[mark=#66cccc][align=center]

ليت الخنساء حية ترزق لأطلب منها أن تتنازل لي عن هذا البيت
فكم تمنيت أنني قلته فيك يا أبي

وإن أبي لتأئم الهداة به *** كأنه علمٌ في رأسه نارٌ

قبل أن ألتحق بدور العلم وأدرج في صفوف المتعلمين كان رحمه الله يحفظنا الشعر
ويسعى ليعمل ذاكرتنا ويقوي ملكة الحفظ لدينا
طفلة لا زلت صغيرة وأردد
طرقت الباب حتى كل متني
فلما كل متني كلمتني

وقوم إذا ما استنبح الأضياف كلبهم ....الخ

كان يجيد التشجيع ويتقن الإصغاء بطريقة تجعلك تتباهى بما تلقيه وتعتد بنفسك

رغم كل مشاغله إلا أنه كان يولي التربية النصيب الأكبر من وقته
فلم يمر بنا فسحة نلقاه فيها لم نتعلم منه
له قوانين يلزمنا بالتقيد بها ويوقع علينا تحمل نتيجة الإخلال بها

قد منحه الله بسطة في الجسم وزيادة في العلم
حليم حكيم
قدم لنا جميع حقوقنا التي فرضها الإسلام لنا
فكان أولها إنتقاء أسماؤنا فأغلبنا إن لم نكن كلنا مسمين على السلف الصالح
له هيبة تقرع القلوب
حين يدخل علينا المكان نقوم وقوفاً حتى يأخذ مكانه
لا يسمح بمقاطعة المتحدث ويعلمنا أن نجيد الإصغاء
كان يفضل البنات على الذكور عكس والدتي
له رائحة تفرد بها هي ذاتها رائحة الكتب العتيقة في مكتبته يخالطها العود الطيب
فكان كل مكان يجلس فيه يتعبق برائحته
لهف نفسي عليها من رائحة ما عدت أشمها
لمح والدي حرصي الشديد في ملازمته والأخذ منه
فبالغ في العناية بي
حتى كان رحمه الله لا يقبل أن يعنفني أحد ولو كانت أمي
مما زادني علواً وبعداً عنهم فأصبحت أعرف بإبنة أبيها
فكنت أمضي أغلب وقتي معه في مكتبته كنت سابقاً أتحجج بالترتيب
والتنسيق ولكنه عرف مبتغاي فأدخلني تحت جناحه
وتوطدت العلاقة بيني وبين أبي
حتى كنا ننقطع عن العالم سوياً
فيدأ يوكل إلي بعض الأعمال مثل التلخيص والكتابة
والبحث عن المصادر لكل ما يشرع في الكتابة عنه
كنت أوقر أبي كثيراً وأحرص على أن لا يراني في موضع مخجل
واستغل كل إنشغال له فأعدو على ما وضعه على الرفوف ووقعت عيني عليه ولم أقترب منه
لكي لا يراني هو
وكان أول كتاب قرأته من وراء ظهره كتاب قيس وليلى مخطوطة وليس كالكتب التي نقتنيها
تمنيت أن يتاح لي مجال أكبر حتى أقوم بنقل مافيه لكنني عرجت عليه فقط
سافر والدي للعراق وكان يؤلف كتاباً حول أنساب الجزيرة العربية
وقصد من قصد هناك للبحث عن الأسانيد الصحيحة فتزود بالعديد من الكتب والمخطوطات الأثرية
وجلبها معه وحطت به الرحال في مصر ليتجول في مكتباتها ويعود بالنفيس منها
ولبلاد الشام واليمن حتى كان له مكتبة زاخرة بالنفيس
وكان لا يسمح لأحد غيري بدخولها
أطلعت على المخطوطات وكنت أقرأ في الصحف التي توقفت عن الصدور
وأقرأ العالم قديماً وحديثاً بين يديه
متعتي هي مرافقة أبي في صومعته
تمضي علينا الساعات الطوال دون أن نشعر بها
ففاتني الكثير مما تتعلمه الفتيات من أمهاتهن
وكانت المسافة بيني وبين أمي واسعة
كلما سافر أبي وأبتعد عن المنزل شعرت بحزن وحنين له
فكان يطلب مني أن أكتب له الرسائل وأحفظها حتى يعود
صنعني أبي وحفظت له الجميل
لكنه رحمه الله لم يعلمني كيف لي أن أتقبل المجتمع بدونه
حين رحل عني شعرت أنه لم يتيتم على هذه الأرض غيري
حتى الساعة لم اتأقلم مع المجتمع بعد أبي
كانت سلوتي لو كتب لي مكتبته إرث لكنه رحمه الله غفل عن هذا
فقام سفهاؤنا بالتبرع بها لمكتبة الملك فهد والتي خصصت لها قسم يحمل أسمه
بلغوني بهذا لكنني لم أزوره ولن أزوره
كان حرياً بهم أن شاوروني لكنه الجهل
=[/align][/mark]