زمردة اليمامة
August 22nd, 2014, 16:03
عبد الرحمن ولد ودادي - موريتانيا (أطلس) : معلم القرآن و معلم المدرسة: منذ ثلاث سنوات ذهبت لزيارة جدي ـ اطال الله عمره ـ ووجدت خالاتي يتحلقن حوله و أخذنا نتبادل اطراف الحديث.
http://cmart.com.eg/image/data/133788287516323.png
كانت احداهن في غاية العصبية و التوتر و كان الاخريات يتضاحكن و يمازحنها و يقلن لها بأن قصة اللحم لا تستحق كل هذا الغضب..
تحرك في الفضول و سألت عن القصة، فتلفتت الى خالتي قائلة:
منذ اشهر اكتشفت ان اللحم الذي اشتريه و اوزعه على ايام الشهر يختفي في اقل من اسبوعين و داخلني الشك في ان طباختي تقوم بسرقته فقمت بطردها من العمل.
اليوم و بالصدفة قبضت على ابني الصغير و هو يخبئ تحت ثيابه كيسا مجمدا من اللحم...
امسكته و سألته عن حاجته بالكيس، اخذ يسرد لي أكاذيب غير مقنعة فضربته ضربا مبرحا ليعترف.
مسح الطفل دموعه و بدأ في سرد الحقيقة و شرح أن معلم القرآن يفرضه على ان يسرق له كيسا من اللحم بين الفترة و الاخرى مهددا اياه بالضرب و إجباره على مضاعفة حصته من حفظ القرآن.
استرسلت الخالة:
ما يؤلمني ليس اللحم... بل ظلمي العاملة المسكينة و كيف ادفع مالي لرجل كبير في السن و ابن اسرة محترمة من قبائل الزوايا ليعلم ابني كتاب الله فإذا به يدربه على فنون اللصوصية و الادهى و الامر ان ابنتي جائتني من ايام باكية تريد مني ان اتدخل عند معلمها في المدرسة ليرجع لها الفي اوقية استلفها منها في بداية السنة على ان يعيدها في اسبوع و أخذ في مماطلتها لأشهر عديدة.
رجل العمل الخيري و العلامة:
كان لي احد المعارف يعمل في المجال الخيري و طبعا كمعظم المتخصصين في هذا المجال كان يستحوذ على معظم ما يحصل عليه و ينفقها في رفاهيته و فخيم الملابس و العطور.
شاء الله ان يصاب ابنه بمرض عضال فداخله الخوف من أن يكون السبب راجعا الى استحواذه على اموال الفقراء و المساكين و كفالات الأيتام فقرر ان يتوجه الى احد العلماء ليستفتيه.
طبعا وقع اختياره على اكبر فقهاء البلاط و اكثرهم شهرة و توجه اليه في منزله و روى له القصة كاملة.
سأله العلامة عن مقدار ما يختلسه من أموال العمل الخيري ، فقال له حوالي السبعين في المائة.
و ضع العلامة يده على كتفه و قال:
لا اثم عليك و اطمأن فما تقوم به حلال لا شبهة فيه و حاول ان لا يتجاوز ما تستحوذ عليه التسعين في المائة و اخذ يبرر له فتواه بفزلكات فقهية مدعمة بالكثير من أقوال السلف الصالح و الحديث و القرآن.
التاجر:
منذ سنوات وقت في ضائقة مالية و احتجت لأن أبيع سيارتي فاتصلت بأحد المعارف و دلني على تاجر في السوق المركزي.
سارعت بالتوجه له و جدته رجلا اربعينيا طويل اللحية و على جبهته آثار السجود و يلبس ثيابا قصيرة، توجه معي الى السيارة وعاينها بدقة و اخذ يجادلني لأكثر من ساعة لنتفق بعدها على سعر أقل بكثير من فيمتها و قال لي ان اعود في الغد لنتم البيعة.
قلت له انني اريد ان يتم الصفقة لأنني أحتاج المبلغ فورا.
رجع لمحله و جاءني حاملا كيسا من النقود و ركبنا في السيارة متجهين الى موثق العقود ، في الطريق سألني عن سبب استعجالي على بيع السيارة.
شرحت له السبب الطارئ و مدى فداحة المشكلة التي اضطرتني للبيع بهذا السعر.
عند موثق العقود التفت الي و قال انه لن يدفع الا نصف المبلغ الذي اتفقنا عليه.
استشطت غضبا بعد معرفتي لمحاولته ابتزازي بعد ان عرف مدى حاجتي المستعجلة و اخذت اسبه و اشتمه فأخرج مسبحته و أخذ يستغفر بصوت مرتفع و يبتسم.
رفع السعر قليلا و قال انه آخر ما يستطيع دفعه فدلفت خارجا و توجهت للسيارة...
تبعني و امسك بثيابي و عرض علي السعر الأول الذي اتفقنا عليه فرفضت و قلت له انه اذا دفع لي مال الدنيا فإنني لست مستعدا للتعامل معه.
أخذ ينصحني بالوضوء لإزالة الغضب ويروي لي حديثا نبويا لم اعد أتذكره.
في النهاية ترجاني ان ارجعه للسوق فرفضت فطلبني مئتي اوقية لأخذ سيارة و أخذ يحلف بالأيمان المغلظة انه لا يحمل اجرة الطريق فذكرته بالكيس الممتلئ بالنقود في يده اليمنى و انطلقت.
****
هذه مجرد قطرة من بحر الانحطاط القيمي و الاخلاقي الذي عايشته مع معلم قرآن و معلم مدرسة متخصص في العمل الخيري و رجل دين و تاجر ... لن احدثكم عن الصحافة و الشباب و السياسيين.
لا شك ان هذه الارضية هي ما سمحت لرئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بان يقف و يقول في مدينة النعمة في مهرجان حملته بدون خجل و لا مورابة:
انا اسرق و ارتشي و لكنني بنيت موريتانيا.
صدق رسول الله: كما تكونوا يؤمر عليكم *
بقلم: عبد الرحمن ولد ودادي - أطلس
http://www.anbaatlas.com/images/thumbnails/images/img/abderahman_weddady-201x290.jpg
* تصحيح للحديث: (ثم كَمَا تَكُونُوا يُولَّى أو يُؤمرُ عَـلَيْكُم)
http://cmart.com.eg/image/data/133788287516323.png
كانت احداهن في غاية العصبية و التوتر و كان الاخريات يتضاحكن و يمازحنها و يقلن لها بأن قصة اللحم لا تستحق كل هذا الغضب..
تحرك في الفضول و سألت عن القصة، فتلفتت الى خالتي قائلة:
منذ اشهر اكتشفت ان اللحم الذي اشتريه و اوزعه على ايام الشهر يختفي في اقل من اسبوعين و داخلني الشك في ان طباختي تقوم بسرقته فقمت بطردها من العمل.
اليوم و بالصدفة قبضت على ابني الصغير و هو يخبئ تحت ثيابه كيسا مجمدا من اللحم...
امسكته و سألته عن حاجته بالكيس، اخذ يسرد لي أكاذيب غير مقنعة فضربته ضربا مبرحا ليعترف.
مسح الطفل دموعه و بدأ في سرد الحقيقة و شرح أن معلم القرآن يفرضه على ان يسرق له كيسا من اللحم بين الفترة و الاخرى مهددا اياه بالضرب و إجباره على مضاعفة حصته من حفظ القرآن.
استرسلت الخالة:
ما يؤلمني ليس اللحم... بل ظلمي العاملة المسكينة و كيف ادفع مالي لرجل كبير في السن و ابن اسرة محترمة من قبائل الزوايا ليعلم ابني كتاب الله فإذا به يدربه على فنون اللصوصية و الادهى و الامر ان ابنتي جائتني من ايام باكية تريد مني ان اتدخل عند معلمها في المدرسة ليرجع لها الفي اوقية استلفها منها في بداية السنة على ان يعيدها في اسبوع و أخذ في مماطلتها لأشهر عديدة.
رجل العمل الخيري و العلامة:
كان لي احد المعارف يعمل في المجال الخيري و طبعا كمعظم المتخصصين في هذا المجال كان يستحوذ على معظم ما يحصل عليه و ينفقها في رفاهيته و فخيم الملابس و العطور.
شاء الله ان يصاب ابنه بمرض عضال فداخله الخوف من أن يكون السبب راجعا الى استحواذه على اموال الفقراء و المساكين و كفالات الأيتام فقرر ان يتوجه الى احد العلماء ليستفتيه.
طبعا وقع اختياره على اكبر فقهاء البلاط و اكثرهم شهرة و توجه اليه في منزله و روى له القصة كاملة.
سأله العلامة عن مقدار ما يختلسه من أموال العمل الخيري ، فقال له حوالي السبعين في المائة.
و ضع العلامة يده على كتفه و قال:
لا اثم عليك و اطمأن فما تقوم به حلال لا شبهة فيه و حاول ان لا يتجاوز ما تستحوذ عليه التسعين في المائة و اخذ يبرر له فتواه بفزلكات فقهية مدعمة بالكثير من أقوال السلف الصالح و الحديث و القرآن.
التاجر:
منذ سنوات وقت في ضائقة مالية و احتجت لأن أبيع سيارتي فاتصلت بأحد المعارف و دلني على تاجر في السوق المركزي.
سارعت بالتوجه له و جدته رجلا اربعينيا طويل اللحية و على جبهته آثار السجود و يلبس ثيابا قصيرة، توجه معي الى السيارة وعاينها بدقة و اخذ يجادلني لأكثر من ساعة لنتفق بعدها على سعر أقل بكثير من فيمتها و قال لي ان اعود في الغد لنتم البيعة.
قلت له انني اريد ان يتم الصفقة لأنني أحتاج المبلغ فورا.
رجع لمحله و جاءني حاملا كيسا من النقود و ركبنا في السيارة متجهين الى موثق العقود ، في الطريق سألني عن سبب استعجالي على بيع السيارة.
شرحت له السبب الطارئ و مدى فداحة المشكلة التي اضطرتني للبيع بهذا السعر.
عند موثق العقود التفت الي و قال انه لن يدفع الا نصف المبلغ الذي اتفقنا عليه.
استشطت غضبا بعد معرفتي لمحاولته ابتزازي بعد ان عرف مدى حاجتي المستعجلة و اخذت اسبه و اشتمه فأخرج مسبحته و أخذ يستغفر بصوت مرتفع و يبتسم.
رفع السعر قليلا و قال انه آخر ما يستطيع دفعه فدلفت خارجا و توجهت للسيارة...
تبعني و امسك بثيابي و عرض علي السعر الأول الذي اتفقنا عليه فرفضت و قلت له انه اذا دفع لي مال الدنيا فإنني لست مستعدا للتعامل معه.
أخذ ينصحني بالوضوء لإزالة الغضب ويروي لي حديثا نبويا لم اعد أتذكره.
في النهاية ترجاني ان ارجعه للسوق فرفضت فطلبني مئتي اوقية لأخذ سيارة و أخذ يحلف بالأيمان المغلظة انه لا يحمل اجرة الطريق فذكرته بالكيس الممتلئ بالنقود في يده اليمنى و انطلقت.
****
هذه مجرد قطرة من بحر الانحطاط القيمي و الاخلاقي الذي عايشته مع معلم قرآن و معلم مدرسة متخصص في العمل الخيري و رجل دين و تاجر ... لن احدثكم عن الصحافة و الشباب و السياسيين.
لا شك ان هذه الارضية هي ما سمحت لرئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بان يقف و يقول في مدينة النعمة في مهرجان حملته بدون خجل و لا مورابة:
انا اسرق و ارتشي و لكنني بنيت موريتانيا.
صدق رسول الله: كما تكونوا يؤمر عليكم *
بقلم: عبد الرحمن ولد ودادي - أطلس
http://www.anbaatlas.com/images/thumbnails/images/img/abderahman_weddady-201x290.jpg
* تصحيح للحديث: (ثم كَمَا تَكُونُوا يُولَّى أو يُؤمرُ عَـلَيْكُم)