تونس- عادل الثابتي (الأناضول) : قالت رئيسة "هيئة الحقيقة والكرامة" التونسية (حكومية)، سهام بن سدرين، إن الهيئة تدعم دعوة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، إلى تحقيق المصالحة الوطنية، لكن على أن يكون ذلك ضمن مسار العدالة الانتقالية.
http://webcdn.aa.com.tr/webdocs/625x...0430113506.jpg
اقتباس:
سهام بن سدرين للأناضول: - نقابيون من الأمن الرئاسي تمردوا على أوامر المؤسسة ورفضوا تسليم الهيئة أرشيف الرئاسة - لا نشعر بتجاوب معنا من وزارة الداخلية الحالية.. تلقينا أكثر من 11 ألف شكوى من ضحايا - الهيئة تتميز عن كل لجان الح
والهيئة، التي تترأسها بن سدرين، ستشرف على تطبيق قانون العدالة الانتقالية للنظر في ما يتردد عن تجاوزات حقوق الإنسان بين 1 يوليو/ تموز 1955 و24 ديسمبر/ كانون الأول 2013، تاريخ صدور هذا القانون، أي بداية من الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، ثم حكم الحبيب بورقيبة (1957- 1987)، مرورا بعهد زين العابدين بن علي (1987- 2011)، وانتهاء بحكومة الترويكا (2011- 2013).
وخلال احتفال بالذكرى 59 للاستقلال عن الاحتلال الفرنسي، يوم 20 مارس/ آذار الماضي، دعا السبسي إلى "مصالحة وطنية شاملة"، و" غلق ملفات الماضي وإنهاء الأحقاد والضغائن"، محذرا من "أن تتحول العدالة الانتقالية إلى عدالة انتقامية".
وهو ما اعتبره منتقدون دعوة إلى إلغاء مسار العدالة الانتقالية، والتوجه مباشرة إلى مصالحة، خاصة مع منظومة نظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، الذي أطاحت به يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011 ثورة شعبية.
وفي مكتبها بحي مونبليزير بالعاصمة تونس، تعلق بن سدرين، في مقابلة مع وكالة الأناضول، على تصريح السبسي بقولها،: "نحن معه ندعو إلى المصالحة الوطنية، فهدفنا، وفقا للبند الأول من قانون العدالة الانتقالية، هو المصالحة.. الجدل ليس في تصريحات رئيس الجمهورية".
إنما الجدل، بحسب المسؤولة التونسية، في "تصريحات مسؤولين اعتبروا أن المصالحة تتم خارج مسار العدالة.. ونقول لهم: نعم للمصالحة، لكن ضمن مسار العدالة، التي تقتضي بكشف الحقيقة، ثم جبر الضرر للضحايا، وبعدها مساءلة الجناة، فلا مصالحة قبل المساءلة".
وفيما إذا كانت "هيئة الحقيقة والكرامة" تعوّل على دعم دولي لتأمين عملها، تجيب: "قبل كل شيء، نعوّل على الرأي العام التونسي وجمعيات الضحايا والمجتمع المدني؛ فالعدالة الانتقالية استحقاق الثورة التونسية وطلب مستمرّ من الشعب، وطلب من المُشَرِّع التونسي (النواب).. نحن على يقين بأن لنا ثقة الضحايا والشعب الذي يرى فينا آخر ملجأ لإنجاز مهام الثورة التونسية.. وعندما يأتي سند دولي بالطبع لا نرفضه، خاصة أنه جاء بشكل مستمر ومنظم مع الأمم المتحدة وجميع هياكل المنظمة الدولية".
وهي تتصور أن "شركاء تونس بعثوا رسائل قوية لحكومتنا ودولتنا ورئيس جمهوريتنا، وقالوا لهم إن أنظار العالم متوجهة نحوكم؛ لأنهم يرون في مساركم الانتقالي نموذجا، وإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي ككل رهين بنجاح مسار العدالة الانتقالية".
وحول إن كانت الهيئة قد تلقت تطمينات مباشرة من الرئيس بعدم المسّ بمهامها، تقول بن سدرين: "لم نجلس مباشرة مع الرئيس، لكن عند تسليم السلطة من الرئيس السابق إلى الحالي (31 ديسمبر/ كانون 2014)، وخلال خطاب التنصيب، قال رئيس الدولة إنه ملتزم بمسار العدالة الانتقالية".
وتتابع، في حديثها للأناضول،: "في المقابل أنجزنا جلسات مع رئيس ديوانه (رضا بلحاج) حول موضوع مدّ الهيئة بالأرشيفات التي لم نتمكن من أخذها، والمفاوضات لم تنته، لكن استعداد الديوان كامل لمدنا بالأرشيفات".
وهم يعرفون، بحسب بن سدرين، أن "القانون صريح، وهم مجبورون على مدنا بالأرشيفات، هناك مستوى من التعامل المؤسساتي موجود.. بطيء قليلا، لكن نحن نصبر ونثابر حتى نحقق مهامنا، وإن شاء الله نكون في مستوى ثقة شعبنا الذي يعطينا الدافع والقوة مهما كانت حملات التشكيك."
وعن تقدم أعمال الهيئة، التي حدد القانون عملها بأربع سنوات تضاف إليها سنة واحدة في حال عدم إنجاز مهمتها، تفيد رئيسة الهيئة: "باشرنا أعمالنا منذ 3 أشهر ونصف.. الستة أشهر الأولى هي للأعمال التحضيرية، حسب قانون الهيئة، وقمنا بجملة من الأعمال، خاصة تلقي الشكاوى".
وتوضح: "تلقينا أكثر من 11 ألف شكوى من ضحايا، وشرعنا في فرز الملفات في لجنة البحث والتقصي، وهذه اللجنة بصدد تكييف (تصنيف) الخروقات، فالقانون ينص على خروقات جسيمة وأخرى اقتصادية واجتماعية أقل جسامة.. ووفق هذا الفرز تصير معالجة، سواء في إطار جلسة استماع مع الضحية تنتهي بمقترح لجبر الضرر أو عن طريق جلسة استماع مطولة للضحية تنتهي بإعداد ملف للقضاء المختص في القضايا الجسيمة، مثل القتل والتعذيب".
وهي ترى أن "الفترة قصيرة (مدة عمل الهيئة) مقارنة بجسامة المهام؛ فالقانون لم يعطينا فقط مهمة كشف الحقيقة، بل أيضا جبر الضرر للضحايا، كما أن علينا دراسة جميع خروقات وأشكال تعبير المنظومة الاستبدادية.. كيف كانت تشتغل وكيف كانت مهيكلة وكيف كانت تمارس نفوذها على المجتمع، ثم مقترح إصلاحات لمؤسسات الدولة كلها، مثل القضاء والأمن والإدارة والإعلام".
كما أن من مهام الهيئة، وفقا لرئيستها، "الفرز الوظيفي عبر الملفات التي تصلنا بشأن موظفين أخلوا بواجباتهم، ومارسوا الفساد السياسي والمالي، بحيث ننجز قائمة بهم ونرسلها إلى إداراتهم لاستثنائهم من الوظيفة؛ فهم لا يستحقون أن يكونوا من موظفي الدولة.. ومازلنا في بداية الطريق".
وتضيف أن "المشرع التونسي أعطى مهمة إضافية لهيئة الحقيقة والكرامة التونسية تتميز بها عن باقي لجان الحقيقة في العالم، وهي أن تنتصب كمحكمة تحكيم تبت في قضايا الفساد المالي، وبإمكانها استرجاع أموال منهوبة".
وبشأن مدى حصول الهيئة على أرشيفات من الرئاسة ووزارة الداخلية وحزب التجمع الدستوري المنحل (حزب بن علي)، تجيب بأن "أرشيف التجمع أحيل بقرار من المحكمة إلى مكان ما نعرفه، أما أرشيف الرئاسة فصار اتفاق بين الرئاسة والهيئة يقضي بأخذ الأرشيفات للهيئة، وكانت لنا نية تحويله إلى الأرشيف الوطني؛ لأن حجمه كبير جدا، وأخذنا موافقة كتابية، ولكن اعترض سبيلنا نقابيون من الأمن الرئاسي، وعصوا أوامر المؤسسة الرئاسية، مما يمكن اعتباره عملية تمرد، وقمنا بإجراءات قضائية ضدهم والقضية جارية".
وبينما يقول هؤلاء الرافضون إن على الهيئة الحصول على إذن قضائي، تردد الهيئة أنها لا تحتاج خلال قيامها بعملها الاستناد إلى أية وثيقة أو إذن قضائي، بحسب الفصل 56 من قانون العدالة الانتقالية.
أما بالنسبة للداخلية، فقد "قمنا بإجراءات للإطلاع على أرشيفاتها، وهي أرشيفات وقع جردها ومحفوظة في أماكن مختلفة.. الأرشيف الوسيط (عمره أكثر من سنتين) محفوظ، أما الأرشيف الجاري (عمره سنتين على الأقصى) فجرى اتلافه.. وأرشيفات السنوات الثمانين ذهبت إلى الأرشيف الوطني في الأسابيع الماضية"، بحسب رئيسة الهيئة.
وتتابع بن سدرين: "توجهنا إلى الوزارة (الداخلية) بمراسلات، وكان التعامل إيجابيا خلال الحكومة السابقة (حكومة مهدي جمعة)، لكن حاليا (حكومة الحبيب الصيد) لا نشعر بأن هناك تجاوبا معنا، بل هناك نوع من الشد إلى الوراء.. مستوى التعامل الذي كان زمن الوزير (لطفي) بن جدو لم يتواصل مع الوزير الجديد (ناجم الغرسلي) وهو (الوزير الجديد) لم يقل لنا لا، لكن لم نر ما يفيد تعاملا إيجابيا".
ووفقا لرئيسة الهيئة فإن "هذه المصاعب مقدور عليها، ففي جميع دول العالم النفاذ إلى أرشيف البوليس السياسي يوجه مصاعب، وهي معركة متوسطة المدى على الأقل.. لن نسلم، فهذا حق الهيئة وواجبها، وفقا للقانون".
وبشأن عودة مسؤولين سابقين إلى النشاط الجمعياتي، واحتمال أن يؤثر ذلك على عمل "هيئة الحقيقة والكرامة"، ترى بن سدرين أن "هذا في حد ذاته لا يمكن أن يعرقلنا؛ لأنه خارج مهامنا، فمتابعة عودة رموز من المنظومة القديمة متورطين في منظومة الاستبداد إلى الساحة في نشاط جمعياتي من مشمولات (مهام) الحكومة.. ما يتبع عهدتنا هو أنه عندما يحين وقت المساءلة المتعلقة بهم في ملفات، وجزء منهم بالفعل محل قضايا جارية، ولم يبرئهم القضاء".