المعوقات التي تواجة تطبيق الحوكمة في الشركات العائلية

تحديات وأخلاقيات حوكمة الشركات لتحقيق الإصلاح الإداري

من منطلق التطورات التي لازمت حركة التطور المتسارعة للاقتصاد السعودي إعادة تقييم الأنظمة الشاملة وتطوير جزء منها بما يتناسب مع المنظومة العالمية ومن هذه الأنظمة الجديدة (الحوكمة)، حوكمة الشركات، ليسير هذا المفهوم في خط متواز مع الجهود المبذولة حاليا لإصلاح وإعادة هيكلة ركائز البنى الاقتصادية على نسق يجعلها قادرة على تحمل إفرازات الواقع الجديد المتشابك المصالح والمعطيات، فمن جهة نشأت السوق المالية مؤطرة لنشاطاتها بالعديد من اللوائح والقوانين المتفردة مهنياً والمتسقة مع المنظومة العالمية لتخلق واقعا جديدا جديرا بالاهتمام. واستجابة نوعية لواقع اقتصادي آخر له متطلباته ألا وهو انضمام المملكة لمنظمة التجارة الدولية.
هذه النقلة الاقتصادية الهائلة، بمؤثراتها الاجتماعية، تحتم التعايش والتوافق بدقة بمجموعة من الأنظمة واللوائح الإطارية والمحورية تعنى بإعادة هيكلة وتطوير البناء الاقتصادي السعودي وفق منظومة تلبي إحتياجات ومستلزمات الأطراف الأساسية في المعادلة حتى يكون الكيان الاقتصادي الوطني قادراً ومؤهلاً للمنافسة من منطلقات قانونية واقتصادية راسخة.
لاشك أن جميع هذه الجهود تتطلب حضور (الشركة) وتحديداً الشركة المساهمة كشخصية إعتبارية وعنصر فاعل في المعادلة الاقتصادية العامة، ملازما لها نظام الشركات السعودي والأنظمة الأخرى ذات العلاقة.
لقد تميز التطور التاريخي للشركات المساهمة عالمياً بتشابه الإطار القانوني والتنظيمي العام مع بعض الخصوصية المكتسبة من المفاهيم والمبادئ الاجتماعية لكل دولة على حدة، فعلى سبيل المثال نجد أن (مبدأ الفصل بين السلطات) وهو من المبادئ السياسية والدستورية للنظام الرأسمالي، تم تطبيقه بخصوص إدارة الشركة المساهمة في الدول الغربية كمنهج إصلاحي يكفل تفريد شريحة من المديرين التنفيذيين تنفيذاً للتوجه الإصلاحي العام بألا يقوم بإدارة الشركة من يملكها، فتم فصل إدارة الشركة عن مالكيها بل أضيف لهذا الكيان الثلاثي الأبعاد السلطات الرقابية التشريعية للدولة والتي تتدخل لتنظيم أعمال الشركات لأهميتها في مسار حركة وقوة الاقتصاد الوطني.
لقد مني النظام الاقتصادي في الدول الغربية تحديداً بنكسة وكارثة مست وزعزعت صميم الكيان الدستوري للنظام السياسي للدول، وذلك إثر سلسلة من الفضائح التي هزت الكيان المؤسسي للعديد من الشركات الغربية العملاقة مثل فضيحة إفلاس شركة (أنرون) بتواطؤ بين الإدارة التنفيذية للشركة ومكتب (آرثر أندرسون) المحاسب القانوني- المنوط به مهمة المراقبة والتدقيق المحاسبي على حسابات الشركة تحقيقاً لمصلحة الشركاء، تنفيذاً للوائح الصادرة عن الحكومة الأمريكية بأن يتولى إدارة التدقيق المحاسبي للشركة محاسب قانوني محايد.
أدى هذا الواقع الى فقدان الثقة تماماً في مكاتب المحاسبين القانونيين كجهة يعول عليها الالتزام بالشفافية والقيم الأخلاقية المهنية العالية (وهذا ليس من صميم الموضوع)، وبدأ التفكير في بناء فكرة الشفافية والأخلاق المهنية داخل الشركة مع تفعيل الدور الخامل لمجالس إدارات الشركات في المجال الرقابي والتوجيهي والإشرافي على أعمال الشركة، وتحجيم دور شريحة المديرين التنفيذيين في شؤون الشركة بالقدر الذي يكفل صيانة حقوق المساهمين من الإهدار، بخلق موازنة تحدث انضباطاً في العمل وتحكماً وسيطرة فعلية من جانب آخر وبهذا ظهر مفهوم الحوكمة كمفهوم يهدف الى استخدام آليات الضبط والتوازن في استمرارية واستدامة بتوفير قوة الدفع للمديرين التنفيذيين بحيث تتطابق وتنسجم أهداف المالكين مع أهدافهم في الحد من تصرفات المخاطرة غير المسئولة. بتفعيل دور اللجان التنفيذية والتشريعية والرقابية في مجلس الإدارة بطريقة تحول دون إنفراد شخص أو جهة معينة داخل المجلس بكافة الصلاحيات والسلطات.
مفهوم حوكمة الشركات المساهمة يتطلب التعرف على خصائصه وتعريفاته التي منها GOVERNANCE وهي المترادف من اللغة الإنجليزية لكلمة حوكمة والمتعارف عليها عالمياً في مجال الشركات المساهمة، وهي تعنى لغةً التقويم، واصطلاحاً تقنين مشروعية مسار الأداء بالشركة حفاظاً على حقوق المساهمين وذوي المصالح الآخرين. أو آليات التوجيه والإشراف والرقابة على إدارة الشركات، وتتضمن الوسائل التي يكون فيها عادة مجلس الإدارة مسئولا عن توجيه الإدارة التنفيذية للشركة على أفضل السبل المحققة للأهداف والتوقعات.
لقد خاض في مجال التعريف بمفهوم الحوكمة العديد من فقهاء القانون والاقتصاد بيد ان نسبة عالية من المختصين في مجال الشركات أجمعوا على شمولية التعريف الذي اورده باريكنسون Parkinson في كتابة Corporate Governance حوكمة الشركات عام 1994م.


تعريف باريكنسون:
الحوكمة هي الإجراء الإداري، الإشرافي والتنسيقي المعتمد والذي يعكس مصداقية إدارة الشركة في رعايتها لمصالح الشركاء.
كما أن الدكتور إبراهيم بن عبدالله المنيف في كتابه (حوكمة الشركات)، ص 124وما بعدها، يرى:
أن جملة هذه التعاريف تجمع بين ثناياها ثقافة مجتمعية غربية شاملة تجمع بين الإدارة والاقتصاد والقانون، وهي العلوم الإنسانية الثلاثة ذات الطابع التنفيذي. كما تجمع ما بين ثناياها تحقيق مصالح وطنية وعالمية كما يلي:
وقف المخاطر والتهديدات لمصالح المساهمين والمستثمرين.
وقف الخسائر والتزوير والفساد من إساءة استخدام السلطة في الشركات.
الترابط والتكامل والتوازن في العلاقات بين المساهمين ومجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والمتعاملين، لما يحقق مصالحهم بطريقة وأسلوب وممارسة أخلاقية قيمية.
توفر أنظمة وإجراءات رقابية تربط ما بين تحديد الإستراتيجية والأهداف والتنفيذ والصلاحيات والمسئوليات والمساءلة بين كافة الإدارات والدوائر والأقسام في الشركة.
استحداث نظام التوازن والسيطرة لأمور التعويضات والمكافآت للإدارة العليا بما يتفق ومبادئ العدالة والمساواة والقيمة الأخلاقية.
نشر الوعي والحضارة والثقافة في الشفافية والإفصاح.
لقد جاءت حوكمة الشركات لتسد الثغرة لمنع إستمرارية هذه التهديدات الإفلاسية وأثرها المدمر على الاقتصاديات المحلية والعالمية، وبدأ الإتجاه نحو إلغاء منظومة أعضاء مجلس الإدارة التنفيذيين، مع إلغاء الأنظمة واللوائح التي تسمح بأن يشغل شخص واحد وظيفتي رئيس مجلس الإدارة ووظيفة الرئيس التنفيذي.
وفي مرحلة لاحقة لجأت الشركات الى تعيين أعضاء مجلس إدارة محايدين ومؤهلين وقابلين للمساءلة عن التصرفات والنتائج بدلاً عن أعضاء مجلس الإدارة التنفيذيين.
أيضاً ساهمت الحكومة والهيئات المهنية العالمية بمؤشرات وفرضيات لنوعية تأهيل أعضاء مجلس الإدارة، إضافةً الى فكرة إنشاء اللجان الرقابية التابعة لمجلس الإدارة.
ولتحقيق المنهج والنهج لحوكمة الشركات فقد كان أول من ساهم في صياغة المبادئ الأساسية من المنظمة الأوروبية للتنمية الاقتصادية (أو. إي. سي. دي) آخذة في الحسبان آراء ووجهات نظر الدول الأوروبية في بحثها عن الآليات والممارسات المتميزة. وقد ركزت هذه المبادئ على ضرورة صياغة أنظمة وقوانين تؤدي الى تكوين مناخ عام يسمح للمنافسة وقوى السوق بأن تعمل بحرية، ويتيح للشركات تحقيق أهدافها الربحية وهي:
1- حماية حقوق المساهمين:
والتي تشمل:
أ- تسهيل ممارسة المساهمين لحقوقهم وحصولهم على المعلومات.
ب- حقوق المساهمين المتعلقة باجتماع الجمعية العامة، كالأخذ في الإعتبار المسائل التي يرغب المساهمون في إدراجها في جدول الأعمال ومناقشتها، وحقهم في توجيه الأسئلة بشأن الموضوعات المطروحة، مع تمكين المساهمين من الاطلاع على محضر اجتماع الجمعية العامة.
ج- حقوق المساهمين في التصويت، وعلى الشركة تثبيت هذا الحق وتجنب وضع أي إجراء قد يؤدي الى إعاقة استخدام حق التصويت.
د- يجب على مجلس الإدارة وضع سياسة واضحة بشأن توزيع أرباح الأسهم بما يحقق التوازن في مراعاة حقوق المساهمين والشركة.
هـ- مراقبة أعمال مجلس الإدارة ورفع دعوى المسئولية التقصيرية بقصد أو بدون على أعضاء المجلس.
2- السياسات والإجراءات المتعلقة بالإفصاح:
على الشركة أن تضع وتحتفظ بسياسات وإجراءات وأنظمة إشرافية مكتوبة بشأن الإفصاح وفقاً لنظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، إضافةً لضرورات الإفصاح في تقرير مجلس الإدارة عن مدى إلتزام الشركة بمتطلبات الحوكمة.
3- من الملاحظات العامة:
جاء طرح مشروع لائحة حوكمة الشركات المساهمة في ظروف تسعى فيها الجهات المختصة لإعادة هيكلة الكيانات الاقتصادية لتتلاءم مع معطيات الأوضاع الاقتصادية العامة المرتقبة في ظل المد الثلاثي الأبعاد والمتمثل في:
إنضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية ومتطلبات ذلك من ضرورات إصلاحية.
عدم ثبات أوضاع السوق المالية في الآونة الأخيرة وما يحتمه ذلك من ضرورات إعادة النظر في الأنظمة القانونية ذات العلاقة لتأسيس الهيكلة القانونية التي تتناسب ومتطلبات الأوضاع الجديدة.
من الواضح أن ظهور مشروع لائحة حوكمة الشركات في 2/6/2006، كمشروع كان ينبغي أن يؤسس على خلفية معطيات الأنظمة ذات العلاقة، مثل نظام الشركات ولوائح هيئة السوق المالية ولوائح وزارة التجارة والصناعة السعودية كمرحلة أولى لإيجاد التناغم القانوني، وتجنب أي تعارضات قد تنشأ مستقبلاً، فمن الواضح أن المجهود المقدر الذي بذلته هيئة سوق المال السعودية وهي تسارع الزمن من أجل إصدار لائحة حوكمة الشركات المساهمة كان الغرض منه تكملة المنظومة القانونية لمقابلة المتطلبات التي قد تنشأ عند ممارسة العمل فعلياً ولتأكيد الضمانات وصيانة الحقوق، ومحاربةً لأي إنحرافات للفساد من خلال إدارة الشركات السعودية.
رغم أن الأنظمة الخاصة بالشركات المساهمة السعودية لا تخلو من متطلبات قد يترتب عليها بناء الأوضاع التنظيمية الجديدة والمستحدثة، إلا أن الممارسة الفعلية تغيب الغرض الأساسي من تلك الأنظمة وتجعلها مستندات تكميلية فقط، ويعزي ذلك الى:
1- افتقار المواطن الى الثقافة التنظيمية بحقوقه تجاه مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية وواجباته، وهذا ناتج عن محدودية وضمور الثقافة في هذا المجال مما يتطلب جهداً أكبر في إيصال تلك المعلومات الى المواطن بإستحداث الوسائل التي تكفل ذلك.
2- نظام الشركات المساهمة في ظل المتغيرات والمستجدات يعتبر نظاماً جديداً في مجال الممارسة وهذا أيضاً يستلزم جهداً أكبر لتطبيق هذه المفاهيم الجديدة.
3- ربما كانت هنالك بعض الإدارات بالشركات المساهمة والتي تقوم بعمليات غير مشروعة عن طريق مكاتب المدققين الخارجيين، بوضع نتائج غير حقيقية لأرباح الشركات وقوائمها المالية للظهور أمام المساهمين بمظهر الإدارة الناجحة، وهذا جانب لا يستبعد وجوده في الواقع، مما يتطلب زيادة إجراءات الحوكمة التي تعالج مثل هذه الظواهر غير الصحية للحيلولة دون حدوث الفساد المالي داخل الشركات الوطنية أو شركات الإستثمار الأجنبي بالبلاد.
4- كما أشرنا بتفعيل دور مجلس الإدارة بلجانه المتعددة الأغراض يجب تفعيل دور عضو مجلس الإدرة ليكون عضواً فعالاً وليس عضواً تابعاً.
وفي هذا الإطار لابد لنا من الإشادة تماماً بالدور الكبير الذي تبذله هيئة السوق المالية السعودية التي تسعى لتعميق مفاهيم الأداء القانوني لمؤسسات القطاع الخاص التجارية لدى المواطن والمستثمر السعودي عن طريق إقامة الندوات التثقيفية المفتوحة والإصدارات القانونية والاقتصادية التي تعنى بثقافة المستثمر السعودي وتوجيهه الى مصادر المعرفة.
الحلول المقترحة:
أولاً: إيجاد آلية فاعلة لتوفير القدر المناسب من الثقافة لدى المساهمين لمعرفة حقوقهم وواجباتهم من خلال عقود تأسيس الأنظمة الأساسية للشركة.
ثانياً: توفير اللوائح الخاصة بإلزام الشركات لمزيد من الشفافية والإفصاح عن كل المعلومات التي تتعلق بالشركة.
ثالثاً: خلق الانسجام والتوافق بين مجموعة اللوائح والأنظمة المستحدثة والتي صدرت لمعالجة متطلبات التطورات الاقتصادية الحالية.
رابعاً: استنباط وسائل لمكافحة الأساليب الملتوية التي تلجأ لها بعض إدارات الشركات.
خامساً: تزويد مجالس إدارات الشركات بالكوادر المتخصصة في كافة المجالات للإستفادة منهم في رئاسة لجان المجلس، ذات الطبيعة الرقابية على أعمال الإدارة التنفيذية.
سادساً: هنالك العديد من الأنظمة التي تتعارض وتتداخل الصلاحيات مع أنظمة أخرى تابعة لسلطات حكومية داخل الجهاز الحكومي، لذا نرى أن يكون هنالك فك ارتباط بين تلك الجهات وذلك بتوحيد اللغة المشتركة بين تلك الجهات، مع إيجاد الضمانات الكافية للالتزام باحترام الأنظمة ذات العلاقة.