حنان الحامدي – (عين اليوم) : قضية “زواج القاصرات” لاتزال من القضايا المعاصرة في العالم عامة والمجتمع السعودي خاصة، الذي انفرد بعادات وتقاليد زواج من هم دون سن الـ15 عاما، حتى بلغت إحصائية مثل هذه الزيجات 150 ألف فتاة أعمارهم أقل من 19 عاما، تبعا لإحصائية باحث اجتماعي في عام 2013، رغم تأكيد الباحث على عدم وجود أي إحصائيات رسمية عن عدد حالات زواج القاصرات في السعودية.
https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/o...5021713000.jpg
زواج القاصرات - مقالة تم نشرها في تاريخ السبت 23 مايو 2015
وردت لـ”عين اليوم” تساؤلات حول فرض المملكة العربية السعودية قرارا بتحديد”سن الزواج”، حيث صدر مثل هذا القانون أو القرار قبل سنوات في دول عربية منها المغرب، بينما هناك 73 من دول العلم لم تحدد سنا معينا للزواج حتى الآن.
الرأي الشرعي
تعددت الفتوى في منع زواج القاصرات ووضع قانون يحدد سن الزواج، بين الرفض والقبول واتفق هيئة كبار العلماء على إجازته، وأنه لا يجوز الزام الناس بالقوانين الوضعية كقانون تحديد سن الزواج، واعتبر مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ زواج القاصرات دون سن الـ15 عاماً جائزا ولا شيء فيه، مؤكدا أنه لا توجد حتى الآن أي نية في بحث الموضوع.
وذكر في السياق نفسه الشيخ بدر البدر العنزي :”أن الزواج من القاصرات جائز شرعا، وأما فيما يتعلق بقانون تحديد سن الزواج فهذا من القوانين الوضعية التي لا يجوز الأخذ بها”..
لا قانون يمنع “المأذون” من تزويج القاصرة
أشار مأذون شرعي :”أن هذه لازالت دراسة في المحكمة الشرعية ولم يردنا أي تعميم بعدم عقد النكاح لمن هم دون الـ18 سنة، كاجتهاد شخصي من عندي لا أعقد لمن هي دون 15 إلى رجل فوق سن الستين عاما، لكن إذا كان ولي أمر القاصرة راضيا فلا يوجد ما يمنع النكاح من قبل المأذون الشرعي، وأشار إلى أنه لم يصلهم أي تعميم بعدم عقد الأنكحة لمن هم دون سن الـ 15 عاما، وأن يكون عقد النكاح لهن في المحكمة الشرعية”.
وأضاف :” طالما لا يوجد قانون يمنع المأذون الشرعي من إتمام زواج القاصرة في المنزل، فلن يمنع هذ الزواج أحد وخاصة في القرى والأماكن النائية من المملكة، وهذا المأذون يعتبر 1% من أصل (135) مأذوناً رخصت لهم وزارة العدل العمل خلال الربع الأول، و(90) مأذوناً خلال الرابع الثاني، فيما منح (98) مأذوناً خلال الربع الثالث، بينما رخصت الوزارة خلال الربع الأخير من العام الماضي لـ(79) لمتقدمين لعمل مأذون انكحه شرعي، بحسب بيان رسمي صادر من وزارة العدل”..
فيما رصد باحث سعودي الأسباب الأكثر شيوعا لتزويج القاصرات في السعودية، التي تمثلت في الفقر والحاجة المادية، إضافة إلى بعض المشكلات العائلية مثل الطلاق، وأيضا بسبب بعض العادات والتقاليد، فيما تنتشر حالات زواج القاصرات بين فئات المجتمع الأقل تعليما، ومن يعيشون في القرى النائية والبادية.
وبيّن الدكتور حسين الحكمي في بحثه، الذي نال عليه درجة الدكتوراه من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة البريطانية الأسبوع الماضي، أن مأذوني الأنكحة لا يوجد لديهم أي توجيه أو نظام يمنعهم من تزويج أي فتاة، مهما كان عمرها، وفي حال امتنع أي مأذون عن تسجيل عقد النكاح، فإنه من الممكن الذهاب إلى مأذون آخر لعقد النكاح..
لا يُجرَم الزوج عند”وفاة” القاصرة
وقال أخصائي علم النفس الجنائي عبد العزيز بن حسن :” من ناحية العلم الجنائي فهذا يتبع النظام السائد في البلد، عندما لا يرجح ملائمة القاصرات في الزواج ويكون هناك تحديد لسن زواج معين في المجتمع، وفي توجيه شرعي كفتوى من هيئة كبار العلماء معممة على سياسة الزواج في البلد، ففي هذه الحالة تعتبر جريمة، عدا ذلك لا يعتبر جريمة، كمبدأ عام لا جريمة ولا عقوبة بلا نص قانوني محدد”..
وأكمل بن حسن :”ولذلك فهو يتبع العرف السائد في البلد، ليس هناك تحديد السن الأدنى للزواج، ويبدو أن التوافق ليس رسميا ولم يتم الموافقة على تحديد سن الزواج حتى الآن، وإذا اثبت توفيت الزوجة نتيجة العلاقة الحميمية في حالة عدم تحديد السن، لا يعتبر قتل عمد أبدا وإنما يدرج تحت قتل غير العمد”..
الرأي القضائي
وأوضح الدكتور محمد النجيعي في المعهد العالي للقضاء : الرسول صلى الله عليه وسلم قال :” فمن استطاع منكم الباءة فليتزوج” والمقصود بذلك أن الباءة هي المال والقدرة على الممارسة الجنسية، وغالبا أن القاصرات ليس لديهن القدرة على ذلك، وبالتالي فإذا أخذنا رأي ذوي الاختصاص من اللجنة الطبية فلا يعقد إلا بإذن القاضي وموافقة ذوي الفحص الطبي، والأصل يجب منع زواج القاصرات لما يترتب على ذلك من الفساد”..
وأكمل :” أما في حال وفاة الزوجة القاصر يجرى تحقيق موسع حول القضية، إن كان سبب الوفاة أثبت أنه من العلاقة الحميمية فتحال إلى القضاء، فيصدر القاضي حكما بالتعزيز إما بالسجن أو الجلد ويمكن أن تصل إلى القتل في بعض الحالات، ولكنه لا يدرج في القتل العمد ولكن يدرج في باب التعازير، فالقاضي الجنائي له حرية في فرض العقوبة”..
الرأي النفسي
وأشارت سوزان سنبل أخصائية نفسية إلى أن :” هيئة حقوق الإنسان قامت خاطبت وزارة الصحة السعودية، للاستفسار عن الكيفية التي تُجرى بها فحوص ما قبل الزواج للأطفال القصر، وما يسببه ذلك من آثار سلبية بالغة من الناحية الجسدية والنفسية، لذا عقدت اللجنة الوطنية الطبية المختصة بدراسة الآثار الصحية المترتبة على زواج صغار السن، اجتماعاً لتحديد المخاطر الصحية المحتملة التي قد تنجم عن زواج الأطفال”..
وأكملت سنبل :”أوضح المختصون من اللجنة – التي ضمت أطباء من مختلف التخصصات المعنية، أن زواج الطفلة قد يتسبب في معاناتها من الحرمان العاطفي من حنان الوالدين، حيث لا زالت تحتاج للرعاية الوالدية وتعتمد على والديها في الكثير لتوفير الاحتياجات الأساسية المادية والمعنوية، وأيضا الحرمان من عيش مرحلة الطفولة، واللعب والمرح الحر غير المشروط والذي يميز مرحلة الطفولة، ما قد يؤدي إلى حدوث ارتداد لهذه المرحلة في صورة أمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام، والاكتئاب، والقلق واضطرابات الشخصية، ثالثا اضطرابات في العلاقات الجنسية بين الزوجين، ناتج عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة، مما يؤدي إلى عدم نجاح العلاقة وصعوبتها، هذا إلى جانب أنها قد تتعرض للعنف في حال عدم رغبتها في الممارسة، مما قد يصيبها بحالات من الرهاب، أما رابعا معاناة الفتاة من قلق واضطرابات عدم التكيف، نتيجة لأثر ما بعد الصدمة، وعدم تفهم الزوجة (الطفلة) لما يعنيه الزواج ومسئولة الأسرة والسكن والمودة، وقد ينتهي الأمر بهروبها نحو الإدمان نتيجة تلك الضغوط، أو إيذاء الذات أو الانتحار..
مختصة في النساء والتوليد
في حين أشارت جيهان عبد الجليل أخصائية نساء وتوليد عن الآثار الجانبية التي تتعرض لها الطفلة في الزواج بعد سن البلوغ وقبل سن البلوغ :” الطفلة عندما تكون صغيرة فالضرر الذي يقع عليها قبل البلوغ كبير جدا، وقد يتسبب في حرمانها من الإنجاب عندما تكبر، لأنها لا تقوى على العلاقة الحميمية بعد، مما يتسبب ذلك في تهتك الرحم والجهاز التناسلي لها، وفي كثير من الأحيان يتسبب في حدوث نزيف لها مما قد يؤدي إلى وفاتها”.
في نفس السياق أوضحت وزارة الصحة عبر لجنة طبية عن حدوث أضرار صحية وجسدية ونفسية الناتجة عن زواج القصر من أبرزها تمزق المهبل والأعضاء المجاورة له من آثار الجماع واختناق الجنين في بطن الأم نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية..
حقوق الإنسان : عقد النكاح دون سن 17في المحكمة ؟؟!!!
في نفس السياق توجهت “عين اليوم” باستفسارات تدور حول تحديد سن الزواج، إلى خالد فخري المتحدث الرسمي لحقوق الإنسان الذي أفاد :” لم يرد إلى الآن دراسات تخص تحديد سن الزواج في المملكة العربية السعودية، ولكن هناك ضوابط تم اعتمادها على عقود النكاح التي تخص فئة من هم دون 17 عاما، أولها أنها لا تستطيع عقد النكاح إلا في المحكمة الشرعية، وثانيها موافقة الأم والأب على الزواج، وثالثها أن تعرض الفتاة على مختصين للتأكد من استعدادها للزواج، فالاعتبار الذي يأخذ به القاضي في مثل هذه القضايا يكون في التكوين الجسماني ليس بالعمر أو بعلامات البلوغ..
وأكمل فخري :” بالتالي إذا أثبت الإجبار على الفتاة في المحكمة، فتتحول القضية مباشرة إلى دار الحماية، ويبطل الزواج، حيث تعتبر في نظام الحماية من انتهاك حقوق الطفل، ولأن نظام الحماية من الإيذاء يجرم مثل هذه الأفعال لأن هذا الأمر يعتبر من الإيذاء النفسي”..
من جهتها وزارة العدل رفعت منذ عامين مشروع كامل متضمنا مسببات نفسية واجتماعية وصحية حول ضرر زواج الفتيات دون سن الـ15 عاما للرئاسة العامة للبحوث والإفتاء، مطالبة فيها بإصدار فتوى تقنن زواج القاصرات، والمشروع بكامل تفاصيله معروض على هيئة كبار العلماء للنظر فيه، بعد تشكيل الوزارة لجنة من عدة جهات حكومية ذات صلة بهذا الموضوع لوضع الرؤية الشرعية والنظامية لهذه الوقائع والتي انتهت من محضرها الشمولي المتضمن للرؤية الشرعية والاجتماعية والطبية ووضع توصياتها.
المصدر
