عزفٌ على لسان الأنثى!


قلم : آمال عوّاد رضوان

[align=right]هل من الحكمةِ أن يضبطَ الإنسانُ أفعوانَ لسانه على إيقاع قلبهِ الخافتِ ليحيا سالمًا، عملاً بالحكمةِ: “لسانُكَ حصانُك، إنْ صنتَهُ صانكَ وإن خنتَهُ خانَكَ”، و”إن كانَ الكلامُ مِن فضّةٍ فالسّكوتُ مِن ذهب”!؟

[imgl]http://aljadidah.com/wp-content/uploads/2011/08/amal2-.png[/imgl]هناك.. قريبًا وبعيدًا مِن مجرى الحياةِ، وعلى ضفافِ نهر الوجود تسترخي وتستلقي مستنقعاتُ ثرثرةٍ يَركدُ فيها كلامٌ ساخطٌ آسنٌ، تنبعثُ روائحُهُ الكريهة العفنةُ، لتتجاذبَ ذبابَ التّشويهِ والافتراءِ والإشاعاتِ، فيتغذّى بجراثيمِهِ بعوضُ المُحاباةِ والنّفاقِ والأقاويلِ، ويتخدّرُ الضّميرُ بسوءِ الظّنِّ والنّميمةِ والعبثِ والسُّخفِ، وتُزمجرُ أنفاسُكَ المزكومةُ برائحةٍ كريهةٍ لا تستدلُّ حقيقتَها.

فهل مِنَ الحماقةِ أنْ يعزفَ الإنسانُ قلبَهُ على أوتارِ لسانِهِ، ويستفيضَ بحديثٍ مُطوّلٍ يُفضي بما في جوفِهِ؟

ما الفرقُ بينَ الثرثرة والفضفضة بأنواعِهما؛ سياسيًّا، اجتماعيًّا، وجدانيًّا، رياضيًّا، إخباريًّا.. الخ؟
وكيفَ نُوظّفُ كلًّا منها؟ متى؟ وأين؟

هل الثّرثرةُ طبعٌ أم تطبيعٌ وسلوكٌ مُكتسَبٌ منذُ الطّفولة والتّنشئةِ، أم انحرافٌ سلوكيٌّ ينتجُ لطوارئَ لها علاقةٌ بالعمرِ والأدويةِ والظّروفِ؟

هل الثّرثرةُ تعبيرٌ أنانيٌّ وعشقٌ للذّاتِ، ورغبةٌ في الاستئثارِ بدفّةِ الحديثِ وحبِّ الظّهور، أم هي بديلٌ لحاجةٍ نفسيّةٍ وتعويضٌ عن نقصٍ، كأنّما يُسلّمُ مفاتيحَ الأسرارِ بأيدي انتهازيّينَ يستغلّونَ الأبوابَ وفتْحَها بسهولةٍ؟

للثّرثرةِ أثمانٌ وأضرارٌ كثيرةٌ؛ يدفعُها المستمعُ حينَ يهدرُ وقتَهُ وأعصابَهُ ورصيدَ جوّالِهِ، ويدفعُها الثّرثارُ على المستوى الشّخصيِّ بنفورِ وامتعاضِ مستمعيهِ، مِن ثرثرتِهِ الّتي تتحوّلُ إلى عبءٍ صحّيٍّ ونفسيٍّ مزعجٍ، وعلى مستوياتٍ أخرى، تزعزعُ وتقوّضُ البنيانَ الأسَريَّ والمجتمعيَّ والطّائفيَّ، والأمنيَّ بعمالةٍ مجّانيّة!

هل يُجدي هواةَ الرّغي والثّرثرةِ دعاءُ (مزمور 140): “يا ربِّ اجعلْ على فمي حارسًا، وأبوابًا حصينةً على شفتيّ”، أو قولُ الرّسول (صلعم): و”إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله”، أو “هل يكبُّ النّاس في النّارِ على وجوهِهم إلاّ حصائد ألسنتِهم”؟

هل تزيدُ الثّرثرةُ مِن مداركِ التّفكيرِ، أم تُثيرُ النّفوسَ بتلميحاتٍ مِن شأنِها أن تؤدّي إلى ضياعٍ وتشويش؟
الثّرثرةُ ماكينةُ الرّغي والكلامِ الفارغِ مِن مضمونٍ مفيدٍ، تُعرّضُ الثّرثارَ لإرهاقٍ جسديٍّ ونفسيٍّ وتنفّسيّ.
هل للثّرثرةِ صبغةٌ ذكوريّةٌ، أو رائحةٌ أنثويّةٌ؟

الثّرثرةُ صفةٌ منبوذةٌ غيرُ حميدةٍ، وتهمةٌ ولعنةٌ ملازمةٌ للمرأة، مؤداها تشويهُ صورتِها الّتي تغلّفتْ بأقوالٍ أطلقَها القدماءُ، فبعضُ الأقوال المجحفةِ بحقّها: لا تُودِعْ سرَّكَ لامرأةٍ، فلسانُ المرأةِ يتأرجحُ مثلَ ذيلِ الحمارِ، وإذا كانتِ الثّعالبُ كلُّها ذيلًا، فالنّساءُ كلُّهنَّ لسانُ!

لماذا الحطُّ مِن قدْرِ المرأة، وبلورتِها في قالبٍ هشٍّ قابلٍ للانكسارِ ضيمًا وظلمًا؟

هل هناكَ حقيقةٌ علميّةٌ تؤكّدُ صحّةَ المقولة، أنّ العصبَ تحتَ اللّسانيّ عندَ المرأةِ أكبر منهُ عندَ الرّجل، أم هو ترسيخٌ لمعلومةٍ مخطوءةٍ، تبعثُ على فكاهةِ الانتقاصِ منها؟

ماذا عن الثّرثرةِ الرّجّاليّةِ المعسولةِ والمُطعّمةِ بشتّى السّمومِ والإيقاعِ بالنّساءِ، والنّشرِ بالأعراضِ بسرعةٍ صاروخيّةٍ زمنيّةٍ نفّاثةٍ؟

ألا تعتلي الخطاباتُ السّياسيّةُ عرشَ الثّرثرةِ المُعطّرةِ بالوعودِ الحالمةِ، وتذهبُ أدراجَ الرّياح، ويغطُّ المواطنونَ في أنهارِ الكلامِ المعسول، ويُحَلّقونَ مُخدّرينَ بالأحلامِ الورديّةِ والأوهامِ العصريّةِ؟

وهل ننسى خطبةَ الرّئيسِ الكوبيّ السّابق “فيديل كاسترو”؛ صاحب الرّقم القياسيّ في أطولِ خطبةٍ عصماءَ لمدّة ثماني ساعات؟

إن كانتِ “الثّرثرةُ حِليةٌ مِن حلي المرأةِ البرّاقة، تجذبُ الانتباهَ وتُسرّي عن النّفوس”، كما قال برنارد شو، فلماذا راندي أزيز 33 عامًا مِن ولايةِ بروكلين سنتر، أقدَمَ على قطعِ لسانِ زوجتِهِ الثّرثارة، كما ورَدَ في صحيفةِ مينابوليس ستار تريبيون، والمحكمةُ أطلقتْ سراحَهُ بكفالةِ 500 ألف $؟

هل للثّرثرةِ علاقةٌ بالتّكوينِ الفسيولوجيِّ والبيولوجيِّ عندَ المرأةِ والرّجل؟

وردَ في نشرةِ “ديلي تلغراف” أنّ هناكَ هرمون أوكسيتوسين لضبطِ المزاج، تُفرزُهُ الغدّةُ النّخاميّةُ لدى الجنسيْن، ولكن بكميّةٍ أكبر لدى السّيّداتِ، خاصّةً عندَ المساج البدنيّ والذّكرياتِ الجميلةِ تزيدُ نسبتُهُ، ووظيفتُهُ عندَ الإناثِ هو انقباضُ الرّحمِ عندَ الولادةِ، وتدفّقُ الحليبِ عندَ الإرضاعِ، وهذا الهرمون يدفعُ المرأةَ للثّرثرة، فيزيدُ هرمونُ الأنوثةِ “الأستروجين” فاعليّتَه، بينما يُخفضُهُ هرمونُ الذّكورة “التستتيرون”!

وها فريق مِن الباحثينَ في جامعةِ تكساس وأريزونا يؤكّد في نتائج نشرت في مجلّة ساينس، إنَ المرأة ليستْ أكثرَ ثرثرةً مِنَ الرّجل.

فهل الثرثرة صفة نسائيّة؟

أفادَ باحثونَ مِن جامعةِ كاليفورنيا، بأنّ الثّرثرةَ ليستْ صفةً نسائيّةً، فالمرأةُ تتفوّه 16215 كلمةً في اليوم، والرّجلُ 15669، فالرّجالُ ثرثارونَ، وأكثرُ ثرثرةٍ مِنَ النّساء، ولكن ذلكَ يعتمدُ على المكانِ والزّمانِ والموقف.

وانتهى الباحثُ كامبل ليبر مِن خلالِ الأبحاثِ الّتي أجريتْ حول الثّرثرةِ منذ عام 1960، إلى أنّ الرّجالَ يتحدّثونَ أكثرَ وعلى مهلٍ، للسّيطرةِ واستعراضِ مهاراتِهم العقليّة، لكنّ النّساءَ يتحدّثنَ أسرعَ عن المشاعرِ والأطفالِ والهموم!

كما أظهرَ بحثٌ علميٌّ جديدٌ بثّتْهُ محطّةُ شانيل‏2000‏ الأمريكيّة، أنّ أطفالَ الأمّهاتِ الثّرثاراتِ يملكونَ كمًّا مِنَ الكلماتِ والألفاظِ في عمر‏20‏ شهرًا، أكثر مِن أطفالِ الأمّهاتِ الهادئات، وهم أكثرُ سعادةً وتفاعلًا مع الأشخاصِ والمؤثّراتِ الخارجيّة!

أمّا مركزُ البحوثِ الاجتماعيّةِ في لندن، فطالعَنا ببحثِهِ حولَ فائدةِ الثّرثرةِ المحمودةِ والمحدودةِ بإطالةِ العمر، كوسيلةٍ صحّيّةٍ للتّغلّبِ على الفراغِ اليوميّ والفكريِّ والاجتماعيِّ والثّقافيّ الّذي يُعاني منهُ الفرد، ويوسّعُ العلاقاتِ الاجتماعيّةَ، ويُخفّفُ مِن حدّةِ الضّغوطاتِ والمتاعبِ النّفسيّةِ المتراكمةِ والتّوتّراتِ والتّشنّجات، ولكن؛ هل العلاجُ النّفسيُّ يستمرُّ مع الطّبيبِ على مدار 24 ساعةً يوميًّا؟

هل يُدركُ الثّرثارُ أهمّيّةَ تمتّعِهِ بالذّوق، كي يتمكّنَ مِن اختيارِ المكانِ والزّمانِ المناسبَيْنِ لثرثرتِهِ، والإنسان المُستعدِّ لسماعِهِ؟

هل الثّرثرةُ داءٌ مزمنٌ أم دواءٌ ممكنٌ؟
أين تكمنُ الحدودُ الإيجابيّةُ في الثّرثرةِ، والخطوطُ الحمراءُ السّلبيّةُ والمُسيئة؟ ومَنْ يُحدّدُها؟
[/align]