المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسعى بين القديم والجديد والمصلحة



الرائد7
April 11th, 2008, 14:32
السلام عليكم
لفضيلة الشيخ الدكتور هاني بن عبد الله الجبير
القاضي بالمحكمة الكبرى بمكة المكرمة


الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد وقفتُ على عدة فتاوى وقرارات حول توسعة المسعى، وحكم السعي في الجزء المزيد منه، وحكم من سعى فيه ولم يتمكن من السعي في المسعى القديم لإغلاقه حالاً، ولما كان في بعض هذه الفتاوى والقرارات ما يستدعي مناقشته والوقوف معه، فقد جاءت هذه الكتابة سائلاً الله تعالى العصمة والتوفيق.
أولاً: جاء الأمر بالسعي في الحج والعمرة، ولم يبين القرآن الكريم ولا السنة النبوية مقدار هذا المشعر الذي يتم فيه السعي طولاً ولا عرضاً سوى كون الجبلين (الصفا والمروة) ثَمّ.
وتحديد السعي طولاً بأنه ما بين الجبلين بحيث يلزم الساعي إلصاق عقبه بأصلهما -على الأقل- تحديد فقهي محترم، لكنه لم يرد في النصوص القطعية مثل هذا التحديد.
وتحديد عرض المسعى بأذرع معينة إنما هو تحديد لواقع معين يخبر عنه الذارع، مع أنَّ خبره تقريب وليس تحديداً، ولذا قال الشرواني في حواشيه على تحفة المحتاج (4/98) : (الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذ لا نص فيه يحفظ عن السنة فلا يضر الالتواء اليسير لذلك).
وقال الرملي في نهاية المحتاج (3/283): (ولم أرَ في كلامهم ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر كما نص عليه الشافعي).
ولذا زاد بعضهم في عرض المسعى فقدره بستة وثلاثين ذراعاً ونصف.
كما في تاريخ عمارة المسجد الحرام ص: (299) مثلا.
مع أن هذا التحديد هو لبطن الوادي بين جبلي الصفا والمروة الذي حصل عليه اعتداء وبنيت داخله مبان كما قررته اللجنة (انظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 5/143).
ثانيا: بناء المسعى وتحديده بمبان حادث وليس قديماً، ولم يكن المسعى في السابق مبنياً، وقد سبق أن اعتدى على أجزاء منه ثم أزيلت، كما سبق أن وسع وزيد في عرضه وأدخل بعضه داخل المسجد الحرام، ففي صحيح البخاري أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: السعي من دار ابن عباد إلى زقاق بني أبي حسين، وفي حواشي ابن عابدين على البحر الرائق (2/359) قال: (وههنا إشكال عظيم ما رأيت أحداً تعرض له، وهو أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية في ذلك المكان المخصوص، وعلى ما ذكر الثقات أدخل ذلك المسعى في الحرم الشريف، وحُوذِل ذلك المسعى إلى دار ابن عباد، والمكان الذي يُسعى فيه الآن لا يتحقق أنه من عرض المسعى الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يصح السعي فيه وقد حول عنه محله. ولعل الجواب أن المسعى كان عريضاً، وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى القديم، فهدمها المهدي وأدخل بعضها في المسجد الحرام وترك البعض ولم يحول تحويلاً كلياً وإلا لأنكره علماء الدين من الأئمة المجتهدين) انتهى.
ويشهد لذلك أن الرحالة الذين رأوا مكة قديما حددوا المسعى بأن عرضه تارةً عشرة أمتار وتارةً اثنا عشر متراً، مثل محمد صادق باشا في الرحلات الحجازية، والذي زار مكة عدة مرات بين عامي 1277هـ و 1303هـ. انظر الرحلات الحجازية ص: (102، 103) والمسعى القديم أنشئ بعد عامي 1392و 1396هـ بعرض عشرين متراً وطول ثلاثمائة وأربعة وتسعين متراً.
ثالثاً: لم يكن المسعى مستقيماً، بل كان منحنياً متقوساً كما يعرف ذلك من رسومات وصور المسعى القديمة، ومنها الرسوم التي في الرحلات الحجازية والتي تظهر الميلان الواضح.
والمسعى القديم مستقيم غير منحنٍٍ، وهذا يدل على إدخال بعض الأجزاء التي كانت خارجة إليه، أو إخراج بعض ما كان فيه خارجاً عنه.
رابعاً: اللجنة التي شُكِّلت في عام 1374هـ والتي قامت ببيان موضع السعي، وبيان جواز السعي في دار آل الشيبي ودار الأغوات اللتين هدمتا وأدخلتا في المسعى، استندت في رأيها بإدخال دار الشيبي أنها (مسامتة بطن الوادي) وأفادت في ختام رأيها أنه (احتياط وتقريب).
فهذه اللجنة إنما أرادت النظر في إدخال دارين أزيلتا لتكون ضمن المسعى، وليس مدادها تحديد حدود الصفا والمروة تماماً وتحديد ما يدخل في مسامتتهما.
ثم إنها إنما تستند على الواقع المعروف حينها ولا تزيد عليه، ولا تريد أن تحديد كل الحد الشرعي للسعي يدل لذلك أن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- أخبر عن أن الشيخ محمد بن إبراهيم اجتمع بالمشايخ لبحث هذه المسألة، وأن من الحاضرين من قال إن المسعى لا يحد عرضه بأذرع معينة، بل كل ما كان بين الصفا والمروة فإنه داخل في المسعى كما هو ظاهر النصوص من الكتاب والسنة، وكما هو ظاهر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، ومنهم من قال: يقتصر فيه على الموجود ولا يزاد فيه إلا زيادة يسيرة في عرضه وهو قول أكثر الحاضرين. قال الشيخ (ويظهر من حال الشيخ محمد بن إبراهيم أنه يعمل على قول هؤلاء لأنه لا يحب التشويش واعتراض أحد). الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة ص: (285).
فالتحديد الذي على وفقه تمت العمارة القديمة هو الاقتصار على المسعى الموجود آنذاك مع زيادة يسيرة دون استيفاء المكان الشرعي للسعي كله والمحصور بين الصفا والمروة، مع أن قرار اللجنة على فرض أنها أرادت تحديد كل الحد الشرعي لا يعدو كونه رأياً قد يخالفهم فيه غيرهم كما هو الحال في آراء اللجان التي اختلفت في تحديد حدود المشاعر، وحدود الحرم في مكة والمدينة، ولا يزال الخلاف في كل ذلك مستمراً حتى الآن كما هو معلوم.
خامساً: شهد عدد من الشهود كبار السن في المحكمة العامة بمكة على امتداد جبلي الصفا والمروة بأن المسعى أوسع مما هو عليه الآن، وهم من أهالي مكة ممن كان يقيم حول المسعى في مناطق القشاشية وغيرها، وصدرت فتوى الشيخ الدكتور عبد الله بن جبرين المنشورة في هذا الموقع (الإسلام اليوم) المتضمنة مشاهدته الشخصية عام 1369هـ بامتداد الجبل لأكثر من حد المسعى القديم.
سادساً: إذا نظرنا للأمر الشرعي بالسعي نجده أمراً لم يحدد موضع السعي طولاً ولا عرضاً إلا بالفعل النبوي المجرد (والذي لا مفهوم له ولا عموم له كما هو معلوم عند علماء الأصول).
ونجد القرآن الكريم في هذا الشأن يقول: " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ". [البقر:158].
فالآية الكريمة ذكرت الطواف بهما، والطواف بالشيء هو المشي حوله أو الدوران حوله كما في تاج العروس (6/184) أو هو مطلق المشي. ويشهد لذلك قوله تعالى:" ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" [الحج:29]. فقال في الموضعين يطوَّف به، والحال أن الطواف بالبيت مشي حوله باتفاق. ولذا قال أبو حيان في تفسيره (2/99) (وظاهر هذا الطواف أن يكون بالصفا والمروة، فمن سعى بينهما من غير صعود عليهما لم يعد طائفاً)، ولذا لما قرر الشافعي وغيره أن من انحرف يسيراً عن موضع السعي أجزأه كان نظره -والله أعلم- إلى عدم التحديد الشرعي له، فلم يكن مع ذلك له أن يفسد سعيه مع ذلك.
مع أن اتصال الشيء بالشيء يعطيه حكمه في الشريعة كما في اتصال الصفوف في الجماعة خارج المسجد، وكما قرره الفقهاء عند الازدحام والطواف تحت السقائف.
ولذا فإن من قواعد الفقه أن ما قارب الشيء أعطي حكمه.
سابعاً: ومع أن الظاهر لدي هو صحة الفتوى القائلة بأن المسعى القديم ليس كل المسعى الشرعي الواقع بين الصفا والمروة بل هو بعضه، وأن الزيادة في المسعى ولو زادت على ما بين الصفا والمروة جائزة ما دام قريباً عرفاً بالمسعى ومتصلاً به، فإن هذه المسألة ليست قطعيّة، بل هي من مسائل الخلاف الظنية التي يسوغ فيها الخلاف ويحتمل الاجتهاد ولا يجوز الإنكار، وأهل العلم يختلفون في مثلها وفي أكبر منها، ولمن اعتبر هذا القول مرجوحاً أن يتأمل في المصالح التي تترتب عليه، فإن المسعى القديم مقفل الآن ولا يتمكن أحد من السعي فيه، فالفتوى بعدم صحة السعي فيه تمنع من العمرة أو تعتبر المحرم محصراً، والأخذ بالقول المرجوح -على فرض ذلك - فيه مصلحة ظاهرة، ونعلم أن الأخذ بالمرجوح للمصلحة جائز، يقول الشيخ محمد بن إبراهيم في عرضه لبعض آراء شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا من الشيخ -رحمه ا لله- بناء على قاعدة ذكرها في بعض كتبه، وهي أنه إذا ثبتت الضرورة جاز العمل بالقول المرجوح نظراً للمصلحة) (11/272).
ولما سئل عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- قال: (المسائل الاجتهادية مبنية على الاجتهاد، وإذا كان الاجتهاد في الحكم فكذلك في محله، فإذا كانت حال المستفتي أو المحكوم عليه تقتضي أن يعامل معاملة خاصة عمل بمقتضاها). كتاب العلم ص: (226). وذكر ذلك النووي في مقدمة ا لمجموع (1/88)، وابن الصلاح في أدب المفتي والمستفتي (1/46)، وتناولته في بحث بعنوان: (التيسير في الفتوى نشر قديماً).
وبعد فهذه وقفات عجلى موجزة لهذه المسألة، ولي فيها كتابة مفصلة لعلها تنشر قريباً، سائلاً الله تعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابو محمد
April 22nd, 2008, 10:54
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الاخ الرائد7

جزاك الله خيرا على الموضوع

والله انا في الحج سعيت في المسعى الجديد نسأل الله القبول

ض24

ابوعبدالمجيد
May 6th, 2008, 00:47
لم اوفق لزيارة الحرم بعد الزيادة في المسعى ولكن نسأل الله ان ينفع به الاسلام والمسلمين وان يراد به وجه الله


تقديري لك

عابر سبيل
May 15th, 2008, 17:06
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الغالي / رائد7
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية

المغتربه
May 27th, 2008, 17:25
جزاك الله خير

اللهم ارزقنا زيار ة الحرم عاجلا غير آجل.......آمــين