المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تحكوا أنوفنا (الإساءة للرسول ودعوى حرية التعبير)



محمود توفيق
April 9th, 2008, 20:56
عزيزي جورج

يعشق الغربيون الحرية لدرجة التقديس ، ويتمتعون بدرجة من الحرية لاتتوفر لكثير من الشعوب الأخري في كل بقاع الأرض . هذا جيد ؛ فقط أنا كشرقي يبدو متشائما قليلا ، ويركز على الأنصاف الفارغة للأكواب ، أرى أن الحرية الإنسانية ليست مطلقة ، نعم ، هل تتخيل ذلك ؟!

مثلا أنا لا أعتقد أن هناك الكثيرين ممن يدفعون نصف دخولهم كضرائب عن طيب خاطر ، كما لا أعتقد أن هناك الكثير من الجنود الذين يقبلون الموت من أجل الوطن ، أو من أجل حفظ السلام ، أو حتى يقبلوا العودة لأطفالهم على كراسي متحركة ؛ كثير من أعبائنا نلتزم بها بدون متعة ! .

وعندما كنت طفلا كنت أتمني التحليق في الحقول كالفراشات ، لكن بعد ذلك أدركت أن ذلك غير متاح ، لأسباب تتعلق بالكتلة والجاذبية الأرضية وأمور أخرى فيزيائية ، وهكذا أمثال كثيرة لأنصاف الأكواب الفارغة ، ليس فقط في حياتي أنا كطفل ، بل في حياة الكل .

هذا جعلني أدرك مبكرا أن الحياة تنطوي على تنظيم جيد – أو غير جيد – بين الحرية والإلتزام ، بين الحرية والقانون ، وأيضا بين الحرية والذوق السليم ..
نعم ، الذوق السليم ، فعندما كنت صغيرا كانت أمي توجهني قبل زيارة الضيوف لنا
: عندما يأتون ، لاتحك أنفك أمامهم .
وكنت أقول لها وأنا مقتنع تماما بأنها تصادر حقا أساسيا من حقوقي : ولكني لاأحك أنوفهم !!
أنظر هنا كم تماهيت صغيرا مع مفهوم الحرية الغربي .

وعندما كبرت سمعت كلاما كثيرا عن أهمية العمل ، إنها رسائل كثيفة ومؤثرة ؛ لجعلك تحب العمل وتتقنه . ولكن الطفل بداخلي كان يصارحني ببساطة بأن العمل هو أن تتنازل عن أن تمضي كل وقتك بالطريقة التي تريد – أي بحرية – مقابل أن تستمتع - بمكاسب العمل المالية - بباقي الوقت .

كما سمعت كلاما آخر عن كوني أنا أعمل والآخرين من حولي يعملون بنزاهة ومثابرة وإتقان ، فإن هذا سيؤدي لنتائج جيدة على مستوى النمو والتنمية للبلد . هذا جيد ، لكن ماذا يحدث لو عملت أنا بنزاهة ومثابرة وإتقان ، ولم يعمل الاخرون حولي بنفس الطريقة ؟

هذا هو الفرق بين الدين والحضارة .. ا لدين يعدني بمكافأة على المحاولات الفاشلة ، وبمكافأة لو نجحت وفشل الاخرون . الحضارة لاتعطيني .
هذا لايعني أنني متحيز ضد الحضارة ، على الإطلاق ، بل متحيز ضد الفشل ، وضد المعايرة بالفشل.
وأعرف جيدا أنني سليل أمة حاولت ونجحت من قبل ، الأيام دُول ، وهذا مطلوب إيضاحه أيضا لتسوية أرض الملعب قبل أي حوار .

أنا عندي بداخلي تنظيم جيد نسبيا بين ا لحرية وا لدين ، وهذا يجعلني أكثر احتراما لمشاعر الاخرين الدينية ، فلا أحك في أنفي أمامهم ، فضلا عن ألا أحك في أنوفهم ..

لذا فأنا أكره التعصب بالفطرة ، بل وأكره المناظرة والجدل في جو مشحون ومتوتر ، بل أكره أن أصمم أن رأيي صحيح في كل الأحوال . هذه الإستعدادات الشخصية رشحتني بجدارة لألا أرشح لأي موقع قيادي ؛ فالقيادي لابد وأن يمتلك من الحزم واليقين والقدرة علي الإقناع ، مايمثل غالبا كابحا للتفكير الحر الخلاق – أو الغبي – للآخرين .

والقادة والإداريين في كل الأحوا ل أقل عددا بكثير من المقودين والمُدارين ، هذا معناه أن نسبة الذين يفتقدون جزءاً من حريتهم ، أكبر كثيرا من نسبة الذين يمتلكون درجة أكبر من الحرية في قيادة أنفسهم وقيادة الآخرين ، الذين هم بدورهم توجد موارد محدودة وسياسات وبيئات وظروف كثيرة تضبط إبداعهم القيادي وقراراتهم ، وهذا يصل أحيانا إلى درجة الإحباط أو الإشلال ، مما يعطي رؤية على أن الحياة ليست ممارسة متفجِّرة للحريات .

ربما هذه الأشياء الكابحة جميعها جعلت التعبير هو ا لساحة الأوسع لممارسة الحرية ؛ فلا جاذبية أرضية ، ولا مديرون ، ولامدارون ، ولاموارد محدودة ، إنما فضاء واسع ، وعدد ضخم من أنوف الآخرين .

لكن ا لعالم صغر كثيرا ، وأصبح قرية صغيرة ، الأخبار والمعلومات تنتقل بطريق سريعة جدا وبحرية كاملة ، يدخل أحدهم على الإنترنت ، ويكتب مقالا يسب فيه دين الاخرين وإلههم ، ثم ينام بضمير مرتاح ؛ فالحرية مقدسة ، وحق التعبير هو قدس الأقداس !! ، في عالم صغير كهذا ، ستكون الحرية التي تفتقد الإلتزام والذوق السليم أشد خطرا علي الناس من ( السارس ) .

لكن لابأس فالغرب عودنا على أن يطرح الأفكار بحماسة ، ويجعل التجربة بعد ذلك تؤشر على المساوئ ، وبالتالي يتم وضع ضوابط مناسبة
: كيف نحمي الأطفال من سوء الإستغلال على الإنترنت ؟ . كيف نضع حدودا لحق الصحافة في تناول مواد شخصية ؟ كيف لانسمح لأحد بإنكار الهولوكوست ؟ .

المهم أن تكون هناك مشكلة وينشأ جدل بشأنها ، حتى يتم وضع قيد على حرية التعبير . وهذا يبدو منطقيا من ناس لاتريد الإفراط في وضع القيود .

المهم ألا يتم سرقة الحضارة من قبل ناس غير متحضرين ، لذا كان لابد من الصرامة مع مشجعي فريق كرة قدم ما ، إذا ما أبدوا استعدادا ورغبة في ضرب وسحل وربما قتل مشجعين من الفريق الاخر.

المسلمون عددهم في العالم حوالي 1.3 مليار إنسان ، قد لايمثلون أكبر عدد من المتدينين بدين ما وقد يمثلون . ولكنهم على أي حال ، أكثر كثيرا من مشجعي أي فريق كرة قدم ، ويرون أن الدين في حياتهم له دور أوسع من دور الكرة والنادي .

لكن الكاريكاتير لايشبه الضرب بالهراوات في مدرجات الملاعب ؟ نعم ، ولكن إنكار الهولوكوست ، وإرسال صور جنسية لطفل عبر الإنترنت ، ونشر صور شخصية فضائحية لشخص ، كلها أمور لاتشبه الضرب با لهراوات في مدرجات الملاعب .
نحن في حاجة لتنظيم جيد بين الحرية واحترام المشاعر الدينية لأصحاب الديانات المختلفة ..

نحن ندرك أن الغرب حاليا هو المنتج الأساس للتقنية وللأفكار ، وندرك أن العالم أصبح بالفعل قرية صغيرة .

وهذا يجعل حصة الغرب من المسئولية هي الأكبر ؛ أنا لاأستطيع أن ألوم الإسكندر على موت شخص ما جوعا في منطقة ما من العالم ، في الفترة التي سيطر فيها الإسكندر على العالم ؛ هذا لأن العالم لم يكن قرية صغيرة كما هو حادث اليوم ، كان الإنتقال والسيطرة أصعب كثيرا من الآن ، فمن ألوم الان أكثر على موت 25000 إنسان يوميا من الجوع ؟

يتضور إنسان من الجوع ، شيئا فشيئا يفقد حتى القدر من الطاقة الذي يتيح له التفكير في الإنتحار ، حطام إنسان تجده أمامك . بعد ذلك يموت بعد أن تتيبس أمعاؤه .. صورة شديدة البشاعة ! .

الحرية لاتعتبر الملهم من أجل إنقاذ شخص كهذا ، ولا المتعة الشخصية بطبيعة الحال .. إن من يدفع الغربي أو المسلم للذهاب إلى مناطق المجاعات بالماء والطحين واللقاحات ليس الحرية ، إذن هناك قيم أخرى لايبررها الحس الفردي ربما تفوق قيمة الحرية ، إنها تجعل الإنسان أرقى من مجرد شخص حر ..

هذا لايعني أنني متحيز ضد الحرية ، بل متحيز ضد اللا إنسانية ، وضد الفردانية المقيتة .. ونريد فقط ان نعلق بحانب اللافتة الليبرالية الشهيرة ( دعه يعمل ، دعه يمر ) لافتة أخرى استلهاما من تعاليم نبينا محمد ( دعه يأكل ، دعه يعيش ) .

التبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول ( ليس منا من بات شبعان وجاره جائعا ) هو لم يقل جاره المسلم ، بل جاره بالمطلق ، إن معنى أن العالم أصبح قرية صغيرة ، يعطي تمثيلا واضحا وموجعا لمعني الجوار هنا ، هنا الدين ملهم جيد ، يلهمنا دلالة أخرى لصغر القرية العالمية ، بجانب الدلالة الرأسمالية الحالية المتعلقة بسرعة النفاذ للأسواق .

علينا جميعا ألا نسمح لغير المتحضرين بسرقة الحضارة ، مجنون عراقي يجبره سجانوه على نطح الجدار .. أي متعة ؟! .... إنها صورة سريالية خانقة وموجعة ، لقد كان ينطح جدار الحضارة !

هناك شقوق في جدار الحضارة ، يتسلل منها أشباح بشر من عندنا ومن عند الغربيين ، قامت تلك الأشباح بإهانة وتعذيب وقتل الأسري .

عندنا تعاليم ديتية من عند النبي منذ 1400 عام تمنعنا من أن نقيد الأسير بطريقة مؤذية أو نهينه أو نهدده

هذا منذ 1400عام . في العصر الحديث ظهرت معايير عالمية راقية لمعاملة الأسرى .. لكن ماذا عن التطبيق ؟
إذن لابد أن هناك اضطرابا في نوعبة الثقافة التي يتم زرعها في العقول .
في العصر الحديث وضعت مواصفات للسلع ، من المياه الغازية حتى حفاضات الأطفال ؛ وذلك حماية لجمهور المستهلكين . أما الثقافة فمستثناة من أي جدول مواصفات ، وذلك استنادا لقدس الأقداس وهو ( حرية التعبير ) ..

ولكن بما أن هناك من يستمتع بذبح أسير ، أو وضع عصا في دبر أسير ، أو بإجبار أسير مجنون على نطح الجدار ، فإن هذا يلزمنا بتحليل أي نوع من الثقافة استهلكها هؤلاء السجانون ؟

وإذا كنا لانستطيع حاليا أن نجبر صناع الثقافة التي تحض على الكراهية – وذلك لكون حرية التعبير مقدسة ! – على أن يضعوا تحذيرا ثقافيا على منتجاتهم كالذي يوضع على علب الدخان ؛ وذلك لتنبيه المستهلكين بأ ن ( المداومة على استهلاك هذا المنتج قد يحولك لإنسان سادي ) فعلى الأقل وجب علينا أن نبذل مجهودا ملائما لنشر ثقافة أخرى موازية تحض على التعرف على الآخرين وتنبذ العنصرية

وا لغربي قد يسأل : لنا تراث ضخم ، فهل لدى المسلمين شيء ما ؟

أقول : نعم ... الله في القرآن يقول (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )
بمعني أن الغرض من التنوع العرقي والثقافي هو التعاون الإنساني والتلاقي والجدل البنَاء والتعارف .
كما أن الأفضلية عندالله ليست طبقا للعرق بل لتقوى الإنسان وصلاحه .
كما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول ( لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي، ولا لأسود على
أحمر، ولا أ حمر على أسود إلا بالتقوى،) .. بمعنى أنه لاسند لأي دعوى للتفوق العنصري ، ويتميز الإنسان بالخلق والعمل الصالح للإنسان ..

وأخيرا انا لست متحيزا ضد حرية التعبير ، بل متحيز ضد تعليب وتسويق الكراهية ، ولو في شكل كاريكاتير . فضلا ، إذا كنتم لاتحكّون أنوفكم أمام اليهود توقفوا إذن عن حك أنوفنا .

الرائد7
April 11th, 2008, 10:34
السلام عليكم

وأخيرا انا لست متحيزا ضد حرية التعبير ، بل متحيز ضد تعليب وتسويق الكراهية ، ولو في شكل كاريكاتير . فضلا ، إذا كنتم لاتحكّون أنوفكم أمام اليهود توقفوا إذن عن حك أنوفنا .

لله درك أخي محمود
نفع الله بك وأعلى في العالمين قدرك

محمد بن سعد
July 30th, 2010, 02:13
بسم الله الرحمن الرحيم

"هذا معناه أن نسبة الذين يفتقدون جزءاً من حريتهم
أكبر كثيرا من نسبة الذين يمتلكون درجة أكبر
من الحرية في قيادة أنفسهم وقيادة الآخرين "

استاذنا الكريم محمود توفيق حياكم الله وبارك فيكم
موضوعكم هذا ممتع للمتمعن فيه

قرأته ،، مراراً وتكراراً
وعُدتُ لقراءته اليوم ،،

عِشتً في الغرب ثلث عُمري
حتى كيسنجر ،، شهدته في مستشفى - بإنديانا
رأيناه محمولا ،، ثم مغيوبا عليه ،، مـُعاقا
كان دبلوماسي أمريكا لشرقنا الأوسط ،،

وأصبح هو ممن إفتقد (ليس) جزءاً من الحرية ،، بل كلها

يُخطِط القوي منهم لحرية الآخرين
وقد تنتهي به الأيام إلى دور العجزة ،، والمسنين
وهؤلاء ،، هم كـُـثر ،، سبحان الله،، كثيرين

وأعداد دور المسنين أكثر،، أكثر من دور الحضانة

لا إبن ،، ولا قريب ،، ولا رفيق !!

والثواب والعِقاب ،، في دور العجزة،،
إما رؤية الشمس ،، أو عدمها

شكرا لكم أخي الكريم على التواصل معنا