المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في أجواء ليلة عظيمة



غريبة
September 8th, 2009, 11:42
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (1ـ5).

في أجواء السورة

وفي هذه السورة المكية حديثٌ عن إنزال القرآن في ليلة القدر التي هي من الليالي التي لا يستطيع أحدٌ أن يبلغ الدرجة الحقيقية العميقة في تقدير عظمتها وقداستها، حتى أنَّها تفوق في فضلها ألف شهر، وتنفتح السماء في أجوائها ليتنزّل الملائكة والروح، الموكلون بالمهمات التي يكلفهم الله بها من كل أمرٍ يتصل بالحياة والإنسان، في ما يقدّره الله للناس في أرزاقهم وآجالهم وأحوالهم. وهي ـ بعد ذلك ـ ليلة السلام الذي يغمر الكون من خلال ألطاف الله وفيوضاته على عباده، والتي تستمر إلى مطلع الفجر.


ليلة القدر سرّ من أسرار الله

{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} فليس شأنها مما يمكن للإنسان أن يدركه بنفسه، لأن ذلك سرّ الله في الزمان كما هو سرّه في المكان وفي الأشخاص، فهو الخالق للوجود كله، بكل أنواعه، وهو الذي يمنح هذا بعضاً من الخصوصية التي تجعل منه «شيئاً مذكوراً»، ويمنح ذاك بعضاً من الأسرار التي تجعله شيئاً عظيماً، لأن الذي يخلق الوجود هو القادر على أن يمنحه قيمته. وهكذا جعل الله لهذه الليلة قيمتها الروحية: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وقد لا يكون هذا الرقم تحديداً في الكمّ، فربما كان تقريباً للنوع في الدرجة التي يتضاءل أمامها كل زمنٍ من هذه الأزمنة التي لا تحمل إلا الذرّات الزمنية المجرّدة.

وهل أخذت شرفها من إنزال القرآن فيها، أم أن شرفها سابقٌ عليه؟ الظاهر الثاني، لأن الله يقول: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} [الدخان:3]، فهي مباركةٌ في ذاتها. وربما كان نزول القرآن فيها على أساس أنه من الأمر الإلهي الذي يتنزل به الملائكة. وأيُّ أمرٍ أعظم من القرآن الذي هو النور والهدى للبشرية من خلال اللطف الإلهي الذي يصل الأرض بالسماء

{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} وهذا هو سرّ الليلة الذي تتنزّل به الملائكة، الذين يوكل الله إليهم المهمّات المتعلقة بالكون الأرضي المتصل بالإنسان من كل أمرٍ يهمّه أو يتعلق بشؤونه، في رزقه، وحركته وعمره، ونحو ذلك. كما يتنزل به الروح الذي قد يكون المراد به جبريل(ع)، الذي امتاز عن الملائكة ـ حسب الأحاديث الكثيرة ـ بأنه الرسول الذي يحمل الوحي للأنبياء ليبلّغوه للناس

ومهما يكن الأمر، سواء كان مما يفهم الإنسان معناه وبلوغ مداه، أو مما لا يمكن له الوصول إلى ذلك، فإن الآية توحي بأن هناك سراً ربّانياً يثيره الله في هذه الليلة في الكون الإنساني من خلال رحمته التي يرحم بها عباده، ولطفه الذي يلطف به في حياتهم العامة أو الخاصة.

الاستعداد لليلة القدر

ولذلك جاءت التعاليم النبوية المستمدّة من الوحي الإلهي الذي أوحى به إلى نبيّه، أو ألهمه إياه، في ضرورة استعداده فيها للصلاة والابتهال والدعاء والانقطاع إلى الله، والتقرب إليه بالكلمة الخاشعة، والدمعة الخائفة، والخفقة الحائرة، والشهقة المبتهلة، ليحصل على رضاه، فيكون ذلك أساساً للتقدير الإلهي الذي يمثل عناية الله به ورعايته له، وانفتاحه عليه بربوبيته الحانية الرحيمة. وذلك هو السر الذي يرتبط به الإنسان بليلة القدر، في مواقع إنسانيته، ليلتقي ـ فيها ـ بالسرّ الإلهي في رحاب ربوبيته، لينطلق الإنسان إلى ربه مخلصاً، قائماً وقاعداً، وراكعاً وساجداً، وفي ابتهاله وفي خشوعه، لتكون هذه الليلة موعداً إلهيّاً يتميّز عن أيّ موعدٍ آخر. فبإمكان الإنسان أن يلتقي بالله في كل وقت، ولكن لقاءه به في ليلة القدر شيءٌ آخر، فهي {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، فالرحمة فيها تتضاعف، والعمل فيها يكبر، والخير فيها يكثر، وعطايا الله تتزايد، وهي ـ بعد ذلك ـ ليلة السلام التي يعيش فيها الإنسان روحية السلام مع نفسه ومع الناس، لأنها تحولت إلى معنى السلام المنفتح بكل معانيه على الله، ليكون برداً وسلاماً على قلب الإنسان وروحه، ليعود طفل الحياة الباحث عن الله.

النظرة الشعبية لليلة القدر

وقد تكون من مشكلة الوعي الشعبي في نظرته إلى هذه الليلة، هو أن الناس يتطلعون إليها في نظراتهم إلى السماء، ليراقبوا ظاهرةً كونيةً لامعةً فيها، أو شبحاً غامضاً يطوف في أرجائها، أو ملكاً سابحاً في الفضاء أو نوراً، أو شيئاً ـ أيّ شيء ـ ما يجعل الإنسان في إيحاءاته الساذجة يعتقد أنه قد طلعت عليه ليلة القدر، ليكون ذلك بمثابة الكرامة الإلهية التي توحي له بالاعتزاز، وتبعثه على الرضى بنتائج ليلته.

ولكن ذلك الوهم الروحي الباحث عن الظاهرة في خارج الذات هو المشكلة الناشئة من التخلف الفكري والروحي، في فهم العبادة وفي وعي الدين

وتلك هي ليلة القدر التي قد يكون لها موعدٌ معيّنٌ معلومٌ، لأن الله ربما أخفاها في الليالي، لينطلق العباد في أيامه، ليصلوا إليها، ليتعبدوا إلى الله في أكثر من ليلةٍ، لاحتمال أنها ليلة القدر، حتى يتعوّدوا أن تكون لياليهم في معنى ليلة القدر، في العبادة والخضوع والقرب من الله. وذلك ما يريده الله لعباده، أن يقربوا إليه، ويلتقوا به، ليصلوا إليه بأرواحهم وقلوبهم، لأنهم لا يملكون الوصول إليه بأجسادهم.

اللهم بلغنا ليلة القدر ولا ترحمنا أجرها ياذا الجلال والاكرام

راجى عفو ربه
October 1st, 2009, 02:41
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

شكرا غريبه

جزاك الله خيرا