قانون مكافحة إدمان المناصب
بقلم د.طارق سيف
إدمان المنصب مرض يصيب المسؤولين العرب دون غيرهم، ويستحيل علاجه سوى بالقهر أو القبر. ففي حين نرى أن المسؤولين في معظم الدول الأجنبية، سواء الغربية أو الشرقية والشمالية والجنوبية والأرضية والفضائية، مستعدون نفسياً ومهنياً ومادياً لمغادرة المنصب بعد فترة محددة طالت أو قصرت، نجد أن معظم المسؤولين العرب ملتصقون بالمنصب بمواد يصعب إزالتها أو التخلص منها.
إدمان المنصب عبارة عن تعلق مرضي وقسري بمنصب له من المزايا التسلطية والخدمية والمادية الإغرائية ما يدفع إلى هذا التعلق، مع الطلب المستمر والإلحاح الذي يتجدد باستمرار للقبض على الكرسي من أجل تحقيق حالة من المشاعر المزاجية المريحة وممارسة التسلط دون قيود، أو لتجنب حالة من المشاعر المزعجة واحتمال العودة إلى ما كان عليه حاله قبل المنصب وما يسببه ذلك من شعور بعدم الارتياح والتوتر والقلق والاضطرابات النفسية والجسدية, من خشية أن 'يذوق من الكأس نفسها التي أذاقها للناس'. وتظهر هذه الحالة عادة بعد فترة طويلة من الاعتياد الدائم على مزايا المنصب فيصبح الأمر تعلقاً جسدياً ونفسياً ووجدانياً بالمنصب. ومن ثم تتداخل الأمور وتختفي الفروق الواضحة بين المصالح الشخصية والمسؤولية العامة، فتتولد الرغبة الشديدة والملحة للاستمرار في المنصب بل والقتال من أجله والتضحية بالغالي والنفيس للمحافظة عليه وعدم فقده.
لقد بات المنصب جزءاً لا يتجزأ من اسم المسؤول نفسه بحيث يكفي ذكر أي منهما ليتذكر الناس الباقي، والمشكلة ليست في إدمان المنصب في حد ذاته، ولكن في الآثار السلبية الكثيرة المترتبة عليه، ومن أهمها:
1- التعود على الروتين وافتقاد الدافع إلى الابتكار أو تطوير الأداء والميل إلى الخمول واستمراء المظاهر، مما يؤثر على التخطيط للمستقبل ويحد تماماً من عملية التنمية.
2- القضاء على الطموح لدى الأكفاء والموهوبين والمبدعين الذين يمكنهم أن يقوموا بمهام المنصب أكثر ممن أدمنه.
3- قتل الروح المعنوية لدى الشباب صاحب الأمل في أن يأخذ دوره وفق جهوده وتأهيله العلمي، عندما يرى المسؤول الكهل جاثماً على المنصب منذ أن كان يرتدي 'الشورت'.
4-الافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي وتطوير السياسات وبرامج العمل والتعود على نمط تسلطي في الأداء.
5- اندثار الكفاءات الإدارية والعلمية والفنية وتحطيم معنوياتها وفقدانها الأمل في أي تدرج وظيفي.
6- العمل المنهجي والمنظم لتدمير القيادة الوسطى الطامحة أو المؤهلة للمنصب داخل المؤسسة أو الوزارة.
7- تفشي الوساطة والمحسوبية والفساد الإداري للمتملقين وأصحاب المصالح و'شلة الأنس'.
8- التوسع في نظام 'الوزارة العائلة' لخدمة الأهل والأقارب لأن ذلك يضمن استمرار المسؤول في منصبه من ناحية، ويجعله محبوباً ومرضياً عنه وصاحب نفوذ في العائلة من ناحية أخرى.
9- نسيان القوانين والقرارات والتعليمات المنظمة للعمل والاعتماد على ذاكرة 'المدمن'، والتي انتهت فترة صلاحيتها الافتراضية مما يؤثر على الأداء العام للمؤسسة أو الوزارة.
10- شعور 'المدمن' بصعوبة بل استحالة تغييره وأنه سيظل في المنصب إلى قيام الساعة، مما يعظم شعوره بالأنا ويزداد جبروته وسطوته، الأمر الذي يدفعه إلى التمرد حتى على أولياء نعمته.
11- افتقاد المنصب وصاحبه إلى دوره المأمول، فيصبح صورة لحضور الاستقبالات والاحتفالات فقط، بينما تقوم جهات أخرى بأداء عمله.
12- سعي 'مدمن المنصب' إلى الحصول على الثروة إذا كان لا يمتلكها، أو توسيع نطاق سلطاته ونفوذه إذا كانت لديه الثروة، أو البحث عن المتع والترفيه و'الانبساط'، إذا كان يمتلك الثروة والنفوذ.
13- ضياع الحقوق وتراكم الأزمات والمشكلات، تحت زعم خشية المساعدين من عرضها على 'مدمن المنصب' لكيلا يزعجوه أو يرهقوه ويفقد صوابه ويطردهم من العمل فهو مسنود.
14- يصبح العمل في المؤسسة أو الوزارة كإقطاعية تابعة لـ'مدمن المنصب' يفعل بها ما يشاء وفق أهوائه, فقد امتلك المؤسسة بما فيها ومن فيها وعليها. وهنا يحدث الخلط داخل أسرة 'المدمن' حيث تقوم الزوجة والأبناء باستغلال السيارات والسعاة والموظفين لقضاء حاجاتهم الخاصة.
ولا يزال هناك الكثير من المصائب والكوارث المترتبة على مرض إدمان المنصب. ولكن بعضهم يرى بعض الجوانب الإيجابية في إدمان المناصب, تتلخص في تأمين النظام القائم. وأن المدمن سوف يكتفي بعد فترة بما حققه من نفوذ ومال, في حين أن تعيين شخص جديد سيعيد العملية إلى نقطة الصفر وإلى الحلقة المفرغة من البحث عن النفوذ والثروة، كما أن الخبرة التي اكتسبها المدمن في تجميد المشكلات وعدم إثارة الأزمات وقدرته على مواجهة الجماهير بمبررات وحجج تجعله في مأمن, فقد عرف 'من أين تؤكل الكتف'.
ولكن نظراً إلى استفحال مرض إدمان العرب للمناصب وفي ظل مطالب الإصلاح والتغيير والتطوير نجد أن الضرورات تبيح المحظورات, ومن ثم نجد أنفسنا مضطرين إلى اقتراح قانون لمكافحة إدمان المناصب.
وينقسم القانون المقترح إلى ثلاثة أبواب رئيسية، الباب الأول يشمل المزايا المادية والأدبية التي يحصل عليها 'مدمن المنصب' في حال تخليه طواعية عن منصبه واعترافه بأنه غير قادر على مزيد من العطاء، على أن تكون هذه المزايا بالقدر الذي يغري المدمن بالتخلي عن المنصب من ناحية، وتحمل في طياتها أسلوب علاجه من الإدمان من ناحية أخرى.
أما الباب الثاني, فيتعرض للأسلوب الذي ستتم به معالجة الأمور الكارثية الناتجة عن استمرار المدمن في منصبه، بشرط أن تضمن الحفاظ على ماء وجهه وحماية ممارساته الخاطئة، وإغلاق الملفات جميعها التي تدينه، وعدم التعرض لسمعته أو مقاضاته أو التشكيك في نزاهته أو فضحه أو نقده في أي من وسائل الإعلام أو المعلومات المعروفة حالياً أو المنتظر ظهورها، وحفظ أسراره ووثائقه إن وجدت في مكان أكثر من آمن طوال حياته حتى موته.
وبالنسبة إلى الباب الثالث من قانون مكافحة إدمان المنصب فإنه يتعرض للتشريعات التي تمنع تكرار الظاهرة، ويضمن في الوقت نفسه التداول السلمي والعقلاني والموضوعي للمناصب، ومراعاة وضع الرجل المناسب في مكانه الصحيح، مع إيمانه الكامل بأنه سيغادر المنصب بعد فترة محددة، وأن يلتزم بالشفافية في العمل، وأن تتوافر الرقابة على ممارسته لمسؤولياته، ووجود مدد محددة للوظيفة، وصياغة شروط دقيقة مقيدة للظروف المحدودة جداً التي تسمح بالتجديد لفترة واحدة في المنصب، على أن يكون أهم شرط هو القدرة على الابتكار والتطوير وحل المشكلات ومواجهة التحديات، وأن تكون لديه الشجاعة الأدبية للاعتذار عن التكليف بالمنصب إذا شعر بعدم قدرته على القيام بمهام مسؤولياته، لأن العمل العام 'تكليف وليس تشريفا'.
إن من ينظر إلى الدول العربية يرى الكثيرين من مدمني المناصب معظمهم لم يفعل شيئاً للمنصب بل العكس صحيح. فقد أصبحوا أثرياء من دون جهد، وباتوا حكماء وهم أكثر ما يفتقدون للحكمة، ولهم نفوذ فتح الأبواب كلها أمامهم وهم لا يملكون مفاتيحها، وأصبحوا من المشاهير وهم لا يستحقون، وباتوا يعبثون في أرزاق العباد بعد أن كانوا يبحثون عن رزقهم.
إننا في حاجة إلى وقفة مع النفس لنصدر قانوناً لمكافحة إدمان المنصب لأن هذا القانون سيوفر علينا إصدار قوانين أخرى لمكافحة التسيب وضعف الأداء والوساطة والفساد الإداري، وكذلك يوفر إصدار قرارات سياسية عدة أيضاً لمواجهة توقف خطط التنمية وعلاج القصور الناجم عن عشوائية قرارات مدمن المنصب وتعيين العائلة في الوزارة.
إذا كنا جادين فعلاً في الإصلاح فإن إصدار قانون مكافحة إدمان العرب للمناصب بات ملحاً، لأن البديل هو استمرار الحال على ما هو عليه، وعلى الشعوب أن تضرب رأسها في الحائط، إذا وجد حائط، أو أن تلحق بنفسها وتشرب من البحر قبل أن يشفطه مدمنو المناصب.
قصة قصيرة:
ذات مرة كان هناك سباق تجديف بين فريقين ((عربي)) و ((ياباني)) كل قارب يحمل على متنه تسعة أشخاص وفي نهاية السباق وجدوا أن الفريق الياباني انتصر بفارق رهيب جداً.
وبتحليل النتيجة وجدوا أن:
· الفريق الياباني يتكون من 1مدير قارب و8 مجدفين
· الفريق العربي يتكون من8 مديرين و1 مجدف
حاول الفريق العربي تعديل التشكيل ليتكون من مدير واحد ... مثل الفريق الياباني
وتمت إعادة السباق مرة أخرى
وفي نهاية السباق وجدوا أن الفريق الياباني انتصر بفارق رهيب جداً تماماً مثل المرة السابقة وبتحليل النتيجة وجدوا أن:
الفريق الياباني يتكون من 1 مدير قارب و8 مجدفين
والفريق العربي يتكون من1 مدير عام و3مديري ادارات و4 مدراء اقسام و1 مجدف
فبعد الدراسة والتمحيص, قرر الفريق العربي محاسبة المخطئ
فتم فصل المجدف L
ض9