المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكر الله مع العباد الماكرين



راجى عفو ربه
December 26th, 2009, 00:49
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

أصحاب السبت مسخٌ بمسخ

منير عرفه



(1)

ما من دين من الأديان إلا جعل الله لهم.. يوما مميزا بالعبادة يتعبدون فيه.

واختار الله لبنى إسرائيل يوم الجمعة للعبادة، ليكون لهم عيدًا أسبوعيًا يجتمعون فيه.

لأن الله قد خلق السموات والأرض في ستة أيام آخرها يوم الجمعة.

فقالوا يا موسى: لا نُريد يوم الجمعة، فسل ربك يغير لنا هذا اليوم، ويجعل لنا يومًا آخر نتفرغ فيه للطاعة ونترك أعمالنا الدنيوية.

قال موسى - عليه السلام -: يا قوم اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا، فقد اختار الله لكم يوم الجمعة.

فقالوا: يا موسى. لا حاجة لنا في هذا اليوم، ادع لنا ربك يغير لنا هذا اليوم، حتى نعبده فيه بنفس راضية.

فأمره الله أن يتركهم يختارون بأنفسهم يومًا، يلتقون فيه ويعبدون الله - تعالى -فيه.

فاجتمعوا جميعا...

ووقع اختيارهم على يوم السبت.

ثم أخبروا موسى - عليه السلام - بذلك.

فقال لهم موسى - عليه السلام -: لقد اخترتم هذا اليوم، فجعله الله عليكم فرضا، تتعبدون فيه وتتركون الأعمال الدنيوية والحِرف المختلفة كالتجارة والصناعة والزراعة والصيد وغيرها من المهن.

وكان موسى - عليه السلام - يلقى نصائحه ومواعظه على قومه في أيام السبت.

وأخبر الله - تعالى -عن ذلك في القرآن الكريم فقال - سبحانه -: " إنما جُعل السبتُ على الذين اختلفوا فيه... الآية " النحل 124.



(2)

وكانت إيلة قرية من قرى بني إسرائيل تقع على ساحل البحر الأحمر.

وأنبأهم موسى - عليه السلام -، أن الله قد حرم العمل على بني إسرائيل في يوم السبت..

وأمرهم فيه بالتفرغ للعبادة والطاعة وترك التجارة والأعمال الدنيوية وكان القوم لكونهم على شاطئ البحر، يتكسبون أقواتهم وأرزاقهم من صيد الأسماك.

فيأكلون منها ويبيعونها إلى القرى المجاورة.

وتوالت الأيام والسنون وهم يقدسون هذا اليوم، ولا يُقدمون على حرمته ولا يعملون فيه.

وفى عصر نبي الله داود - عليه السلام - انتشرت الذنوب بين أهالي هذه القرية لكنهم كانوا لا يجاهرون بهذه المعاصي.

ولكن كانوا إذا خلوا بمحارم الله فعلوها سرًا.

وجعلوا الله أهون الناظرين إليه.

فأراد الله أن يبتليهم ويختبرهم ليميز بين من أطاعه وبين من عصاه.

وكان الاختبارُ شديدًا عليهم..

فماذا هم فاعلون فيه!



(3)

بدأ الابتلاءُ شديدًا ممحصًا، فقد ضيق الله عليهم أرزاقهم، وامتنعت الأسماك أن تأتى إلى شواطئ القرية، طيلة أيام الأسبوع......

أما يوم السبت..

فقد رأى الجميعُ فيه ظاهرةً واضحة.

حيث كانت الأسماك تأتى إلى الشواطئ بصورة مثيرة، فأعدادها هائلة، وأنواعها جيدة، وتقترب من السواحل والشواطئ.

ويصبحون في اليوم التالي وهو يوم الأحد، ليقوموا باصطياد الأسماك، فيجدون الأسماك قد غادرت الشواطئ إلى أعماق البحر.

واحتاروا في ذلك أشد الحيرة.

وهنا كان الابتلاء..

إنهم يذهبون للصيد طيلة أيام الأسبوع فلا يجدون إلا القليل جدًا من الأسماك.

وفى يوم السبت ذلك اليوم المحرم عليهم فيه العمل، تأتيهم الأسماك...

تتقافز أمام أعينهم بأعداد وأنواع مثيرة.

وفطن أهل العلم والإيمان لهذا الابتلاء وأخبروا الناس أن هذا ابتلاء من الله بسبب ذنوبهم فلو أنهم صبروا عليه، ولم يجترءوا على محارم الله، فإن الله سيرفع عنهم هذا الابتلاء، وينالوا رضوانه.

وكانت الآية بينة واضحة لكل ذي بصيرة، فما الذي يجعل الأسماك تأتى إلى الشواطئ في يوم السبت ثم تختفي في بقية أيام الأسبوع، إلا إذا كانت مأمورة من الله بذلك.



(4)

اجتمع عبيد الدنيا من بني إسرائيل، وتشاوروا فيما بينهم، وعزموا على شق القنوات، وفتحها يوم السبت حتى تمتلأ بالأسماك، ثم يُغلقون المنافذ في الليل ليصيدوها يوم الأحد.

ومنهم من نصب الشباك للأسماك في يوم الجمعة ليلا فتتعلق بها الأسماك ثم يخرجها يوم الأحد، وقد مُلئت بأجود أنواع الأسماك.

وغيرها من الحيل......

ولما رأى العلماء وأهل الصلاح هذا الفعل عجبوا أشد العجب من هذا التصرف الغريب فذهبوا إلى العصاة المحتالين، وأخذوا ينصحونهم، ويحذرونهم نتيجة فعلهم.

ويبينون لهم أن هذا تحايل على حرمات الله لانتهاكها.

وأن الله لا يخدعه هذه الشكليات الفارغة.

بل إن الله يعلم السر وأخفى، ويحاسب الناس على سرائرهم قبل علانيتهم وعلى مقاصدهم ونياتهم قبل أشكالهم الخارجية.

فجعل هؤلاء المحتالون يسخرون من الآمرين لهم بالمعروف والناهين عن المنكر.

ويقولون لهم: أنتم تحسدوننا على كثرة رزقنا.

وأنتم ما تريدون منا إلا أن نجلس، لنموت فقرًا وجوعًا مثلكم.

ثم تطور الأمرُ بعد ذلك، فكانوا يسدُون أسماعهم عن نصائحهم.

وذهبت مجموعة من أهل هذه القرية إلى العلماء والناصحين، قائلين لهم: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟!

وعلامَّ تتعبون أنفسكم بنصيحة أمثال هؤلاء؟!

فكان رد المؤمنين: لنكون معذورين أمام الله، ولعل نصيحتنا لهم تجعلهم يفيقون من غفلتهم، فيتقون الله ويخافونه.



وبذلك انقسم أهل هذه القرية إلى ثلاث طوائف:

الأولى: ترتكب المعاصي وتحتال لفعله.

الثانية: تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

والثالثة: تنصح الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أن يسكتوا.



ووصل من شدة النصيحة وعدم الاستجابة، أن المؤمنين والصالحين قالوا لهم: إن لم تنتهوا عن ذلك لنخرجن من القرية ولا نجلس معكم أبدا.

فضحك العصاة والمحتالون قائلين:

اذهبوا غير مأسوفًا عليكم.

وتريحونا وتريحوا أنفسكم.

فخرجوا من القرية، خوفا على أنفسهم أن ينزل عليهم عقاب الله وهم معهم.

وبذلك تمايز أهل الصلاح وأهل الفسق والفجور كلٌ فى ناحية، وكان العصاة هم الذين مكثوا داخل قريتهم، التي يحيطها سور عظيم.

وانتظر الجميع ما الله فاعل بهم.



(5)

أشرق الصباح..

وأخذ المؤمنون ينتظرون..

أن تفتح أبوابُ القرية..

فلم يحدث.

فضربوا عليهم الباب..

ونادوا..

ولا مجيب!!

فوضعوا سُلما، وتسلق رجلٌ سور المدينة، فالتفت إليهم.

و قال: أي عباد الله. قردة والله لها أذناب.

ففتحوا الأبواب،

و دخلوا عليهم.

فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة فجعلت القرود يأتيها أقرباؤها وأصدقاؤها من الإنس، فتشم ثيابه وتبكي.

فيقولون لهم: ألم ننهكم! ألم نعظكم! ألم ننصحكم!

فات الوقت لهذه الكلمات.

و كان الجزاء من جنس العمل..

فكما غيروا شريعة الله... ومسخوها فقد غيرهم الله... ومسخهم إلى قردة خاسئين.

ولم يعيشوا بعدها فوق ثلاث.

فأماتهم الله جميعا، بعد أن جعلهم الله نكالا ومثالا، لكل من يحدث نفسه بفعل الحيل مع الله - عز وجل -.



(6)

واستحقت هذه القصة أن يسجلها الله - تعالى -في القرآن الكريم فقال - تعالى -: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163) وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون (164) فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون (165) فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين (166) "



وقد وضح الله - تعالى -من الآيات السابقة جزاء كل فرقة من الفرق الثلاثة: -



أما الفرقة الأولى:

أهل الفسق والضلال

فقد ذكر الله عاقبتهم فقال: وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون



وأما الفرقة الثانية:

التي أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر فقد ذكر الله نجاة أهل الإيمان فقال: أنجينا الذين ينهون عن السوء



أما الفرقة الثالثة:

وهى التى سكتت لم تفعل المحرم، ولكنها سكتت عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فكان الجزاء من الجنس العمل فقد سكت الله عنهم فلم يوضح موقفهم ولم يعلنه لنا.

وهو سكوت أخاف أهل العلم والتفسير، وما لهم لا يخافون؟!

وهم أحيانا يرون أشياء ينكرونها بقلوبهم.

ومع ذلك لا ينكرونها بألسنتهم.



دروس وعبر:

1- الابتلاء سنة الله لخلقه جميعا. فقد ابتلى الله هذه القرية ففشلت في الابتلاء.

2- ذم الحيل والتحايل على الحرام والفهلوة للتوصل إلى الحرام. فقد تحايلوا ليصطادوا في يوم السبت فمسخهم الله.

3- المعاصي سبب النقمة. فبسبب فسقهم وقع عليهم الابتلاء الذي فشلوا فيه وأصبحوا قردة خاسئين.

4- فضيلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وخطورة السكوت على الباطل. فقد نجى الله الآمرين بالمعروف، وسكت عن الساكتين.

5- الأعمال بالنيات والمقاصد. فهم في الظاهر لم يصطادوا في يوم السبت، لكنهم بنياتهم ومقاصدهم وحقيقة أمرهم قد اصطادوا فيه.
***
شكرتم على مروركم

راجى عفو ربه
January 12th, 2010, 17:12
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله