ولقد شاع ذكر ابن الجزار وذاع صيته في الآفاق – على الرغم من محليته وأنه لم يترك بلاده قط – مخترقاً حدود أفريقيا الضيقة شرقاً وغرباً. وذلك لما أولاه من اهتمام من بالناحيتين العلمية والإنسانية في حياته العلمية وفي مؤلفاته على حد سواء. فقد ألف كتابه : زاد المسافر ليكون دليلاً طبياً للمسافر إلى البلدان البعيدة التي لايوجد بها طبيب. ثم وجد أن هذا الكتاب غير مناسب للفقراء والمساكين الذين قد يعجزون عن إدراك منافعه لفقرهم ، وقلة طاقتهم المادية عن شراء الأشياء التي هي مواد العلاج، فصنف لهم كتاب طب الفقراء والمساكين ليدلهم على طرق المداواة بالأدوية التي يسهل وجودها بأقل ثمن وأيسر كُلفة. ثم ما لبث أن صنف كتاباً آخر عالج فيه الحالات التي تصيب المسنين والمعمرين وهو كتاب طب الشيوخ وحفظ صحتهم، ثم تناول علاج الصبيان وألف كتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم.

ولم تقتصر مؤلفات ابن الجزار على علم الطب والصيدلة فقط بل شملت الأدب والطبيعيات والتاريخ وقد ألف في الأخير كتاب : أخبار الدولة يذكر فيه ظهور الدولة الفاطمية ومؤسسها المهدي فيه المغرب ، وأهدى هذا الكتاب إلى عم المعز ولكن غالب إنتاجه كان في الطب والصيدلة التي برع فيها أيضاً.

توفي ابن الجزار عن بضع وثمانين عاماً قضاها في خدمة الإنسانية وكانت وفاته بالقيروان حوالي عام 369 هـ – 979 م .