المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بنت مريم في الضوء الخافت



محمود توفيق
September 1st, 2008, 01:00
بنت مريم في الضوءالخافت


الحلقة الأولى


تمهيد
------

أشعر باضطراب شديد حتى أني أفكر في صرف النظر عن الفكرة تماما ، غير أني سأقاوم هذا الشعور وسأجرب عقلي ، ولدي مبرراتي .
أخاف أن يكون ما توارثته يحجب عيني عن الحقيقة ، أخاف أن أكون جزءا من توليد مضطرد للنموذج (القيافي) .
قد كان قيافا رئيسا للكهنة ، ورغم ذلك لم يتعرف على المسيح .
ربما كان ما أتلف وعيه هو إحساسه بوجود مرجعية كاملة لديه ، وربما كان ما يفتقده هو نعمة الشعور بالجهل
هذا بينما تعرف على المسيح وتحلًق حوله جماعة من البسطاء ، وأحب أن أكون مثلهم ، هذه هي القلوب التي عرفته .
هل أقصد أننا نرفض محمدا ( ) * لأننا مرتهنون للمرجعية ، ولأننا لا نشعر بالجهل ؟ ولم نرفضه بناءا على استماع كاف ودراسة وافية ؟

كثيرا ما رددت نفس التهم التي تلقى عليه ، من باب الشعور بالحميمية مع الرافضين الآخرين حولي ، ومن باب تثبيت الإيمان المتبادل ، ومن باب التعود .
غير أن ثمة صوت هادئ كان ينبعث من أعماقي كل مرًة رغما عني يصيبني بتأنيب الضمير الديني قائلا ( ومع ذلك قد يكون نبيا حقا )

لذا قررت أن أسير في عكس الإتجاه ، وأتحمل هذا الجهد النفسي الذي أتوقعه . وأعرف أن ما سأبدأ فيه عجيبا حقا ، وجدير بأن يسمى بـ( كيف تثبت إنك على خطأ ) ، لكن الحقيقة تستحق عناء السير في الإتجاه العكسي .


بنت مريم

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

* الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي مما يلتزم به المسلمون عند حديثهم عن الرسول ، وقد وردت كزيادة على النص ، وليس بالطبع مما يتوقع قوله من صاحبة المذكرات .

مزاااج
September 1st, 2008, 03:08
استاذ مصطفى السلام عليكم

من عنوانك الذي اخترته بدأ الشوق يحدوني لمتابعة ماتبقى من هذه المذكرات

فتابع لنُتابع على بركة الله .

محمود توفيق
September 2nd, 2008, 01:12
الحلقة الثانيه


الله


( الله ) يعني في السريانية والعربية الرب ، الله هو اسم علم للإله في اللغة العربية مختص له وحده ولايجوز لغيره .

اللغة العربية ذات جذر سامي ، والرب كان يدعي عند البابليين القدامي بـ ( إل ) ثم أصبح عند العبرانيين والكنعانيين ( إيل ) أو ( ألوهيم ) التي تبدو كصيغة جمع للتعظيم ، من الناحية اللغوية إذن فإسم العلم للإله مستقر في اللغة العربية وله تشابه مع اللغات الشقيقة ، وهو سابق لظهور النبي محمد

( الله ) ، يظن البعض أن المسلمين يعبدون ذاتا أخري مستمدة من ديانات شعوب سامية أخري من كنعانيين وبابليين ، او يحاولون إثبات ذلك ، فيما يؤمن غير المسلمين اذين يعيشون بين المسلمين وعلى دراية بمعتقداتهم بأن المسلمين لهم إيمان بالإله الخالق .

والبعض يقول لأغراض التناظر أن الله الذي يعبده المسلمون هو ( إله القمر ) الوثني . أو أن المسلمين يعبدون الكعبة أو الحجر الأسود عندها ، فيما تعتبر زيارة الكعبة والطواف حولها وتقبيل الحجر كلها من شعائر الحج او العمرة ، ومع ذلك يعتقد كل المسلمين أنهما الكعبة او الحجر لا يضران او ينفعان ، بل حتى عند قبر محمد
(صلى الله عليه وسلم ) فإن المسلم يمر ويلقي السلام فقط ولا يطلب من محمد ( ) في مرقده أن يسدي له أي نفع ، لأن هذا شرك في العقيدة الإسلامية ، وقد حذرهم محمد ( ) من اتخاذ قبره وثنا يعبد بعد وفاته ، ويمكن القول من موقف الإسلام المناوئ لصور التعظيم للبشر، ومن غياب صورة مرسومة لمحمد ( ) وتحريمهم لرسم صورة له أن في العقيدة الإسلامية حذر شديد من الوثنية ، ومن الشرك ، بل إن جوهر المحافظة علي الدين الصحيح ينصب حول نقطة توحيد الله توحيدا تاما مع غلق أي باب ولو صغير جدا يمكن ان يمر منه الشرك او الوثنية .

باعتبار أن الإسلام يقر برسالة الأنبياء السابقين ويجعل الإيمان بهم وبرسالتهم وكتبهم شرطا للإيمان الإسلامي ، كذا عقيدة التوحيد الساطعة في القرآن وأحاديث النبي محمد ( ) والتي تؤكد علي عبادة الخالق وحده بدون شريك له لتؤكد علي أن هذا الربط بين الإسلام واصول وثنية وعبادة القمر هو محض لغو يمكن تفنيده بمطالعة عادية للقرآن . لكن كل ما يمكن قوله وانا لازلت اتحسس موضع قدمي في هذه الرحلة البحثية ولازال عندي وجل ، هو أن هناك ذات إلهية واحدة لدي اتباع اليهودية والمسيحية والإسلام ، نرى ان الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يعلن عن اله واحد فقط لا شريك له. قويٌ قادرٌ على كل شيء، أزليٌ. أبديٌ، الخالق ، ملك الملوك، رب الأرباب، الألف والياء، البداية والنهاية، القدوس، الراعي الصالح، الكامل، الحنّان، المُحب، والكثير الرحمة، وهي نفسها العقيدة عن الله في الدين الإسلامي.

وعلينا توقع وجود بعض التباين في التصورات عن نفس الذات الألهية بين تلك الأديان وهذا لايقدم دليلا علي المفارقة في كل حال ، فبعض الأنبياء كان يتكلم عن رب الجنود ، وبعضهم كان يتكلم عن رب السلام ، ومع ذلك لايمكن القول بأن يشوع المقاتل كان يعبد إله غير الذي يعبده عاموس الذين كان يؤمن بأن الله محبة ،ولم يحدث أن قلنا أن لدى كلا منهما تصورا عن الذات الإلهية يختلف عن الاخر وانعكس علي اسلوبه في الخدمة الدينية ، هذا شطط في التفكير

وفي حالة وجود التباينات في وصف الذات الألهية في بعض النقاط نقول أن هناك تباينات في المعرفة الإنسانية لله ، ولكنها في حدود معينة لايمكن الإطمئنان للقول وبطريقة سادية أن هذا الآخر لايعبد إلهي ، يمكنني أن أقول ويمكنه أن يقول أيضا أنه يعبد الله ولكن لديه تشوهات في عقيدته ، ويمكنني أن استريح ويستريح عند هذا الحد ، اما إذا كان الأمر مستفزا للمناقشة ولطرح الحجج فلا بأس أيضا ، وبحوار عقلاني .
فماذا عن الله في الإسلام ؟

الله في الإسلام لاتدركه الأبصار كما هو وارد بالقرآن ، وفي التوراة طلب موسي أن يري وجه الرب فأخبره أنه – موسي – لايقدر أن يراه ، وفي إنجيل يوحنا نجد أن الله لم يره احد والله في القرآن يحذر من عبادة غيره معه ( الشرك ) ( ان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) (1) ،

ونجد في سفر الخروج
(20: 2 انا الرب الهك الذي اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية
20: 3 لا يكن لك الهة اخرى امامي
20: 4 لا تصنع لك تمثالا منحوتا و لا صورة ما مما في السماء من فوق و ما في الارض من تحت و ما في الماء من تحت الارض
20: 5 لا تسجد لهن و لا تعبدهن لاني انا الرب الهك اله غيور افتقد ذنوب الاباء في الابناء في الجيل الثالث و الرابع من مبغضي
20: 6 و اصنع احسانا الى الوف من محبي و حافظي وصاياي ) (2)


والله في الإسلام هو منشأ هذا العالم بسمواته وأرضه ( إن ربكم الله الذى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى علي العرش ) (3) ، ونجد في سفر التكوين ( في البدء خلق الله السموات والأرض )(4)

وفي القرآن نجد أن الله رقيب علي كل شئ وعليم بكل شئ ( وعنده مفاتيح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) (5)، ونجد في إنجيل متي السيد المسيح يقول ( أمَا يُباع عصفوران دوريان بقرش؟ ومع ذلك لا يسقط واحد منهما على الارض بدون علم ابيكم. اما انتم فشعر رأسكم نفسه معدود كله. فلا تخافوا، انتم أثمن من عصافير دورية كثيرة ) (6)

وفي الإسلام أن الله أحسن كل شئ خلقه لإن الله بديع ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (7) ، ونجد في سفر التكوين “ورأى الله جميع ما صنعه فإذا هو حسن جداً” (8)
وفي الإسلام خلق الله الإنسان لعبادته ، والإنسان لم ينطلق بعد أن خلقه الله بانفصال تام عن خالقه ، فكل شئ سيعود لله الخالق (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) (9) ، وفي سفر الأمثال نجد “الرب صنع كل شيء لغايته” (10) وفي الإسلام أن الخالق قدًر أن يسخر مخلوقاته للإنسان ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَءَاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) (11) ، وفي المزامير ( تسلطه على اعمال يديك جعلت كل شيء تحت قدميه ) (12)


والخالق في الإسلام جعل الإنسان يختار لنفسه بعقله الواعي طريقه وعمله {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً} (13) ، وفي يشوع “هو صنع الإنسان في البدء وتركه يستشير نفسه” (14) .
والله في القرآن هو الذي يجيب المضطر ويكشف السوء ( امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء )(15)
مثلما ينجي البائس في وقت الشدة كما في سفر ايوب ( ينجي البائس في ذله و يفتح اذانهم في الضيق ) (16)

والله في القرآن احتفظ لنفسه بتوقيت يوم القيامة ولم يطلع عليه احدا من خلقه ، ولايعرفه لامحمد ولا اي من الأنبياء ، ويقول المسيح في إنجيل مرقص
( أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب) (17).

والله الذي لانستطيع أن نراه في حياتنا سيراه الأتقياء في الجنة ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (18) ، ونجد في متي “طوبى لأطهار القلوب فإنهم يشاهدون الله” (19) .

ونظرة الي هذه الآية ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ) (20) أقرأها فأقول : هذا الكلام البليغ عن الهي بلا شك ، أليس هذ هو الله كما نؤمن به في القلب ؟ .

وبلا شك وبنظرة فاحصة للقرآن نجد هناك خط واحد وواحد فقط في وصف الذات الألهية ، الله في مجمل آيات القرآن منزه عن أي نقص ، وعن أي عارض من عوارض الجنس البشري ، فهو لايتعب ، ولايٌهزَم ولايستشير ولايندم ولاينام ولاينسي ولايجهل ولايظلم ولايلهو .

ومع هذا فهذا السمو للذات الآلهية البادي في القرآن اعتبره البعض مزعجا ، لأنهم يريدون ربا أقل تساميا وتجريدا حتي يستطيعون أن يحبوه ويفهموه ! ، رغم أن أي عارض من عوارض النقص ستُعتَقده في الله الذي تشهد له آيات من التوراة والإنجيل والقرآن بالكمال والعظمة لن تجعلنا نفهمه ، بل ستجعل الإنسان ملتبسا بين فكرتين عن الله
نعم الله مغاير للجنس البشري في القرآن ، ولكنه ليس بعيدا ، بل قريبا جدا فهو حسب النص القرآني أقرب من حبل الوريد ، وغير منشغل عن شكايات المظلومين ، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، وهو الذي يدافع عن الذين آمنوا ، بل أن الله في القرآن يحث المؤمنين علي الإنفاق علي الفقراء والمحتاجين والذي سيجازيهم عليه جزاءا أكبر مما انفقوا بأن جعل هذا الإنفاق كأنه قرض لله سيرده اضعافا كثيرة ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) (21) لكن المسلم سيستوعب هذه الصورة تماما وتدفعه الي اعلي درجة من التفاعل مع أمر اله عطوف علي المساكين ، دون ان يتسطح فهمه ، فهو يعرف أن الله غني .

وأين النبي محمد ( ) هنا ؟
يقول القرآن ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد ) (22) ، ايات القرآن واحاديث محمد ( ) جعلت محمد من جنس البشر بدون أي لبس في ذلك ، كذلك جعلت من كل رسل الله ، وجعلت الملائكة خلق كرام من خلق الله بدون أي لبس بيتهم وبين ذات الله ، وجعلت الكل عبيدا لله ، بين ملائكة لاتختار وبشر يختارون
والمسيح ماذا قال عن التوحيد ؟
" لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله " (23)
________________________________________
(1) النساء 48 (2) خروج 20 : 2-6
(3) يونس 3 (4) تكوين 1: 1
(5) الأنعام 59 (6) متى 10 : 29-31
(7) السجدة 7 (8) تكوين 1 : 31
(9) البقرة 156 (10) امثال 16: 4
(11) ابراهيم 32 -34 (12) مزامير 8 : 6
(13) الإنسان 3 (14) يشوع بن سيراخ 15: 14
(15) النمل 62 (16) ايوب 36 :15
(17) مرقس 13 : 32 ( 18) القيامة 22-23
(19) متى 5 : 8 (20) البقرة 255
(21) البقرة 245 (22) الكهف 110
(23) متى 19 : 17

الرائد7
September 2nd, 2008, 14:29
السلام عليكم
نحن نتابع أستاذي الكريم
بانتظار باقي الحلقات

محمود توفيق
September 3rd, 2008, 00:30
الحلقة الثالثه



الملائكة


يؤمن المسلمون بالملائكة ، ككائنات نورانية لطيفة مطيعة لله ليس لديها شهوات ولا أهواء ، ولهم وظائف عديدة بجانب كونهم مجبولين علي القيام بأنواع من العبادات لله ، فهم لهم أعمال مرتبطة بالوجود البشري علي الأرض ، مثل تسجيل أعمال الناس ، وتوصيل الرسالات من الله للأنبياء ، وتبشير البعض ، وتثبيت قلوب المؤمنين في أوقات الشدة و إنزال عقوبات علي العصاة والقرى الظالمة الخ .

وجبريل رئيس الملائكة مذكور في القرآن كما هو مذكور في الكتاب المقدس ، وفي الإيمان الإسلامي أخبار عن اتصاله بهاجر لما عطشت هي وولدها ، وكذلك اتصاله بزكريا ، واتصاله بمريم لتبشيرها بأنها ستحبل وتلد المسيح ، كما انه كان الواسطة في إبلاغ محمد( ) بالقرآن من لدن الله .

وتتفق الأديان الثلاثة علي أن الملائكة يمكن ان تتجسد بأمر الله في شكل آدمي وذلك لتبليغ رسالة لنبي في أغلب الأحيان ، وقد أتي جبريل لمحمد ( ) أحيانا في شكل رجل مرئي يلحظه صحابة محمد في شكل رجل وضئ لا يعرفونه ولا يبدو عليه وعثاء سفر في نفس الوقت يكلم محمدا ( ) ثم يمضي ، وقد كان اتصاله بمريم عن طريق التشكل في شكل رجل أيضا ، ونجد في سفر يشوع ( وحدث لما كان يشوع عند أريحا أن رفع عينيه ونظر وإذا رجل واقف قبالته وسيفه مسلول فسار يشوع إليه وقال له : هل لنا أنت أو لأعدائنا ؟ فقال : كلا بل أنا رئيس جند الرب ) (1)

وجبريل يطلق عليه أيضا في العهد القديم روح الرب ، فنجد في إشعياء ( ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب ) (2)
ويسمي ايضا في العهد القديم بالروح القدس فنجد في المزامير (لا تطرحني من قدام وجهك و روحك القدوس لا تنزعه مني ) (3)

يمكن الإطمئنان بأن جبريل أو ( رجل الرب ) كما تفسر القواميس أسمه هو ملاك الرب وهو روح الرب وهو الروح القدس حسب الفهم اليهودي ، وهو نفسه الفهم الإسلامي ، وطبيعة الروح القدس من ضمن الإختلافات العميقة بين اليهود والمسيحيين ، وبين المسلمين والمسيحيين .

اليهود ينظرون للروح القدس كروح مخلوقة لله وليست روحه هو ذاته
وقد لفت نظري أن إنجيل برنابا والذي هو حسب الإعتقاد المسيحي إنجيل مدسوس ، وبناءا عليه فمن لفقه حاول التشكيك في العقيدة المسيحية ، لفت نظري أن صاحب الإنجيل وضع علي لسان المسيح براءة ممن ادعو له الإلوهية ، ولكنه لم يشر من أي طرف لإلوهية الروح القدس ،

رغم أن كل الرافضين للإيمان المسيحي ينددون بعقيدة التثليث مما يستلزم التعريض بإلوهية الروح القدس ، وهذا التعريض مما لا يمكن توقع إغفاله من أي رجل يفكر في مهاجمة المسيحية بصرف النظر عن مستوي إلمامه بالثقافة المسيحية ، فما بالنا بعمق ثقافة صاحب إنجيل برنابا ، هذا ما سيمر عليه الكل بشكل عميق أو عابر ،

والدفع الوحيد في هذه الحالة لتأكيد ان الإنجيل مزور هو القول بان الرجل كان ذكيا وحصيفا وعلي دراية عميقة بتطور العقيدة والحياة الدينية في القرون الأولي لذا كان حذرا ولم يتورط في نفي إلوهية الروح القدس لأنه لم يثبت لديه أنه قد ادعي أحد ما إلوهية الروح القدس في القرن الميلادي الأول

وبناءا عليه لم يندد بها علي لسانه هو أو علي لسان المسيح ، ومن المحرج أن نضطر للقول أن رجلا حصيفا عميق الدراسة ثبت عنده أنه لم يشاع في القرن الأول وفي حياة المسيح و لبضعة سنوات بعد صعوده أي مقولة عن إلوهية الروح القدس وبناء عليه عن التثليث .

لقد تم إقرار إلوهية الروح القدس في مجمع القسطنطينية سنة 381 م ، وفي هذا المجمع وبناءا علي استدلال نظري وليس بناءا علي مخطوطات ظهرت تعضد الفكرة ، في هذا المجمع تم إعلان أن الروح القدس هو روح الله ، وهي حياته فهي من اللاهوت الإلهي ، ولُعن مكدونيوس وأشياعه وكل من يخالف هذا القرار من البطاركة . والبعض يظن ان ظهور قرار إيماني بإلوهية الروح القدس في هذا المجمع كان لتثبيت عقيدة موجودة ومستقرة ، وللعن بعض المخالفين الذين طفت فكرتهم فجأة ، وصاحب هذا الظن معذور كل العذر إذا لم يكن علي اطلاع علي ما حدث في مجمع نيقية الذي نص من ضمن ما نص عليه علي ترك الحرية للناس في الإختلاف علي الروح القدس .

يذكر أن جبريل من أسمائه في القرآن ( الروح القدس ) مثل التوراة ( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل واتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) (4)
وهذا نص عن الروح القدس (فلما سمعت اليصابات سلام مريم. ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت من الروح القدس ) (5) ، هنا نحن أمام إمرأة عاقر وعجوز أي أن حملها إعجازي أيضا ، بل لا مجال لأقاويل خبيثة بشأنه ، وأمام جنين سيكون نبيا تقيا زاهدا هو يوحنا المعمدان سيتعمد المسيح منه ، وهنا أيضا الروح القدس ، المعطيات جيدة جدا !

وقد كان يوحنا الذي سبق المسيح في الدعوة خارج المدرسة العلمية التقليدية اليهودية يل خرج للناس من البرية عابدا زاهدا منقطعا عن السلك البيروقراطي الديني ، حتى أنه يمكن التفكير في كون يوحنا النبي العظيم وسيلة لتنظيم الإنتباه والمشاعر تجاه المسيح حين يدعو ، فالناس معظمهم قد ينتظرون خروج نبي من داخل الهيكل ، وبذا قد لا يلتفتون للمسيح فجاءت دعوة يوحنا ليحدث الإنتباه ، كما أن ميلاد يوحنا الإعجازي ربما كان من المفترض أن ينظم المشاعر تجاه المسيح العدائية والٌمحِبًة علي حد سواء ، وهذا لا يزيد عن كوني أفكر بصوت عالٍ .

وهنا نقول عن روح الحق في هذا النص أنه الروح القدس " وأما متى جاء ذاك روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع به ويخبركم بأمور آتية " (6)

فهذا لا يجعل روح الحق والذي يعني لدينا روح القدس لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع به ، وفي هذه فعلا وعندما اقبل تماما الظن بأن المقصود بروح الحق هو روح القدس فأتعجب من كونه مبلًغ بما يسمع كأي مأمور
واجد صعوبة ما في التوفيق بين هذا المعني الواضح والإعتقاد في أنه روح القدس بالفهم المسيحي
________________________________________
(1) يشوع 5 :13-14 (2) اشعياء 11 : 2
(3) مزامير 51 : 11 (4) البقرة 87
(5) لوقا 1 : 41 (6) يوجنا 16 :13

محمود توفيق
September 4th, 2008, 03:21
(الحلقة الرابعه)


الأنبياء


المسلم عليه أن يؤمن بكل أنبياء الله السابقين أبضا بجانب إيمانه بنبوة محمد ، والإيمان بكل أنبياء الله ركن من أركان الإيمان ، ويكفر من رفض نبوة أي نبي سابق ، ويقول القرآن { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } (1) .

وتختلف الثقافة الإسلامية عن سابقاتها في أنها لا تمنح الكهنة والعرافين والسحرة والمجاذيب ومدعي النبوة نفس الإصطلاح ( نبي ) ، وقد حررته ليكون حصريا للذين يتلقون وحيا من الله ، ولا مجال للإجتهاد الشخصي ولإجراء بعض الطقوس المساعدة ولا غيره ، ومما هو معروف أنه كانت هناك أرتال من مدعي النبوة في عهود معينة في حياة بني إسرائيل يرتزقون من التنبؤ ويعيشون بالقرب من الحكام ، وقد قال اشعياء ( الشيخ و المعتبر هو الرأس والنبي الذي يعلم بالكذب هو الذنب ) (2) .

والمتتبع للأثر الروحي والأخلاقي للأنبياء سيجد لديه في آيات القرآن اضاءات علي شخصيات الأنبياء أصحاب ( العصمة ) الجديرين بالإقتداء
ففيه تتلمس المعاناة مثلا التي عاناها نوح ( ) لسنوات طوال وهو يدعو قومه ويلح عليهم ألا يعبدوا إلا الله ويتركوا عبادة الأصنام ، ومع ذلك يتعرض للتهديد والسخرية ويتحمل الأذى في صبر عجيب ، ولم يكن نوح عنصريا في دعوته بل كان معظم المستجيبين له من البسطاء الفقراء وهذا ما عيره به السادة ، بل قالوا له اطردهم حتى نتبعك ،

ومع ذلك رد بلطف عليهم أنه لا يحق له أن يفعل ذلك وليس له ان يطرد المؤمنين ، وشتموه و اتهموه بالضلال ، ونفي عن نفسه التهمة بأدب وأخبرهم بأنه مرسل من الله ، وفي فترة بنائه للسفينة تعرض للهزء والسخرية ، ومع وقوع الطوفان رفض أحد أبنائه الركوب وأخذ يصعد إلى جبل ، لكنه غرق ، وقد كان يعلن لأبيه الإيمان بينما هو كافر ، فدعا الله أن ينجي ابنه ، فأطلعه الله علي حقيقة ابنه ، فاستغفر نوح ، ونجا معه المؤمنين الفقراء وغرق السادة ومعهم أحد أبنائه ،

إذن لم يكن نوح ( ) عنصريا أبدا .
ومما يذكر أن السيناتور الأمريكي روبرت برد من ولاية فرجينيا في عام 1964 استخدم قصة نوح المذكورة في سفر التكوين كمبرر للإحتفاظ بسياسة التمييز العنصري في الولايات المتحدة ( لعنة حام ) ، وقد رفض السيناتور في عام 1991 ترشيح قاضيتين من أصل إفريقي للمحكمة العليا ، وفي عام 2004 رفض ترشيح كوندوليزا رايس لمنصب وزيرة الخارجية .

ولا يجوز في الإسلام تفضيل نبي علي آخر { لا نُفرِّق بين أحد من رسله } (3) ، وكلهم جديرون بالإقتداء
{ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين }(4) . حتى أن الله أمر النبي محمد في القرآن بالإقتداء بأولي العزم من الرسل السابقين ( نوح ، إبراهيم ، موسي ، عيسي )
وقصص الأنبياء في القرآن لها قيمة وعظية ولها قيمة اقتدائية ، وليست مجرد وصف لما حدث في حياة رجال الله وعلاقاتهم بالبشر والشعوب والملوك . فنجد في القرآن هذه البروفايلات للأنبياء

ابراهيم ( )
أمام للناس ، المختصة ذريته بالنبوة ، مصطفي في الدنيا ، من صالحي الآخرة ، وهو وحده امة ، قانت لله ، حنيف ، شاكر لأنعم الله ، وهو الذي وفًى ، حليم ، أواه ، منيب ، مطيع لله
وقد قال رجل لمحمد( ) : يا خير البرية
فقال : ذاك ابراهيم

يوسف ( )
هو من أوتي حكما وعلما ، الصديق ، من المحسنين ، الذي مكًن له الله في الأرض ، الذي علمه الله تأويل الرؤى
العفيف ، المخلص حافظ الجميل ، من العباد المخلصين ، متقي ، صابر ، متسامح ينسي الإساءة
وقد قال عنه النبي محمد( ) ( الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم )

موسى ( )
هو مخلص ، نما برعاية الله ، أوتي حكما وعلما ، محسن مستغفر ، ووجيه عند الله ، واصطفاه الله لنفسه ، وهو كليم الله ، الذي كان يأمر قومه بالإستعانة بالله وبالصبر ، الواثق من نصر الله ، مستجاب الدعوة ، مصطفي علي الناس ، يغضب في الله
وقد وصفه النبي محمد( ) بانه كان حييا ، وبانه كان له اصطبار علي أذي الناس

داود ( )
هو من اتاه الله الملك والحكمة والعلم ، صاحب الصوت العذب الذي اثر في الكائنات ، وهو أواب ، وأوتي فصل الخطاب ، وعلي هدى من الله ، وقد أٌمر محمد بان يقتدي بهداه في آية من آيات القرآن باعتباره من الأنبياء السابقين ، وله قربي يوم القيامة
وقد وصف النبي محمد صيامه بأنه أفضل صيام ، وأنه كان له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه ويبكي ببكائه كل شئ ، وبصرف بصوته الهموم

سليمان ( )
شاكر لله ، أواب ، له قربي يوم القيامة ، وأوتي الحكمة والعلم ، وأُمر محمد بأن يقتدي بهداه


يحي ( )
تقي ، من الصالحين ، سيد ، عٌلٍم الحكمة في صباه ، بارا بوالديه ، وعليه سلام من الله يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
وقد خرج محمد ( ) علي أصحابه وهم يتذاكرون فضل الأنبياء فتكلموا عن موسى وعيسى وإبراهيم فقال لهم : أين الشهيد ؟ أين الشهيد ؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب

عيسى ( )
وجيه في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين ، ومن الصالحين ، أوتي العلم والحكمة ، زكي ، آية للناس ، رحمة من الله ، من أوتي البينات ، مبارك أين ما كان ، بار بوالدته ، مؤيد بالروح القدس ( جبريل ) ، وانه عليه سلام من الله يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
وقال عنه النبي محمد ( ) ( ما من مولود إلا والشيطان يطعن في خاصرته حين يولد ، ويستهل صارخا إلا مريم وابنها ) ، وقال عنه أيضا (والـذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكمـاً مقسـطاً )
________________________________________
(1) البقرة 136 (2) اشعياء 9 : 15
(3) البقرة 285 (4) الأنبياء 73

محمود توفيق
September 4th, 2008, 21:51
استاذ مصطفى السلام عليكم

من عنوانك الذي اخترته بدأ الشوق يحدوني لمتابعة ماتبقى من هذه المذكرات

فتابع لنُتابع على بركة الله .

وعليكم السلام أخي الفاضل مزااج

كن بالقرب دائما

اخوك محمود توفيق

كل عام وأ نت بخير

محمود توفيق
September 4th, 2008, 21:52
السلام عليكم
نحن نتابع أستاذي الكريم
بانتظار باقي الحلقات

وعليكم السلام أستاذنا الفاضل الرائد 7

يسعدني متابعتك الكريمة

كل عام وأنت بخير

محمود توفيق
September 4th, 2008, 21:54
أعتذر لكل المتابعين عن عدم ظهور الصلاة على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم
فهي من ذات الشكل المضغوط الذي يعتبر صورة يجب أدراجها
وهذا مما لا علم لي به ، لذا لم تظهر عند النسخ هنا

أعتذر إليكم جميعا

كل عام وأنتم بخير

محمود توفيق
September 5th, 2008, 01:24
الحلقة الخامسه

لقطات من حياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم )


ينتمي النبي محمد ( ) لقبيلة قريش العريقة في منطقة الحجاز بالجزيرة العربية والتي تعيش في مكة ، والتي لها أسماء أخري منها أم القرى و بكة ، القبيلة كانت لها الزعامة الدينية بين القبائل العربية باعتبارها تنتمي الي نسل إسماعيل ابن إبراهيم خليل الرحمن ، واللذان بنيا البيت العتيق أو الكعبة هناك كأول بيت عبادة وضع للناس في الأرض ، كانت قريش قبيلة تجارية تنظم لنفسها رحلتان تجاريتين أساسيتين في العام ، واحدة للشام وواحدة لليمن ، كان مكة البلدة وقريش القبيلة تمثلان نوعا من المركزية الدينية في الجزيرة ، كان العرب في معظمهم عبدة للأصنام ، لم يكن الإله الخالق غائبا عن وعيهم تماما ، ولكنهم كانوا يشركونها معه في العبودية ، أي أن الله الذي نادى به موسى والأنبياء غيره كان هو رب الأرباب ،

المكان كان يعيش فيه نسل لإبراهيم يحملون في قلوبهم إجلالا للبيت الذي بناه وابنه ، وإجلالا لهما كجدين . كان العرب قد مالوا لعبادة الأصنام بعد قرون من عصر إسماعيل ، واغلب الترجيحات تشير إلى أن الفكرة كانت منقولة عن الشام الذي كان ينظر له كمهد للديانات ، لم تكن مكة مدينة روحية بالمعني الحرفي للكلمة ، إنها بلدة ثرية بها كل شيء ، أصنام ومجالس شعر وصفقات تجارية وأماكن لهو وعدد كبير من السراة الذين اغتنوا بسبب الموقع التجاري الوسيط للبلدة ، والقليل من الباحثين عن الحقيقة الذين يشعرون بالنفور من عبادة الأصنام المقتنعون تماما بأن الجدين الكريمين لم يكونا الا موحدين ،

بلدة حية ولكن بدون عواصف ، فالمكانة بين العرب متميزة ، وعلي غير حال البلاد التي تجاور الدول العظمي لم يكن سكان مكة يشعرون بالخوف من الزمن ومن جيوش غازية ، وكانوا في أمان من طيش القبائل البدوية العنيفة نظرا للمكانة الخاصة .

لم يدم استمرار المكيين في العيش في هذه البراءة ، إذ قرر قائد حبشي يحتل اليمن بجنوب الجزيرة ، أن يغزو مكة الوقورة الآمنة ليهدم الكعبة ، صدمة قوية وخوف من عار الهزيمة المؤكدة ، فقد قدم القائد ( أبرهة ) بجيش قوامه 60000 جندي ومعهم قطيع صغير من الفيلة ، هاهي مكة المتحصنة بالصحراء والبعيدة عن أطماع ونزق الحكام في وجه عاصفة هادرة تقترب منهم لتقتلع بيتا بناه إبراهيم منذ 2500 عام ، التاريخ والدين والشرف علي وشك الزوال ،

لكن وبينما أبرهة وجيشه علي مشارف مكة إذا بالجيش يتعرض لموت مباغت ومفاجئ ، لم يتبق إلا القليل من الرجال الذين قروا إلى صنعاء باليمن ومنهم أبرهة ، وماتوا هناك بعد أن حكوا عن مأساتهم ، القصة معروفة تاريخيا وأيما كان تفسيرها بجدري أو تشوهات جلدية ظهرت فجأة أو طيور ظهرت من جهة البحر رمتهم بحجارة ألهبت أجسادهم ، فإن ما حدث كان غريبا ومعجزا ، ورسًخ وضعية البلدة بين العرب ولدى الجوار أيضا .

ولد النبي محمد ( ) سنة 571م من هذه القبيلة العريقة ، وٌلد يتيما ، اذ مات أبوه قبل ميلاده ، وذهبت أمه به لجده لأبيه كي تبشره بالمولود ، فسماه اسما فريدا لا يعرفه العرب قبل ذلك ( محمد ) أي المحمود جدا ، ولما بلغ السادسة أخذته أمه لزيارة قبر أبيه ( عبد الله ) علي بعد 500 كم ، ويشاء الله أن يشعر الطفل بيتم كامل ، إذ ماتت والدته في طريق العودة ، وكفُله جده لأبيه ( عبد المطلب ) ، وتوفى الجد بينما محمد في الثامنة .

وكفله بعدها عمه ( أبو طالب ) ، وكان الطفل اليتيم ابيض شديد الوسامة ، مما ذكره احد الرجال الذين ذهبوا لزيارة مكة في تلك السنوات ، وكانت البلدة تعيش في قحط بسبب عدم نزول الأمطار ، وكان العم ( أبو طالب ) هو سيد وقور من سادات البلدة ، في هذه الحالات كانت العرب تستسقي ، أي تطلب من الله أن ينزل الغيث ، ويُفضل أن يكون ذلك عند الكعبة

وطلب الناس من أبي طالب أن يستسقي لهم ، ويقول الرجل الزائر أن أبا طالب خرج ومعه طفل كالشمس ( محمد ) الصق ظهره للكعبة بيد بينما الطفل متعلق بأصابع اليد الأخرى للعم ، وعلي الفور تجمعت السحب وأمطرت أهل البلدة ، وفي هذا هناك شعر معروف عن العم منه بيت شعر يقول فيه العم ( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ) .
في سن الثانية عشر خرج في تجارة مع عمه إلى الشام ، وفي الطريق نادى على القافلة العربية راهب اسمه جرجيس ولقبه ( بحيرى ) واستضافهم وأعد لهم وليمة ، ولفت انتباهه هذا الغلام ، وتفرس فيه علامات النبوة ، وأطلعهم على ذلك .

في سن الخامسة والعشرين خرج محمد في تجارة في أموال لسيدة أعمال شريفة وقورة من نساء القبيلة اسمها ( خديجة ) كانت تكبره بخمسة عشر عام ، وعاد محمد من رحلته التجارية بمكاسب جيدة جدا ، تبين لها منها انه أمين ، كما أن مساعدها ( ميسرة ) الذي رافقه في الرحلة عاد منبهرا بشخصيته ، بحكم أن المعايشة في السفر والعمل كفيلة بالتعرف العميق على الناس ، واخذ ميسرة يعدد لها مزاياه ، وشخصيته الوقورة الصادقة ، لم يمارس محمد أثناء تأدية عمله التجاري أي عملية غش بسيطة ، كان واضحا وملتزما ويٌطلع المشتري علي مستوى جودة البضاعة ، وفوق هذا لم يخسر ، كما أنه لم يهمٍش لنفسه أي مكاسب من ورائها ، كانت المرأة الأرملة يتقدم لها أكابر القبيلة ، ولكنها فكُرت في محمد رغم فقره ، وتزوجها محمد ، وعاش معها مخلصا لها كل الإخلاص وأنجبت له ستة أبناء ، ذكران ماتا في طفولتهما ، وأربع بنات .

استقامة محمد وصدقه في كل أحواله وبعده عن المهاترات ، وترفعه عن الصغائر ، وعن الكلام فيما لا طائل منه ، كل هذه الصفات جعلته شخصا محل ثقة للجميع ، وكان له احترامه بين السادة بسبب هذه الرزانة والحلم والأمانة وهو لازال في سن الشباب ويبدو انه أنضج من الكل ، وفي تلك الفترة كان محمد عازفا بالكلية عن التعبد للأصنام ، ولا ينظر لها إلا بكل تقزز واحتقار ، كما لم يشرب الخمر ولم يلعب القمار ، ولم يعرف اي امرأة قبل زوجته خديجة ، ولم يكن انصرافه عن عبادة الأصنام ليسبب له مشاكل ، المهم الا يتعرض لها بشكل علني بسوء .

وعاش حياة أسرية جيدة ، لم يكن محمد يفكر في الجدال مع أي شخص بسبب موضوع عبادة الأصنام ، ولم يكون أي خلية من الشباب الذين يجد فيهم رفضا لهذه العبادة ، كان محمد ميالا للعزلة ، ولم يكن يمتلك أي خطة من أي نوع ، لكن فطرته النقية تأبى عليه أن يسجد لصنم ، أو يرتكب أي حماقة ، وهذا كل ما في الأمر

ومنذ وصل لسن السابعة والثلاثين بدأ يعتكف لمدة شهر في العام ، تحديدا في رمضان ، في غار يطل علي البلدة ، بعيدا عن ضجيج البلدة وصراعاتها وأمنياتها وملذاتها وحماقاتها ، ينظر للكون الفسيح وللسماء ، ويشعر براحة نفسية لهذا الإنفراد ، ولما وصل للأربعين كان يحدث معه أمر عجيب ، إذ كلما رأى رؤية جاءت بحذافيرها ، تكرر معه ذلك كثيرا ، وبعد ستة أشهر من الرؤى التي تتحقق حدث حادث تاريخي فارق ، اذ بدأ اتصال جبريل بمحمد في عام 610 م .

واضطرب محمد لرؤية جبريل ولكلامه معه ، ونزل إلى زوجته يرجف ، وطمأنت زوجها ( كلا ، ابشر فوا لله لا يخزيك الله أبدا ، انك لتصل الرحم ، وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق) ورأت هي أن يستشيرا ابن عمها المئوي الكفيف الذي اعتنق النصرانية ، الذي أكد بدوره بأن ما نزل علي محمد مثل ما نزل علي موسى ، وأن محمدا ( ) هو هذا النبي لهذه الأمة

وبدأ محمد ( ) يمارس دوره الدعوي بلا كلل في العاصمة الدينية للعرب ، بلا كلل ولكن بدرجة عالية من السرية ، آمنت به الزوجة المحبة الوفية وابن عمه الصبي علي بن أبي طالب ، وصديقه المقرب أبو بكر ، وبدأت الدائرة تتسع شيئا فشيئا وبحذر ، استمر الحال علي هذا المنوال ومحمد ( ) يعلم ويدعو ويتلو عليهم القرآن الذي ينزل عليه ، ثم بدا محمد ( ) يظهر الدعوة ، بدأ يعلن وحدانية الله ويدعو للأخلاق الحميدة ويحط من شأن الأصنام وعبادتها ويحذر الناس من الآخرة ، ارتجت قريش القبيلة ومكة البلدة بسبب دعوة محمد الجريئة والصادمة التي تهدد عبادة الأصنام وبالتالي مركز مكة وقريش بين العرب ، ومما أزعجهم أنها جاءت من رجل لا مجال للطعن فيه ، ولكن الإختلاف كاف لتوليد العداوة مهما كان الرصيد ومهما كان الإنطباع المستقر عند الناس ، ولم يغفر لمحمد ( ) أنه كان الرجل المحبوب الموقر الذي سموه ( الأمين ) ،

ومن الناحية العملية كانت أحوال الغالبية من تجار البلد علي خير ما يرام ، بحيث أن كل ما كانوا يتمنونه هو أن يستمر الحال علي ماهو عليه ، فطالما انه يسير فيجب التصدي بقوة لكل من يهز القارب .

بدأوا في التحدث إلى عمه أبي طالب ليمنع محمدا من الإسترسال في هذه الدعوة ، ولم يكن محمد ( ) يرد علي عمه الا بأدب ، ولكن هيهات ، وبدأت سلسلة من المضايقات اتخذت في البدء طابع الإعلام المضاد من استهزاء وتشويه وإثارة شبهات ، ثم بدأت اضطهادات أكثر نال منها محمد ( ) تطليق ابنتيه من ابني عم أبيهما ، ونال بعض السباب ورمي القاذورات في طريقه أو عليه ، أما الضعفاء من المسلمين فقد ذاقوا الويل ومورست ضدهم فنون التعذيب ، ولم تستثن امرأة من هذا الويل ، وكانت أول شهداء الدعوة عامة هي امرأة اسمها سمية ، فقيرة وعجوز عذبوها وضغطوا عليها لتعود إلى عبادة الأصنام وهي ترفض حتى أن تنطق بالكفر لتتخلص من العذاب ولما يأسوا منها طعنوها بخسة ونذالة في منطقة حساسة من جسدها فماتت .

في السنة الخامسة من دعوة محمد ( ) وكان المسلمون قد أُرهقوا إرهاقا شديدا هاجر مجموعة منهم إلى الحبشة بإيعاز من محمد فارين بدينهم ، وقد أحسن حاكم الحبشة استقبالهم ،وأرسلت القبيلة وفدا إليه لاسترداد الفارين ولكنه رفض تسليمهم.
محمد( ) لازال هناك في مكة وسادة القبيلة في حالة غليان ولازالوا يضغطون علي العم ليضغط علي ابن أخيه ولكن لا جدوى ، ولعل من المواقف الصعبة التي تعرض لها محمد ( ) شخصيا هي موقف ( عتيبة ) ابن عمه الشاب ومطلٍق ابنته ( أم كلثوم ) بسبب دعوة محمد ،

جاء لمحمد( ) فاقدا لأعصابه وتحدث إليه بطريقة غليظة جدا رغم القرابة اللصيقة وسابق المصاهرة وفارق السن حيث كان محمد في منتصف الأربعينات ، واستخف بآيات القرآن وشق قميص محمد ( ) بل وتفل في وجهه إلا أن البزاق لم يأت علي وجه محمد ، كل هذا ومحمد ( ) كان من قبل هذه الدعوة رجلا محترما رزينا مهيبا ، وكان من قبلها حما هذا الشاب يعامله الشاب بأدب ، فقال محمد له ( سلط الله عليك كلبا من كلابه ) ، وكل ما حدث بعدها أن الشاب سافر مع مجموعة للتجارة في الشام ونزلوا وخيموا في (الزرقاء ) ، وحام حولهم أسد ، وقد كانت بعض الأسود تسرح في براري الشام والعراق في تلك الآونة ، فزع الرجال من منظر الأسد الذي بدا كمهاجم يبحث عن ثغرة وغفلة ، وشعر عتيبة أن الأسد قادم له هو تحديدا وقال لهم ( يا ويلي هو والله آكلي كما دعا محمد عليً ) وبالأخير وبهدوء انقض وتناول عتيبة من رقبته ، وترك باقي المجموعة .

وبعد إيذاء محمد ( ) عدة مرات ، بدأوا في مساومته بعرض المال والملك عليه ولكنه رفض تماما

وكانت كل المؤشرات تشير إلى أن محمدا ( ) قد يغتال في أي مساء ، لذا تعاقد العم الذي يوفر الحماية لمحمد مع أفراد العائلة التي تمثل بيتا من بيوت القبيلة ليحموا ابنهم ، كان الإتفاق يشمل التيارين داخل العائلة من المسلمين والوثنيين ، وأساسه حماية القريب بصرف النظر عما يؤمن به ويدعو إليه ، ولم تسكت القبيلة التي عرفت بتعاهد عائلة محمد ( ) علي حمايته ، بل سجل رجالها وثيقة مقاطعة تامة ضد العائلة استمرت لمدة ثلاث سنوات جوعوا فيها هذا الفرع جوعا شديدا ، كان محمد هناك ، وكانت هناك خديجة الثرية أيضا مع زوجها

وبعد ثلاث سنوات شعر البعض بالشفقة علي حال هذا الفرع من القبيلة الذي يكاد يموت جوعا ، وبعد شد وجذب تم نقض الوثيقة .
وفي السنة العاشرة من دعوته مات عمه أبو طالب وبعده بقليل ماتت زوجته خديجة فيما سمى هذا العام بعام الحزن حيث فقد فيه من يبثها همومه ومن يوفر له الحماية .

محمد بن سعد
September 6th, 2008, 01:30
أخي الأستاذ محمود توفيق يحفظكم الله

ما شاءالله تبارك الله
عطاء موفق بإذن الله

بنت مريم في الضوءالخافت

وأتحمل هذا الجهد النفسي الذي أتوقعه

أود أن أهديكم محتوى هذا الرابط : تيار الوعي في القصة السعودية القصيرة - من تأليف د. صالح بن غرم الله بن زيَّاد، جامعة الملك خالد بأبها (http://www.doraksa.com/vb/attachment.php?attachmentid=54&stc=1&d=1220652592)
-
يقول ملخص بحثه:
تتناول هذه الدراسة ( تيار الوعي ) بوصفه تكنيكاً في القصة يؤكد على إبراز بنية اللغة السردية وتشكيلها تشكيلاً يقصد إلى الموضوعية من خلال تقديم العالم كما تراه شخصيات القصة للدلالة على محتواها الذهني والنفسي وهو في طور انسيابه وفيضانه وتشتته ومن خلال أعماقه التي لا يحدها منطق.

وقد قامت الدراسة على جانب نظري يحكي المفهوم الاصطلاحي لـتيار الوعي ويرصد تكوينه الفني وتفاعلاته في السياق الأدبي والمعرفي والتاريخي العالمي، وعلى جانب عملي تطبيقي يحاول أن يقرأه في القصة السعودية القصيرة من حيث هو ممكن إبداعي لا يقف بوظيفة اللغة، أدبياً، عند صفة الوسيلة المباشرة لخدمة الواقع وتصويره والتعبير عنه، بما ينزع عنها خاصية الأدبية ويكرس عمليتها ونفعيتها.
-
ونقول نحن بأن مسألة القصة القصيرة في السعودية تمر بتحديات عديدة رغم إحتضان منتديات الإنترنت لها، ومع هذا قد نخالف الدكتور صالح بن زيَّاد فيما يراه من التحول إلى مستوى متطور من التقنيات، والتي قال عنها: فارقت بها القـصة السعودية طرق السرد التقليدي.

الإختلاف ،، فقط في قلة قراء العربية مالم تستحوذ القصة القصيرة على دور الممثل والمخرج ولحلقات القصصية القصيرة !!

ربما قد نسند القول بالتجربتين المصرية والكويتية التي يكتمل فيهما أكثر عوامل النضج، هذا مجرد رأي شخصي من جانب شخص مثلي غير متخصص في أدب القصة القصيرة.

هذا وبدون مجالمة ،، بدأت قراءة حلقات قصصكم ،، ومازلت اتمتع بإعادة قراءتها مثتنى وثلاث ،، شاكرا لكم حسن النصيحة.

تحياتي لكم

محمود توفيق
September 6th, 2008, 05:57
الحلقة السادسه


بدأ بصيص من الأمل الذي ينقب محمد ( ) في جدر الواقع ليرى نوره ، إذ بايعه بعض الناس من المدينة واسلموا ، وهي تعني أنه أصبح للإسلام ارض أخرى بديلة تستعد لاستقباله بدلا عن الأرض التي وُلد فيها ، بمقتضاها سيهاجر محمد ( ) وقتما يريد إلى المدينة وعليهم توفير حماية له والدفاع عنه ضد أي قوة تفكر في تصيده ، ويبدو الأمر غريبا جدا لأول وهلة إذ كيف توفر للغرباء هذا القدر من الإهتمام بهذه الدعوة بينما الأهل الذين عرفوا محمدا وكبر بينهم كانوا في اغلبهم معاندين لها اشد العناد ، وأول ما يمكن أن يقال هو أن مكة كان لديها شيء لتخسره ، بينما كانت المدينة قد خسرت الكثير في حروب داخلية قبل ظهور دعوة محمد ( ) ولعله يستطيع أن يعيد الوئام ، ولعل الأمر مرتبط بكلمة المسيح ( لا كرامة لنبي في وطنه ) (1)، لكن كان هناك سبب آخر يتعلق بكون أهل المدينة مهيئين لاستقبال دعوة جديدة مما سمعوه من اليهود بقرب ظهور نبي سيخرج من مكة ، وهي قبل كل شيء إرادة الله .

إذن بدأ المسلمون يتسللون إلى المدينة ، ولم يتبق في مكة إلا القليل من المسلمين ، لم يكن ما حدث باعثا لسرور أهل مكة علي أساس أنهم تخلصوا من ضجيج الدعوة الجديدة ، كانت هناك حسابات ، فالمدينة ستصطبغ بصبغة إسلامية ، وستتحول إلى بلدة معادية بدينها الجديد لمكة وقريش ، وهي ( المدينة ) محطة علي طريق قوافل مكة المتجهة من والي الشام .

عقد رؤساء القبيلة اجتماعا في دار الإجتماعات لاتخاذ قرار نهائي ، فخروج محمد ( ) إلى المدينة سيكون له قوة التحام قائد الثوار بمجموعته ، واتخذوا قرارا باغتياله علي أيدي رجال من فروع عدة من القبيلة حتى ترضى عائلته بالدية ، لأنها لن تستطيع أن تعادي كل الفروع التي ستشرك في اغتياله ممثلة برجل واحد منها ، وجاء جبريل لمحمد ( ) ( لا تبت في فراشك ) ، وتحرك محمد ومعه صاحبه أبو بكر إلى المدينة ، إذن فشلت خطة الإغتيال

بعد احد عشر يوما من تحرك محمد وصاحبه - وقد كان المسلمون يخرجون ينظرون للطريق منتظرين قدومه بلهفة – إذا بيهودي من سكان المدينة يصيح من علي برج له ( يا معشر العرب ، هذا جدكم الذي تنتظرون )

وارتجت المدينة فرحا ، وكان يوم قدومه أعظم كثيرا من أي يوم مر على سكان المدينة ، ابتسامات علي الوجوه ودموع فرحة وأناشيد ، ونسوة علي الأسطح يتزاحمن لرؤيته ، أنه نبي ! ، مؤكد أن فكرة وجود نبي يمشي بين الناس شيء مدهش ومثير للبكاء ،

هذه أشياء قد يشعر بها الناس باستثناء من ترعرع بينهم ، مثلما حدث مع المسيح حينما قال مواطنيه طبقا لمتى (أليس هذا ابن النجار.أليست أمه تدعى مريم و إخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا) (2). وقد بدأ التقويم الهجري من يوم خروج محمد من مكة .
اسس علي الفور محمد مجتمعا جديدا في المدينة وآخي بين المهاجرين المكيين والأنصار أهل المدينة ، وعمل ميثاق بين طوائف المدينة ومنهم اليهود ليحقق الوئام والسلم الإجتماعي .
بدأت قريش تهدد هذا المجتمع وتتوعده بحرب مبيدة في بلده ، وأرسلت رسائل محذرة من إيواء المسلمين .

وقعت سلسلة من المعارك بين المسلمين والوثنيين ، أهمها بدأت في السنة الثانية للهجرة واسمها بدر ، وانتصر فيها المسلمون علي قلة عددهم وعتادهم نسبيا (1: 3) ، ثم غزوة احد في السنة الثالثة التي كان شوطها الأول لصالح المسلمين أيضا ، إلا أن البعض قد خالف أوامر القائد ( محمد ) ( ) فانقلبت نتيجة المعركة لصالح الوثنيين ، وتخلصوا من إحساسهم بمهانة الهزيمة الأولي التي طاحت فيها رؤوس أكابر منهم ، في السنة الخامسة للهجرة والثامنة عشر من بدء دعوة محمد( ) نشطت قريش ومكة كلها في دعوة القبائل العربية لعمل خرب خاطفة علي عقر دار المسلمين ، ولم يكن هناك مانع لدى القبائل البدوية ، فيبدو لهم العرض وكأنهم دعوا إلى وليمة سيستفيدون منها الغنائم ، وتجمع جيش ضخم قوامه 10000 رجل ، وقدموا إلى المدينة لينهوا الأمر الذي يؤرقهم منذ سنوات طوال بهجمة قوية ، ووجدوا مفاجأة في انتظارهم ، فقد نفذ المسلمون تكتيكا دفاعيا غريبا علي العرب ، حفروا خندقا حول المدينة ، وفي هذه الأجواء العصبية نقضت قبيلة يهودية اتفاقها مع محمد ومالت لصالح الوثنيين ، كان الوضع حرجا جدا و أصيب المسلمين بإحباط ، لم تحدث إلا مناوشات قليلة بسبب الخندق الذي يمنع مرور هذا الجيش الكبير ، ومرت الأيام بلا جديد ، ودبت الخلافات في صفوف الوثنيين ، وهبت رياح عاصفة علي هذا الجيش الذي يخيم أمام المدينة ، وكان الجو شديد البرودة ، كانت الريح مربكة جدا في معسكر الوثنيين ، تقلب كل شيء بما فيها قدور الطعام وتخلع الخيام ، والعدد ضخم يحتاج لتموين ضخم أيضا ، وكل يوم يمر هو كلفة في كل شيء ، ارتبك الناس وتململوا ، فوضى وبرودة وعدم تجانس بين كتائب الجيش وطعام يقل يوما بعد يوم ، ارتحلوا بليل ، في الصباح كان المنظر بديعا في أعين المسلمين فالخطر زال ،

كانت المشكلة بالنسبة للوثنيين أنهم وصلوا إلى سقف التعبئة و الإحتشاد وليس في مقدورهم عمل تحسين آخر في المستقبل ، بالنسبة لمحمد ( ) فقد مرت اخطر اللحظات بسلام ، والدين ينمو ويزداد أتباعه ، لقد شعر محمد بأن هذه النهاية العجيبة للحرب تعلن بشكل أو بآخر أن الزمن في صالح الإسلام ، وان الوثنية ستبدأ في فقدان رفضها الصارخ للأمر الواقع ، كانت المشكلة أنه ليس لديهم أخطاء ليتعلموا منها حتى ينتصروا المرُة القادمة ويحققون أمنيتهم الغالية باستئصال هذا الدين وهذه أكبر مشكلة تتعلق بالخطط المستقبلية

وقال محمد ( الآن نغزوهم ولا يغزونا ) ..
في السنة السادسة للهجرة قرر محمد( ) والمسلمون الذهاب لعمل عمرة ( زيارة المسجد الحرام ) ، بدون أن يناوش أهل مكة ، وأصروا المكيون علي الرفض ، حتى لا يعيروا بها بين العرب ، وتم عقد صلح الحديبية الذي يوقف الحرب بين الطرفين لمدة عشر سنوات ، ويعود المسلمون في عام الإتفاق إلى مدينتهم ، وتؤجل زيارة المسجد إلى العام القادم . ولم يسترح محمد( ) ، بدأ في إرسال رسائل للملوك والأمراء .ملك الحبشة وملك مصر وملك فارس وملك الروم وغيرهم .

في السنة السابعة وحسب المتفق عليه ذهب محمد للعمرة مع المسلمين وزاروا البيت الذي حُرموا من رؤيته منذ سبع سنوات ، وكان الوثنيون علي الجبل بعيدا حيث تم الإتفاق علي عملية إخلاء أمنية لمنع الإحتكاك وينظرون بغيظ تجاه المسلمين .
في السنة الثامنة للهجرة حدث خرق لصلح الحديبية الذي تم إبرامه ، الخرق كان من جانب قريش وحلفائهم ضد حلفاء محمد ( خزاعة ) الذين يعيشون في مكة ، فجمع محمد جيشا قوامه 10000 رجل واتجه لمكة وفتحها بدون إراقة دماء وحطًم الأصنام التي حول الكعبة .

بدأت الوفود من القبائل العربية تتتالي علي المدينة وتعلن إسلامها ، لقد كان الإنتصار علي أهل مكة وتحطيم الأصنام حول الكعبة لهو الدليل الذي جعل العرب تؤمن بأنه نبي حقا ، وقد كانت معظم العرب في حيرة بين التقليد وما سمعوه من فضائل الدين الجديد واختاروا أن يشاهدوا الصراع حتى نهايته ، ولما عاد محمد( ) فاتحا بعد خروجه من مكة متسللا وذلك بعد ثماني سنوات آمن الناس بأنه مؤيد من الله .

وتغيرت الجزيرة العربية ، تغيرت القيم وأعاد الدين الجديد هندسة المجتمع ، وزاد إحساس العرب بالألفة بينهم وتطورت مفاهيمهم عن المجد والنجاح والبطولة والتضحية والنظام والرشد .

وفي السنة العاشرة من الهجرة أعلن محمد ( ) نيته في الحج حتى يرافقه من يريد أن يهتدي بهديه في تأدية المناسك بعد إزالة العادات الوثنية التي ارتبطت بها ، جاء الكثير من الناس إلى المدينة ليحجوا مع الرسول وقد خطبهم في الحجة خطبة منها ( أيها الناس، اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا.. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ) ، لقد الغي استحقاق ثأر لعائلته ، وكذا استحقاق ربا لعمه العباس .

ونظر للجمع الغفير حوله وقال لهم ((وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد)) ثلاث مرات.

ونزلت عليه في هذه الحجة آخر آية نزلت في القرآن (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) وكانت إيذانا برحيله عن الحياة
كان حاضرو هذه الحجة وهذه الخطبة حوالي مائة وأربعين ألف مسلما ! .
د
بعد مرور اقل من ثلاثة شهور علي هذه الحجة كان محمد ( ) قد مات ، بعد رحلة كفاح استمرت 23 سنة
في حجرة في بيته متواضعة منخفضة السقف رغم أنه كان يحكم الجزيرة ، وبعد سنوات قليلة فتح أتباعه مصر والشام وفارس واليمن والعراق ، وبعد عقود قليلة كونوا أقوى وأزهى دولة في العالم .

________________________________________
(1) متى 13 : 57 (2) متى 13 : 55

نجم سهيل
September 7th, 2008, 02:28
الحلقة السابعه

( بنكليق من الأستاذ / محمود توفيق الذي أرسل إلي النص لوضعه في توقيته المعتاد)

رسالة محمد ( صلى الله عليه وسلم )


لماذا ظهر محمد( ) ؟ أو بالأدق ما هو الذي خرج به محمد وتحمل لأجله العداوات وقبل المخاطرة برقبته وعاش من أجله آخر 23 سنة من عمره ؟

نستطيع أن نقول بطمأنينة أن محور دعوة محمد( ) هو التوحيد ونفي الإلوهية عن غير الله ، وهي أصل الإيمانات التي نادى بها ، ثم الإيمان بالملائكة والكتب السماوية السابقة والرسل السابقين واليوم الآخر

واركان الإسلام هي الشهادة بوحدانية الله وبرسالة محمد ، والصلوات الخمس ، والصيام لمدة شهر في العام ، وتقديم الزكاة للمستحقين لها ، والحج الي مكة .
والأخلاق التي نادى بها هي بر الوالدين ومجاهدة النفس ، والصدق والتعامل بأمانة مع الآخرين ، والإهتمام بأمر الجار ، وصلة الأرحام ، وإكرام الضيف ، ومساعدة المحتاجين ، والتعاون في مجال الأعمال الخيِّرة، والتواضع بين الناس ، ومقاومة الظلم بجميع أشكاله ، وعدم إشاعة الفتنة بين الناس ، وعدم تتبع خصوصيات الآخرين وحسن معاملة النساء ، وتوقير الكبار ، والعطف على الصغار ، والإحسان للحيوانات ، وتحرير العبيد ، وعدم الغش في الأنشطة التجارية ، والوفاء بالوعود ، والإلتزام بالمواثيق ، والبعد عن السباب والمعاداة ، وحض على التعلم ، وحرم كتمان العلم .

ونهى عقوق الوالدين والسحر والقتل والكذب وخيانة الأمانة والعهود والإساءة للجار ، وقطع الأرحام والشح والتعاون على اٌلإثم ، والكِبر ، والفحش ، والزنا ، والغيبة ، وأكل مال اليتيم ، والإستقواء على الضعفاء .

والقرآن وكذلك أحاديث الرسول تقدم تحذيرا قويا من الشيطان وإغوائه للبشر ، كما أن المسلمين قبل قراءة القرآن يقولون ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) ، وبحسية بسيطة نجد أن المسلمين يستعيذون من الشيطان ويلعنونه مئات الملايين من المرات يوميا ..هذا ما يبدو محاولة لمثلي في الإلمام بأوامر ونواهي الإسلام ، أي أن ما وجدنه وكتبت عنه لم يحتاج لمجهود خارق للبحث عنه وتجميعه ولا يمثل جردة شاملة ، بل هو ما سيظهر لكل دارس موضوعي بلا مجهود كبير . محمد( ) جاء -بعد التوحيد- للدعوة لمكارم الأخلاق وللنهى عن الأخلاق السيئة ، وقد أدت تعاليمه لخلق مناخ اجتماعي مغاير في الجزيرة العربية .
ورغم أن مقاربتي الحالية حول طبيعة الرسالة وليس دراسة مصدرها التي ستأتي لاحقا ، إلا أن المنهجية لاتمنع من تناول ما قد يقابلني بعجالة .

إذن وبعجالة وبالأخذ بالإعتبار طبيعة الأوامر والنواهي الإسلامية الخيرية ، وكذلك ملاعنة المسلمين الدءوبة والثابتة للشيطان ، ووضع هذه الأمور في جانب ، وبالأخذ في الإعتبار أيضا ولكن على الجانب المقابل تلك التهمة التي وُجهت لمحمد( ) بأنه الشيطان أو ابن الشيطان ، ومن أشهر من جاءوا بها هو( مارتن لوثر)الذي قال في مقالة له ( إن محمد هو الشيطان وهو أول أبناء إبليس ) ، وقد نسج البعض بعده على نفس المنوال ، وطوُر البعض الفكرة إلى أن محمدا ( ) هو المسيخ الدجال نفسه ، وقد عرفه جورج بوش الجد كرجل الفتنة والضلالة سلطه الله لتأديب المسيحية العاصية ،
بوضع كل التهم على مائدة واحدة مع الشواهد والسيرة والنصوص أجد صعوبة بالغة في تصديق أن إبليس كان في مكة يتابع بحبور هدم محمد( ) للأوثان من على قمة صخرية. الم يُتهم المسيح بانه يخرج الشياطين ببلعزبول رئيس الشياطين ؟ الا نذكر رده ؟

(فعلم يسوع أفكارهم و قال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب و كل مدينة او بيت منقسم على ذاته لا يثبت . فان كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته ) (1) ، إن أصحاب هذا التفكير هم ورثة لفكر الفريسيين الذين اتهموا المسيح من قبل .
الشيطان يحض علي هدم الأصنام ،ويحفٍز لدعوة للتوحيد ولمكارم الأخلاق ، ويدعو للتعوذ منه ولعنه ؟!
كم كان هذا الشيطان ( ما بعد حداثي ) ؟!
________________________________________
(1) متى 12 : 25-26

محمود توفيق
September 8th, 2008, 03:25
الحلقة الثامنه

لماذا كره البعض محمدا( صلى الله عليه وسلم ) ؟

لعلي أشير صراحة إلى أن من أول المشاكل التي تحكم تقييماتنا للرسول محمد( ) ورسالته هي مشكلة لا تتعلق بعملية الدراسة والتحليل والإستنتاج ، ولا تتعلق أيضا بتوفر كم معين من المعلومات عنه وعن تعاليمه التي تمثِّل مدخلات لعملية التقييم ، الأمر قبل ذلك ، إنها ليست مشكلة معرفية تماما ، بل تبدو أحيانا وكأنها ظاهرة أنثربولوجية ، ويمكن تحليل ذلك ببساطة ، بأن مشكلتنا تنبع من التوقيت الذي ظهر فيه محمد( ) ، لو كانت سيرته تحمل تاريخين هكذا ( ... - ... ) ق .م لكان الأمر أفضل كثيرا ، لو ظهر محمد قبل المسيح بقرن أو أكثر ما كانت هناك مشكلة ، و لربما تفهمنا ظهوره كأي نبي كأنبياء العهد القديم ، ويا حبذا لو أكد المسيح أن هذا الرجل قد كان نبيا حقا ظهر بين العرب ، لم يكن الأمر ليحتاج أن نعرف عنه أكثر من اسمه لنعتقد انه نبي حقا ، مثل إيماننا ببعض الأنبياء القدامى دون أن نعرف عنهم إلا القليل، وبما أن محمدا( )جاء بعد المسيح فلا يجب توقع أفضل من ذلك ، رغم أننا ندري أن احد أهم المعوقات التي واجهت المسيح هي ببساطة أنه جاء بعد موسى في شعب موسى .

إن هذا الرفض هو ما كان سيحدث ليوحنا المعمدان بشحمه ولحمه ودعوته لو تأخر قليلا وظهر بعد المسيح ، نعم ، نفس هذا النبي المعمدان الذي نجله كنا سنتناوله بالطريقة التي نتناول بها محمد لو لم يدعو إلا بعد غياب المسيح .

وبسبب هذا يوجد من يقوم ب ( تفلية ) سيرة محمد( ) للبحث عن أخطاء ، ولم يكن هذا إلا رفضا مبدئيا وسابقا لعملية البحث لأي رسالة ستأتي بعد المسيح ، هناك تفسير إيماني لأي رسالة لاحقة للمسيح باعتبارها عمل عدواني ، هذا هو الأمر في اعتقادي ، رغم أنه ولا يمكن تفسير السبق في المجيء باعتباره عبقرية شخصية ، ولا تفسير اللحاق باعتباره تقصيرا .

والبعض يقول لو لم يأت هذا الرجل لاعتنقت تلك الشعوب المسيحية ، وهذا احتمال وارد ، لكن التفكير بطريقة ( لو ) سيهدر الكثير من الوقت ، رغم أنها في جانب منها لعبة ذهنية مثيرة ، يمكن تنويع أطروحاتها ، ما هي دياناتنا لو لم يأت المسيح ؟ كيف كانت ستكون الملامح الأساسية للعقيدة المسيحية لو آمن اليهود بالمسيح ( مسيحية بدون خلاص وصليب واستحالة للخمر والخبز ) ؟ ، كيف كانت ستكون اليهودية لو آمن فرعون وشعبه برسالة موسى ؟ هل كان موسى سيرفض قبولهم حتى يظل الوعد محصورا في بني إبراهيم ؟

أنا شخصيا وحتى أجعل الأمر اقل احتقانا اطرح ( لو) أخرى بسيطة غير قائمة على النفي ، ماذا لو كان النبي محمد والمسيح متعاصرين ؟ وسمع المسيح من احد الحواريين : يا معلم ، لقد حطّم محمد( ) الأصنام في بلاد العرب وهاهم العرب تحولوا عن الوثنية للتوحيد ، وأوقف حمامات الدم بين القبائل ، أقول – وبتحييد للإيمان الإسلامي وبحصر الكلام في مضمون ما فعل محمد بدون كلام عن هوية محمد( ) - ماذا ستكون ردة فعل المسيح ؟ هل سيخبط جبهته بباطن يده منزعجا ؟! .. السؤال لا يمثل تحديا للخيال الشخصي والقدرة على استنطاق المسيح فحسب ، ولكن يمثل أيضا تحديا لضيق الأفق .

على أية حال لا تمثل النظرة الغرب-مسيحية للنبي محمد وللإسلام شكلا غريزيا ثابتا كما يوضح مكسيم رودنسون ، ففي القرون الأولى لظهور الإسلام كان هناك تجاهل غربي مسيحي من دلائله شيوع لفظ Saracens لتوصيف العربي المسلم حتى القرن الحادي عشر ، وتبعت ذلك الحملات الصليبية ومحاولة نشر المسيحية في بلاد الإسلام ، وسادت في العصور الوسطى المسيحية وفي عصر النهضة أيضا نظرة معتدلة للمسلمين باعتبارهم أندادا مساوين إن لم يكونوا متفوقين علميا وثقافيا ، وكان فولتير في القرن الثامن عشر يعتبر محمدا( ) شخصية تقدمية ومثلا روحانيا أعلى ، وبعد مرور قرن وبتغلغل الغرب في العالم العربي الإسلامي راح الإحساس بالمساواة والإحترام (1) .
لكن يمكنني أنا أن أقول أن النهر العام الذي حكم التصورات والأحكام الشهيرة كان منبعه هذه النظرة للدين الجديد باعتباره خيانة وانشقاق – رغم أن محمدا( ) لم يكن كاردينالا – هذه النظرة والنهر العام من الأحكام كانا هما الأصل منذ عهد يوحنا الدمشقي وحتى العصر الحالي . وبينما سمحت الروحية العقلانية التي سادت في الغرب لدى مفكرين وعلماء غير متعصبين على ظهور كتابات موضوعية عن الإسلام ورسوله ، بحيث بدا هذا الإتجاه كسباحة عنيدة ضد التيار في النهر تسمح به الثقافة الحديثة التي لا تأبه للمسلمات ، إلا أن النظرة لشخصية محمد( ) ظلت واقعة تحت تأثير أمور جديدة رفدت النهر الذي بدأت قوة اندفاعه تضعف كنتيجة طبيعية لضعف تأثير الدين مقارنة بالشعور الديني القروسطي فمدًته بمصادر قوة جديدة ، منها تأثير الإنطباعات الإستعلائية الناتجة عن تفوق الغرب وسيطرته علي الشعوب العربية والإسلامية بدءا من القرن التاسع عشر وحالة الإنحطاط الحضاري الشديدة التي ألمًت بهذه الشعوب ، ومن ناحية أخرى أحداث هامة ومؤثرة كأزمة النفط ، وثورة الخميني ، واحتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية ، وفتوى إهدار دم ( سلمان رشدي ) وتجاذبات الصراع العربي الإسرائيلي ، والعمليات الإرهابية ، كل هذه الأشياء جعلت الأصل في التعامل مع شخصية النبي محمد هو الإتهام والتشويه والكراهية والإستهزاء ، إلا أن هناك تيارا مستقلا ومتفتحا وغير خاضع للمناخ العام استطاع أن يكتب عن النبي محمد( ) والدين الإسلامي بوازع من ضميره الشخصي فقط وتحت تأثير ضعيف أو منعدم للأنثروبولجيا، ولم يكن هذا التيار خاصا بالغرب وحده ، وإن كانت الأصوات الغربية أكثر لفتا للإنتباه ، لأنها أصوات غربية يسمع لها العالم كله من ناحية ومن ناحية أخرى فهي جاءت من الغرب الذي يعيش حالة خوف مستمر وابدي من الإسلام تغذيه السياسة وكتابات متعصبة ومواد استهلاكية إعلامية شديدة الإختزال تداعب غرائز الجماهير
وقراءة تقييماتهم وتقييمات بعض المسيحيين الشرقيين لها اعتبار عالٍ عندي ، باعتبارها تأكيدات لما أتلمسه .
________________________________________
(1) مكسيم رودنسون جاذبية الإسلام

محمود توفيق
September 9th, 2008, 03:20
الحلقة التاسعه

تواقيع
عن النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم )

(( أواخر جميع الأنبياء كان يعتقد المسلمون هو محمد ( ) الذي ولد في مكة لعشر ليال مضت من ابريل سنة 570 للميلاد ، وكانت عائلته شرف عائلة في قريش ، وهى إحدى القبائل الشهيرة في بلاد العرب ، وصاحب النسب المرتقي إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وقد كان جده متولياً سدانة الكعبة ، وكانت دار حكومتهم ، معبد ديانة العرب الوثنية ، وتوفي والده عبد الله قبل ولادته ، و توفيت أمه وهو ابن ستة أعوام ، وكان على أعظم ما يكون من كرم الطباع وشريف الأخلاق ، ومنتهى الحياء ، وشدة الإحساس ، وقد كفله جده وهو ابن ست سنوات وأثناء كفالته بدأت تظهر من محمد( ) علامات الذكاء ورجاحة العقل ، ومر بصبيان يلعبون فدعوه للعب معهم ، فأجابهم أن الإنسان خلق للأعمال الجليلة ، والمقاصد الشريفة ، لا للأعمال السافلة والأمور الباطلة ، وكان على خلق عظيم ، وشيم مرضية ، شفوقاً على الأطفال ، مطبوعاً على الإحسان ، غير متشدق في نفسه ، و لا صلف في معاملته مع الناس ، وكان حائزاً قوة إدراك عجيبة ، وذكاء مفرط ، وعواطف رقيقة شريفة ))
(1) القس الفرنسي لوازون

(( شب محمد ( ) حتى بلغ ، فكان أعظم الناس مروءة وحلماً وأمانة ، وأحسنهم جواباً، وأصدقهم حديثاً ، وأبعدهم عن الفحش حتى عرف في قومه بالأمين ، وبلغت أمانته وأخلاقه المرضية خديجة بنت خويلد القرشية ، وكانت ذات مال ، فعرضت عليه خروجه إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسر ، فحرج وربح كثيراً ، وعاد إلى مكة واخبرها ميسرة بكراماته ، فعرضت نفسها عليه وهي أيم ، ولها أربعون سنة ، فأصدقها عشرين بكرة، وتزوجها وله خمسة وعشرون سنة ، ثم بقيت معه حتى ماتت )) (2)

المستشرق البلجيكيالفريدالفانز


( أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة ) ( 3)

المهاتما غاندي

( إن محمداً ( ) كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينين ، ويصدق عليه أيضاً بأنه مصلحاً قديراً وبليغاً وفصيحاً وجريئاً مغواراً ومفكراً عظيماً ، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينفي هذه الصفات ، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء) (4) زويمر


( إننا لم ننصف محمداً ( ) إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا. فلقد خاض محمد ( ) معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصراً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ ) (5)

سنرستن الآسوجي

( لقد صبر النبي( )وتجلد حتى نال النصر (من الله). كان طموح النبي موجهًا بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث). لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة). (6) &
هذا هو محمد الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد ( )
بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد( ) ؟ ) (7)


لامارتين


( إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا وقائدا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه. فافتراض أن محمدًا ( ) مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها. بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد ) (8)
مونتجومري وات

(من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم. هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفيًا لها طيلة ستة وعشرين عامًا ثم عندما بلغ الخمسين من عمره ـ السن التي تخبو فيها شهوات الجسد ـ تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟! ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص. فلو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سببًا إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية ) (9)

آن بيزيت

( عرف محمد( ) بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد( ) أزكى وأدين وأرحم عرب عصره، وأشدهم حفاظاً على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم ) (10)


إدوار مونته

(كانت تصرفات الرسول في أعقاب فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر؛ فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو) ويقول ( برغم انتصارات الرسول العسكرية لم تثر هذه الانتصارات كبرياءه أو غروره، فقد كان يحارب من أجل الإسلام لا من أجل مصلحة شخصية، وحتى في أوج مجده حافظ الرسول على بساطته وتواضعه، فكان يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا في الترحيب به وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة، فإنها كانت دولة الإسلام، وقد حكم فيها بالعدل، ولم يفكر أن يجعل الحكم فيها وراثيًا لأسرته) (11)


واشنطون ايرفنج

(إن محمداً ( ) نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه ، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمداً ( ) أسمى من أن ينتهي إليه الواصف ، ولا يعرفه من جهله ، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم ) (12)


السير موير

( لا يمكن أن ننكر على محمد ( ) في الدور الأول من حياته كمال إيمانه وإخلاص صدقه، فأما الإيمان فلن يتزعزع مثقال ذرة من قلبه في الدور الثاني ـ الدور المدني ـ وما أُوتيه من نصر كان من شأنه أن يقويه على الإيمان لولا أن الاعتقاد كله قد بلغ منه مبلغًا لا محل للزيادة فيه، وما كان يميل إلى الزخارف ولم يكن شحيحًا، وكان قنوعًا خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته، تجرد من الطمع وتمكن من نوال المقام الأعلى في بلاد العرب ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيرًا ولا حشما، وقد احتقر المال..) (13)

هنري دي فاستري

( منذ استقر النبي محمد ( ) في المدينة، غدت حياته جزءًا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها. ولما كان منظمًا شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحي للإسلام. وكما يظهر التاريخ الرسول قائدًا عظيم ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحًا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرًا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابدّ أن يكون محمد ( ) الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق مستوى البشر حقًا، وأنه لابد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله ) (14) &
(... ما أكثر ما عرض محمد ( ) حياته للخطر انتصارًا لدعوته في عهده الأول بمكة، وهو لم ينفك عن القتال في واقعة أحد حتى بعد أن جرح جبينه وخده وسقطت ثنيتاه، وهو قد أوجب النصر بصوته ومثاله في معركة حنين، ومن الحق أن عرف العالم كيف يحيي قوة إرادته ومتانة خلقه وبساطته، ومن يجهل أنه لم يعدل ـ إلى آخر عمره ـ عما يفرضه فقر البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض. وكان حليمًا معتدلاً، وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه، وكان يستقبل بلطف ورفق جميع من يودّون سؤاله، فيسحر كلماؤه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلاً فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له. ودلّ على أنه سياسي محنّك...) (15)

مارسيل بوازار



( هل رأيتم قط أن رجلاً كاذبًا يستطيع أن يوجد دينًا عجبًا، إنه لا يقدر أن يبني بيتًا من الطوب! فهو إذًا لم يكن عليمًا بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، وليس جديرًا أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن. وإني لأعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلبته.. كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقًا.. ومحنة أن ينخدع الناس شعوبًا وأممًا بهذه الأضاليل ) (16) &
( لوحظ على محمد ( ) منذ صباه، أنه كان شابًا مفكرًا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين ـ رجل الصدق والوفاء ـ؛ الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة. وإني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ. وقد رأيناه طول حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهم كريمًا برًّا رءوفًا تقيًا فاضلاً حرًا، رجلاً شديد الجدّ مخلصًا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ البشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق. وكان ذكي اللب، شهم الفؤاد، عظيمًا بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غني عن ذلك، فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء) (17)

توماس كارلايل




(إن الشخصية التي حملها محمد ( ) بين برديه كانت خارقة للعادة، وكانت ذات أثر عظيم جدًا حتى إنها طبعت شريعته بطابع قوي جعل لها روح الإبداع وأعطاها صفة الشيء الجديد..) (18)

اينين دينيه

( إن محمدًا ( ) قد بشر بمذهبه للمرة الأولى بحماس لم يفتر ولم تعوزه المثابرة، وبعقيدة ثابتة بأن هذا المذهب يحقق صالح الجماعة الخاصة، وقد كان في ذلك كله مظهرًا لإنكار الذات برغم سخرية الجمهور) (19)
جولدتسيهر

(إن محمدا ً ( ) أتم طفولته في الهدوء، ولما بلغ سن الشباب اشتهر باسم الشاب الذكي الوديع المحمود، وقد عاش هادئاً في سلام حتى بلغ الأربعين من عمره، وكان بشوشا نقياً لطيف المعاشرة،) (20) &
(إن محمداً ( )كان هو النبي والملهم والمؤسس، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العليا التي كان عليها، ومع ذلك فإنه لم ينظر إلى نفسه كرجل من عنصر آخر، أو طبقة أخرى غير طبقات بقية المسلمين. إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه (محمد) بين أعضاء الجمعية الإسلامية، كان يطبق تطبيقاً عملياً، حتى على النبي نفسه) (21)

كارادي فو

( إن محمداً( ) رسول الإسلام ولد في حضن الوثنية، ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة انزعاجاً عظيماً من الرذيلة وحباً حاداً للفضيلة، وإخلاصاً ونية حسنة غير عاديين، إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم (الأمين).) (22)

جارسان دي تاسي

( هل تراك علمت قط أن رجلاً على غير كريم السجايا مستطيع أن يتخذك صديقًا؟ ذلك أن من عرفوا محمدًا ( ) أكثر من غيرهم، كانوا أشد الناس إيمانًا به. وقد آمنت به خديجة كل حياته على أنها ربما كانت زوجة محبة. فأبو بكر شاهد أفضل وهو لم يتردد قط في إخلاصه. كان يؤمن بالنبي،وكذلك علي فإنه خاطر بحياته من أجل النبي في أحلك أيامه سوادًا... ) & ( حج محمد( ) حجة الوداع من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إن أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي، عما في أي جماعة أخرى سبقتها( (23) H. G. Wells


( بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ( ) ليس اقتباسًا بل قد (أوحي إليه به)، ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، والإيمان القلوب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد( ) وأنه قد أوحي إليه ) (24) لايتنر

محمود توفيق
September 10th, 2008, 02:35
الحلقة العاشره


( الحق أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) لم يعرف الراحة ولا السكون بعد أن أوحي إليه في غار حراء، فقضى حياة يعجب الإنسان بها، والحق أن عشرين سنة كفت لإعداد ما يقلب الدنيا، فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد، عما قليل، بلاد العرب وتمتد أغصانها إلى بلاد الهند والمحيط الأطلنطي. وليس لدينا ما نعرف به أن محمدًا أبصر، حين أفاض من جبل عرفات، مستقبل أمته وانتشار دينه، وأنه أحس ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلاد فارس والشام وأفريقية وإسبانية ) (25)

اميل درمنجم

( ما أكثر ما عرض محمد( ) حياته للخطر انتصارًا لدعوته في عهده الأول بمكة، وهو لم ينفك عن القتال في واقعة أحد حتى بعد أن جرح جبينه وخده وسقطت ثنيتاه.. وهو قد أوجب النصر بصوته ومثاله في معركة حنين، ومن الحق أن عرف العالم كيف يحيي قوة إرادته ومتانة خلقه.. وبساطته، ومن يجهل أنه لم يعدل، إلى آخر عمره، عما يفرضه فقر البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض.. وكان حليمًا معتدلاً، وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه، وكان يستقبل بلطف ورفق جميع من يودّون سؤاله، فيسحر كُلَمَاءَهُ بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلاً فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له.. ودلّ على أنه سياسي محنّك) (26)

لويس سيديو


(كان محمد ( ) رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها، فكان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة) (27)

سانت هيلر

( إن اختياري محمداً ( ) ، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي
فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها) (28)

مايكل هارت


( ماكان محمد ( ) كآحاد الناس في خلاله ومزاياه ، وهو الذي اجتمعت له الاء الرسل ، وهمة البطل ، فكان حقا على المنصف أن يكرم فيه المثل ، ويحيً فيه الرجل ) (29)


الكاتب المسيحي المصري د نظمي لوقا

( كان محمد( ) تقيا بالفطرة ، وكان من غير ريب مهيأ لحمل رسالة الإصلاح التي تلقاها .. وبالإضافة الى طبيعته الروحية ، كان في جوهره رجلا عمليا عرف مواطن الضعف ومواطن القوة في الخلق العربي ، وأدرك أن الإصلاحات الضرورية ينبغي أن تقدم الى البدو الذين لايعرفون انضباطا والى المدنيين الوثنيين ، في آن معا ، على نحو تدريجي . وفي الوقت نفسه كان محمد يملك إيمانا لايلين بفكرة الإله الواحد .. وعزما راسخا على استئصال كل أثر من آثار عبادة الأصنام التي كانت سائدة بين الوثنيين العرب ) (30)

روم لاندو


(أن محمداً ( )ولد في حضن الوثنية ، ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة ، انزعاجاً عظيماً من الرذيلة وحباً حاداً للفضيلة ، وإخلاصاً ونية حسنة غير عاديين إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم الأمين )(31)

كليمان هوار


( لا يبعد أن يكون محمد ( ) يحس بنفسه أنه في طينته أرق من معاصريه ، وأنه يفوقهم جميعاً ذكاء وعبقرية ، وأن الله اختاره لأمر عظيم وقد اتفق المؤرخون على أن محمد بن عبد الله كان ممتازاً بين قومه بأخلاق حميدة ، من صدق الحديث والأمانة والكرم وحسن الشمائل والتواضع حتى سماه أهل بلده الأمين ، وكان من شدة ثقتهم به وبأمانته يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم ، وكان لا يشرب الاشربة المسكرة ، ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً ، وكان يعيش مما يدره عليه عمله من خير ، ذلك أن والده لم يترك له شيئاً يذكر ، ولما تزوج خديجة كان يعمل بأموالها ) (32)

الباحث الأرجنتيني دون بايرون



((كان محمد( ) لما قام بهذه الدعوة شاباً كريما نجداً، ملآن حماسة لكل قضية شريفة ، وكان أرفع جداً من الوسط الذي يعيش فيه ، وقد كان العرب يوم دعاهم إلى الله منغمسين في الوثنية ، وعبادة الحجارة ، فعزم على نقلهم من تلك الوثنية إلى التوحيد الخالص البحت ، وكانوا يهتفون بالفوضى ، وقتال بعضهم بعضاً فأراد أن تؤسس لهم حكومة ديموقراطية موحدة ، وكانت لهم عادات وحشية همجية صرفة ، فأراد أن يلطف أخلاقهم ، ويهذب من خشونتهم )) (33)

رينيه غروسيه




((وقر رأيه أخيراً على ترحيل المسلمين إلى الحبشة ، بينما يبقى هو في مكة ، متحملاً كل الأخطار . ولم يقم أي من الأنبياء السابقين بمثل هذا التصميم)) (34)

المستشرق الرومانى « جيورجيو»

( إن النبي محمداً ( ) من عظام الرجال المصلحين ويكفيه فخراً أن هدى أمة برمتها إلى الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام) (35)

الأديب الروسي تولستوي

( لعل الرسول محمداً ( ) كما كان يلقب نفسه - لم يكن أسمى من مواطنيه - ولكن المؤكد أنه لم يكن يشبهم ، كان صاحب خيال ، في حين أن العرب مجردون عن الخيال ، وكان ذا طبيعة دينية ولم يكن العرب كذلك ، وكان محمد يقبح ما كان عليه قومه من عادات جاهلية كانوا يعكفون عليها، وكان على جانب مثالي من التواضع للناس والإيمان بربه . وهذه من عوامل تقدم رسالته ) (36)


المستشرق الهولندي راينهارت دوزى


( فدونكم محمداً ( ) ، انه رمز للسياسة الدينية الصحيحة ، واصدق من نهج منهاجها المقدس في البشرية كافة ، ولم يكن محمد إلا مثالاً للأمانة المجسمة والصدق البريء وما زال يدأب لحياة أمته ليله نهاره ) (37)

الفيلسوف الإنكليزي هربرت سبنسر

( إذا قدرنا تاريخ الإسلام فنظرنا إليه من نافذة الإنصاف فإنما نقدر صاحبه الذي أسسه ووضع حجره الأساسي ، وهو - محمد ( ) - الذي لا نستطيع أن نقول في حقه إلا أنه رجل عظيم بعقله وعمله وأخلاقه وبلاغته و تدينه ، وسيحمل له المنصفون من النصارى وغيرهم الإخلاص متى عرفوه في المستقبل )

(38)

بوسورث اسمث

( أن في نفس محمد ( ) لشيئاً عجيباً طريفاً رائعاً يحمل الإنسان على الإعجاب والتقدير ، ولعمري إن الرجل وقف وحده يدعو إلى الله ، ويتحمل الأذى في سبيل هذه الدعوة سنوات عديدة ، وأمامه الجموع المشركة ، تعمل جهدها لمعاكسته وقتل فكرته ، إنه إذاً يستحق كل تقدير وتمجيد ) (39)
فولتير

( كان محمد( ) يعلن أنه رسول الله تعالى ، لإصلاح دين إبراهيم المطهر الذي أفسده أبناؤه ، وأقام العبادة القويمة التي أنشأها ذلك النبي ، فسدت على مر الزمن ، وليؤيد وهو - خاتمة الرسل - ما كان الله أنزله على من سلفه من الأنبياء : موسى وداود وأشعيا وعيسى . إذ هذه الجدران العالية ، لدليل على قوة عظيمة لمحمد ، مثال القيادة ورمز السياسة ) (40)

الإيطالي وغسطون كريستا

( هل بالامكان إنكار فضل محمد ( ) نبي العرب الذي قام بإصلاحات غريبة وعظيمة فكانت خالدة لبلاده ، فقد جعل أهلها يعبدون الله ويهجرون عبادة الأصنام (وهو الذي منع واد البنات وحرم شرب الخمر ولعب الميسر) ، وترك لأمته مبدءاً لا يزال ، وعليه يعمل الملايين من الناس) (41)

جون ديفولبوت

(إن محمداً ( ) نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانية ، وإن ظهور محمد للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال ، وإن افتخرت آسية بأبنائها فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم ، إن من الظلم الفادح ، أن نغمط حق محمد الذي جاء من بلاد العرب وإليهم ، وهم على ما علمناه من الحقد البغيض قبل بعثه ، ثم كيف تبدلت أحوالهم الأخلاقية والاجتماعية والدينية بعد إعلانه النبوة ، وبالجملة مهما ازداد المرء إطلاعاً على سيرته ودعوته إلى كل ما يرفع من مستوى الإنسان ، إنه لا يجوز أن ينسب إلى محمد ما ينقصه ، ويدرك أسباب إعجاب الملايين بهذا الرجل ويعلم سبب محبتهم إياه و تعظيمهم له) (42)

المستشرق السويسري
ماكس فان برشم

(( بعد ستمائة سنة من ظهور المسيح ظهر محمد ( ) فأزال كل الأوهام ، وحرم عبادة الأوهام ،وكان يلقبه الناس بالأمين ، لما كان عليه من الصدق والأمانة وهو الذي أرشد أهل الضلال إلى السراط المستقيم )) (43)

المستشرق الإيرلندي هربرت وايل



________________________________________
(1) القس لوازون محاضرة (2) الفريد الفانز علم النفس
(3) المهاتما غاندي في حديث لجريدة يونج انديا (4) زويمر الشرق وعاداته
(5) سنرستن الآسوجي تاريخ حياة محمد (6) & (7) لامارتين تاريخ تركيا
(8) مونتجمري وات محمد في مكة (9) آن بيزنت حباة وتعايم محمد
(10) ادوار مونته العرب (11) واشنطن ايرفنج حياة محمد
(12)السير موير تاريخ محمد (13) هنري دي فاسنري لإسلام خواطر وسوانح
(14) & (15) مارسيل بوازار انسانية الإسلام (16) & (17) توماس كارلايل الأبطال
(18) اينين دينيه آشعة خاصة بنور الإسلام (19) جولد تسيهر العقيدة والشريعة في الإسلام
(20) &(21) كارادي فو المحمدية (22) جارسان دي تاسي الإسلام
(23) هربرت جورج ويلز معالم تاريخ الإنسانية (24) لايتنر دين الإسلام
(25) اميل درمنجم حياة محمد (26) لويس سيديو قصة الحضارة
(27) سانت هيلر الشرقيون وعقائدهم (28) مايكل هارت مائة رجل من التاريخ
(29) نظمي لوقا محمد الرسول والرسالة (30) روم لاندو الإسلام والعرب
(31) كليمان هوار تاريخ العرب (32) دون بايرون اتح لنفسك فرصة
(33) جرسان دي تاسي نفلا عن (هذا هو الإسلام ) (34) رينيه غروسيه مدنيات من الشرق
(35) ليو تولستوي (36) ك جيورجيو نظرة جديدة على سيرة سول الله
(37) راينهارت دوزى مسلمو الأندلس (38) هربرت سبنسر أصول الإجتماع
(39) بوسورث اسمث محمد والإسلام (40) وغسطون كريستا الكياسة الإجتماعية
(41) جون ديفولبوت العجائب (42) ماكس فان برشم العرب في آسيا
(43) هربرت وايل المعلم الكبير

محمود توفيق
September 11th, 2008, 04:26
الحلقة الحادية عشره


الإسلام


الإسلام هو الخضوع لإرادة الله خضوعا كاملا ، بحيث يعيش الإنسان على الأرض كما يريد الله له أن يعيش ، وهي أفضل طريقة للعيش ، لأنها التي اختارها الله ، بل هو خالق لجميع مفرداتها ، وبالتالي هو العليم بما خلق وبكيفية عيشه بطريقة قويمة .

الخضوع لله الذي يأمر به الإسلام يراه البعض – وغالبا أصحاب الخلفية الدينية الضعيفة أو غير الموجودة – نوعا من القهر والمعاناة والسوداوية، والحقيقة غير ذلك ، أو لسنا نستسلم للخبرة في حياتنا ؟ نستسلم للجراحين ولأطباء الأسنان ، لأنهم يعرفون ما هو أفضل لنا ، ونقبل في ذلك تخديرا يفقدنا جزءا من أو كل قدرتنا على التمرد بينما سيفتح الجراح الجسد ، رغم إننا نتراجع فزعين إذا ما روًعنا الأصدقاء بالدبابيس ، إنه استسلام للخبرة ، ونستقل اسطوانة معدنية ترتفع بنا آلاف الأقدام يقودها إنسان مثلنا ، ويفرز جسدنا في هذه الرحلة كمية من الأدرينالين أقل من التي نفرز في لجنة امتحان متوسط الصعوبة ، إنه استلام للخبرة .

وعليه فبما أن الله هو الخالق وهو خبير بعباده وبما يصلح حالهم فالإستسلام له هو الحالة الطبيعية الراشدة التي توفر التوفيق والسلام الداخلي للإنسان ، وهذا الإسلام لله يوفر سلاما بين أفراد المجتمع إذا ما توافقوا على الخضوع لله ، وبذا تكون التحية بينهم هي السلام عليكم أي سلام من الله عليكم ، ويكونون جديرين بدخول الجنة والتي اسمها دار السلام ، إذن الإسلام هو إيمان نقي بالله يستلزم الخضوع له باعتباره العليم الخبير القادر على كل شيء وهذا الخضوع يولٍد شعورا عميقا بالسلام الداخلي ، ويصنع لغة اجتماعية هي السلام بين أفراد المجتمع ، فيثيب الله عن ذلك بالجنة .

الإسلام في اللغة العربية مشتق من نفس اشتقاق كلمة سلام ، وليس هذا من قبيل الصدفة البحتة إذا ما نظرنا إلى التحية بين المسلمين ، والي اسم الجنة ، وحتى ليلة القدر المباركة عند المسلمين والتي يكون للعبادات فيها ثواب أعظم من ثواب العبادات في غيرها من الليالي ، والدعاء فيها أفضل ، موصوفة في القرآن بأنها ( سلام هي ) (1) ، كما أن النبي محمد( ) يصف المسلم بأنه من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وهذا يعني أن التشابه بين الإسلام والسلام ليس لغويا فقط .

الإسلام بطرحه للسلام كما أسلفت يعطي بعدا أوسع وأعمق من المفاهيم القانونية والفلسفية ، وإن كان لا يعارضها بل يعززها ، انه سلام مع الخالق نفسه ، وإذا صدق شعور الإنسان بهذا السلام فإن هذا سيترك اثرا عميقا في علاقته بنفسه وبالبشر وبالحيوانات وبالنباتات وبالأرض ، وسينخفض أو يزول هذا التوتر النفسي الذي يشعر به الإنسان مهما تحسنت ظروفه .

البشر تولد بفطرة إلهية نقية ، ولكن تحت مؤثرات من الغرائز المركبة والاستعدادات الشخصية والميول وملابسات الحياة ، والأنانية والطمع وإغراءات الشياطين وتأثير البيئة ، بل وتأثير الطعام والشراب المحظور دينيا والمخدرات المغيبة للوعي ، كل هذه الأمور تجعل البشر مشوشين لا يلتقطون نداءات الفطرة على الإطلاق أو بوضوح ، ومختلين لديهم قدرة على السقوط أو الترنح ، وبذا يكون الإنسان قادرا على عصيان الله وقادرا على الخروج عن الطريق الذي اختاره له، الله عنده شيفرات السموات والأرض والمخلوقات والبشر ، والكون مطيع له ، والمعاصي خروج عن النظام ، إنها تشبه الأخطاء الملاحية ، والناس في خروجها أنواع . بإلحاد أو شرك أو تجديف ، بقتل أو تعذيب أو سرقة ، بحقد أو تكبر أو استخفاف بمشاعر الآخرين ، بحق الدجاج هرمونات أو بممارسات جنسية شاذة أو بالتبول في الأنهار .

كل تصرف أو شعور سيء هو عصيان لله ، وعصيان الله مخرٍب ، ولكن لا نستطيع أن نلحظ كل هذا التخريب الداخلي ، نلحظ بعضه فقط ، وعلى المسلم أن يجاهد نفسه ويطورها ، ويعمل عمليات صيانة تزيل عنه الأدران بالصلاة أو الدعاء أو البكاء لله أو بالصدقة أو بكفالة يتيم ، هناك بدائل عديدة لتنظيف الذات ولإتيان أمور تجلب رضا الرب ، حتى لو مجرد تعاطف من القلب مع مظلوم من شخص لا يستطيع أن يرد الأذى ، أو برفع الأذى من الطريق حتى يمر الناس بسلام ، وبعد هذا أو غيره من الأعمال الخيٍرة لن يكون الإنسان ملاكا أبدا ، بل إنسان فاضل ، سيظل عرضة لارتكاب أخطاء كبيرة أو صغيرة ، ولكنه اكتسب مناعة ما قللت رغبته في عصيان الله ونظفت قلبه ، وهو بعد كل هذا يمكنه دائما أن يستغفر الله ويتوب إليه ،

والله اعلم بخلقه ويعرف أنهم غير كاملين بأية حال ، وهو يغفر لهم طالما عادوا إليه ، بل لو تسلل للإنسان شعور بأنه كامل ، وانه محكم كالحصن ، وانه يؤمن بالله ولكن لا يريد معونته فعند هذه الحالة يكون ابغض عند الله من الذين يخطأون ويعودون باكين لله ، بل ويحب الله أن يطلب الناس معونته ، وأن يطلب الناس منه طلباتهم الدنيوية ، وادعاء النضج إزاء الله غرور ، يستطيع الله أن يثبت لهذا الإنسان ضعفه ، لأنه لم يستسلم بحق لله .

وهذا الإسلام لله هو علاقة مباشرة بين الإنسان وربه بلا واسطة بينهما أبدا ، الله قريب جدا ، وعلى الأرض هناك بشر لا تعرفهم ولا نهتم بهم ، بل ربما ننظر لهم بتقزز من ملامحهم البائسة أو ملابسهم المتواضعة أو من جهلهم بالعلوم الدنيوية أو الدينية ، ومع ذلك فالمخلص منهم لله حقا ، يكون عند الله أفضل من حفنة من السادة أصحاب بطاقات الإئتمان الذهبية الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ( نسوا فطرتهم ) ،

وربما لو اقسم هذا المسكين على الله لأبره ، هناك طريق بين الله والإنسان ، مباشر ولا يمر على محطات بشرية ، إخلاص ومجاهدة وعبادات واستغفار وحب لله وثقة فيه ، ولا يحتاج الإنسان في هذه الرحلة الشيقة لأي ترشيح أو تزكية أو ترفيع من بشر على الأرض ، إنه شيء شخصي جدا وعميق جدا وبلا كهنوت ، الله ليس لديه وكلاء معتمدون على الأرض ، لكن هناك ناسا يعلٍمون أو يعظون أو يجاهدون ، وسيكافئون على هذا ، ولكنهم ليسوا بوكلاء معتمدين يقفون كمرحلة وسطى بين البشر والله .

والإسلام لا يقدمه النبي محمد كفكرة منحوتة في الفراغ ، بل هو دين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، فطالما أن الإله هو الإله فأصل الدين واحد ، وكل نبي دوره هو إعادة الناس لهذا الدين اذا ما بعدوا عنه قليلا أو كثيرا أو تماما ، ودورهم أشبه ما يكون في هذا الشأن كدور الراعي للخراف ، وعليه فإن الناس يطلقون اصطلاحات من اجتهادهم الشخصي على الأديان تعبيرا عن حالة معينة من الإنشقاق والإختلاف النوعي والذي يعد مبررا عند درجة ما لتسمية الجماعة الجديدة باسم جديد ، وهذا يأتي غالبا بعد انتهاء عصر هذا النبي أو ذاك ، وعليه فلم تكن على سيبل المثال الجماعة الأولي من المسيحيين تتصور أنها تنشئ دينا جديدا ، ولم يوصي موسى اليهود بان يطلقوا على الدين اسم الدين اليهودي ، ولا المسيح قال لجماعته انتم مسيحيين ، إذن المسيح راعٍ آخر جاء لإعادة الناس للدين السليم ، وهو مجدد ، ولكن بمعني أنه معيد الدين لأصوله الأولى بإزالة ما علق من توهمات واجتهادات بشرية ، وتكلٌس طقسي وتشريعي
________________________________________
(1) القدر 5

محمود توفيق
September 11th, 2008, 17:22
أخي الأستاذ محمود توفيق يحفظكم الله

ما شاءالله تبارك الله
عطاء موفق بإذن الله

بنت مريم في الضوءالخافت


أود أن أهديكم محتوى هذا الرابط : تيار الوعي في القصة السعودية القصيرة - من تأليف د. صالح بن غرم الله بن زيَّاد، جامعة الملك خالد بأبها (http://www.doraksa.com/vb/attachment.php?attachmentid=54&stc=1&d=1220652592)
-
يقول ملخص بحثه:
تتناول هذه الدراسة ( تيار الوعي ) بوصفه تكنيكاً في القصة يؤكد على إبراز بنية اللغة السردية وتشكيلها تشكيلاً يقصد إلى الموضوعية من خلال تقديم العالم كما تراه شخصيات القصة للدلالة على محتواها الذهني والنفسي وهو في طور انسيابه وفيضانه وتشتته ومن خلال أعماقه التي لا يحدها منطق.

وقد قامت الدراسة على جانب نظري يحكي المفهوم الاصطلاحي لـتيار الوعي ويرصد تكوينه الفني وتفاعلاته في السياق الأدبي والمعرفي والتاريخي العالمي، وعلى جانب عملي تطبيقي يحاول أن يقرأه في القصة السعودية القصيرة من حيث هو ممكن إبداعي لا يقف بوظيفة اللغة، أدبياً، عند صفة الوسيلة المباشرة لخدمة الواقع وتصويره والتعبير عنه، بما ينزع عنها خاصية الأدبية ويكرس عمليتها ونفعيتها.
-
ونقول نحن بأن مسألة القصة القصيرة في السعودية تمر بتحديات عديدة رغم إحتضان منتديات الإنترنت لها، ومع هذا قد نخالف الدكتور صالح بن زيَّاد فيما يراه من التحول إلى مستوى متطور من التقنيات، والتي قال عنها: فارقت بها القـصة السعودية طرق السرد التقليدي.

الإختلاف ،، فقط في قلة قراء العربية مالم تستحوذ القصة القصيرة على دور الممثل والمخرج ولحلقات القصصية القصيرة !!

ربما قد نسند القول بالتجربتين المصرية والكويتية التي يكتمل فيهما أكثر عوامل النضج، هذا مجرد رأي شخصي من جانب شخص مثلي غير متخصص في أدب القصة القصيرة.

هذا وبدون مجالمة ،، بدأت قراءة حلقات قصصكم ،، ومازلت اتمتع بإعادة قراءتها مثتنى وثلاث ،، شاكرا لكم حسن النصيحة.

تحياتي لكم


دكتور محمد بن سعد
أسعد الله أوقاتك

يشرفني أن اكون هنا في جوار رجل مثلك متعدد الإهتمامات
أشكرك شكرا جزيلا على رابط الموضوع القيم ، فموضوع تيار الوعي موضوع هام جدا لكتاب الرواية أو نقادها على ح سواء .

ولكم سعدت برأيك أيضا في المذكرات التي أتشرف بنشر بعضها هنا في المنتدى الكريم .

فشكرا لك على مثابرتك على قراءتي ، مثك لا يعد قارئا ، بل جمهورا !!

والشكر موصول لمن أتعبته معي ، ونسأل الله له الأجر عن نشر هذه الحلقات ، إنه العم نجم سهيل ، الذي يتولى نشرها في المنتدى

أسعد الله أوقات الإخوة جميعا .

محمود توفيق
September 12th, 2008, 03:13
الحلقة الثانية عشره


التربية


ما هي الإتجاهات والميول الأساسية التي ربي محمد( صلى الله عليه وسلم ) عليها المسلمين ؟ لا أحسبني بصدد عمل جردة شاملة لكل الأوامر والنواهي الخاصة بالدين الإسلامي ، إنما هي محاولة لإستكناه الرؤى الأساسية التي ترسم النزعات والمفاهيم لدي المسلمين .بدون منهجية معينة في الترتيب ، أقول أن الإسلام زرع في أتباعه مفهوم واضح للعزة ونمي شعورا قويا يها ، هي ليست مرادفة للحدة والغضب وليست مشتقة منهما ، إنما هي تعني رفض الظلم وعدم قبول الأمر الواقع المختل وبذل الجهد لإقامة علاقة صحية بالآخرين أساسها الندية (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون أن كنتم مؤمنين ) (1) هناك نصوص كثيرة دالة على تأكيد معني العزة ومثل هذا أيضا (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها) (2) بمعني أن من يتحمل الظلم يعتبر ظالما لنفسه ، وإن لم يكن لديه قدرة على رد الظالم فله الهجرة بعيدا عن الظالمين وفي حديث للنبي محمد( ) ( من أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس منا ) هذا هو فهم الشريحة الأوسع من المسلمين لدينهم ، إنه دين يطلب من الإنسان ان يعتد بذاته ولا يتضاءل أمام إنسان متكبر أو سلطة غشومة . ومن الجدير بالذكر أن فترة الإحتلال التي تعرض لها العالم الإسلامي كانت هناك بالطبع مقاومة مستميتة ، غير أنه كانت هناك بعض الجماعات ذات الطابع الغارق في الروحانيات انصاعت للإحتلال بطريقة مدهشة بل وأجلًته على أساس أنه من قدر الله ، وقدر الله يرحب به في كل الأحوال ، وبالطبع بادل الإحتلال – الفرنسي تحديدا – هذه الجماعات كل الود ، ولم تكن تلك الجماعات تنطلق من رؤية (هيجيلية) للصراع ، بل رؤية (ميتافيزيقية) بحتة ، ولا يبدو أن لهذه النظرة المستسلمة أي تأصيل صحيح في الدين الإسلامي . والمشكلة العالمية الحالية الخاصة بالإرهاب ليست مستحيلة الحل ، هذا ما إذا كان هناك إمكانية لدراسة أسباب إحساس المسلمين بالغبن والذل . ومفهوم العزة لدي المسلمين ليس مخيفا ، و لا يعطي للمسلمين حق الإعتداء على الغير ، بل على العكس يشهد التاريخ أنه لما مالت كفة الميزان لصالحهم كانوا اقل الشعوب والحكام ميلا لتركيع الآخرين إن إحساس المسلمين بالعزة يجعلهم يشعرون بأنهم في وضعهم الطبيعي ، ولا يمكن أن يفكر بطريقته الطبيعية من يعيش في وضع مقلوب ، وإن كانوا يتحملون قدرا غير قليل من المسئولية عن الوضع المقلوب . العزة مدخل جيد لفهم إيمان المسلمين بالقدر ، وهو احد أركان الإيمان عند المسلمين التي لايكتمل ايمان الفرد الا بالإيمان بها جميعا ( الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر ) ، فالإيمان بالقدر لا يعني السلبية والإنهزام أمام قوى الطبيعة أو قوي التدافع بين الأمم ، فقوي الطبيعة والتدافع بين الأمم كلها قوانين أثبتها القرآن ، ولكنه أيضا اثبت للإنسان العقل والإرادة والقدرة على التعلم من تاريخه والتدبر والقدرة على مقاومة الأضرار والشرور ، وجعلها أيضا قوانين اجتماعيه لذا يؤمن المسلم المعتدل بأن المرض قدر الله ، وأن العلاج قدر الله أيضا ولا يوجد ما يثبت العلاقة بين العزة والإيمان بالقدر أفضل من الحديث النبوي ( أطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير) الإيمان بالقدر يدفع الإنسان لألا يصاب بإحباط إذا ما ألمت به مصيبة لا فكاك منها ، فإن كان هناك فكاك فعليه أن يحاول ، والإيمان بالقدر لا يجعل المسلم في حل من الإحساس بالمسئولية الكاملة عن أفعاله فيقول القرآن ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور ) (3) و هنا قد يسأل من هو في مثل حالتي : فأين القدر إذن ؟ والإجابة أن الله يتدخل لصالح حرية الإنسان في الإختيار ؛ ليؤكد حريته ومسؤليته ، فإذا انتوى نية ما سهل له الله طريقها ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) (4) هنا كان قدر الله وهو الهداية لسبل الله مبني على مجاهدة بشرية ، وهي مشيئة إنسانية . ويتدخل الله حسب أخلاق العبد (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) (5) هنا كان المخرج قدر الله مبني على مشيئة هي تقوي الله . و ريتدخل الله حسب علمه بما في الضمائر البشرية( لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) (6) يعني علم الله ضمائرهم وعلم أنهم لن يستجيبوا إذا سمعوا فلم يسمعهم وفي كل الأحوال فالإنسان يختار ومسئول عن اختياراته «و هديناه النجدين» (7) والله ينفي الظلم عن نفسه ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) (8) هذه نظرة سريعة وإضاءة على مفهوم القدر في الإسلام اكتبها باعتبار أن الدين الإسلامي متهم بتهميش الإرادة الإنسانية بحيث يبدو الإنسان غير قادر على فعل أي شيء أصيل نابع من ذاته ، على حين أن مفهوم القدر في الإسلام لا يجعل الإنسان كسولا منهزما إتكاليا ينتظر الصدف والملابسات ، الإسلام كأي دين يؤكد على إرادة الله وقدرته ونفاذ أمره في الأرض ، ولا يفهم من آية مثل (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (9) أن الإنسان يعيش في حالة بطالة مقنعة على الأرض ، الآية تشير للقوانين الآلهية في ري النبات وفي الإنبات نفسه ، وكلها ليست من فعل الإنسان ، ولا مشاحة في ذلك ، هذه الآية وغيرها غرضها ألا يتلهي الإنسان بالأسباب عن المسبب (الله ) ، إذن الأرض تعمر بقوانين الله النافذة وإرادته ، إلى جانب كد الإنسان . والجميل في القرآن أنه قد فنًد المنطق الجبري للكفار في عقيدتهم وسلوكهم . فقد قالوا دفاعا عن عبادتهم الملائكة وجعلوها ( بنات الله ) أن هذا بإرادة الله ، فيقول القرآن ( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ) (10) . وعن كفار ينفون مسئوليتهم عن إطعام الفقراء محتجين بكون هذا الجوع مشيئة الله فيهم ، على سبيل السخرية (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين امنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ) (11) . وبينما ننعي نحن على الإسلام الجبرية وضياع المشيئة الإنسانية قبالة مشيئة الله ، وهو اتهام لا يثبته إلا الفهم الإختزالي للنصوص ، ينعي الإسلام على المسيحية الإيمان بالخطيئة المتوارثة من عهد آدم ويعتبرها عقيدة جبرية تتعارض مع فكرة المسئولية الفردية عن الأخطاء والتي لها أدلة نصوصية في التوراة والإنجيل . لا يبدو الإسلام دينا طقسيا بحتا ، فليس المؤمن في الإسلام هو من يكرس جزءا من وقته وجهده للعبادات وكفي ، لقد جعل الإسلام الأخلاق الإجتماعية هي المؤكٍد على الإيمان أو نافيه ، وهذه نصوص مثبتة لذلك ( لا إيمان لمن لا أمانة له و لا دين لمن لا عهد له ) حديث نبوي ، وكذلك فإن من يصوم عن الطعام والشراب لا يكفيه هذا لقبول صومه في كل الحالات ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) وقيل له عن امرأة تكثر الصلاة والصدقات والصيام غير أنها تؤذ جيرانها بلسانها قال هي في النار وتأكيد الإسلام على ضرورة تمثُل الأخلاق الكريمة في شخص المسلم كان له دور كبير في نشر الدين الإسلامي في مناطق عدة من العالم عن طريق تجار مسلمين أتقياء نزيهين جعلوا هذه الأوامر والنواهي حاكمة لسلوكهم في التعامل مع الغير من أجناس أخري وأديان أخري ، فتأثرت بهم شعوب وأسلمت ، وهذا ينافي الفكرة الشائعة عن انتشار الإسلام بحد السيف . إلا أن قوة امتثال المسلمين لهذا الفهم للأخلاق باعتبارها هي الإيمان نفسه لا تضاهي قوة الإمتثال لتعاليم أخري كتحريم شرب الخمر ولحم الخنزير ، وتختلف حسب حظ كل واحد من الطباع ودرجة التدين والظروف البيئية ولو كان لها نفس قوة الحضور للتعاليم الأخر لشرب الخمر واكل لحم الخنزير لأصبح المسلمون بالتأكيد ظاهرة إنسانية ملفتة للنظر . وترتبط فكرة الإلزام الأخلاقي وكذا فكرة امتثال المسلم للأوامر والنواهي بمفهوم آخر تربي عليه المسلم وهو ( الخشية ) ، يتصرف المسلم على أساس أن الله يراه حين يحسن وحين يسئ وأنه سيحاسبه على كل أعماله ، والمسلم يجب أن يشعر بخشية من الله ، وفي الإسلام لا تعارض بين أن تحب الله وتخاف منه ، فالحب يتعارض مع الكراهية لا مع الخوف ، وهذا المفهوم عن الخشية من الله يستخدم أيضا للمز على عقيدة المسلمين ، ومن الجدير بالذكر أن الأدبيات الدينية الغربية المسيحية طوال القرون الماضية كانت تفرط في إرعاب الناس من الله ، ومن الجحيم والشياطين لدرجة لا يستعجب من أن تسبب حالة نفسية سيئة ، والخطاب الجديد الذي لا يتناول أي عقاب من السماء هو وليد العصور الحديثة ، حتى تستعيد الكنيسة أبناءها الذين هجروها ، أي اننا أمام تغير في الخطاب استجابة لظروف لا أكثر ،ومن جهة أخري نعم نحن نؤمن بأن الله محبة ، ولكننا لم نستطع أن نغلق جهنم وقد جاء ذكر لعقوبات دنيوية في الكتاب المقدس نزلت بأقوام عدة كعقاب من الله ، وطبيعي أن الله قادر على إلحاق الأضرار الجسيمة بمخالفيه ، وكل من يستطيع أن يلحق ضررا ما يستحق أن يخشي ، وذلك بتلافي الخطأ الذي يتبعه العقاب وعلى كلٍ فالله في الإسلام له أسماء عديدة لها معاني الرحمة والود مثل الرحمن الرحيم الغفور الودود العفو السلام إن هذا الخوف بعد استعراض الآيات القرآنية والأحاديث الدالة عليه لا يعني الخوف المرضي المستديم الذي يشل قدرة الإنسان على التفكير ويصيبه باليأس أمام قوة باطشة تستطيع أن تفعل به ما تشاء ولا يملك هو الفكاك منها ، يمكن التعرف عليه حتى بالإطلاع على بعض البرامج التليفزيونية وقراءة بعض الكتب ذات الطابع الإيماني التي ترقق القلوب سنجد أنفسنا أمام مناخ نفسي رائع يتكلم عن لذة القرب من الله وعن حلاوة الإيمان ، وعن كراهية المعصية التي تبعد الإنسان عن الخالق ، وينقل البعض أحاسيسه الجميلة عند التوبة ، حتى الدموع هي دموع مريحة للنفوس ، عائدون لله ينقلون خبراتهم النفسية الجميلة للناس بوجوه مليئة بالراحة والبِشر . الله ليس ديكتاتورا عند المسلمين لا يُعرف له أمان ، ولا العبادات عند المسلمين تمثل أشغالا شاقة دينية ، ولا الأسر المتدينة على ما يبدو تعيش بسبب هذا الخوف من الله فوق سطح صفيح ساخن . هذه الإلمامة السريعة جدا التي لا أدعي لها الشمولية ولا التفصيل تعطي انطباعا عن القوة المدنية التي منحتها تعاليم محمد( ) للمسلمين ، إنها مزيج من الإحساس بضغط الواجب وإلحاح الرسالة والرغبة في تقديم النموذج ، إن هذه القوة المدنية التي تجعل المسلم مؤمنا بالله ومتوكلا عليه ومؤمنا بقدره ليس بالضرورة أن تعبر عن نفسها في جبهات قتالية ، بل في مناخ سلمي عادل ستكون هذه الجبهات آخر ما يفكر فيه المسلم ، هي من الممكن أن تعبر عن نفسها في مناطق المجاعات والكوارث الطبيعية وفي بيوت لكفالة الأيتام ودور علاج مجاني ومدارس مموُلة ، وهي من الممكن أن تعبر عن نفسها بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية حيث يتم الأخذ بالإعتبار قوة تأثير التعاليم الإسلامية في مكافحة التدخين والإيدز ________________________________________



(1)آل عمران 139 (2) النساء 97 (3) الملك 2 (4) العنكبوت 69 (5) الطلاق 2 (6) الأنفال 23 (7) البلد 10 (8) يونس 44 (9) الواقعة 63-64

محمود توفيق
September 13th, 2008, 01:57
الحلقة الثالثة عشره


الخاصة الألهية


الإسلام يقدم فهما مقبولا ونزيها لعلاقة البشر بالله ، قائم على التساوي المبدئي ، ولا يتميز البشر عن بعضهم إلا من خلال الإيمان والعمل الصالح ، إذن لا علاقة استثنائية بين مجموعة من البشر والخالق .

يقول الله في القرآن
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (1) .

ونزلت هذه الآية طبقا لمراجع تفسير إسلامية ( لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله أتتهم أحبار اليهود ، فتناظروا ، وتنازعوا حتى ارتفعت أصوات الفريقين ، فقالت اليهود للنصارى لستم على شيء من الدين ، وكفروا بعيسي والإنجيل ، وقالت النصارى لليهود : ما أنتم على شيء الدين ، وكفروا بموسي والتوراة ، فأنزل الله هذه الآية .)

والمراد بالذين لا يعلمون هم كفار العرب ، إذ كان رأيهم أن الفريقين ليسوا على شيء ، إننا هنا أمام صراع عصبي بين المرجعيات واليقينيات المختلفة وصل إلى مرحلة حماسية تبادل فيها الفريقان اتهامات التكفير، والفريق المسيحي فقد أعصابه فرد على تجريح الفريق اليهودي لعقيدته بأن أنكر التوراة نفسها ، وفي النهاية جعل الله الكلمة الفصل لنفسه يوم القيامة .

وفي آية أخري ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 112)) (2)
وأخري

( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَنَ َيَشَاء ) (3) ،

والمقصود بالعذاب مما مر بالفريقين من محن وابتلاءات ، وبصفة خاصة اليهود والذين كانوا أنبيائهم ينذرونهم بكون ما يمرون به من محن هو عقاب من الله على المعاصي والبعد عن الله .
إذن كيف يعامل الله الناس وعلى أي أسس ؟
(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) (4)

لم يحول القرآن الميزة الإعتبارية أو المحسوبية الإلهية لصالح المسلمين ، بل يفاجئنا القرآن كما فاجأ – حسب اعتقادي - فصيلا من جماعة المؤمنين بآيتين هما

(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (123)
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) ) (5) .

إن القرآن ينفي فكرة الخاصة تماما ويضع الناس قبل أعمالهم في حالة مساواة فلا يميزهم تعميد ولا انتساب للعائلة الإبراهيمية، إنهما الإيمان والعمل الجديران بتكريم الإنسان في ملكوت السماء


________________________________________
(1) البقرة 113 (2) البقرة 111-112
(3) المائدة 18 (4) الزلزلة 7-8
(5) النساء 123-124

محمود توفيق
September 14th, 2008, 01:43
الحلقة الرابعة عشره



تواقيع
عن الإسلام


( الإسلام يختلف عن المسيحية الرومانية في أنه لايتخذ لنفسه نظم الكنيسة والقسيسين . ولقد تبدو البروتستانتينية الخالصة دينا كهنوتيا اذا وازناها بالإسلام الذي يحرص علي التوحيد الخالص والذي لايحتمل اي تدخل بين الإنسان وخالقه ) (1)

T.G. Young

( إن هذه التقاليد الإسلامية تشمل مبادئ المساواة بين الأرواح الإنسانية امام الله وتقرر أواصر الإخوة العالمية بين جميع المؤمنين بغير نظر الي العنصر او اللون ، كما تقرر فريضة الدفاع عن الضعيف وحمايته ممن يجورون عليه واغاثة المعوزين والمحرومين وبذل الحياة نفسها في سبيل الصراط المستقيم ) (2)

Rushbroo Wiliams

( كان من المتوقع لعقيدة محدودة كل التحديد خالية كل الخلو من التعقيدات الفلسفية، ثم هي تبعا لذلك في متناول ادراك الشخص العادي ، ان تمتلك ، وانها لتمتلك فعلا ، قوة عجيبة ، لاكتساب طريقها الي ضمائر الناس ) (3) سير توماس ارنولد


( عند قدوم محمد ( )الي المدينة اعتنق بعض اهلها من المسيحيين الإسلام ., فقد وجدوا تشابها بين التعاليم الإنسانية في كل من الإسلام والمسيحية ، ولم يلمسوا اي تعارض بين الدينين ، وبخاصة أن الإسلام يضع المسيح في مقدمة الأنبياء . أما باقي المسيحيين فلم يبدو اي عداء للإسلام فقد اعتبروه افضل بكثير من الوثنية . ولاشك أن الخلافات العديدة التي كانت قد نشبت بين الطوائف المسيحية في الشرق قد مهدت الطريق امام المسيحيين ليعتقدوا الإسلام ) (4) واشنطون ايرفنج


( .. إن النزعة التي تصبغ كل شئ بصبغة الدين والتي امتاز بها الإسلام منذ ايامه الأولي ، جعلته مدة تزيد علي اثني عشر قرنا دينا متمكنا في امبراطوريات انمحت فيها القوميات وكان هو فيها اكبر قوة تعمل علي تماسكها .. لقد حاز الإسلام فضلا لاسبيل لإنكاره بأنه عمل علي حل مشكلة التفاهم بين الأمم وهو فضل لايجحده حتى غير المسلم ممن يتبع دينا آخر ويعتنق فكرة أخرى في الحياة ) (5)

J.K.Birge

( لاتمييز في العقيدة الإسلامية بين الموجب القانوني والواجب الأخلاقي .. وهذا الجمع المحكم بين القانون والخلق يؤكد قوة النظام منذ البداية ) & ( لم يكن من ضمن رسالة محمد( ) ان يبطل ما أنزل من قبله ، بل أن يصدقه ناقضا ما لحق الكتب السماوية من تحريف وانتهاك . وكلف تطهير تعاليم الرسل السابقين من كل مخالفة، والتوسع فيها وتتميمها لتغدو ملائمة للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان ) (6)

مارسيل بوازار

( في غضون القرن السابع الميلادي ، جد في النقاش عامل جديد ، كأنه ممثل جديد ظهر علي مسرح الأحداث التاريخية علي نحو رائع ومثير . فقد نشأ حينئذ دين جديد مكتمل النمو . كان الإسلام يتعصب للتوحيد ويناهض التصوير مثلما يبتغي اي يهودي ، وبفضل ما حققه انصاره في الميدان الحربي من نجاح متوال – وبعد ذلك بقليل في المجال التبشيري كذلك – واجه المسيحيون امرا خطيرا جديدا يشغل تفكيرهم .. ان انتصارات العرب المسلمين الأولين قد القت وقودا جديدا علي المجادلات التي ظلت تدور أمدا طويلا حول وثنية المسيحية )
(7)

ارنولد توينبي

( أن محمدا( ) لم يكن فيه صفة ذاتية غير طبيعية ولاجاء مسيطرا علي البشر بقوة خارقة ، ولكنه كان مبلغا لرسالة ربه . ويجب أن نذكر أن هذا هو الرأي هو الرأي الشرعي العلمي في الإسلام .. من أجل هذا كله نجد أن المسلمين يأبون أن يسموا ( محمديين ) بالمعني الذي يسمى به النصارى ( مسيحيين ) ، وهؤلاء المستشرقون المتأخرون الذين لايزالون يطلقون هذه التسمية غير المقبولة علي المسلمين اطلاقا هينا يجب أن يعلموا أنه لايحق لهم ان يسموا أمة باسم لاتحبه . أن المسلم ، في اللغة ، هو الذي ( اسلم نفسه لله ) ( خضع لإرادة الله ) ، فالإسلام من اجل ذلك ليس دينا محمديا ولكنه دين التسليم بارادة الله ) (8)


المؤرخ العربي المسيحي فيليب حتي


(كان كثير من المسلمين يكثرون التوبة والاستغفار والصلاة والصوم ،فرأى محمد( ) ان القصد اولى من الإفراط . فأشار بالإعتدال في التقشف وبترك كل ما يميت النفس،وحدث ان بعضهم قادوا انفسهم الي الحج بربط انوفهم بأرسان الجمال فقطع محمد هذه الأرسان لأن الله ليست له حاجة بجدع الأنوف)(9)


اميل درمنجم

( .. وما دام الإسلام لايقر بسلطان كنسي وكهنوتي ولايعترف بأسرار كنسية مقدسة ، فأي فائدة ترتجي من الوسيط بين الإنسان وبين خالقه الذي كان يعرفه قبل أن يبدعه والذي هو (اقرب اليه من حبل الوريد ) . ان الله بعد ان ارسل الي البشر خاتمة انبيائه وكلمته النهائية ، لم يعد ثم من ينطق بلسانه أو يعرب عن ارادته . الإنسان وحده ماثل امام الله في حياته وموته وله أن يخاطبه رأسا بلا وسيط أو شفاعة أو ( اجراءات ) (10)

ديفيد دي سنتلانا

( ان دين الأنبياء كان كله واحد فهم متحدون في المذهب منذ آدم الي محمد وقد نزلت ثلاثة كتب سكاوية وهي الزبور والتوراة والقرآن . والقرآن بالنسبة الي التوراة كالتوراة بالنسبة الي الزبور وان محمدا ( ) بالنظر الى عيسى كعيسى بالنظر الى موسى ولكن الأمر الذي تهم معرفته هو أن القرآن أخر كتاب سماوي ينزل للناس وصاحبه خاتم الرسل ...... فمحمد كعيسى قال أنه بعث ليتم رسالة من قبله لاليبيدها فلم يكن من امره الابتعاد عمن تقدمه ولذلك كان يصرح على الدوام بانه يعيد على الناس مانزل على الأنبياء من قبله ) (11)

هنري دي كاستري


( .. إن الذين يجهلون الإسلام هم وحدهم الذين يظنون أنه دين سهل من الوجهة الأخلاقية .. وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه علي الدوام الي أن يكونوا أقوياء ، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح فيها الإسلام ) & ( .. أُحل للمسلمين أن يستمتعوا بالحلال من طيبات الحياة على شريطة الا يسرفوا . ولكن الإسلام كغيره من الأديان يدعوا المسلمين الي الصوم ليقوي بذلك إرادتهم من جهة ، ولتصح به اجسامهم من جهة اخرى ) (12)

ول ديورانت

) لفت نظري بساطة العقيدة الإسلامية وسهولتها ، فليست هناك أسرار ولا ألغازتؤمن بها ولاتناقشها ، بل مرد الإيمان الي العقل والنظر في ملكوت الله ، وما في الكون من نظام بديع يهدي ضرورة الي وجود إله معترف له الخلق والأمر .. )
(13)

Rikwell Donald

( ... ظهر لبعض اولئك (( يقصد اليساريين الأوربيين )) على أنه في جوهره عامل ( تقدمي ) بطبيعته ، بل اعتنق بعضهم ذلك الدين الإسلامي .. )
(14)

مكسيم رودنسن

( عندما ظهر الرسول( ) كانت اليهودية والنصرانية منتشرتين في الجزيرة ولهما أراء متشابهة في التفسير التاريخي للحياة الإنسانية غير أن الدين الإسلامي الذي بشًر به الرسول( ) كان يتميز بالوضوح والقدرة على تفهم اسس هذا الوجود بصورة واضحة جدا ومن غير تعسف . والواقع ان مفاهيم الإسلام اوضح وأقل جمودا من ناحية العقيدة ، ومن مفاهيم اليهود والنصارى الدينية ) (15)

فرانز روزنثال

( .. حرًم الإسلام الخمر في مطلع دعوته ، وهانحن اليوم بعد ان انتشرت الخمو روزادت نسبة الكحول فيها الي درجة فتاكة ندرك حكمة الإسلام وبعد نظره .. )
(16)

جورج سارتون

( ليس معنى الإيمان بالقضاء والقدر أن يترك المسلم العمل لأن القرآن والنبي( ) أمرا بالعمل والإجتهاد في كل شئ . وقال الله تعالى ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (17 )


Gajane stryzewska


( لاسبيل الي إنكار كون الإسلام قد مارس فضائل حقيقية ، لاسيما الفضائل ذات القيمة الإجتماعية . وهي تتجاوب مع دعوة من القرآن نستطيع أن نجد فيما عناه ( اوامر) ، وتبدو امتدادا للتقوى كما تحددها الآية (177)من سورة البقرة .. فالتعاون وحسن الضيافة والكرم والوفاء بالعهود مع افراد الأمة ، والإعتدال في الرغائب والقناعة ، تلك هي الفضائل التي تميز المسلمين حتي يومنا هذا ) (18)

D. Sourdel

( .. إن الإسلام دعوة خالدة الى التقدم المطرد في كل نواحي الحياة الفكرية والروحية والساسيةعلى حد سواء ) ويقول ايضا ( إن دفع الظلم عن الناس وإقامة معالم العدل في الأرض هي الغاية النهائية التي تستهدفها رسالة الإسلام الإجتماعية . وعلى هذا المثل الأعلى للعدالة – مع المسلمين وغير المسلمين على حد سواء – يتوقف قيام الدولة الإسلامية ) (19)

ليو بولد فايس


( قيل وكتب كثيراً في شهوانية الدين الإسلامي وأرى أن كل ما قيل وكتب جوراً وظلماً فإن الذي أباحه محمد( ) مما تحرمه المسيحية لم يكن من تلقاء نفسه وإنما كان جارياً متبعاً لدى العرب من قديم الأزل، وقد قلل محمد هذه الأشياء جهده وجعل عليها من الحدود ما كان في إمكانه أن يجعل الدين المحمدي بعد ذلك ليس بالسهل ولا بالهيّن وكيف ومعه كل ما تعلمون من الصوم والوضوء والقواعد الصعبة الشديدة وإقامة الصلاة خمساً في اليوم والحرمان من الخمر وليس كما يزعمون كان نجاح الإسلام وقبول الناس إياه لسهولته لأنه من أفحش الطعن على بني آدم والقدح في أعراضهم أن يتهموا بأن الباعث لهم على محاولة الجلائل وإتيان الجسائم هو طلب الراحة واللذة )
(20)

توماس كارلايل


( سوف يكون غريبا اعتبار عقيدة قادت المسلمين في غضون ثلاثة ارباع القرن ، الى تجديد اربع حضارات كبرىوالى الإشعاع على نصف العالم ، عقيدة قدرية ، منقادة ، هذه الدينامية في الفكر والعمل هي عكس القدرية . لقد اقتادت ملايين الناس الى التأكد من أنه يمكنهم أن يعيشوا على نحو آخر (21)


روجيه جارودي

( علينا إن أردنا أن نكون منصفين بالنسبة للإسلام ، أن نوافق على انه يوجد في تعاليمه قوة فعالة متجهة نحو الخير ، وان الحياة طبقا لتعاليم هذه القوة يمكن ان تكون حياة طيبة لاغبار عليها من الوجهة الأخلاقية . هذه التعاليم تتطلب رحمة جميع خلق الله ، والأمانة في علاقات الناس بعضهم ببعض ، والمحبة والإخلاص ، وقمع غرائز الأثرة ، كما تتطلب سائر الفضائل التي اخذها الإسلام عن الأديان السابقة ، والتي يعترف محمد بانبيائها اساتذة له ، ونتيجة هذا كله ان المسلم الصالح يحيا حياة متفقة مع ادق ما تتطلبه الأخلاق) (22)


جولد تسيهر

( .. انا نرى الأغبياء من المسيحيين يؤاخذون دين الإسلام كانه هو الذي قد سن الاسترقاق ، مع ان محمدا ( )قد حض على عتق الرقاب وهذه اسمى واسطة لابطاله حقيقة ) & ( إن الديانة المسيحية التي ودّ محمد إعادتها لأصلها النقي كما بشر بها المسيح تخالف التعاليم السّرية التي أذاعها بولس والأغلاط الفظيعة التي أدخلها عليها شيع النصارى.. ولقد كانت آمال محمد وأمانيه أن لا تخصص بركة دين إبراهيم لقومه خاصة، بل تعم الناس جميعًا، ولقد صار دينه الواسطة لإرشاد وتمدن الملايين من البشر، ولولا هذا الدين للبثوا غرقى في التوحش والهمجية، ولما كان لهم هذا الإخاء المعمول به في دين الإسلام ويقل ايضا ( الحق أن الإمتناع عن اكل لحم الخنزير وشرب المسكر واللحم الذي يحسن ذبحه ن وازالة كل مضر ، وغير ذلك من الأشياء التي نهى عنها الإسلام ، لمن أعظم الأمور النافعة للعاملين بها وليست لاتعابهم )
(23)

Lightner


( .. اذا ما اجتمعت بأي مسلم من اية طبقة ، رأيته يعرف مايجب عليه أن يعتقد ويسرد لك أصول الإسلام في بضع كلمات بسهولة ، وهوبذلك عكس المسيحي الذي لايستطيع حديثا عن التثليث والاستحالة وما ماثلهما من الغوامض من غير أن يكون من علماء اللاهوت ) (24)

جوستاف لوبون

( يمكن للإسلام أن يعلمنا اليوم طريقة للفهم والعيش في عالم كانت فيه المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته.ذلك أننا نجد في جوهر الإسلام محافظته على نظرة متكاملة إلى الكون، فهو يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، وبين الدين والعلوم، وبين العقل والمادة ) (25)

الأمير تشارلز

(إن شهر رمضان "هدية الإسلام إلى العالم" لتذكير الناس بأن عليهم أن يساعدوا أولئك الذين يواجهون الفقر والمعاناة ) & وعن النمو المضطرد للإسلام في امريكا ( إن هذه الظاهرة مدعاة سرور للحكماء ، إذ يمكنني أن أقرر هنا أن الأحياء التي سيكنها مسلمون في أمريكا تصبح مباشرة أنظف الأحياء من الكحول والمخدرات والعنف والجنس ) (26

الرئيس الأمريكي كلينتون

________________________________________
(1) جويلر يونج الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة (2) رشبروك وليامز دولة الباكستان نقلا عن العقاد ( مايقال عن دولة الإسلام )
(3) سير توماس ارنولد الدعوة الي الإسلام (4) واشنظون ايرفنج حياة محمد
(5) بيرج وجهة الإسلام (6) مارسيل بوازار انسانية الإسلام
(7) ارنولد توينبي مختصر دراسة التاريخ (8) فيليب حتي الإسلام منهج حياة
(9) اميل درمنجم حياة محمد (10) ديفيد دي سنتلانا تراث الإسلام
(11) هنري دي كاستري الإسلام خواطر وسوانح (12) ول ديورانت قصة الحضارة
(13) دونالد ركويل ( محمد عبد الله ) عن رجال ونساء اسلموا (14) مكسيم رودنس تراث الإسلام ( تصنيف شاخت وبوزوث)
(15) فرانز روزنثال علم التاريخ عند المسلمين (16) جورج سارتون الشرق الأدنى مجتمعه وثقافته
(17) يوجينا ستشيجفسكا تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها (18) دومنيك سورديل الإسلام
( 19) ليوبولد فايس ( محمد اسد ) منهاج الإسلام في الحكم (20) توماس كارلايل الأبطال
(21) روجيه جارودي وعود الإسلام (22) جولدتسيهر العقيدة والشريعة في الإسلام
(23) لايتنر دين الإسلام (24) جوستاف لوبون حضارة العرب
(25) نقلا عن كتاب بول فندلي لاسكوت بعد اليوم (26) بيل كلينتون في تهنئة للمسلمين بعيد الفطر

محمود توفيق
September 15th, 2008, 03:47
الحلقة الخامسة عشره


الحوار في القرآن


العدو الأصيل الآخر في الإسلام الذي تمثل العدائية تجاهه عدائية منهجية هو عدو مغاير للسلالة البشرية العاقلة ، ولكنه عاقل أيضا ، إنه إبليس ، عداء منذ ابتداء النوع إلى يوم القيامة ، ويأمر الله المسلمين باتخاذه عدوا ، ويقرر أن الشيطان هو الذي بدأ هذا العداء ولم يبدأ به أبو البشر ( آدم ) ، وهذا العداء بالطبع غير قابل للتسوية ولا يخضع لقوانين اجتماعية تجعله يخفت أو ينمو ، إنه حالة موازية للوجود البشري ، بصرف النظر عن وعي الفرد بهذا العداء أو حتى إيمانه بوجود الشياطين من عدمه ، هذا هو النضال الرئيس في حياة المسلم الفرد وحياة المسلمين كأمة ، وهو العداء الذي يكفي لإثباته الأدلة النقلية ( النصوص ) .

أما باقي العداوات فالمجتمع المسلم يرصدها بوعيه التاريخي والواقعي ورصده لتضارب المصالح مع الأمم الأخرى ، ويفتح القرآن بابا واسعا للسلم إذا ما مال الأعداء للسلم ، ولا يعني وجود هذه العداوات الأخرى التي تتقرر على أسس من الواقع شن الحرب ، فإذا كان العداء من الآخر لا يشتمل على أي مظاهر عسكرية فإن المسلم مقيد بما يأمر به القرآن الذي يقرر أن الله لا يحب المعتدين ، وهذا يعني بشكل واضح أن المسلم لا يحل له المبادرة بالعدوان ، تسمح التعاليم القرآنية للمسلمين بالإحتفاظ بذاكرة يقظة لكنها غير مسمومة ، وتسمح بقراءة جديدة لواقع متغير إذا ما مال أعداء أي مرحلة إلى الخيار السلمي ، فعلى المجتمع الإسلامي أن يؤيد هذا الخيار ويعززه .

وهناك نظرية لاقت رواجا واسعا في العالم الحديث تعبر عن رؤية مستقبلية متشائمة وهي نظرية صراع الحضارات ، والفكرة لها من يعترف بوجاهتها من ناحية المبدأ لا من ناحية توقعاتها النهائية سواء من المسلمين أو الغربيين أو المسيحيين أو غيرهم .. لكن هناك قطاع كبير من المسلمين – ومثيله بين المسيحيين واليهود وغيرهم – يؤمنون بأهمية التأسيس ل( حوار الحضارات ) ، وقد يبدو هذا للبعض غريبا ، البعض الذي يعتقد بأن الإسلام يمتلك طاقة عدوانية كبري تهدد المجتمعات الحديثة وتهدد مكتسباتها ، ويبدو الأمر في أعينهم وكأن هناك فصيلا إسلاميا متأثرا بقيم المدنية الحديثة والحضارة الغربية ويحاول أن يؤصل لرؤية تسامحية منقطعة الصلة بالتراث الإسلامي ، وأنه يقابل كل العنت في هذه المحاولة للتجميل .

على أن نظرة لما سبق أن كتبته على أن القرآن لا يعد المسلمين ولا غيرهم بوجود خاصة إلهية ( جماعة بشرية لهم دالة عند الله بصرف النظر عن أعمالهم ) نجده كفيل بأن يزرع لدي المسلم – إذا فهم المسلم هذا النص – إحساس بأنه لا يمثل تجسيدا للمطلق ، ولا يعتبر من ملح الأرض في جميع الأحوال ، وفي هذه الحالة سيكون أكثر استعدادا لفتح حوار جدي وجرئ وهادئ مع الآخر ، إن الأمر لا يتوقف فقط على الدماثة ، وعلى كل حال فالدماثة شيء جيد ومطلوب ، بشرط ألا تعبٍر عن تواضع المغرور الذي يسمع للآخر لمجرد احترام مشاعره ، إن المطلوب حالة انفتاح حقيقية ، وبعض التواضع ، ونعمة الشعور بالجهل .

إذا ما قُبلت مبادرات من هذا النوع بقبول حسن فإنها ستوسع بما لاشك فيه دائرة التيار المؤمن بالحوار الحضاري على حساب دائرة التيار المؤمن بالصراع الحضاري ،لأن واقعا متغيرا سيسمح هنا وهناك بقراءة جديدة ، وقد أكون متفائلة .

وغير هذه النقطة في القرآن التي نفت فكرة الخاصة الإلهية فالقرآن نفسه لابد وأن يعثر قارئه على نماذج للحوار متعددة حتى لو لم يبحث عنها ، وحوار الحضارات يمكن الإستدلال على شرعيته الإسلامية من نص من القرآن يقول

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (1) .

إننا لنا أصل واحد ترجع إليه كل البشرية ، وحدث تنوع ( إثني ) وخصوصيات ثقافية وحضارية متمايزة ، هنا مجال للتعارف ، والتعارف ما هو إلا حوار الحضارات .

ومن القيم الإسلامية في القرآن التي قد تؤمن الجدية والرشد للحوار هي قيمة التجرد ، فالمسلم مأمور ألا يتبع هواه حتى لا يحيد عن روح العدل (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ )
(2) ،

وبقيمة كهذه سيكون هدف الحوار هو الوصول للحقيقة وليس إحراز مكاسب شخصية أو إعلامية على حساب الطرف الآخر من المحاورة ، مع مراعاة أن ( تشحيم الحوار) ليس هدفا في حد ذاته ، وأحيانا ما يكون الهوى هو البحث عن المشترك فقط مثلما يكون الهوى هو البحث عن التناقضات فقط ، الحوار يجب تحريره من أجواء العلاقات العامة الصرفة مثلما يجب تحريره من العُصاب .وهناك إمام من أئمة المسلمين القدامى اسمه الإمام الشافعي له كلمة تعبر عن روح متجردة وسويٍة ، ولا أظن أن هناك الكثير من البشر لديهم هذه الروح المستقيمة "ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويُسدَّد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ،

وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه" .ومن الأوامر الإسلامية التي تساعد على إقامة حوار بنًاء هو الأمر بالدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (3)

وهناك آية أيضا تمنع أن تؤثر المشاعر الشخصية تجاه الآخر أو تجاه خطه الأساسي من الشطط في الحكم على أفكاره ، وهذا العدل ضروري جدا في الحوار مع الآخر فلا يتم تسفيه أفكاره لمجرد إنها أفكار الآخر ، وإنما يتم وزنها بميزان العدل بعيدا عن المشاعر (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) (4) .

كما أن المسلم واستنادا لمفاهيم قرآنية لن يضطر لاستخدام كل الوسائل بدون انتقاء للشريفة دون غير الشريفة ولن يصاب بعصبية أو يشعر بيأس إذا لم يصل الحوار في مرحلة من مراحله لما يريد ، لأن القرآن نفسه لا يجعل نتيجة الدعوة من مسئولية النبي محمد ،وعليه لن يجعل نتيجة الدعوة أو الحوار من مسئولية المسلمين (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ) (5)

أما أدب الحوار فلا أدل عليه من هذه الآيات التي توجه محمد – والمسلمين بالتبعية – لإدارة الحوار بطريقة في قمة الأدب مع الوثنيين ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24) قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) ) (6) . ففي بداية الحوار يكون المؤمنون والوثنيون على مستوي واحد يتعلق بأي الفريقين على الحق ، فأحدهما على الحق والآخر على الباطل ، فإذا كنتم أيها الوثنيون تعتبرون الدعوة إلى الله وتوحيده جريمة فالله سيحاسبنا على جرائمنا ولن تسألوا أنتم على جرائمنا ، ونحن لن نسأ ل عن أعمالكم ( ولم يسمها جرائم )

ولننظر في القرآن لتوجيه الله لموسي وهارون لما أمرهم بالذهاب لفرعون الطاغية الكافر (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ) (7) فإذا كان القول اللين هو الوسيلة الصالحة مع مستبد فأولي بها من هم أقل استبدادا أو غير مستبدين ، مع العلم أن الله يعلم أن فرعون لن يستفيد من هذه الفرصة ، ولكنها حق فرعون .ويأمر القرآن المسلمين بمحاورة أهل الكتاب ( يهود ومسيحيين ) ليس فقط بطريقة حسنة بل بأحسن طريقة (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (8)
والقرآن بما حواه من خبرين حواريين غير عاديين يجعل من الصعب القول بوجود معايير لمن يمكن التحاور معه إذا طلب الحوار ، الخبران الحواريان أحدهما مع طرف كامل الولاء والتبعية ، والآخر مع طرف كامل العصيان والإنشقاق ، إنهما حواران بين الله والملائكة مرة ، و بين الله وإبليس مرة

فالملائكة كائنات نورانية مطيعة لله كل الطاعة ولم تتنجس بمعصية ، ومع ذلك دار حوار بينهم وبين الله بسب أنه قرر أن يستخلف البشر في الأرض ، وهذا نص الحوار في القرآن

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) ) (9)

وقد تحاور الله مع إبليس بسبب رفض الشيطان السجود لآدم إذعانا للأمر الإلهي ، وطفحت عليه فجأة إحساس بالتفوق النوعي

( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) َإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ) (10)

إذن الله كامل العلم وكامل الحكمة وكامل القدرة تحاور ولم يستنكف أن يحاور مخلوقاته الطيب المطيع منها واللعين ، فما بالنا بالبشر ؟
ويوجد في القرآن أيضا حوارات لله مع أنبيائه كآدم ونوح وإبراهيم وموسي ، ويورد القرآن أيضا حوارات بين الأنبياء وأقوامهم ، ولفت نظري معني جميل ، تم تقريره من خلال الحوارات بين الأنبياء وأقوامهم ، فالمحاور عن الباطل إما أن يضطر للتهديد ، أو ينظر لأدلة تتعلق بالحالة الإجتماعية والمادية لأتباع النبي ( هذه الطريقة يبدو أنها لم تفقد بريقها ! ) ، أو أنه يبهت ولا يملك جوابا ، أو يسخر. . هنا حالة تهديد من قوم شعيب إلى النبي شعيب

( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) ) (11)

وكذلك حوار إبراهيم مع أبيه الذي انتهى بالتهديد
( َاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) (12) .

وحوار نوح مع قومه وفيه همز بإتباعه الفقراء الضعفاء من غير السادة وانتهي أيضا بتهديد
(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) (13)

وحوار بين إبراهيم والنمرود الملك انتهي بأن بُهت النمرود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (14)

وهنا تتبدي فطنة خليل الله إبراهيم وثباته
أما فرعون فبدأ بالسخرية من موسي ثم ختم بالتهديد (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) ) (15)

غير أنه هناك في القرآن ما يبدو توثيق لأقدم نظرية مؤامرة ، عندما يتهم فرعون السحرة الذين آمنوا بموسي بعد أن رأوا معجزته الخارقة والفارقة عما عرفوه من السحر ، وكان قد فشل حواريا مع موسي ، وتواعدوا على يوم للتحدي بين النبي والسحرة ، وغلبهم موسي فآمنوا ، فماذا كان رأي فرعون ؟

(قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) (16) ، ( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (17)

وكل هذه الآيات توضح لنا أن صفوة البشر وهم الأنبياء قد حاوروا أقوامهم بمنطق و بأسلوب عقلاني بعيد عن الخشونة رغم أنهم يملكون الحقيقة ، وهنا يبدو في القرآن العجز عن إدارة حوار محترم وعقلاني كعلامة على ضعف الحجة وغياب المبدأ ، وكذا الحال بالنسبة للهمز أو السخرية ، و البحث عن نظرية مؤامرة قائمة على غير شواهد منطقية ، أنها معا آيات توضح صورة طبيعية معبرة عن الصلف البشري والتناول السطحي والغباء والعصبية .
________________________________________
(1) الحجرات 13 (2) النساء 135
(3) النحل 125 (4) المائدة 8
(5) الشورى 48 (6) سبأ 24-25
(7) طه 43-44 (8) العنكبوت 46
(9) البقرة 30-33 (10) ص 71- 83
(11) هود 84-91 (12) مريم 41-46
(13) الشعراء 105-116 (14) البقرة 258
(15) الشعراء 23-29 (16) الشعراء 49
(17) الأعراف 123

ابو فيــصل
September 15th, 2008, 13:53
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاك الله خير اخي على القصة الجميلة من اسمها وهي نفسها مشوقة

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

محمود توفيق
September 16th, 2008, 05:33
الحلقة السادسة عشره


النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم )كمحاور


هذا الثراء الحواري في القرآن بالطبع لا يمكن تخيل محمد ( ) بعده رافضا للحوار ، نحن نعرف بداية أن الأنبياء هم شريحة خاصة من البشر يوحي إليها من الله ، وبالتالي نتخيل ابتداءا أن أوامرها وتوجيهاتها تؤخذ على الرحب والسعة ، وطاعتها فضيلة ، والحقيقة أن هذا أمر واقع في كل الأديان ، إذا ليس من المعقول أن يتم التناول مع أفكار وتوجيهات نبي كما يتم التناول مع أفكار قائد عادي .

على أن هذا الطابع الخاص لتوجيهات النبي – أي نبي – لا يلغي فرصة محاورته ، فالأنبياء هم بشر مطالبون بتفتيح وعي البشر ، وهذا لن يتم إلا من خلال وسائل على رأسها الحوار ، هذه الكلمة السحرية التي تسمح بعرض الأفكار على الآخر ، ومن المعلوم ابتداءا إنه لا يمكن الإيمان بنبوة نبي حتى لو شاهد الناس منه خوارق إلا بعد أن يتكلم ، جهازا السمع والنطق لهما دورا أساسيا في الإيمان بالنبوة يفوق دور جهاز الإبصار الذي يلتقط المعجزات ، لا يمكن أن نقول مثلا أن المسيح آمن الناس به بدون الحاجة لسماع أفكاره ، وعرضه لقضية الإيمان وتصحيحه للمفاهيم الخاطئة . وكان يستمع بصبر للإسئلة ، وكان يستخدم بذكاء عالٍ أمثلة تقرٍب الحقائق للأذهان .

يقول النبي محمد( ) "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم" ما وصل إلينا من حوارات ووعظ المسيح وكذلك حوارات ووعظ محمد يدلان أنهما كان لديهما سعة صدر وذكاء يسمح لهما بعرض القضايا بطريقة تناسب عقل المستمعين وتحمل مستويات مختلفة من الحوار على حسب الذكاء والخلفية الثقافية للآخر .

ونحن طبعا لو نتخيل شابا سيذهب إلى النبي محمد( ) أو أي نبي ليطلب منه رخصة في ممارسة الزنا ، فإن أول فكرة تتبادر إلى الذهن أن هذا الشاب قد تعرض لتعنيف شديد أمام الناس على أقل تقدير ، ولكن نظرة إلى هذا الحوار
: يا نبي الله أتأذن لي في الزنا ؟
( ضجة من الجمهور المعترض )
: قربوه
أفسحوا له واقترب بالفعل
: أدن
دنا الشاب حتى جلس أمامه
: أتحبه لأمك ؟
: لا ، جعلني الله فداك
: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ، أتحبه لابنتك ؟
: لا، جعلني الله فداك
: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم ، أتحبه لأختك ؟
: لا ، جعلني الله فداك
فوضع يده على صدره وقال ( اللهم طهٍر قلبه ، واغفر ذنبه وحصن فرجه ) ، ولم يبغض الشاب بعدها شئ قدر بغضه للزنا

هنا واضح تماما إنه رد الشاب للعرف الإجتماعي ، وجعله يشعر بمسئوليته عن احترام حرمات الآخرين ، فهو في كل مرة سيزني ، سيؤذي ابن ، أو أب ، أو أخ أو كلهم جميعا ، ولم يقدم له الأمر الإلهي برغم إنه الأمر الإلهي هو قضيته كنبي ، ولكن حالة الشاب الدينية ، جعلته يشرح له لم هذا الشيء سيء . ثم دعا له

محمد( ) كان يتعامل مع الإنسان الذي أمامه حسب حالته ، وحسب نصيبه من الدين ، وحسب مستوي ثقافته فبينما يتسامح مع إعرابي دخل وأخذ يبول في المسجد ، فمنع أصحابه أن يقطعوا عليه بوله ثم قال للرجل بعد أن انتهي ( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن ) إننا هنا أمام رجل بدوي بسيط لم يتربي على يديه لذا صبر عليه وفهًمه ، ونجده في المقابل عندما سمع أن احد الصحابة – أي احد الكوادر التي رباها - يطيل في الصلاة بالناس دون مراعاة لظروفهم قال له بغضب ( يا معاذ أفتان أنت؟! ) .

وقد كان النبي محاورا للكفار أيضا سواء لعرض فكرة الدين ، أو للتوصل إلى اتفاقيات ، لكن ما قد تم تسجيله لا يبدو فيه أي جدال عقائدي من طرف الكفار يتصف بالعمق ، وقد سجل القرآن ملحوظاتهم كاستغرابهم من فكرة وجود يوم البعث بعد أن يموت الناس وتتحلل أجسادهم ، ووجود جنة ونار ، واعتراضهم على أن يبعث الله بشرا مثلهم ،

واعتقادهم بأحقية أحد العظماء من القريتين الكبيرتين بنزول الوحي عليه بدلا من محمد ، وقولهم أن الأصنام يعبدونها لتقربهم من الله ، كما أنهم أحيانا كان يحاولون إثناءه عن إكمال الدعوة بعرض المغريات عليه ، ولكنه رفض ، وفي المجمل يبدو أنه لم يكن لديهم حتى فكرة عميقة عن معتقداتهم هم ، كانوا أقرب ما يكونوا إلى الدهريين ، وكان معظم حنقهم على الدعوة مما تخيلوه من أضرار الدعوة بمركز القبيلة بين العرب ، وهم سدنة البيت ، و بلدهم عاصمة عبادة الأصنام في الجزيرة العربية ، ومن هذا كان لهم وضع تجاري وديني متميز ، لكن في كل الأحوال ما فكًر أحدهم في لقاء محمد( ) للتحدث معه إلا ووافق محمد ، ويستمع محمد لمنطق الطرف الآخر حتى ينتهي كلامه بدون أي مقاطعة ، وقد كانت له كلمة أعجبتني قالها في ظرف حساس يوحي باحتمال مواجهة بين المسلمين والكفار من القبيلة عندما ذهب بالمسلمين لأداء العمرة ، والقبيلة انتصبت لتمنعهم من أن يمارسوا شعائر العمرة إلى البيت ، وقد كان ابعد الناس من الناحية النفسية رغبة في أن تحدث مواجهة بينه وبين القبيلة ، لقد جاء لممارسة العبادة هو والمؤمنون لا أكثر ، لقد قال ( والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ) .

وقد كان النبي محمد( ) يتحاور مع اليهود ، ويسألونه في مسائل دينية ، فمر على جماعة منهم مرة فسألوه عن الروح ، وعندما أخبرهم بآية نزلت عليه في التو مفادها أن الروح من أمر الله ، وسألوه عمن جاءه بهذا ، فقال جبريل ، فقالوا ( والله ما قاله إلا عدو لنا ) ، وقد أنكر بعض المستشرقين أن ينظر اليهود القدامى لجبريل هذه النظرة ، وشكوا في صحة ما ذكرته كتب السنة بهذا الشأن ، غير أن هناك تلميحا لهذه العداوة في اشعياء ،ولا يستبعد أن تكون تلك العداوة تسربت للثقافة الشعبية اليهودية (ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه ، فتحول لهم عدواً وهو حاربهم ) (1)

ونلحظ توفر مجال طبيعي من جانبهم للإستفسار منه ، وأيضا توفر مجال واسع للتعبير عن رأيهم في ملاك الرب ، والصورة توحي بقبول محمد( ) للحوار وتحمله لمستوي عالٍ من الصراحة في التعبير عن الأفكار ، رغم أن القرآن رفض التعريض بجبريل (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) (2) ، وكذلك المسيح رفض ذلك (و من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له و أما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم و لا في الآتي ) (3) فهو روح الله الحي جبرائيل كما في رسالة بولس الثانية إلى أهـل كورنثوس
ومثلما كان يحدث مع المسيح من عرض أسئلة عليه لاختبار علمه وإيمانه من قٍبل اليهود تعرض النبي محمد ( ) لذلك أيضا . وهذا من وجهة نظري من المفترض أنه يمثل في حد ذاته تربية عظيمة لأتباع الأديان ، أننا أمام قيادتين دينيتين كبيرتين تبعهما مليارات من البشر خلال القرون السابقة تعرضتا لأسئلة دينية وأجابتا عنها واستمعتا لتعليقات تثني على الإجابة أو ترفضها ، هذا والله لا نستطيعه نحن معظم البشر العاديين في أعرافنا عندما نكون إزاء ما نعتقد أنه ليس له حق تقييمنا .

وقد حاور علماء مسيحيين أيضا جاءوه من نجران وصلوا في مسجده ، واستمع لوجهة نظرهم فترة طويلة عن إن المسيح هو الله وليس مجرد نبي عظيم ، وليس المهم هو هل أدي هذا الحوار لنتيجة من ناحية تبديل العقائد ، لم يحدث هذا ، ولكنه يحدد لنا أن للآخر حق التحاور مع المسلمين ، وان للمسلمين حق التحاور مع الآخرين ، وحق تبادل الأفكار ، هذا الحوار لم يغير عقائد ولكنه أدى لتوثيق الحقوق والواجبات ، إننا نتكلم عن مشهد عجيب ، حوالي ستين مسيحي يصلون صلاتهم في مسجد النبي محمد( ) ويحاورونه هناك !.
________________________________________
(1) اشعياء 63: 10 (2) البقرة 97
‏ (3) متى 12 : 32

محمود توفيق
September 17th, 2008, 00:37
الحلقة السابعة عشره


محمد( صلى الله عليه وسلم ) والآخر

مما لاشك فيه أن محمدا ( )عندما بدأ الدعوة كان يتعامل مع آخر مختلف تماما ، فلقد وُلد ونما ووصل إلى سن النضج وسط قوم وثنيين ، في هذه الحالة التي تقوم على التناقض الواسع بين النبي والقوم الذي بُعث اليهم ، لن يكون هناك فرصة للنجاح إلا باتصاف النبي بالصبر والأناة والقدرة على مخاطبة الناس على قدر عقولهم ، ولين الجانب والذوق الرفيع ، وكلها صفات أشار إليها القرآن كمؤهلات لمحمد( )

ولم يظهر كل الأنبياء في بيئات معاكسة لمفاهيمهم تماما ، فقد كان أنبياء بني إسرائيل يظهرون في قوم لديهم الكتاب ويعرفون الله ، ويعرفون الوصايا الموسوية العشر
إن اللاتسامح يُولد في بيئة بها درجة عالية من المتفق عليه وليس كما يعتقد البعض ، حينما يستخدم الفرقاء مصطلحات واحدة ومفاهيم واحدة ولكن بتأويلات وفلسفات مختلفة ، فينشا التعصب نتيجة التنازع على الميراث الفكري الواحد ، والأمثلة كثيرة
وحتى من الملاحظ في سيرة محمد هو انه لا يبخس الكافر حقه في أن يوصف بصفة حميدة فيه كالشجاعة أو الكرم أو الحلم أو اللين ، ومن المعروف أن المتعصب لا يمتلك غالبا هذه القدرة على التفريق بين شعوره الشخصي وتقيمه للناس .

والأمر الآخر الهام هو أن محمد( ) كان يري الكل ويهتم بالكل بصرف النظر عن عرقهم ودينهم ، فالعقيدة الإسلامية في محمد( ) انه مبعوث للناس أجمعين بلا استثناء ، ولذا كان أي شخص بالنسبة له هو مسلم ( محتمل ) ، إلا أن يظهر الشخص عداوة واضحة للدين والدعوة تقطع بأنه ميئوس منه ، وكونه للكل لم يجعل له هذا آخر ثابت ، وجعله هذا غير ممتنع عن أحد يفكر في التعرف على ماهية هذا الدين سواء كان ابيضا او اسودا ، غنيا أم فقيرا ، شيخا فانيا أم بطلا واعدا ، ملحدا أم راهبا مسيحيا أتاه من اليمن ليتعرف على الدين عن كثب ، لذا لم يكن لديه خبز محجوز للبنين فقط ، فالكل بنين ، وهذا التوسع واللا حصرية لن يناسبا نبيا مرسلا لقوم معينين.

وبخلاف هذا الإتساع في الرؤية الذي أعطته إياه طبيعة رسالته وطبيعة قومه ، إلا أنه أيضا كان يتعامل مع غير المسلمين في أمور تتصف بالجدية وذات خطر عالٍ كالإتفاقيات ، بل أنه استأجر مشرك كدليل لرحلته من مكة إلى المدينة ، وهذا إقرار منه بإمكانية الثقة في غير المسلم والتعامل معه في أمور ذات خطر عالٍ ، وهذا مثل لا يمكن إعطاؤه وزنه الحقيقي إلا بوضعه مقارنا بصيغ أخرى في التعامل مع الآخر ، تجعل من الآخر مجرد حيوان أو روح شيطاني غير جدير ليس بالثقة ولكن حتى بالنجدة .

القرآن لا يمنع المسلمين من التعامل مع المسالمين من غير المسلمين بالبر والعدل

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) ( 1) ويؤكد الإختلاف كسنة من سنن الله في الإجتماع الإنساني

(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) (2)

وقد كان محمد( ) يعيش في المدينة وهو حاكم لها مع ( آخر ) هم اليهود ، وكان يتزاور معهم ويزور مرضاهم ، ويحضر ولائمهم ، ويقوم إذا مرت جنازة يهودي ، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي ، بل أن محمدا( ) كان له زوجة من أصل يهودي ، هي صفية وهي من نسل هارون ، وقد غارت زوجتاه عائشة وحفصة من جمالها ، فكانت عائشة تفخر عليها وتقول : أنا بنت الصديق ( أول خليفة فيما بعد ) ، وحفصة تقول : أنا بنت الفاروق
( ثاني خليفة فيما بعد ) ، فاشتكت صفية للنبي محمد فقال لها ( قولي لهما أنا أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد ، فأيتكن مثلي ؟ ) ، وأنبهما فيها

وكما سجل التاريخ يهود اقتربوا من محمد( ) واحترموه وبقوا على دينهم سجل أيضا أسماء لعلماء يهود احبوه وآمنوا به مثل عبد الله بن سلام ، وسجل اسم رجل استشهد في حرب من الحروب مع جيش محمد بل وترك ميراثه له يفعل به ما يشاء ، حتى قال عنه محمد( ) ( مخيريق خير يهود ) ، ولم يبخسه وهو يراه فذا من الناحية الأخلاقية نسبه للشعب اليهودي ، هذه هي البدايات الصحية منطلقة من بيئة المدينة ، لذا يسجل التاريخ أسماء عدد ممن استوزروا من اليهود والمسيحيين في عصور مختلفة من الدولة الإسلامية ولم يكن هناك ثقافة تسامح لدي الأوطان والممالك الأخرى لإستوزار مخالف في الدين ، بل هناك دول من الصعوبة فيها وصول مسلم للبرلمان رغم أنها دول متمدينة وعلمانية ، ولا يمكن تفسير استعمال الخلفاء المسلمين لوزراء يهود ومسيحيين على أنه ناتج عن ثقافة منقطعة الصلة بتعاليم محمد( ) أو بتعاليم القرآن ، ومحمد( ) لما ضيق المشركون الخناق على المسلمين أمر بعضهم بالهجرة للحبشة التي كان يحكمها حاكم مسيحي وقال لهم ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فان بها ملكا لا يظلم عنده أحد) بل نعجب من سماحته إذا عرفنا أن القبيلة التي كانت تحارب محمد قبيلته قريش قد مرت بها فترة قحط ، فبعث أموالا وُزعت على فقراءها ! .

لقد كان هناك سماحة لا يمكن إنكارها في التعامل مع اليهود والمسيحيين في العصور الإسلامية الذهبية ، وعندما تتوفر السماحة بين ثقافتين ، ففتش دائما عن الدولة أو الحضارة الأقوى باعتبارها المسئول الأول عن السماحة والتعامل الجدي اللبق ، وفتش عنها عندما يكون هناك تربص وكراهية متبادلة وتنظير للصراع الحضاري ، وقد كان هناك معاملات راقية بين العباسيين ودول أوروبا ، ولما فتح المسلمون الأندلس أقاموا علاقات مؤسسة على حسن الجوار مع بريطانيا وألمانيا .

بعث جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد برسالة إلى السلطان هشام الثالث في الأندلس، جاء فيها:
( إلى صاحب العظمة / خليفة المسلمين / هشام الثالث الجليل المقام ....
من جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد ...
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل... لتكون بداية حسنة لاقتفاء أثركم، لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.
وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وفي حماية الحاشية الكريمة..
وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع
جورج الثاني ) .

ورد عليه الخليفة هشام برد جاء فيه بعد الشكر ( ..... لقد أطلعت على التماسكم فوافقت بعد استشارة من يعنيهم الأمر على طلبكم ، وعليه فإننا نعلمكم بأنه سيتفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين ، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي ) (1)
بل إن الذوق وحسن الجواب لم يكونا مفتقدين حتى في أجواء الصراع الدامي الذي أشعلته أوروبا باسم المسيح ، فقد بعث ريتشارد قلب الأسد رسالة إلى صلاح الدين الأيوبي

(من ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنجليز إلى صلاح الدين الأيوبي ملك العرب
أيها المَولَى..حامل خطابي هذا بطل باسل صنديد، لاقى أبطالكم في ميادين الوغى، وأبلى في القتال البلاء الحسن، وقد وقعت أخته أسيرة، فقد كانت تدعى (ماري) وصار اسمها (ثريا).
وإن لملك الإنجليز رجاء يتقدم به إلى ملك العرب وهو: إما أن تُعيدوا إلى الأخ أخته، وإما أن تحتفظوا به أسيراً معها، لا تفرِّقوا بينهما ولا تحكموا على عصفور أن يعيش بعيداً عن أليفه.

وفيما أنا بانتظار قراركم بهذا الشأن، أذكِّركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب ـ وقد سمعته من صديقي الأمير حارث ـ وهو: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ".
فأرسل صلاح الدين برد إلى ريكاردوس
( من السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى ريكاردوس ملك الإنجليز
أيها الملك: صافحتُ البطل الباسل الذي أوفدتموه رسولاً إليّ، فليحمل إليكم المصافحة مما عرف قدركم في ميادين الكفاح. وإني لأحب أن تعلموا بأنني لم أحتفظ بالأخ أسيراً مع أخته؛ لأننا لا نُبقي في بيوتنا سوى أسلاب المعارك، لقد أعدنا للأخ أخته. وإذا ما عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكي يعمل ريكاردوس بقولٍ عندكم: " أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". فرُدَّ أيها الملك الأرضَ التي اغتصبتها إلى أصحابها، عملا بوصية السيد المسيح عليه السلام ) (2)
وهناك أمثلة كثيرة تعرفنا كيف كان محمد( ) يرى الآخر ، وكيف ربى المسلمين على التعامل معه باعتدال .
________________________________________
(1) الممتحنة 8 (2) هود 118
(3) جون داونبورت العرب عنصر السيادة في القرون الوسطي
(4) نادر العطار تاريخ سوريا في العصور الحديثة

محمود توفيق
September 17th, 2008, 16:42
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاك الله خير اخي على القصة الجميلة من اسمها وهي نفسها مشوقة

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ولك مني أخي أبو فيصل ألف شكر وتحية على اهتمامك بنصي

وعساك من عوَّاده

محمود توفيق
September 18th, 2008, 01:32
الحلقة الثا منة عشره


اعتدال محمد(صلى الله عليه وسلم )


لقد راسل النبي محمد( ) حكام مصر والروم وفارس والحبشة وغيرهم بخصوص الدعوة للدين الجديد ، وكانت رسائل ذات لهجة معتدلة ذات طابع دعوي ملتزم ومقتصر ، وكان يبحث عن المشترك لما أرسل رسائله لحكام مسيحيين ، لقد كان يبدأ دائما بحسن الظن بالقوى المسيحية ، على أساس أنهم أهل كتاب يعبدون الله ، وكان يكتب لهم آية تقول (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ ) (1) ، ولم يبادر محمد( ) بعداوة أي دولة من الدول التي راسلها .

لقد استفاد محمد ( )من الهدنة التي عقدها مع أهل مكة في مراسلة الملوك ، إنه لم يركن للراحة أو يكتفي بمجهوده الدعوي داخل الجزيرة ، يمتلك طاقة جبارة بلا شك ! ، ولا يلتفت لكون هذه الرسائل قد تمثل لعبا في أعشاش دبابير رهيبة حول الجزيرة ، وهو سلوك يدعو للتأمل ولا يصح المرور عليه مرور الكرام ، على كلٍ يبدو له أي (آخر ) كأنه مسلم محتمل ، ويبدو له أيضا - من خلال معرفتنا انه راسل ليدعو ، ومعرفتنا الذين راسلهم – أن تبعات الإمتناع عن دعوة الملوك ( أي عدم القيام بالتكليف الإلهي ) تبدو له أخطر من تبعات دعوتهم التي قد تمثل استفزازا ، كما حدث مع كسرى الذي مزق الرسالة ، والذي أرسل لحاكم اليمن ( باذان) ليرسل له محمد( ) ليؤدبه على تجرؤه على كسرى بإرسال رسالة يدعوه فيها لإتباعه ( أي أن الأمر كان ينطوي على مخاطرة فعلية ضخمة ) ، وقد عاد من ناحية أخرى رسول محمد لكسرى واخبره بتمزيقه للرسالة فدعا عليه محمد( ) أن يمزق الله ملكه ،

وأرسل باذان رجلين لضبط وإحضار محمد ، ووصلا إليه وأبلغاه الأمر فقال لهما محمد( ) ( اذهبا إلى صاحبكما ( يقصد حاكم اليمن ) فقولا: إن ربي قد قتل ربك الليلة ) ، ولما عادا إلى باذان بما قاله محمد وهي النبوءة بمقتل كسرى ، تريث باذان وقال فلننتظر لعله نبي ،وأخيرا جاءته الرسائل من فارس تثبت قتل كسرى في نفس الليلة التي تكلم عنها محمد( ) فأسلم حاكم اليمن والكثير من الشعوب العربية التابعة لفارس بسبب انتشار خبر إسلام باذان ومعرفة محمد بمقتل كسري في نفس الليلة ( عليُ أن لا أفكر في الحمام الزاجل ) .

ونلحظ أيضا ذكاء وفصاحة وشجاعة من أرسلهم محمد( ) لحمل الرسائل ، وكانوا جاهزين لتقديم أية إيضاحات يطلبها الحاكم ، لذا كان اقتضاب الرسائل من ذكاء وحكمة محمد أيضا ، فهي مهذبة من جهة وخالية من اي تلطف مبالغ فيه في محاولة الإقناع ، فإذا ما بدا من الحاكم أدنى استعداد للإستماع سيكمل حامل الرسالة المهمة باقتدار ، وإذا لم يبد الحاكم ذلك لم تكن الرسائل بلطفها الزائد مما يحرج صاحبها -وهو نبي- بعد غلظة الرد أو اللامبالاة من حاكم ، وقد كان محمد( ) شديد التواضع مع البسطاء والفقراء ، إلا أن شدة التواضع مع الحكام هو سلوك العامة الذي اعتادت عليه الحكام ولا يلفت الإنتباه . ها هو ( حاطب ) يقول لحاكم مصر من ضمن ما قال ( لعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد ، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك اهل التوراة إلى الإنجيل ، فكل نبي أدرك قوما فهم أمته ، فالحق عليهم أن يطيعوه ، وأنت ممن أدركه هذا النبي ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ، ولكنا نأمرك به )

وكان من رد المقوقس حاكم مصر ( إني قد نظرت في أمر هذا النبي ، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهي عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب ، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر ) . ولا يُفهم من رسائل محمد( ) للحكام أنها فقط لهم هم ، فقد كان الناس في ذلك الزمن يتبعون دين الحكام ، كما أن محمدا يعرف جيدا أن رسائله سيصل أمرها إلى خاصة الحكام والمتنفذين ورجال الدين والنبلاء ، أي أنه يثير جدلا ، ويرمي حجرا في الماء الراكد ، كما أن محمدا( ) لم يكن يريد لدينه أن ينتصب على بحر من الدماء لذا كان يبدأ بأيسر الطرق وأقلها كلفة ، وهي مخاطبة الحكام ، ويكفي أن نعلم أن محمدا( ) الذي اعتبره البعض تهكما
( مارس) اله الحرب ، قد يسط نفوذه ونشر دينه وأزال الأصنام في أنحاء الجزيرة العربية بعد حروب قُتل فيها من المسلمين 259 ومن أعداء محمد 759 (2) ، وهو ثمن يسير إذا ما قورن بالنتيجة ، وبما فعله هذا الدين في تحضير العالم بعد نجاحه في إقليمه الأول
( الجزيرة العربية ) ، وإذا ما قورن على حياء بقتلي الصراع العقدي المسيحي - المسيحي والذي لم يكن له نتيجة إذ ظلت بعده الإنقسامات والأفكار كما هي وما زاد إلا الجراحات والأحقاد .

إن البعض يسقط تجاربه شديدة السواد على العالم الإسلامي ، والإسقاط حيلة من حيل المجتمعات مثلما أنه حيلة من حيل الأفراد ، لا يروق للكثيرين دراسة تاريخ الأديان ، كل ما يحتاجونه القليل من المعرفة ، والمشكلة تكمن فيمن هو المتصدي لإنتاجها ، نعم ظهرت في العالم شرائح متمدينة ومتحضرة ، تؤمن بالحوار كوسيلة للتعايش ، وهذه الشرائح لا تنطلق من منطلقات دينية ولكنها تمتلك رؤية محترمة للوجود الإنساني ، ولأنها غير معنية بالبحث في جوهر رسالات الأديان ، وصنعت من الضمير والمدنية شبه دين جديد ، فإنها قد التقطت وعلى مدي طويل صورا شوهاء عن نبي المسلمين وعن نظرة المسلمين تجاه الآخر ، هناك تشويه منهجي متعمد بلا شك .

وتحميل النبي محمد( ) أخطاء المسلمين غير مقبول مثلما أن تحميل المسيح أخطاء المسيحيين غير مقبول أيضا ، وتحميل موسى أخطاء اليهود أيضا غير مقبول ، ونحن نعيش في عالم واسع لا ينحصر في أتباع الديانات السماوية الثلاث، ومن عجب ان يكون التربص بين أتباعها لا نظير له في التعامل مع أتباع الديانات الأخرى ، ومن عجب أن لا يشعر مسيحي بأي نفور من أي شخص في العالم يدين بأي دين أو لا يدين بأي دين ولكن قد يشعر بهذا الشعور تجاه مسلم فقط لأنه مسلم – ليس معظم المسيحيين يفكرون بهذه الطريقة بالطبع – ومن المفارقات أنه حول العالم يوجد مسيحيون لا يؤمنون بأن المسيح وُلد من عذراء ، بينما لا يوجد هذا في الأوساط الإسلامية ، حيث يعتبر من يعتقد هذا الإعتقاد ( كافر ) ، بل أن هناك من المسيحيين من لا يؤمن بأن المسيح هو الله ، ويكاد يلامس الطرح الإسلامي ، ومع ذلك فهو يعتقد أن المسلمين يكرهون المسيح ، وما هو مصدرك ؟ مجرد انطباع . وماذا أيضا ؟ ومحمد إرهابي لأن أتباعه يقتلون المدنيين .. وماذا عن أتباع المسيح الذين يقتلون المدنيين باسم المسيح ؟ لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة ولكني اكره القتل والحروب عموما

هذا شيء مما يدور في الواقع . نعم هناك جهات مسيحية ترعى وتبارك اشد أنواع العمليات فتكا بالمدن ، ولكن هناك شرفاء كثيرين في العالم المسيحي ورجال دين يرفضون هذا الجنون المتستر بالدين ، ونجدنا أمام مفارقة أخري ، وهي أنه من السهل جدا أن يطلق على محمد إرهابي لأن هناك فصائل إسلامية إرهابية ، ولكن من هو المسلم الذي يعيش في مجتمعه الإسلامي الذي يملك الجرأة لأن يصف المسيح بالإرهابي لأن هناك جيوشا تتحرك على ادعاء أنها مسيُرة ببركة المسيح ؟ هذا لم يحدث أبدا . والوضع وصل إلى درجة من السوء بحيث أصبح من الضروري تثقيف أجيال جديدة على التحشم في طريقة تناول رموز الآخرين الدينية ، وهي ليست كثيرة جدا حول العالم بحيث ندعى أن هذا محبط جدا لمن لا يريدون أي حدود لحرية التعبير .
________________________________________
(1) آل عمران 64 (2) ابو الحسن الندوي ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

محمود توفيق
September 19th, 2008, 13:13
الحلقة التاسعة عشره


وثيقة المدينة



من الجيد أن نعتبر القرآن وثيقة تبين أسس التعامل مع الآخر المختلف في العقيدة بالنسبة للنبي محمد( صلى الله عليه وسلم ) ، ومن الجيد أيضا لو استعنا بأي وثيقة صدرت من محمد(صلى الله عليه وسلم ) تبين لنا مبادئه في هذا الموضوع البالغ الأهمية ، ومن حسن الحظ أن هذا متاح

فقد وضع محمد( ) وثيقة تسمي وثيقة المدينة لتنظم العلاقات في المجتمع الإسلامي الجديد الذي يضم المسلمين من أهل المدينة والمسلمين من قبيلة محمد( ) الذي هاجروا مثله ، وكذلك اليهود ، وفي هذه الوثيقة نجد
( كتاب من محمد النبي رسول الله، بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم؛
-أنهم أمة من دون الناس؛

- و أن المؤمنين المتقين على من بغي منهم ، وأن أيديهم عليه جميعا ولو ولد أحدهم
-وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
-وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن.
-وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
-وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم: مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم.
-وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
-وأن لبني الشُطَيْبة مثل ما ليهود بني عوف. وأن البر دون الإثم.
-وأن موالي ثعلبة كأنفسهم.
- وأن بطانة يهود كأنفسهم

- وانه لا ينحجر على ثأر جرح ( معالجة الثارات بدلا من كتمانها حتى يتم الفوز بها أي معالجة أسباب الفتنة والاقتتال الداخلي )
- وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم
- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه ( أي أن القيادات المدنية التي ستلتزم بهذه الوثيقة إذا دعت لعقد صلح مع الخصوم كان على أعضاء جماعتهم أن يوافقوا على هذا الصلح
- وإنهم إذا ما دعو إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب الدين ( تلتزم جماعة المؤمنين بصلح قد دعي له أعداء الجماعة
- وأن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم ، على ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة
- لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم ) (1)

هذه بنود من وثيقة المدينة التي تكونت من 69 مادة ، عني فيها النبي محمد( ) بإبراز اسم كل جالية يهودية على حدة مهما صغر شأنها من ناحية القوة والعدد والمكانة ، وحرص على وضع وثيقة ذات نَفَس قانوني لا يمكن إنكاره ، كما أنها شديدة الواقعية وتعمل حساب لعدم جر أهل هذه الوثيقة للدفاع عن الظلم . تفصيل محمد( ) بنود لكل جماعة يهودية على حدة دون التوقف عند الجماعات الأكبر ذات النفوذ المالي والتجاري والصناعي يعبر عن إدراك واعِ واحترام لفسيفساء المجتمع ، وأقرت الصحيفة مبدأ الدفاع المشترك والنصح والبر بين أهل هذه الصحيفة جميعا وأعطتهم حق كامل للمواطنة شمل كل قبائل اليهود وتقرر لهم حقوقهم ولتابعيهم مثلهم وتساويهم بجماعة المسلمين مساواة واضحة .

يمكن القول أن محمدا( ) لو كان إقصائيا متعصبا لما تردد في إجلاء اليهود بعد تدشين الدولة مباشرة ، فقد كان عدد أتباعه أكثر كثيرا من اليهود ، وهم عرب من أهل الجزيرة التي كانت ملجأ آمنا لهم بعد أن شتتتهم قوي متعددة على مر قرون ومنها الرومان والمسيحيون ، كان العرب أهل البلد وفي حالة طاعة كاملة لمحمد ( ) ولن يترددوا في تنفيذ أوامره بإجلاء اليهود ، ولكنه لم يفعل ، ويقول Muir في كتابه حياة محمد ( كان النبي محمد منذ دخوله المدينة يرغب في أن يعقد وإياهم اتحادا متينا ) (2)

و أنا اعتقد أنه كان يطمح أيضا – وهذا من حقه بل واجبه كنبي – أن يتحول اليهود أو جماعات منهم بطريقة سلسة للإسلام نتيجة لمباشرتهم مشروع مدينة فاضلة لله فيها – وهم موحدون – الكلمة العليا ، ولمتابعتهم لتعاليم جديدة لكنها تأكيد للتعاليم السماوية الأساسية ووصايا موسي ، ويبدو من سياق الأحداث أنه في بدايات هذه الدولة أن اليهود قبلوا محمدا( ) لما تميز به من جدية وروح قيادية واستقامة وعدم محاباة وعدم حضوره للمدينة بذاكرة مسمومة تجاه الجنس اليهودي ، وربما لأنهم رأوا أمامهم نبيا موحٍدا ، هو ارقي فكرا وعقيدة من العرب الوثنيين ، لذا فهذا يكفي لتسلل شعور ما بأنه ( واعد ) وربما يتهوًد ، ويتزعمهم لإنشاء دولة يهودية في جزيرة العرب توقف تهديد المسيحية التي أجلتهم (3) ، لكن نستطيع أن نقول أن الظاهر على السطح أنهم تبادلوا في الأيام الأولي درجة معقولة من التقدير

________________________________________
(1) سيرة ابن هشام & محمد حميد الله الوثائق السياسية (2) د حسين هيكل حياة محمد
(3) Muir The life of Mohammed

محمود توفيق
September 20th, 2008, 01:36
الحلقة العشرون


كتاب محمد (صلى الله عليه وسلم )
لنصارى نجران


إن وفد مسيحيي نجران المكون من حوالي 60 رجلا من الرؤساء والعلماء قد أتوا لمحمد وناظروه في المسجد وصلوا في مسجده و هذا في وقت قد استقرت فيه دولته وسادت في الجزيرة العربية ، وكان من ضمن ما حدث أن تجادل اليهود من سكان المدينة مع ضيوف المدينة من المسيحيين ، وهذا كان امتدادا طبيعيا لمشاحنات طويلة بين أهل الديانتين ، ولكن الجديد هو أن تنفجر في حضرة نبي جديد برسالة جديدة وفي مسجده ، و لم تكن الجزيرة العربية المسرح المناسب لهذا النوع من الخلاف ، وكان الإختلاف بين الفريقين عن ديانة إبراهيم ، هل هو يهودي أو نصراني فنزل القرآن على محمد( ) ، يستنكر المحاجة في دين إبراهيم وقد نزلت التوراة والإنجيل من بعده ، فقال رجل من أحبار اليهود ظنا منه أن محمدا بنفي قرآنه ليهودية إبراهيم ونصرانيته وإثباته أن إبراهيم كان على نفس العقيدة التي ينشرها هو بذلك يطلب أن يُعبد ، أو لعله أراد أن يلمز الفريق الآخر المسيحي فقال لمحمد( ) : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال رجل من نصارى نجران : أو ذلك تريد يا محمد وإليه تدعونا ؟ فقال : معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني ولا أمرني .

وأفهمهم أن دين الله وهو الدين الذين كان عليه إبراهيم والأنبياء هو التوحيد ونفي الربوبية عن الملائكة والأنبياء لذا يصح أن يقال عن إبراهيم أنه كان حنيفا مسلما ، حيث تعني الحنيفية الإستقامة وميل النفس تجاه الله وأوامره وللعمل الصالح ، والمعني الإجمالي حسب ما استطيع هو عبادة الله وحده بدون شريك ، وبدون واسطة من رجل دين ، وعمل الأعمال الصالحة .

وسألوه عن قوله في المسيح فنزل القرآن بعد جدال طويل
( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) ) (1)
وعرض عليهم المباهلة ، وتخوفوا منها ، على اعتبار أنه قد يكون نبيا حقا فتصيبهم وأهلهم كارثة ، ثم كتب لهم كتابا منه هذا

(( ولنجران وحاشيتها جِوَارُ الله وذمة محمد النَّبيّ على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبعيهم, وأنْ لا يُغيِّروا مما كانوا عليه, ولا يغَّير حق من حقوقهم ولا ملتهم, ولا يَغَّيروا أسقُفٌ عن أسقفيته ولا راهب من رهبانيته, ولا واقهاً عن وقيهاه(4) وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير, وليس عليهم دنيَّة ولا دم جاهلية, ولا يُحْشُرُوْنَ, ولا يُعْشرون, ولا يَطأُ أرضهم جيش, ومَنْ سَأَلَ منهم حَقَّاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين, ومن أكل رباً من ذي قبل فذمتي منه بريئة, ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر, وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمةُ محمد النَّبيّ رَسُول اللهِ حَتَّى يأتي الله بأمره, ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلمٍ )) (2)
ثم لما جاءه أسقف نجران ليشاهده ويتعرف عليه كتب له هذا الكتاب ليأخذه معه وقت رحيله ليكون عهدا بين الدولة الإسلامية ونصارى نجران بعده

( بسم الله الرحمن الرحيم, من محمدٍٍ النَّبيِّ إلى الأسقفِ أبي الحارث وأساقفة نجران, وكهنتهم, ورهبانهم, وأهل بِيعِهم, ورقيقِهم, وملتهم وسوقتِهم, وعلى كل ما تحت أيديهم من قليلٍ وكثيرٍ جوار الله ورسوله لا يُغير أسقف من أسقفته, ولا راهب من رهبانيته, ولا كاهن من كهانته, ولا يغير حقٌّ من حقوقِهم, ولا سلطانهم, ولا مما كانوا عليه. على ذلك جوارُ اللهِ ورسولِهِ أبداً ما نَصَحُوا وأصلحُوا عليهم غير مثقلين بظالم ولا ظالمين) (3)
وهذا هو عقد الذمة الأول في تاريخ الإسلام ، وهو يعني عقد لحماية أصحاب الديانات السماوية الأخرى من أن يتم التعرض لهم في مجتمع ذي غالبية مسلمة تعرضا ينقص من حقوقهم المدنية أو الدينية ، وهو شيء متوقع وقاعدة في ذلك العصر في أي مجتمع ، لذا كانت الذمة تعتبر عهد ديني من النبي بمباركة الله لحماية الأقليات الدينية ، في وسط مجتمعات – وأعني بها كل المجتمعات البشرية – لم تصل لدرجة من الوعي بحيث تنصف الآخر المخالف في الدين بدون أي يكون هناك عهد ما غليظ يحفظ ذلك ، وهو في نفس الوقت عقد يجعل المختلفين في العقيدة جزءا من سياج الأمة الذي لا تؤتي منه .

هذه خطبة المسيحي العربي يوسف نعيي عرافة في ذكرى المولد النبوي عام 1346هـ 1927 م متطرقا إلى معاهدة الرسول مع أصحاب الديانات الأخرى ، لاسيما المسيحيين منهم
(( إن محمداً هو باني أساس المحبة والإخاء بيننا ، فقد كان يحب المسيحيين ويحميهم ، من ذلك ما قام به في السنة السادسة بعد الهجرة ، حيث عاهد الرهبان خاصة والمسيحيين عامة ، على أن يدفع عنهم الأذى ، ويحمي كنائسهم وعلى أن لا يتعدى على أحد من أساقفتهم ولا يجبر أحداً على ترك دينه ، وان يمدوا بالمساعدة لإصلاح دينهم وأديرتهم ، كما أن القرآن نطق بمحبة المسيحيين للمسلمين وبمودتهم لهم ، وإن الآية الشريفة :  و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون  ، لتبعث على شد أواصر الصداقة بين الطرفين ، بل حتى مع الشعب الإسرائيلي في أكثر الأوقات ، إننا لنعلم أن ما أتى به الرسل موسى وعيسى ومحمد ما هو إلا لإصلاح العالم لا لإفساده وخرابه ، وما الكتب الثلاثة المنزلة إلا نور صادر من بؤرة واحدة ينعكس نورها في ثلاثة أشعة ، كل منها للبشر)) (4) .

يقول وليام بيكر منبها إلى حسن تعامل الرسول مع المسيحيين ( وتشهد وقائع التاريخ أن المسيحيين لم يكونوا مضطهدين في تعاملهم مع المسلمين زمن حياة النبي محمد ، فلقد سمح لوفد مسيحي من نجران ان يبقى ويصلي في مسجد المدينة ، ونصح النبي محمد المسلمين الأوائل أن يهاجروا إلى بلاد الحبشة التي كانت يومئذ نصرانية لكي ينعموا بعدل الملك المسيحي ، ومحمد هو الذي حرر من الأسر إبنة حاتم زعيم قبيلة طي المسيحية ) (5)

________________________________________
(1) آل عمران 59-61 (2) ابن سعد طبقات
(3) ابن هشام سيرة (4) خطبة منسوخة
(5) وليام بيكر المشترك أكثر مما تعتقد

محمود توفيق
September 21st, 2008, 04:17
الحلقة الحادية والعشرون


المَشـتَرَك
إن من أقوي الأدلة على احترام الإسلام للديانتين السماويتين بجانب الآيات القرآنية التي تتكلم عن الديانتين وأنبيائهما ليست تلك المعاهدات التي كان اليهود او المسيحيين طرفا فيها – رغم أنها أدلة قوية أيضا ويؤكد التاريخ ان النبي محمد( ) وفىّ بما التزم به ولم يبادر هو بخرق أي اتفاقية – إلا أن هناك دليلا أقوى ، إنه هذا الشعور لدي جماعة المؤمنين الأولي التي لم يكن العالم الواسع يدري بها ولا بما تتعرض له من اضطهادات في مكة ، شعورها بأن هناك رابطة اخري واسعة تربطها بالمؤمنين بالله الخالق الأعظم ، يحزنون لحزنهم ويفرحون لفرحهم ، رغم انه لا توجد أي علاقة سفارية أو ما دون السفارية ، لا وجد أي شيء ، ففي هذه الفترة المكية انهزم الروم المسيحيون أمام الفرس هزيمة نكراء ، وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا الصراع العالمي الرهيب على ساحة الصراع الضيقة المحلية وقتئذ في وادي مكة ، فقد فرح المشركون بانتصار الفرس على الروم فرحا عقائديا وأغاظوا به المسلمين الذين حزنوا لهزيمة الروم التي كانت تمثل بالنسبة لهم القوة المؤمنة في الصراع ، فينزل القرآن مبشرا بانتصار الروم على الفرس في بضع سنوات (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (1)

وبما انني في مقاربة تعني بمحيط الرسالة حيث لن أتوقف هنا عند كون البشري قد وقعت تماما في المدة التي حددها القرآن ، بضع سنين ، وهو تعبير يعني في حدود التسع سنوات ، أقول إن هذا الشعور يمكن بناءا عليه قراءة مواثيق محمد( ) مع اليهود والمسحيين ليس باعتبارها فقط مواثيق تقتضيها الضرورة المدنية والسياسية لدولة ناشئة بل باعتبارها تأكيدا شرعيا على تصنيف اليهود والمسيحيين بل والصابئة أيضا أي كل من يؤمن بالله وبالحساب على أساس أنهم آخر ، ولكنه آخر موصول وقريب من الجماعة المؤمنة بصلة ما غير العيش المشترك – وهو هام – بل ايضا بوجود حد ادني من الإتفاق في مسائل إيمانية تستدعي معاملة خاصة .

لقد عبرت الآيات عن عاطفة صادقة من جانب المسلمين تجاه فصيل مؤمن بالله صاحب وزن دولي كبير وهم الروم ، وعندما أسس محمد( ) دولته سعي لترجمة هذه العاطفة إلى مواثيق تؤسس لثقة واعتراف واحترام متبادل ، وقد كان المسيحيون أكثر توفيقا في إثبات حسن النوايا تجاه الدين الجديد ، على الأقل في فترة التأسيس هذه ، ولذا شهد لهم القرآن ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) (2) ، والقرآن بطبيعته لا يقدم رِشى ، فرغم أن الإتفاق – صراحة - بين اليهود والمسلمين على عقيدة التوحيد واضح وبين ، والأمر ليس هكذا في العقيدة المسيحية إلا أن القرآن شهد للمسيحيين بحسن النوايا ، بل بأنهم الأحسن نية تجاه المسلمين .

لذا فليس من المستغرب أنه بعد مرور حوالي خمس سنوات من وفاة النبي( ) وعندما فتح عمر بن الخطاب الخليفة الثاني بيت المقدس أن يعطي كتابا هذا نصه ( هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبناهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صُلُبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم )
ويبقي الإفادة بأن شرط عدم سكن اليهود في ايليا كان شرط المسيحيين وليس شرط عمر ، وبقي أن يقال أنها لا تشبه بأي حال من الأحوال حتى من ناحية لغتها أو مضمونها ما كان يمليه وقتها أي منتصر مختلف أ وحتى متفق في الديانة مع المهزوم .


________________________________________
(1) الروم 1-6 (2) المائدة 82

محمود توفيق
September 22nd, 2008, 13:43
الحلقة الثانية والعشرون


صلح الحديبية


في عام ستة هجريا عزم محمد( صلى الله عليه وسلم ) ومعه المسلمون على أن يؤدوا العمرة بالذهاب إلى الكعبة ، وأداء المشاعر هناك ، وجمع إلى جماعته بعض العرب الوثنيين ، لقد طرح محمد( ) وقفه هذا طرح إنساني ، فكرة أنه لا يحق للقبيلة أن تمنع زوار البيت من زيارته ، وقد كان العرب الذين ذهبوا معه يقدرون حقه في الذهاب للعمرة ، وانه لا يجوز منع من يعظم البيت والشعائر من الذهاب له ، لقد حولها في جزء منها لقضية عامة وليست قضية أهل دين جديد ، إنها قضية حرية ممارسة الشعائر الدينية ،

الذهاب للعمرة لا يشكل تهديدا حربيا للقبيلة بأي حال ، فالمُحرِم يمتنع عن القتال ، بل ويمتنع أيضا عن الصيد ، المهم أن القبيلة خرجت لتلقاه في الطريق لتمنعه من هذه الزيارة على أساس أنها تشكل امتهانا لسمعة القبيلة ولكرامتها من وجهة نظرهم ، وبلغه أنهم سائرون إليه ، فقال (والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها )

لقد كان لديه مشاعر تجاه أهله هؤلاء برغم ما عناه منهم ، وكان بعرف مكانة قبيلته في الجزيرة ولم يكن يشأ أن يكون سببا في الحط من قيمتهم ، ومحاربتهم في بلدهم ، فيتحطم وضعهم ، حتى أنه قال ( يا ويح قريش ، أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ، فإن أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهو وافرون ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فماذا تظن قريش ، والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة )
أنه رحيم بهم لدرجة أنه يريد ان يوفر عليهم دماءهم ويتركوه للعرب فينتصر أو ينهزم ويوفروا أنفسهم ، كان يريدهم ألا يقفوا في طريقه ، لأنه سيكمل حتى النهاية .

وبعد اتصالات مكوكية لصده عن الزيارة ، وكان يؤكد للمبعوثين - الذين ترسلهم القبيلة لمفاوضته على الرجوع دون أداء العمرة - أنه جاء لزيارة البيت ليس إلا ولا ينوي على حرب ، في آخر الأمر أرسلت القبيلة ( سهيل بن عمرو )
فلما رآه محمد( ) قال للمسلمين ( لقد سهل لكم أمركم .. لقد أراد القوم صلحا حين بعثوا هذا الرجل ) ، ومن الجيد ومن المعمول به على المستوي السياسي هو محاولة توقع النيات من خلال شخصية الرجل المُرسل للتفاوض ، وبالفعل جاء الرجل وخطب وبدا أنه يريد إجراء صلح ، ولكنه كان على ما يبدو محنكا يجيد التفاوض ، ويجيد تحقيق ما يبدو كأكبر مكاسب ممكنة

وابتدر فنونه التفاوضية برفض امور في الصياغة ليست من متن الصلح نفسه ، فرفض أن يُكتَب الإستهلال الإسلامي ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وأراد كتابة عبارة الإستهلال لدي الجاهليين ( بسمك اللهم ) ووافق محمد ، واعترض سهيل على عبارة محمد رسول الله وقال انه لو يقر بها أصلا ما كان حاربه ووافق محمد على أن يُكتب محمد بن عبد الله .
ثم جاء إلى المتن ، فطلب محمد( ) أن يخلوا بينهم وبين البيت ليطوفوا به ، فرفض لأن هذا سيظهر المسلمين أمام العرب كداخلين للبلد عنوة ، وأجًل ذلك للعام المقبل ، ووافق محمد
وكانت الصيغة النهائية كالتالي : باسمك اللهم

( هذا ما صلح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو
واصطلحا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين يأمن فيهم الناس ويكف بعضهم عن بعض.
( على أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجاً أو معتمراً، أو يبتغى من فضل الله فهو آمن على دمه وماله، ومن قدم المدينة من قريش مجتازاً إلى مصر أو إلى الشام يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله.
على أنه من آتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريش ممن مع محمد لم يردوه عليه.
وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال.
وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثاً، معك سلاح الراكب السيوف في القرب ولا تدخلها بغيرها.
وعلى أن الهدى حيث ما جئناه ومحله فلا تقدمه علينا. )
ودخل في عقد محمد قبيلة خزاعة ، ودخلت في عقد قريش قبيلة بكر ، وهما قبيلتان من مكة بينهما خصومة .. لقد كان الصلح محبطا للمسلمين من حيث أنه أعطى للمشركين أكثر مما ينبغي ، ومالت البنود لصالحهم بشكل واضح رغم أن كفة الميزان كانت مائلة لصالح المسلمين ، ولكن محمدا يبحث عن أي شيء معقول يمكن الإتفاق عليه مع قومه يحقن الدماء ، نعم كان يريد لدينه أن يظهر ، ولكن بأقل تكلفة ممكنة
ويبدو أنه من النوع الذي لديه طاقة عالية على تحمل اختبارات شديدة لقدرته على صون المواثيق ، فقبل أن يجف مداد القلم الذي كتبت به الوثيقة ، إذا بإبن سهيل الذي فاوض ووقع عن الجانب الوثني يأتي إلى الناس وهو يرسف في أغلاله يطلب اللجوء للجماعة المسلمة ، ولطمه أبوه ورفض أن يجيزه إلى محمد ينما كان الرجل المعذُب يستعطف محمدا ، وقال له محمد وهو حزين (اصبر واحتسب فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجاً ) وأفهمه أن هناك صلح وعقد قد تم وانه لا يغدر وينقض اتفاقا

وحدث اختبار ثان ، اذ هرب احد المسلمين المعذبين بمكة بعد ذلك ، ولجأ إلى المدينة ، فأرسلت القبيلة رجلين لمحمد ليرد الرجل حسب الإتفاقية فأعطاهما إياه ، وفي الطريق قتل هذا المسلًم أحد الرجلين بسيف الرجل وطارد الآخر الذي فر راجعا لمحمد يطلب الحماية ووراءه الآخر ينتوي قتله ، ووصل إلى محمد وقال له ( قد والله أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم ) لكنه شعر أن محمدا سيعيده تنفيذا للإتفاق الموقع ، فاختار الرجل أن ينفلت بدينه وبحريته بعيدا ، وأصبح شوكة في حلق الكفار ،

إذ بدأ في تصيد قوافلهم والإغارة عليها وانضم له مجموعة من المضطهدين الفارين ،
حتى أن قريشا سألت محمدا الله والرحم أن يأخذهم عنده ، فأخذهم .. لست هنا في مقام بحث المكاسب التي حققها المسلمون من هذا الصلح ، إذ كان فاتحة خير عليهم ، ولكنه استطاع أن يحقق ببعد نظره مصلحة هامة للدين الجديد ولحماية الدعوة والحرية الدينية كما أنه لم يجد أي داع لأن يهد كيان قبيلته وحرص إلا يحدث ذلك ، لقد سمح للصراع بأن يتحول لصراع أفكار ومعتقدات ، فعقيدة الوثنية لم يكن هناك من يتحرك للدعوة لها ، هي شيء موجود كالعادة الأصيلة ومحمي بالسادة ، بينما الدين الجديد يحتاج لأن يصل العقول ، وهذا لن يتأتي في ظروف أفضل من توقف الحرب ، وبالفعل آمن الكثيرون بالإسلام في جو الهدنة . لقد زال التوتر الذي كان يمنع تقليب الأمور ، ولم تعد القبائل والأفراد في حالة متابعة للمشهد الميداني ينتظرون أي الفريقين سينتصر حتى يحسموا أمرهم ، وبدا أن قريشا لم تعد تدافع عن عقيدة راسخة بل أبرمت صلحا يهتم بشأنها هي ، فلما غاب الرائد انفض الجمهور وأخذ الناس يستفسرون عن ماهية الدين الجديد . . أعجبني تشبيه لهذه الإتفاقية بالصلح الذي عقده بسمارك مع النمسا حينما رفض اقتحام فيينا رغم أن الطريق كان مفتوحا تماما عام 1866 م ، واختار أن يعقد معهم صلحا كريما لأنه يعرف أن النمساويين هم شعبه ( 1)
________________________________________
(1) د عبد الوهاب كلزيه الشرع الدولي في الإسلام

محمود توفيق
September 23rd, 2008, 07:09
الحلقة الثالثة والعشرون


فتح مكة


فتح مكة من الأحداث الأكثر أهمية في حياة الدين الإسلامي ، وتفاصيله ثرية بالدلالات ، وكل ما يتعلق بسيرة هذا الفتح يمكن الإستفادة منه في فهم شخصية محمد ، غير أني أورد الحدث هنا في مجال البحث عن لغة محمد في التعامل مع الآخر ، وسأمر علي بعض ما لفت انتباهي ولا يتعارض مع غرض هذه الجزئية من البحث .

لقد بدا أن محمدا يفي بالتزاماته رغم مشقتها علي النفس كالتي استعرضتها في بحثي لصلح الحديبية ، حتى نستطيع أن نقول أنه صارم جدا في عهوده ، وقد استطاع استثناء النساء فقط من شرط رد اللاجئين للمدينة من المضطهدين ، وهو بهذا يدرك جيدا أن بقاء امرأة في مجتمع قاسٍ يحارب عقيدتها قد يؤدي الي الإضرار بها إضرارا يتحمله الرجال الأشداء بصعوبة ، ولم تكن نخوته لتسمح له برد نساء هربن بدينهن ، واحتج بذكاء بأن العقد قد نص علي الرجال ، وكان علي من نسي النساء في شروطه المشددة أن ينساهن بعد أن تم العمل بمقتضاه ،

لكن القرآن لم ينسهن ، فقد نزلت آية بخصوص النساء الفارات الراغبات في الإسلام بدون خلطهن بكلمة عن الرجال ولو حتى بكلام عام عن الناس ، الآية تتكلم عن النساء ، وهي تفيد عدم ردهن ، ووافق القوم علي مضض

أقول أن محمدا كان صارما جدا علي نفسه وعلي جماعته في تنفيذ الإلتزامات ، ومن بمثل هذه السجية لا يقبل من الطرف الآخر إلا نفس الأداء ، إنه يعي جيدا معني الإتفاق .
عندما نفكر في المثالية الأخلاقية في مجال العهود بشيء من التدبر فإننا لا نجدها فقط في التزام الإنسان بتعهداته بل أيضا بأن يكون ذا حساسية تجاه التزام الآخر باتفاقه ،

وله رد فعل علي اي انتهاك من الطرف الآخر يتناسب وحجم الإنتهاك ، إنها مسائل ترتبط بمصلحة المجتمعات ، ومن الشطط أن نقول أن المثالي يقدم أقصى ما لديه في مجال العهود ، ويتغاضى قدر المستطاع عن تجاوزات الطرف الآخر ، في هذه الحالة يجدر بنا أن نقول أن هذا المثالي – أو ما ظنناه كذلك – لا يحترم الإتفاق أيضا بإهماله لحقوق جماعته ومن انضوي في عهدها ، إذا ما فكرنا بهذه الطريقة فلن تكون الأرض إلا جحيما لهؤلاء المثاليين الإفتراضيين .

هذا العقد دخلت فيه خزاعة مع محمد ، وبكر مع قريش ، وبعد سنتين من إبرام العقد الذي أعطى الأمان وأزاح التربص بين القبيلتين المتخاصمتين ( خزاعة وبكر ) ، خرج رئيس بكر واسمه ( نوفل ) مع جماعة من فرسان القبيلة وأغاروا علي خزاعة الذين فوجئوا ، ومدت قريش بكر بالسلاح ، بل وببعض الرجال الذين تخفوا بالليل ،فرت خزاعة الي الحرم عل الناس تتوقف عن القتل فيه ، ووراءهم بكر ، ولما رأي رجال بكر خزاعة قد دخلت الحرم ، قال بعضهم متهيبا لنوفل الرئيس : يا نوفل ، إنا دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال : لا إله اليوم يا بني بكر ، أصيبوا ثأركم ، فلعمري أنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟


وبالأخير لجأت القبيلة الفارة لبعض البيوت ، وبعثوا رجلا اسمه عمرو الي النبي محمد يحكي له المصاب ويطلب النصرة ، وبالفعل ذهب الرجل ودخل المسجد علي محمد ، وقال في ذلك شعرا يقطر دما وأسى ليستنجده ، فقال محمد : نصرت.
هنا نفهم جيدا معني وفاء محمد بالتزاماته تجاه الآخرين ، إن منهم أيضا خزاعة التي دخلت في عهده ، لذا قرر تجهيز جيش الي مكة لتدفع قريش ثمن نقضها الصارخ للإتفاق هي وحليفتها بكر .

لكن وقع أحد المسلمين واسمه ( حاطب ) في غلطة كبري ، كان هذا الرجل من المسلمين المهاجرين من مكة الذين يعيشون بالمدينة ، ولكنه لم يكن من قريش من ناحية الجذور ، بل كان ملصقا بهم ، وشعر أن ثمة حربا كبري ستقع ، وربما تستشيط قريش غضبا ، وفي هذه الحالة فإن صلة الأرحام ستقف كحجر عثرة أمام انتقامها من أهالي محاربيها الذين لا زالوا يعيشون هناك ، بينما أهله هو هناك بلا جذور ، ولا حماية لهم إذا ما انفجر الغضب الكبير ، فأراد أن يكون له موقف يحسب له ينفع أهله هناك عند الضرورة ، لم يكن لديه أزمة هوية من الناحية الإيمانية ، بل لديه أزمة هوية من ناحية الإنتماء الإجتماعي ، إنه الغريب الذي يحاول أن يكون قريبا فيفرِط في إثبات انتمائه ، لقد كان في نزاع داخلي بين الإيديولوجية والتزاماتها والإثنية واستحقاقاتها .

لقد كتب خطابا لقريش يعرٍفهم فيه أن محمدا قادم إليهم بالجيش ، وأعطاه لامرأة وأعطاها أجرها لتنطلق به الي قريش ، وتحركت المرأة بالفعل حتى أنها أصبحت في الطريق بين المدينة ومكة ، وإذا بمحمد يأمر بعض رجاله بأن يذهبوا بسرعة الي مكان محدد وسيجدون امرأة معها خطاب تحذير لقريش ، وانطلقوا حتى وجدوها حيث قال ، وسألوها فأنكرت ، وفتشوا متاعها ولم يجدوا شيئا ، واضطر احدهم لتخويفها بأن خيرها بان تظهر الخطاب أو سيجردونها من الثياب ، فطلبت منهم أن يستديروا ، وحلت ضفيرتها وأخرجت منها الخطاب التحذيري .

وواجه النبي محمد حاطبا ، وتعذر له بما سبق أن كتبت عنه ، واخبره أنه لازال علي إيمانه ، وصدُقه محمد ، ورفض مطالبة البعض بقتله ، وذكرهم محمد بحسن سوابقه ، وهكذا انتهي الأمر بدون عقاب ، وعلي اقل من هذا بكثير جدا صفًت الأحزاب الشمولية في القرن العشرين رفاقا لهم مكانة ومجهود ، ولكن محمدا تصرًف كرجل يتفهم الضعف الإنساني .

ونزلت في التصرف غير المسئول من حاطب آية من القرآن
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) (1)
وهي آية نقتطعها من سياقها ونقف عند الأسباب هكذا ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) ونتجاهل السياق الذي نزلت فيه وسبب النزول ، لنقول أن الإسلام يأمر المسلمين بكراهية الآخر بدون أي استثناء وبدون أسباب ، وهذا مثمر جدا ، فمن من غير المسلمين لديه القدرة والرغبة ليدرس أسباب النزول ؟ قليل .. ويساعدنا في ذلك أن فصائل من المسلمين يفعلون ذلك وبنفس الحماس، ليصلوا لنفس النتائج .

ولنعد لفتح مكة ثري الدلالات ،خرج محمد بالفعل ، وهو في قمة حذره من أن تعرف مكة أمر اتجاهه إليها ، واقترب من مكة ، وفي نفس الوقت خرج زعيم مكة ( ابوسفيان ) قائد المعسكر الوثني في المعارك السابقة ، ومعه آخران ، خرجوا ليتقصوا الأخبار ، فقد عرفت مكة وقبيلة قريش أن ما حدث من خرق للعهد سيكون له رد فعل من محمد ، وبذات الوقت كان بعض رجال محمد يتحركون حول الجيش وأمامه ليرقبوا أحوال الطريق حتى يضمن محمد عنصر المباغتة ، وقد وقع قائد مكة ورجلاه في الأسر من المجموعة المستكشِفة في جيش محمد ، وتم التحفظ علي هؤلاء الرجال ، الزعيم ومن معه ، وقد أجارهم ( العباس ) عم النبي ، وجلسوا الي محمد وحاوروه ، واسلموا .

لقد أسلم قائد مكة ! ، وفوجئ بمحمد الذي كان يحاربه طيلة السنوات الماضية ويتمني اقتلاع دينه يأتي ومعه جيش قوامه 10000 جندي ، لقد اسلم الكثيرون في السنتين الماضيتين بعد صلح الحديبية ، لقد حدثت له صدمة وعي ، ها هو محمد ينوي الزحف بجيشه علي عاصمة الوثنية ، الوثنية التي اقتتل بسببها الأهل ، إنه عالم يذهب مع الريح !

وهنا نلمح محمد بتألقه العقلي والأخلاقي ، لقد كان بالإمكان أن يقتل زعيم مكة أو يأسره ، أو يذهب به في مقدمة الجيش مكبل اليدين والقدمين ، حتى يجعل حزن الناس حزنين ، حزن علي دين يسقط وزعامة تمتهن ، وعلينا أن نقارن ذلك بالوسائل الحديثة التي تُرتكب من قِبل أنظمة من المفترض أنها تقدس الكرامة الإنسانية في التعامل مع قيادات منهزمة بوسائل إعلامية غرائزية ووحشية .

كان من الممكن جدا لمحمد أن يذل الرجل القائد ، ولكنه كان أعقل وأكرم من ذلك ، لقد حافظ علي كرامة الرجل كسيد ، ووضعه في وضعه الذي اعتاد عليه ، بل وأضاف له مكرمة غريبة غير متوقعة بعد كل هذه الدماء ، أعطاها إياه في هذا اليوم الصعب ، فقال للناس ولأبي سفيان قبل الدخول لمكة : ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ) ، هي كلمة ارضي به السيد بحيث لا يشعر بالهوان في وضعه الجديد ، كما أن محمدا من ناحية أخرى أعطي ثلاث بدائل لمن يبحث عن الأمان ، وهذا يعني أنه لا يريد القتال ، وكان يرغب في مباغتتهم حتى لا يكونوا على أتم استعداد فيقاتلوه ، إنه كان يبحث عن اختلال واضح في موازين القوي يحقق السلام ، ويوسٍع من فرص الأمن حتى لا يدفعهم اليأس والحنق لمقاومة قد تدمرهم تماما .

ومحمد يستمر في تألقه وذكائه حتى لا يبدو في المكرمة التي أعطاها لأبي سفيان مجرد رجل قيادي لديه عمق عاطفي يستطيع أن يأسر به الناس ، إنه خبير بالضعف الإنساني ، فهو أمام قائد يحتاج للتميز فأعطاه التمييز ، ولكن أبا سفيان كقائد من الممكن أن يعود الي مكة ويحن للقيادة ، ويهيِّج الشباب عواطفه فيعبأ البلد لمحاربة محمد ، ماذا فعل محمد ؟

أمر عمه ( العباس ) بأن يحتجز أبي سفيان في مكان ما بحيث يشرف بعينه علي طوابير كتائب الجيش كاملة وهي تمر من أمامه بعددها الوافر وانضباطها ودروعها المتينة ليعرف بيقين حجم الجيش الإسلامي فتموت – إن وُجد -بقايا أي أمنية بداخلة .
بالفعل أخذ الرجل ينظر للكتائب منبهرا ، وله الحق في ذلك ، نعم ، فقد خرج محمد فارا بدينه منذ 8 سنوات فقط ، وها هو معه أكبر وأفضل الجيوش انضباطا في الجزيرة ، وعالم أبي سفيان القديم يتبخر
ثم أرسله العباس ليحذِّر قومه ، فانطلق الرجل بجواده ، وخلفه في الأفق جيش يهدر يتحرك في اتجاه البلد المقدس .

ودخل الرجل مكة وحذر أهلها من قوة الجيش الإسلامي ، وأصاب الناس الرعب ، واقتربت الكتائب من مكة ، ثم انسابت في أرجائها ، ومحمد في أقصى تواضعه خافضا رأسه وهو علي ناقته ، في لحظة تاريخية فارقة ، هاهو بعد ثماني سنوات من هجرته مع صاحبه يعود منتصرا فاتحا بغير كبرياء الغزاة ، بل بتواضع كامل
وقال أحد زعماء الكتائب من المدينة لما تذكر ما فعله أهل مكة مع المسلمين طيلة السنوات الماضية ( اليوم يوم الملحمة . اليوم يوم تستحل الحرمة ، اليوم أذل الله قريشا ) ، بلغت هذه الكلمة مسامع النبي محمد فقال ( بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم يوم أعز فيه الله قريشا ) ، ونزع لواء قيادة كتيبته منه وأعطاه لأبن هذا الرجل ، ولم تكن هناك مقاومة تذكر إلا بعض المحاولات الضعيفة اليائسة من بعض الشباب ، لكن المجموع عاجز ومستسلم

نعم استسلمت قريش ، واقترب محمد من البيت العتيق ، وأخذ يحطم الأصنام وهو يقول (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا ) ، مشهد مهيب ، آلهة حجرية تتساقط ، والوهم ينقشع ، والناس في ذهول
وأخذ مفتاح الكعبة من الحاجب ( عثمان ) من قريش ، ودخلها ومسح الصور المرسومة
ثم خطب فيهم وقال ( إن الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ، ثم تلا الآية ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (2)
ثم قال لهم : يا معشر قريش ، ما ترون إني فاعل بكم ؟
قالوا : أخٍ كريم ، وابن أخٍ كريم
قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته ( لا تثريب عليكم اليوم ) (4) ، اذهبوا فأنتم الطلقاء .
وهكذا هزم الوثنية في عقر دارها بدون حرب ، حطم أمامهم آلهتهم الحجرية ، ومنحهم السلام

ويقول وشنجطن ايرفنج عن هذا الفتح ( كانت تصرفات الرسول في أعقاب فتح مكة تدل علي أنه نبي مرسل لا علي أنه قائد مظفر ، فقد أبدي رحمة وشفقة علي مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو ) (4)
ويعد ذلك ، جاءه علي ابن عمه وفي يده المفتاح يطلب من محمد أن يجمع للأسرة الحجابة كما لها السقاية ، ولكنه رفض ، وأعطى المفتاح لعثمان الحاجب الذي كانت الحجابة في أسرته وقال ( اليوم يوم بر ووفاء ، خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ) ، لم يأت محمد لتحقيق مكاسب أسرية ، جاء لتحطيم الأوثان التي تعبد مع الله ، وليعظ الناس في أمر العنصرية والثأر وما سواها .

ولما جاء وقت الصلاة أمر محمد بلال هذا العبد الحبشي الذي هاجر الي المدينة ، لكنه في نظر القبيلة عبد لا وزن اجتماعي له ، أمره بالصعود علي الكعبة ليؤذن آذان المسلمين للصلاة ، وهو مشهد بالنسبة للوثنيين العنصريين وبخاصة السادة منهم مشهد سريالي خانق ، ولكنه عالم قد ذهب مع الريح .

هذا هو الفتح الذي دشن النهاية للوثنية في الجزيرة العربية ، لقد حقق به الكثير ، بدون دماء تقريبا ، وبدون إهانة ، اللهم إلا ما أتوقعه من مس مشاعر البعض حين كانت الأصنام التي عبدوها وأجدادهم تتساقط محطمة ، صناع التاريخ يفكرون في الأجيال القادمة ، وأبناء هؤلاء وأحفادهم كانوا يحمدون الله علي أنهم جاءوا للحياة بعد نهاية هذه العقيدة ، لقد وازن محمد بين الغايات والوسائل ، لقد كانت غايته هو أن يعبد الله وحده ، واستخدم هنا وسيلة معقولة ، علي عِظَم الغاية التي كرًس لها نفسه إلا أن محمد لم يكن استئصاليا في تحقيقها .

إن فتح مكة يقدم دروسا عن طريقة تفكير محمد في إحداث التغيير الجذري بطريقة ممكنة أي ليست فكرا طوباويا وفي نفس الوقت بطريقة غير دموية
إن فتح مكة يلقي اضواءا علي طريقة تعامل محمد مع الفئة الأعند من المخالفين ، إنهم اللون الأشد قتامة في (الآخر) ، إنهم الوثنيون ، نظرة متأنية سنكتشف منها أن محمدا كان ذكيا جدا وعميقا في تفكيره ، بل ويمكن اعتبارها مؤشرا قويا لصدق دعوته
كيف هذا ؟

كسًر الأصنام أولا ، ثم وعظ ، ثم عفي .
إنه عميق التفكير بدون شك ، فعندما كان يحطم الأصنام لم يكن قد سامحهم بعد ، وبذا فسيكون الناس وقت تحطيم الأصنام منشغلين بمصيرهم ، فقد يقتل السادة ، أو سيقتل كل من هو قادر علي حمل السلاح ، أو يجليهم من جوار البيت العتيق ، عدة بدائل ممكنة ، أثناء هذا سيكون إحساسهم بتدمير الأصنام كحدث مهول سيكون هذا الإحساس في اقل درجاته ، لأنهم مشغولون بمصيرهم وحكمه فيهم ، إذن فقد حطم الأصنام داخلهم أيضا

يبدو الأمر كعملية جراحية تمت بالقدر المناسب من البنج ، ثم لم يعف بعد ذلك مباشرة ، بل خطب فيهم ، وهذه عملية غسيل للنفوس من آثار الثقافة التي يجب أن تموت ، وهناك أشياء في هذه اللحظات الفارقة يمكن اقتلاعها من النفوس مهما كانت متجذرة كالثأر والعصبية القبلية ، وهذا صعب جدا في الأوقات العادية ، لذا فخطبته عن المساواة بين البشر وعن بشاعة العصبيات جاءت في وقتها الأنسب .

وفي نفس الوقت فالوعظ يوحي بأن هناك عفو قادم ، فعادة لا يميل القادة للوعظ قبل إنزال العقاب ، ولهذا فعندما يسألهم ماذا يعتقدون أنه سيفعل بهم يكون أيضا بالموازاة لعملية الغسيل قد هيأهم لطلب العفو ، فقالوا أخٍ كريم وابن أخٍ كريم ، فعفا عنهم ، وطلب العفو تسليم يغسل القلوب ويختم على نهاية الصراع بأفضل مما لو أُعطِي العفو بدون أن يُطلَب . ألا يبدو محمد حكيما في إدارة الفوز وإدارة ما بعد الفوز بطريقة تلائم نبيا ؟

إن محمدا كان عاقلا جدا ومتدرجا في أساليب الإقناع ، فكان الحوار والوعظ هو الأساس ، وأثناء فترة صلح الحديبية التي استمرت عامين ، آمن من كان لديه عقلية يستطيع أن يستمع فيها للحق ، وبقي هؤلاء العنيدون الذين تصلبوا عند أفكار الآباء ، هنا انتقل محمد الي الأسلوب العملي ، فهناك من لا يستطيع أن يفهم أن هذه الأصنام لا تفيد ولا تضر ولا تستطيع أن تهش الذباب عن وجوهها ، والحوار معهم يدور في حلقة مفرغة ، والنجاحات المتتالية لخصومهم لم تحركهم من مكانهم العقدي شبرا ، هنا يكون الحل الوحيد هو تحطيم الأصنام أمام أعينهم ، وبالفعل بعدها رجعوا لبيوتهم حطموا الأصنام المنزلية ، وقالت امرأة منهم وهي زوجة القائد ( أبو سفيان ) للصنم المنزلي وهي تحطمه ( كنا منك في غرور ) .
________________________________________
(1) الممتحنة 1 (2) الحجرات 13
(3) يوسف 92 (1) وشنجطن ايرفنج حياة محمد

محمود توفيق
September 25th, 2008, 16:50
الحلقة الرابعة والعشرون

قصة ابن أبيرق




في أجواء كانت ملبدة بالغيوم في علاقة المسلمين باليهود في المدينة على إثر تصرفات بدا فيها أن اليهود يودون لو عاد الزمن للخلف واختفى هذا الدين الجديد ،وعمل بعض قياداتهم بالأخص على ذلك ، ويمكن إرجاع ذلك لكون أثرياء اليهود كذلك السادة من العرب كان لديهم شيء يخافون أن يخسروه ، وكانت الجزيرة العربية ملاذا آمنا لليهود بعد صراعات متتالية ، فاستقروا هناك محاطين بطوق مسيحي واسع خارج الجزيرة ، وقد اكتسبوا إلى حد بعيد خبرة تشاؤمية من أي جديد ، لقد كانت الجزيرة العربية مثالية في استيعابها لليهود للدرجة التي يتمنى فيها اليهود أن لا يتحلًق العرب حول أي شيء ممكن أن يوحدهم وينمي فيهم حس الأمة الواحدة ، مما سيستشعر بعده اليهود بأن مكتسباتهم مهددة بتحولهم إلى أقلية عرقية ودينية في بحر من العرب المسلمين ، وهذا ما لم يكن يخطط له محمد( )على أية حال ، نعم كان العرب يتوحدون شيئا فشيئا ، ولكن ليس على شكل طوق حول رقبة اليهود ، واليهود لم يكونوا في معظمهم يرفضون نبوته إذا ما كانت تعني تهوده ، وقيادته لهم ، ولم يحدث هذا بطبيعة الحال ، ويئسوا منه قبل أن ييأس منهم ، كان جزء من المشكلة لديهم هو الإحساس الشديد بالمرجعية ، وهو نفسه الذي تسبب في عدم إيمانهم بالمسيح ، غير أن الجزء الأكبر كان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على ما يبدو .
في هذه الأجواء حدثت حادثة غريبة سأوردها كما سجلها سيد قطب
( (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ) (1)
في هذا الوقت الحرج الخطر الشديد الخطورة كانت هذه الآيات كلها تتنزل على رسول الله وعلى الجماعة المسلمة لتنصف رجلا يهوديا اتهم ظلما بسرقة ; ولتدين الذين تآمروا على اتهامه وهم بيت من الأنصار في المدينة والأنصار يومئذ هم عدة الرسول وجنده في مقاومة هذا الكيد الناصب من حوله ومن حول الرسالة والدين والعقيدة الجديدة ... والقصة التي رويت من عدة مصادر في سبب نزول هذه الآيات أن نفرا من الأنصار قتادة بن النعمان وعمه رفاعة غزوا مع رسول الله في بعض غزواته فسرقت درع لأحدهم رفاعة فحامت الشبهة حول رجل من الأنصار من أهل بيت يقال لهم بنو أبيرق فأتى صاحب الدرع رسول الله فقال إن طعمة بن أبيرق سرق درعي وفي رواية إنه بشير بن أبيرق وفي هذه الرواية أن بشيرا هذا كان منافقا يقول الشعر في ذم الصحابة وينسبه لبعض العرب فلما رأى السارق ذلك عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي اسمه زيد بن السمين وقال لنفر من عشيرته إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده فانطلقوا إلى رسول الله فقالوا يا نبي الله إن صاحبنا بريء وإن الذي سرق الدرع فلان وقد أحطنا بذلك علما فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك ولما عرف رسول الله أن الدرع وجدت في بيت اليهودي قام فبرأ ابن أبيرق وعذره على رؤوس الناس وكان أهله قد قالوا للنبي قبل ظهور الدرع في بيت اليهودي إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة فأتيت رسول الله فكلمته فقال : عمدت الى إهل بيت يذكر منهم إسلام وصلاح وترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة . قال فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي ما صنعت فأخبرته بما قال لي رسول الله فقال الله المستعان فلم نلبث أن نزلت إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا أي بني أبيرق وخصيما أي محاميا ومدافعا ومجادلا عنهم واستغفر الله أي مما قلت لقتادة إن الله كان غفورا رحيمًا ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إلى قوله تعالى رحيمًا أي لو استغفروا الله لغفر لهم ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه إلى قوله إثما مبينًا ولولا فضل الله عليك ورحمته إلى قوله فسوف نؤتيه أجرا عظيما فلما نزل القرآن أتى رسول الله بالسلاح فرده إلى رفاعة قال قتادة لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد عمي أو عشي في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال يا ابن أخي هي في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ...... إن المسألة لم تكن مجرد تبرئة برئ تآمرت عليه عصبة لتوقعه في الاتهام وإن كانت تبرئة بريء أمرا هائلا ثقيل الوزن في ميزان الله إنما كانت أكبر من ذلك ، كانت هي إقامة الميزان الذي لا يميل مع الهوى ولا مع العصبية ولا يتأرجح مع المودة والشنآن أيا كانت الملابسات والأحوال وكانت المسألة هي تطهير هذا المجتمع الجديد ; وعلاج عناصر الضعف البشري فيه مع علاج رواسب الجاهلية والعصبية في كل صورها حتى في صورة العقيدة إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس وإقامة هذا المجتمع الجديد الفريد في تاريخ البشرية على القاعدة الطيبة النظيفة الصلبة المتينة التي لا تدنسها شوائب الهوى والمصلحة والعصبية والتي لا تترجرج مع الأهواء والميول والشهوات ولقد كان هناك أكثر من سبب للإغضاء عن الحادث أو عدم التشديد فيه والتنديد به وكشفه هكذا لجميع الأبصار بل فضحه بين الناس على هذا النحو العنيف المكشوف ) (2)
وهي قصة لا تحتاج لتعليق ! .. الأمرلم يكن معاهدات وأطر سياسية فحسب بل روح جديدة بالفعل
________________________________________
(1) النساء : 105-113 (2) سيد قطب في ظلال القرآن

محمود توفيق
September 25th, 2008, 16:53
الحلقة الخامسة والعشرون

خلاص

اشتد الصراع عام 442م بين الكنائس الكبرى ، كنيسة الإسكندرية التي تؤمن بالطبيعة الواحدة للمسيح والكنيستان الكبيرتان اللتان تؤمنان بالطبيعتين ،كنيسة القسطنطينية التي ترغب في فرض سيطرتها على العالم باعتبارها عاصمة الدولة البيزنطية الجديدة وكذلك كنيسة روما ، وعُقد مجمع خليقدونية لحسم الجدل اللاهوتي حول طبيعة المسيح ، كانت كنيسة روما ترى أن للمسيح طبيعتين دون اندماج بينهما طبيعة ناسوتية وطبيعة لاهوتية ، أما كنيسة الإسكندرية فتري ان للمسيح طبيعة الواحدة ، وقرر المجمع أن للمسيح طبيعتين وليست واحدة ، فتكونت الملة الكاثوليكية بقيادة كنيسة روما ، وتكونت الملة الأرثوذكسية بقيادة كنيسة الإسكندرية ، وكان من آثار هذا الإنشقاق الملٍي استخدام اللغة القبطية في طقوس الكنيسة ، ومن آثاره أيضا هذا الإضطهاد الرهيب الذي نزل على القبط الأرثوذكس ، حيث أن مصر لم تكن إلا مستعمرة رومانية .
قام الرومان بالضغط على البطريرك بروتيوس بطريرك الإسكندرية لفرض قرارات المجمع ( خليقدونية ) ، ورفض الأقباط هذا الفرض وقاموا بقتل البطريرك واختاروا تيموتادوس ، وفي عام 476م غزت القبائل الألمانية روما ، وسقطت روما ، ولم يبق إلا الجناح الشرقي للأمبراطورية في القسطنطينية ، وفي عام 526م حاول الإمبراطور توحيد العقيدة المسيحية على حسب ما قرره مجمع خليقدونية ، وعين بطريرك الإسكندرية بولس المؤمن بالطبيعتين ، وأمر البطريرك الجديد بغلق الكنائس التي تؤمن بالطبيعة الواحدة ، وثار الشعب القبطي على ( يهوذا الخائن ) ، هكذا كانوا يسمونه ، وتدخل جنود الإمبراطورية لدعم العقيدة الكاثوليكية وفرضها على الأقباط فرضا ، وحدثت مجازر مروعة ، وكان الجنود المسيحيون يقتلون الأقباط المسيحيين داخل الكنائس تحت صور المسيح والعذراء ، قُتل في هذه المجازر 100000 قبطي .
في عام 610م تولي حكم الإمبراطورية الرومانية هرقل ، كان هذا العام بالنسبة للنبي محمد ( ) هو عام نزول الوحي ، في عام 619م سقطت مصر على يد جيوش الفرس ، الذين فرضوا على الشعب القبطي ضرائب باهظة ، وفي عام 624 انتصر النبي محمد ( ) على المشركين في أول معركة ( معركة بدر ) ، وفي عام 627م استرد هرقل مصر مرة أخري من يد الفرس .
وفي عام 630م تم فتح مكة بالطريقة التي سبق وأن ذكرتها
وربما بعد فتح مكة تنبأ الرسول( ) بفتح مصر ووصي المسلمين بأهلها خيرا
(إنكم ستفتحون مصر. وهي أرض يسمى فيها القيراط. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها. فإن لهم ذمة ورحما )
( الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله )
( إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة و رحما )
وربما في هذه الفترة أو قبلها قال «من آذى ذميا فهو خصيمي يوم القيامة».أي انه يسكون خصم لمن يظلم سكان البلاد الإسلامية من اليهود والمسيحيين .
في عام 631م بدأ هرقل محاولة جديدة لتوحيد العقيدة المسيحية ، وعين حاكم هو المقوقس الذي قام بمجموعة من الإجراءات التي يعتبر بسببها عصر الإحتلال الفارسي عصرا ذهبيا ، فقد قام بحرق بعض المسيحيين المصريين أحياءا ، وبانتزاع أسنان البعض ، وأحرق شقيق البطريرك المصري الأنبا بنيامين حيا ، لرفضه قرارات الإمبراطور ، وهرب الأنبا بنيامين للصعيد ، وخلفه دماء الأقباط المسيحيين تتحرك فيها سيقان الخيول الرومانية بصعوبة ، إذ وصلت الدماء لرٌكب الخيول ، ولم يخرج الأنبا بنيامين من مخبئه إلا بعد أن قام عمرو بن العاص بأربعة آلاف جندي مسلم فقط يفتح مصر ويطرد الرومان منها ، وخرج آلاف من الرهبان الأقباط من وادي النطرون بيد كل منهم عكازا حفاة الأقدام وبثياب ممزقة ، مهللين للفاتح المسلم عمر بن العاص . حيث كتب كتاب أمان ( أينما كان بطريرك القبط بنيامين، نعده الحماية والأمان وعهد الله فليأت البطريرك إلى هنا في أمان واطمئنان ليلى أمر ديانته ويرعى أهل ملته ) . بل تسامح عمر بن العاص مع الجنود الرومان وسمح لهم بموجب عقد الأمان الذي ابرمه للحاكم المقوقس بأن يرحل الجنود في أمان ومعهم أمتعتهم وأموالهم ، وألا يتعرض المسلمون لكنائسهم . وتنفس الأقباط الصعداء ، وفُرض عليهم ضريبة مقابل الدفاع عنهم هي ( الجزية ) مقدارها ديناران على الفرد يعفي منها القصر والنساء والشيوخ والعجزة والرهبان ، أي حوالي 70 % من الأقباط ، وأين هي من ضرائب الرومان ؟! .. كانوا يفرضون ضرائب على كل نفس حية من بشر وبقر، وعلى البيوت ، وعلى أثاث البيوت ، هذا عدا ضرائب على المحاصيل والتجارة ، وآخر ما ابتكروه هو ضريبة على الموتى يجب أن تسدد قبل دفن الميت . .. وحالة مصر هي عينة لأحوال البلاد المسيحية الشرقية تحت وطأة الحكم الروماني .

محمد بن سعد
September 26th, 2008, 01:12
الأستاذ والأديب الفاضل
محمود توفيق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم وفي علمكم النافع
هذه الحلقات الــ25ــخمس وعشرون
جعلتني اُعاود قراءة بعضها أكثر من مرة
جديد موضوعكم الذي طرحتموه تثقيفي عن مفاهيم
أصحاب الديانات الأخرى وعن مرئيات الأهم منهم
ومعاودتي لقراءة ما طرحه كرم مكتوب أناملكم
يجعلني أطمع في نيل معرفة هؤلاء الأطراف
رحمني الله في حب القراءة والكتابة عن
الأنبياء والرسل والصالحين والقصص

لكم من يا أخي الفاضل عظيم الشكر والتقدير
-
ملاحظة عن نهاية الحلقة الرابعة
عندما وصلتم إلى نبي الله (عيسى ابن مريم) عليه السلام
بعض شيع الديانة المسيحية لا يرون مسألة

يقول تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} النساء 157

فماذا قرأتم عن (معاني {يوم يموت} عند المسيحيين) في هذه الأية
(وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}مريم 33

أيضا هو النبي الذي بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} الصف 6

هذا ولستم ملزومين بالإجابة

محمود توفيق
September 26th, 2008, 21:35
الحلقة السادسة والعشرون

تلامذة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
إن روح التسامح التي أبداها محمد( ) مع غير المسلمين تركت أثرها قولا وسلوكا لدى تلامذته في ظل الدولة الإسلامية القوية التي كان يعيش فيها غير المسلمين آمنين قادرين على تحقيق مكاسب على قدر جهدهم والحصول على وظائف مرموقة كالكتابة لدى الحكام ومسك الحسابات وممارسة الطب حتى تولي الوزارة
هذا مرور سريع على ملامح تلك الثقافة التي ربى محمد عليها تلامذته .

-هذا موقف يدل على معنى للتكافل الإجتماعي يغطي أيضا الآخر (( عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه مرَّ بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه فقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. قال: فأخذ عمر رضي اللّه عنه بيده فذهب به إلى منزله، فرضخ له من المنزل بشيء ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا و ضرباءه، فو اللّه ما أنصفناه إذ أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ثم قرأ قوله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. )) (1)

يقو ل عمر بن الخطاب ( الخليفة الثاني ) : أيما رجل من أهل الذمة ضعف عن العمل يعال هو ومن يعولهم من بيت مال المسلمين
- يقول الإمام ابن حزم (إن من كان من أهل الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك، صونا لمن هم في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لقعد الذمة)

-وباعتبار ان هناك مدنا تقع داخل حدود الدولة الإسلامية ، وكان أهلها مسيحيين كالحيرة ، فكان عليهم دفع ضريبة زهيدة القيمة مقابل ما يدفع المسلم من ( زكاة ) هي من اصل الدين ، أيضا مقابل الدفاع عنهم لأنهم لم يكونوا مكلفين بالقتال داخل هذه الدولة باعتبار أن جيشها أيديولوجي يقاتل دفاعا عن عقيدة ، ومن غير المقبول أن يُفرض على الإنسان ان يقاتل في سبيل ما لا يؤمن به (2) كما أن هذا من ناحية أخرى قد يؤدي لإضعاف جيش الدولة لتباين اتجاهات محاربيه . وقد كانت قيمتها اقل من قيمة الزكاة التي يدفعها المسلم . المهم أن أهل المدن المسيحية كانوا يدفعونها على الشرط وهو ( أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم )
ويورد توماس أرنولد ذلك المعيار ، ويورد حادثة جديرة بالإحترام والتقدير
((كذلك حدث أن سجل خالد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض أهالي المدن المجاورة للحيرة قوله : ( فإن منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا) ....
ويمكن الحكم على مدى اعتراف المسلمين الصريح بهذا الشرط، من تلك الحادثة التي وقعت في عهد الخليفة عمر. لما حشد الإمبراطور هرقل جيشا ضخما لصد قوات المسلمين المحتلة، كان لزاما على المسلمين -نتيجة لما حدث- أن يركزوا كل نشاطهم في المعركة التي أحدقت بهم. فلما علم بذلك أبو عبيدة قائد العرب كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد ما جُبي من الجزية من هذه المدن، وكتب إلى الناس يقول: "إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم". وبذلك ردت مبالغ طائلة من مال الدولة، فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء المسلمين، وقالوا: "ردكم الله علينا، ونصركم عليهم (أي على الروم) .. فلو كانوا هم، لم يردوا علينا شيئا، وأخذوا كل شيء بقي لنا )) (3)

ويروي أنس بن مالك حادثة شهيرة حدثت مع قبطي مسيحي تعرض للظلم ، فجاء طالبا الإنصاف من الخليفة نفسه في المدينة ، راكبا فرسه في رحلة تطول شهرا حتى الوصول ، لقد تعرض للظلم من قِبل ابن الحاكم الذي فتح مصر ( عمرو بن العاص ) (( كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاء رجل من أهل مصر فقال : يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك قال: وما لك ؟ قال أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل فأقبلت فرسي، فلما رآها الناس قام محمد بن عمرو فقال: فرسي ورب الكعبة. فلما دنا مني عرفته فقلت: فرسي ورب الكعبة ( يقلد كلماته ) فقام إلى يضربني بالسوط ويقول: خذها وأنا ابن الأكرمين. وبلغ ذلك عمرا أباه، فخشي أن آتيك فحبسني في السجن، فانفلت منه، وهذا حين أتيتك. قال أنس رضي الله عنه: فو الله ما زاد عمر على أن قال: اجلس. وكتب إلى عمرو : إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل معك بابنك محمد. وقال للمصري : أقم حتى يأتيك مقدم عمرو. فدعا عمرو ابنه ، فقال: أأحدثت حدثا؟ أجنيت جناية؟ قال: لا. قال: فما بال عمر يكتب فيك؟ فقدما على عمر.. ثم يستطرد انس : فو الله إنا عند عمر ، إذا نحن بعمرو وقد أقبل في إزار ورداء، فجعل عمر يلتفت هل يرى ابنه فإذا هو خلف أبيه. فقال عمر: أين المصري؟ قال : ها أنا ذا . قال دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين . فضربه حتى أثخنه، ونحن نشتهي أن يضربه، فلم ينزع عنه
حتى أحببنا أن ننزع من كثرة ما ضربه، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين
ثم قال عمر: أجلها على صلعة عمرو، فو الله ما ضربك إلا بفضل سلطانه. فقال المصري: يا أمير المؤمنين، قد استوفيت واشتفيت، يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني.
قال عمر رضي الله عنه: أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه، حتى تكون أنت الذي تدعه.
يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
فجعل عمرو يعتذر ويقول إني لم أشعر بهذا. ثم التفت عمر إلى المصري فقال: انصرف راشدا، فإذا رابك ريب فاكتب لي.)) ... بطبيعة الحال لم يكن المصريون يغشون سباقات ومنتديات واحتفالات الرومان في مصر الا كخدم ، أي انه لم يكن هناك مجال لهذا السابق أساسا ، وإذا حدث لم يكن المصري ليقلد الروماني سواء مستهزأ أو ممازحا ، وإذا حدث فلن يذهب ليشكو للقيصر

________________________________________
(1) ابو يوسف الخراج (2) يوسف القرضاوي غير المسلمين في المجتمع المسلم
(3) توماس ارنولد الدعوة الى الإسلام

محمود توفيق
September 26th, 2008, 21:37
الأستاذ الدكتور محمد بن سعد

لكم يسعدني اهتمامكم بالموضوع ، ويشرفني أن أجيب عن أسئلتكم الكريمة قريبا جدا ، تماما بعد الحلقة الأخيرة ( الثلاثون ) .

دمت بودّ

محمود توفيق
September 27th, 2008, 13:01
الحلقة السابعة والعشرون

تواقيع
عن الإسلام والآخر





( لم نسمع عن أي محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد به استئصال الدين المسيحي.
ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرديناند وازبيلا دين الإسلام من أسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستنتي مذهباً يعاقب عليه متبعوه في فرنسا.
ولهذا فإن مجرد بقاء الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم ) (1) سير توماس ارنولد

يستشهد يشهادة الأسقف دوشين بمشيل السوري في القرن السابع ( إن إله الانتقام إذ رأى خبث الرومان وآذاهم، الذين حيثما كانوا يسيطرون ينهبون بوحشية كنائسنا وأديرتنا ويقضون علينا بلا شفقة، أرسل إلينا من الجنوب أبناء اسماعيل لإنقاذنا منهم ) (2) روجيه جارودي

( إن السكان الساميين في سوريا ومصر، الذين قاسوا صنوف الضغط والهول - على الأخص بسبب الضرائب- من قبل الحكومات الأجنبية التابعة للدولة البيزنطية أو المملكة الساسانية، لم يستطيعوا أن يروا في العرب إلا محررين مخلصين، كما أن المسيحيين القائلين بوحدة الطبيعة (طبيعة المسيح) في الشرق استطاعوا أن يعتمدوا على التسامح الإسلامي، بعد أن كانوا يخشون الاضطهاد من قبل نصارى القسطنطينية ) (3) الدومييلي


( منذ بدء الفتح الإسلامي ، كان المحاربون المسلمون قد فرضوا علي أنفسهم روحا من التسامح مع غير المسلمين ومع الشعوب المغلوبة ،وفي زمن لم يكن فيه العنف يعرف شرعا ولاعاطفة ، اصدر ابوبكر اول خليفة للنبي الي جنوده التعليمات المشهورة المرنة كثيرا التي تختصر الروح الخلقي للقانون الإسلامي ) (4) مارسيل بوازار


(إن الشيء الذي يتأبى على فهم الكنيسة فهو دخول شعوب الأقطار المفتوحة في الإسلام أفواجاً بمحض إرادتها، دون مساعي إرساليات التبشير، ودون الإكراه في الدين. أجل، لقد كانت السماحة العربية والروح العربي وأسلوب الحياة العربي مما استحوذ على نصارى إسبانيا، وليس كما يزعم المبطلون زوراً عظيماً … بأنهم أرغموا على الإسلام خشية السيف … أما الإجهاز على السماحة والتسامح نهائيا في إسبانيا فقد تمَّ على أيدي الدويلات النصرانية التي اعتصمت في شمال إسبانيا، والتي أقصت العرب شيئاً فشيئاً إلى أن تمكَّنت من صدِّهم وطردهم، متوجة انتصارها باستعادتها عام 1492 ميلادية الدرَّتَين العربيتين غرناطة والحمراء. إذ لم يكن انتصار النصرانية يعني سوى طرد اليهود والمسلمين واضطهادهم وإكراههم على التنصير واستئناف نشاط محاكم التفتيش التي قامت بتعقب كل من يتخذ سوى الكاثوليكية دينا، والحرق العلني في احتفالات رسمية تحفُّها الطقوس والشعائر الكنسية لكلِّ من اعتنق الإسلام أو اليهودية
وما إن دالت دولة العرب في إسبانيا حتى اندثرت معهم أزهى وأخصب حضارة ملكتها أوروبا في العصور الوسطى، وغرقت في بحر من الرعب وأتت فيه أمواج التعصب الديني على كل شيء وابتلعته ابتلاعاً. ولم تلغ محاكم التفتيش إلا في 1834 ) (5) زغريد هونكة

( ثمة حالة نابهة الذكر لهذا التسامح المنشود ، يفرضها نبي علي أتباعه وهو في موضعه الجليل . فإن محمد قد أمر أتباعه بالتسامح الديني تجاه اليهود والمسيحيين الذين خضعوا سياسيا للحكم الإسلامي . فقدم محمد بذلك لقاعدة التسامح ، تفسيرا قوامه أن أفراد هاتين الجماعتين الدينيتين غير المسلمتين ، هم أهل كتاب كالمسلمين انفسهم . وليس أدل علي روح التسامح التي بعثت الحياة في الإسلام منذ بدايته ، من أن المسلمين قد طبقوا مبدأ التسامح الديني علي أتباع زرادشت الذين خضعوا للحكم الإسلامي وإن لم يقل بذلك الرسول الكريم نفسه ) (6) ارنولد توينبي

( أن ابرز مايلفت النظر في الفتوج العربية ليس تلك السرعة وذلك النظام اللذين تمت بهما – بغير دمار لامبرر له الا قليلا – ولكن تلك السهولة التي انتقلت بهما البلاد المفتوحة من حال الحرب الي حال السلم ، ومن التغلب الي الإدارة ) (7) المؤرخ المسيحي العربي فيليب حتي

( كتب الفوز للعرب لأنهم كانوا اهلا للفوز ، وتم النصر للإسلام لأنه عنوان رسالة كان الشرق كثير الإحتياج إليها ، واحتمل المسلمون ضروب العذاب قبل الهجرة ولم يستطيعوا لها ردا ، فلما كانت الهجرة وكان ما ابدوه من المقاومة والنصر ، اتخذوا التسامح دستورا لهم . أجل لم يبقي للمشركين مقام في دار الإسلام ، ولكنه اصبح لأهل الكتاب من اليهود والنصاري فيها حق الحماية وحرية العبادة وصاروا من المجتمع اذا ما أعطوا الجزية . قال النبي ( من آذي ذميا فأنا خصمه ) ، وما أكثر ما في القرآن والحديث من الأمر بالتسامح ، ما أكثر عمل فاتحي الإسلام بذلك ولم يرو التاريخ ان المسلمين قتلوا شعبا ، وما دخول الناس افواجا في الإسلام الا عن رغبة فيه ) (8) اميل درمنغم

( والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم ) (9) جوستاف لوبون

ينقل شهادة البطريرك عيشو ابابه الذي تولي منصب البابوية حتي عام 657 م ( إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون.. إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قديسينا وقسسنا، ويمدون يد العون إلى كنائسنا وأديرتنا ) (10) ترتون

( إن اتباع محمد هم وحدهم الذين جمعوا بين المحاسنة ومحبة انتشار دينهم ، وهذه المحبة هي التي دفعت العرب في طريق الفتح وهو سبب لاحرج فيه ، فنشر القرآن جناحيه خلف جيوشه المظفرة إذ أغاروا علي الشام وساروا سير الصواعق الي افريقيا الشمالية من البحر الأحمر الي المحيط الأطلنطي ولم يتركوا أثرا للعسف في طريقهم الا ماكان لابد منه في كل حرب وقتال ، فلم يقتلوا أمة أبت الإسلام .فكلما التقي المسلمون بأمة خيروها بين واحد من ثلاث الإسلام أو الجزية أو تحكيم الحرب حتي تضع أوزارها) (11) هنري دي كاستري

( من الحقائق التاريخية ان النبي اعطي اهل نجران المسيحيين نصف مسجده ليقيموا فيه شعائرهم الدينية . وهانحن اولا نري السملمين اذا بشروا بدينهم فانهم لايفعلون مثل ما يفعل المسيحيين في الدعوي الي دينهم ، ولايتبعون الطرق المستغربة التي لاتتحملها التفس ولايحبها الذوق السليم . وقد انصف القس ميثون الحقيقة في كتابه ( سياحة دينية في الشرق ) حيث يقول : أنه لمن المحزن ان يتلقي المسيحيين عن المسلمين روح التسامح وفضائل حسن المعاملة ) ( 12)
اتيين دينيه


( ميز صاحب الشريعة الإسلامية بين اهل الكتاب – وهم المسيحيون واليهود- وبين المشركين من العرب الذين تعرضوا لما أنزل الله علي رسوله ، وقد وقع بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وبين بطريق بيت المقدس اتفاق يضمن حماية النصاري ومنحهم امتيازات ، وفي بها ) (13) ريتشارد وود


( استطاع الجنس السامي في بضع سنين باسم الله ورسوله ان يسترد تقريبا كل الأملاك التي خسرها للفرس الآريين قبل ذلك بألف سنة ، وسقطت بيت المقدس مبكرا .. وكان المسيحيون ينعمون بالتسامح في مقابل دفع الجزية فقط ، وتركت الكنائس بأسرها والآثار المقدسة باجمعها في حوزتهم ) ( 14) ويلز


( لايعني التأكيد علي اخضاع مشركي الجزيرة للإسلام أن الإسلام انتشر بحد السيف . حقا ان القبائل الوثنية في الجزيرة العربية كان عليها أن تختار الإسلام او السيف ، إلا أن تعامل المسلمين كان مختلفا تجاه اليهود والمسيحيين والزرادشتيين وغيرهم ممن اعتبرت دياناتهم شقيقة للإسلام ، رغم الدعوى القائلة بأن الأتباع المعاصرين لتلك الديانات قد ابتعدوا عن جوهرها .ومهما كان الأمر فقد كان بالإمكان قبولهم نوعا من الحلفاء للمسلمين في معظم الأقطار التي فتحها العرب ) ( 15) مونتجمري وات


(كان العرب في بداية يقظتهم متقدين حماسا لعقيدتهم وأنهم كانوا مع ذلك قوما متسامحين لأن دينهم يأمر في مواضع عديدة بالتسامح والصفح ، وكان عمر بن الخطاب شديد الحرص علي التسامح عندما دخل بيت المقدس ، أما مسلموا أسبانية فإنهم تركوا للجالية المسيحية الكبيرة هناك حرية العبادة .. والواقع أن ابرز ما يميز هذه الفترة من التاريخ هو الفرق الشاسع بين العرب المسلمين وتعصب المسيحيين الأوربيين ) (16) جواهر لال نهرو


( ولم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة اي باب من ابواب الأعمال ، وكان قدمهم راسخا في الصنائع التي تدر الأرباح الوافرة ، فكانوا صيارفة وتجارا وأصحاب ضياع وأطباء . بل أن اهل الذمة نظموا انفسهم بحيث كان معظم الصيارفة والجهابذة بالشام مثلا يهودا ، علي حين كان أكثر الأطباء والكتبة نصاري . وكان رئيس النصاري في بغداد هو طبيب الخليفة، وكان رواد اليهود وجهابذتهم عنده ) (17) آدم متز

( .. هروب اليهود الأسبان الي تركيا معروف للجميع ، لكنه ليس الحالة الوحيدة علي الإطلاق . وعندما انتهي الحكم العثماني في اوروبا ، كانت الأمم المسيحية التي حكمها العثمانيون خلال عدة قرون لاتزال هناك ، بلغاتها وثقافاتها ودياناتها - الي حد ما – بمؤرسساتها . أما اسبانيا وصقلية فليس فيها اليوم مسلمون أو ناطقون باللغة العربية ) (18)
برنارد لويس

( روح التسامح في الإسلام قديما ، تلك الروح التي اعترف بها المسيحيون المعاصرون ايضا كان لها اصلها في القرآن ( لا اكراه في الدين ) .. ، وقد جاءت الأخبار عن السنين العشر الأولي للإسلام بمثل للتسامح الديني للخلفاء ، أزاء اهل الأديان القديمة ، وكثيرا ماكانوا يوصون في وصاياعم للفاتحين بالتعاليم الحكيمة ، ومن المثل لذلك عهد النبي مع نصاري نجران ، الذي حوي احترام منشآت النصاري ، ثم هذه القواعد التي اعطاها لمعاذ بن جبل عند ذهابه الي اليمن ( لايزعج يهودي في يهوديته ) وفي هذه الدائرة العالية كانت ايضا عهود الصلح التي اعطيت للنصاري الخاضعين للدولة البيزنطية التي اندمجت في الإسلام وبموجبها كانوا – في مقابل دفع الجزية – يستطيعون مباشرة شئونهم الدينية من غير ازعاج لهم ) (19) جولدتسيهر

( ان الإسلام لايعرض لمعتنقي الديانات الأخري بسوء وهو لايحملهم علي قبول دينه والنزول تحت شرعته .. كما أنه لم يحارب الذين لم يعتنقوا دينه ، ولاعمل علي قتلهم وحرقهم وتعذيبهم كما فعل غيره ، وآية القرآن ظاهرة بينة ( لا إكراه في الدين ) ايفلين كوبولد (20) ايفلين كوبولد


________________________________________

(1) توماس ارنولد الدعوة الي الإسلام (11) هنري دي كاستري الإسلام خواطر وسوانح
(2) روجيه جارودي وعود الإسلام ( 12) اتيين دينيه اشعة خاصة بنور الإسلام
(3) الدومييلي العلم عند العرب (13) ريتشارد وود الإسلام والإصلاح
(4) مارسيل بوازار انسانية الإسلام (14) هـ ج ويلز معالم تاريخ الإنسانية
(5) زعريد هونكة الله ليس كذلك (15) مونتجمري وات تلإثير الإسلام علي اوروربا في العصور الوسطي
(6) ارنولد توينبي مختصر دراسة التاريخ (16) جواهر لال نهرو لمحات من تاريخ العالم
(7) فيليب حتي الإسلام منهج حياة (17) آدم متز الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري
(8) اميل درمنغم حياة محمد (18) برنارد لويس تراث الإسلام
(9) جوستاف لوبون حضارة العرب ( 19 ) جولدتسيهر العقيدة والشريعة في الإسلام
(10) ترتون اهل الذمة في الإسلام (20) ايفلين كوبولد البحث عن الله

محمود توفيق
September 28th, 2008, 05:27
الحلقة الثامنة والعشرون

الجـوع



برغم التطورات العلمية المذهلة سواء في مجال الفضاء أو في مجال التكنولوجيا الصناعية أو في مجال الإتصالات أو غيرها من المجالات والتي تعطي بدورها انطباعا عن إنسان العصر الحديث بأنه قد حقق الرفاه ، مقارنة بأجيال أخرى عاشت على الأرض طيلة القرون الماضية ، إلا أننا ويا للعجب نتابع عن كثب – باعتبار أن العالم أصبح قرية صغيرة - أنواع من الأزمات التي تطعن في صميم اتجاهاتنا الأخلاقية ، ومن أسوا ما يمكن متابعته هو أن هناك ملايين من البشر تموت جوعا.
المشكلة لا تكمن في ضعف المواثيق الدولية التي تكفل للإنسان – أي إنسان – الحق في الحياة ، فهناك الكثير من البنود مثل ما نص عليه في الإتفاق الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية, الاجتماعية و الثقافية 1966 بالمادة 11
(تؤكد على حق الجميع إلى مستوى معيشة كافي لنفسه و عائلته,بما في ذلك توفر غذاء كاف ... و التحسن المستمر للأوضاع المعيشية)
يموت الناس جوعا لأسباب عدة منها الكوارث الطبيعية كالفيضانات والأعاصير والتصحر والجفاف وبسبب الحروب أيضا ، وفي كل الأحوال يظل الموت جوعا مسئولية على كل الأحياء ، يموت يوميا بسبب الجوع 25000 إنسان .. وهو رقم مرعب ومخجل .. رغم أن الموارد الغذائية الموجودة بالأرض قادرة على إطعام ضعف عدد سكانها

أشار تقرير صادر عن المعهد العالمي لأبحاث السياسات الغذائية إلى أن ما ينفقه العالم على التسلح في أسبوع واحد يكفي لحل مشكلة المجاعة في أرجاء المعمورة، وقال: "إنه بزيادة إنفاق قدرها 10 بلايين دولار سنويا -أي ما يعادل الإنفاق العسكري العالمي لأقل من أسبوع- يمكن تخفيض نسب سوء التغذية في العالم بنسبة 42%" .
كما توجد مؤسسات غربية تعمل على محاربة الجوع ويذهب ناشطوها إلى مناطق المجاعات لغوث الناس بالطحين والماء الصالح للشرب وباللقاحات ، فكذلك توجد مؤسسات إسلامية ذات غرض إغاثي وخيري بحت ، الأنشطة الإسلامية الإغاثية لا تتحرك من خلال أجندة دعوية ، إذ أن الدين الإسلامي يعد المسلم بجزاء وافر على إطعام الجوعى بصرف النظر عمن هم ومن أي دين ، ولا تسمح تعاليم الإسلام بابتزاز الجائعين وإغرائهم لاعتناق الدين الإسلامي ، ويعتبر المسلمون مساهماتهم في هذا المضمار الخيري عملا إنسانيا لإعطاء الجوعى فرصة للحياة ، كما أنه يعتبر بالنسبة للأشخاص الطبيعيين والإعتباريين منهم هو اداء لفرض تفرضه تعاليم الدين . أي إنه شكل من أشكال العبادة لله يجب أن يؤدى ، وعليه فالجهات الإسلامية الإغاثية تعمل وفقا لهذا المفهوم بدون تسييس للإغاثة .
الإسلام لا يعتبر إطعام الجوعى عملا تطوعيا ، ولا يجعل الإنسان في حل من المساءلة أمام الله عن الموتى جوعا ولو صلى ولو صام . وفي القرآن كان من ضمن السجل الأسود للمعذبين في جهنم هو عدم إطعامهم للمساكين ، البند الثاني مباشرة بعد الصلاة “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ” (1)
وفي آية أخري كان السبب في التعذيب في جهنم عدم الحض على إطعام المسكين ، بعد عدم الإيمان بالله مباشرة
(خذُوهُ فَغُلُّوه. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ. إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) (2) .

لقد جعل النبي محمد ( ) الزراعة نفسها - رغم أنها حرفة اقتصادية - وسيلة عظيمة لاكتساب رضا الله ، ليس لإطعام البشر وحدهم ولكن لشركائهم في الأرض أيضا ، لقد قال (من غرس غرسا أو زرع زرعا فأكل منه إنسان أو سبع أو دابة أو طير إِلا كان له به صدقة ) ، بل وسئل مرة عن أي أعمال الإسلام خير فابتدر بإطعام الطعام .
وفي الإسلام كفارة بعض أنواع الذنوب هي إطعام المساكين ، وسواء صدقات مقدمة أو كفارة لأخطاء يكون الطعام مما يأكل منه المتصدق أو المكفٍر عن ذنبه .
بل أن النبي محمد( ) جعل من شبع وجاره جاره خارجا عن الجماعة الإسلامية ، جاره على العموم وليس جاره المسلم ( ليس منا من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم )
إن هذا الحديث خطير جدا إذا وضعنا في حسباننا أن الأرض أصبحت قرية صغيرة بفعل ثورة الإتصالات ، إن هذا يضع معنى موجع للجوار وللمسئولية عن الجوع ، هذا الحديث إذا أُخذ في الحسبان فإنه يعني أنه يتساقط حولنا في ذات قريتنا الصغيرة 25000 جائعا يوميا ، إن الحديث يضيف دلالة مؤلمة لصغر العالم نتيجة ثورة الإتصالات ، بجانب الدلالة الحالية التي رسختها الشركات الكبرى ، ألا وهي سرعة النفاذ للأسواق .
________________________________________
(1) المدثر 38 -44 (2) الحاقة 30 -34

محمود توفيق
September 29th, 2008, 07:53
الحلقة التاسعة والعشرون

الإيدز

تعتبر مشكلة انتشار داء الإيدز من ضمن أهم المشاكل التي تتعرض لها المجتمعات الحديثة ، ولكن تختلف وسائل الحماية التي تنتهجها المجتمعات لمجابهته حسب خلفياتها الدينية ، وتشير إحصائيات
إلى أن 80% من حالات الإصابة سببها الشذوذ الجنسي، و15% بسبب الدعارة والممارسات خارج نطاق الزواج الشرعي ، و5% فقط هي نسبة الأشخاص الذين انتقلت إليهم العدوى لأسباب طبية أو دون تعمد أو انحراف ، وترتكز النظرة الإسلامية على التأكيد على التعاليم الدينية التي تمنع مسببات الغالبية العظمي من حالات المرض من زنا وشذوذ ومخدرات
بينما انشغلت الهيئات العالمية بتقديم ثقافة جنسية تمنع الإصابة ، ولكن دون أن تدخل في الجانب الأخلاقي للموضوع ، وبناءا عليه تم طرح برامج توعوية تعتبر بشكل أو بآخر مشجعة على الممارسات الجنسية المحرمة ، ومما يذكر أن نسبة الإصابة بالمرض في المجتمعات الإسلامية هي الأقل عالميا ، وبينما اهتم العالم بالحض على استخدام الواقي الذكري كان علماء المسلمين يتحدثون عن واق آخر ليس به مسام تمر منها الفيروسات التي يسببها المرض ، إنه الواقي الديني ، ومما يذكر هو أن أول مائة شخص أصيبوا بهذا المرض كانوا جميعا من الشواذ
وقد اكتشف برتران اوفرت من وكالة الأبحاث الوطنية الفرنسية وزملاؤه في منظمة الصحة العالمية أن الذكور المختونين في جنوب افريقيا يقل خطر إصابتهم بالفيروس القاتل بنسبة 65% عن أقرانهم غير المختونين (1) ، ومن المعروف طبعا أن اليهود والمسلمين يعتبر ختان الذكور من فروضهم الدينية .

ويعتبر اختلاف النظرة الإسلامية عن النظرة الغربية أو العالمية هو خلاف على مفهوم الرحمة ، فالنظرة العالمية لا تتبنى بشكل واضح برنامجا لتغيير أنماط سلوكية ، بل تقدم توعية بإرشادات لتجنب خطر الإصابة مثل استخدام الواقي والبعد عن المجموعات الخطرة Risk group ، بينما يتبني الإسلام نظرة للرحمة مبنية على أن منتهي الرحمة هو أن نحرص على توعية الناس لكون الإرشادات لن توفر حماية كاملة ، وان المرض هو نتيجة ارتكاب الكبائر ، وبناءا عليه فالحل السليم والرحيم هو مواجهة الحقيقة ، والمشكلة لا تكمن بطبيعة الحال بأن الأديان الأخرى متسامحة مع الشذوذ والزنا ، ولكن المشكلة تكمن في ضعف الدور الذي من الممكن أن تلعبه الكنائس في الغرب مقارنة بالدور الذي تلعبه المساجد في العالم الإسلامي ، وفي ذات الوقت تعتبر جماعات الشذوذ هناك قوى ضغط يعمل لها حساب ، بحيث أنه على العلماء أن ينتجوا أمصالا واقية دون أن يتكلموا في الأمر بصراحة وعلى رجال الدين أيضا ألا ينددوا بالممارسات الشاذة ، وذلك نتيجة طبيعية لاختلاف مفهوم الحرية الشخصية بين البيئتين ، ، ومما يذكر أن مارجريت تاتشر قد عبرت عن قناعاتها بأن رجال الدين المسيحي لم يقدموا القدوة للشباب ولم يبادروا في إدانة الممارسات السلوكية التي ساهمت في انتشار الوباء (2)
وقد حذر الرسول محمد( ) أتباعه من أن العقوبات الوبائية والمرضية هي أحد العقوبات الإلهية التي تنتظر أي مجتمع تنتشر فيه الموبقات بشكل سافر حيث قال ( ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ) ، ومما يذكر أن المرض ظهر بعد تنامي نفوذ جماعات (الجنوس) في الغرب ، وإعلانهم بشكل سافر عن رغباتهم وحقوقهم .
وهذا لا يعني أن المسلمين يؤمنون بأن كل مصاب بالإيدز هو مذنب ، فالحقيقة أن هناك الكثير من الأطفال والأبرياء ماتوا من جراء هذا المرض ، ولكن ظهور المرض كان مبدؤه الفاحشة ، وهي رسالة إلهية للمجتمعات الإنسانية حتى تتذكر الله ولا تجاهر بمعصيته ، البحث عن علاج للإيدز عمل طيب ويشارك فيه علماء مسلمون ، ولكن هذا لا يعني التغافل عن إلقاء ضوء كافٍ على الحقائق ، وليست الحرية الشخصية وحدها هي التي تستحق الحماية ، سلامة الآخرين وسلامة الأسر شيء هام أيضا ، وحامل الفيروس قد يسبب في إصابة اقرب الناس إليه من زوجة وأطفال
وفي هذا يقول النبي محمد( ) " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول "
كما أن المسلمين لديهم دروس وإرشادات نفسية لمن أصيب بالفعل حتى من ممارسات محرمة حتى لا يتحول لإنسان يائس ، وعليه فيرشدونه للمداومة على العبادات والإستغفار . كما أن القيادات الدينية الإسلامية رحبت وترحب بالتعاون مع القيادات المسيحية في المنطقة من اجل تبني خطاب توعي مشترك لمحاربة هذا الوباء اللعين ، على أساس أن مرض كهذا يصيب مجتمعات بكل ما فيها من طوائف دينية ، وإذا كان المرض مرده أمراض اجتماعية فلا مجال إلا للتعاون .
________________________________________
(1) رويترز (2) حديث لمجلة المرأة

محمود توفيق
September 29th, 2008, 21:44
الحلقة الثلاثون والأخيرة

الخمر



الخمر سماها النبي ( صلى الله عليه وسلم) إسما تستحقه بجدارة ، سماها ( أم الحبائث)
يبدي الدكتور كندل استاذ الأمراض النفسية بجامعة أدنبرا - عجبه من كون الغرب يراقب تجارة المخدرات ، وفي ذات الوقت يروج تجارة الخمور مع أنها من المواد المخدرة والكحول عامل مسرطن ، ويحاول تفسير هذا التناقض على اساس أن الخمر من اعراف وتقاليد المجتمعات الغربية .
يقول السناور الأمريكي السيناتور وليم فولبرايت " لقد وصلنا إلى القمر ولكن أقدامنا مازالت منغمسة في الوحل ، إنها مشكلة حقيقية عندما نعلم أن الولايات المتحدة فيها أكثر من 11 مليون مدمن خمر وأكثر من 44 مليون شارب خمر "
ويقول الدكتور أوبري لويس رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن في أكبر وأشهر مرجع طبي بريطاني
(( مرجع برايس الطبي - الطبعة العاشرة ) ) ( إن الكحول هو السم الوحيد المرخص بتداوله على نطاق واسع في العالم كله. ويجده تحت يده كل من يريد أن يهرب من مشاكله. ولهذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية ويؤدي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها (Psycho-pathic Anomaly) إن جرعة واحدة من الكحول قد تسبب التسمم وتؤدي: إما إلى الهيجان أو الخمود وقد تؤدي إلى الغيبوبة. أما شاربو الخمر المزمنون ( ch Alcoholics) فيتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون ) .(1)
كما أن ولنش وجرانت الخبيران يفسران ذلك بوجود الخمر ضمن الإحتفالات الدينية وان النبيذ مذكور بالتوراة ، كما أن الخمر اخذت مكانا رئيسيا في الممارسات الدينية المسيحية وهذا يتعارض تماماً مع الزهد فيها والتحذير من استعمالها في القرآن الكريم (2)
وقد عبر جيمس بلدوين عن علاج الإسلام لموضوع الكحول والإدمان بالتالي ". ولكن المعجزة قد حصلت، فالمدمنون الذين أثقلتهم المخدرات والكحول يتغيرون فجأة عندما يعتنقون الإسلام ، كما أصبحنا نرى الذين لم يسمعوا قبلا برسالة الإسلام يتعرفون عليها ويؤمنون بها... ويتغيرون، لقد استطاع الإسلام تحقيق ما فشلت فيه أجيال من اختصاصي العمل الاجتماعي واللجان والقرارات والتقارير ومشاريع الإسكان ومراكز الترفيه ، ألا وهو شفاء وإنقاذ السكارى والمتشردين وكسب الذين غادروا السجون وإبقاؤهم خارجها ، إنه الإسلام الذي جعل الرجال أطهارا والنساء فاضلات وأعطى الرجال والنساء الاعتزاز والرصانة اللذين يحيطانهم كالنور الدائم " (3)
ونقلا عن د حسان شمسي باشا (( تقول دائرة معارف جامعة كاليفورنيا :
" إن الخمر يعتبر حاليا القاتل الثاني - بعد التدخين - في أمريكا . فشرب المسكرات هناك مسؤول عن موت أكثر من 100.000 شخص سنويا " .
وجاء في المرجع الطبي الشهير Cecil طبعة 1996 أن الخسائر الكلية الناجمة عن مشكلة المسكرات بلغت ما قيمته 136 بليون دولار في العام الواحد . ويقدر الخبراء أن ربع الحالات التي تدخل المستشفيات الأمريكية سببها أمراض ناجمة عن شراب المسكرات .
وليس هذا فحسب ، بل إن الخمر مسؤول عن إصابة أكثر من نصف مليون أمريكي سنويا بحوادث السيارات
وتتابع دائرة المعارف القول : " والمسكرات لا تسبب المشاكل في البيت أو على الطرقات فحسب ، بل إن خسائر أمريكا من نقص الإنتاج وفقدان العمل نتيجة شرب الخمر تزيد على 71 بليون دولار سنويا . ناهيك عن الخسائر التي لا تقدر بثمن من مشاكل نفسية وعائلية واجتماعية " .
ويحث كتاب الجرائد والمجلات الأمريكية الناس على عدم تقديم المسكرات قبل العشاء - أثناء الحفلات التي يقيمونها - ويحثون أيضا على أن تصادر مفاتيح السيارات من المفرطين في شرب الخمر ، حتى لا يقودوا أنفسهم إلى الموت " . وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي نجد أوربا ترزح تحت وطأة الخمور ، إذ تذكر مجلة اللانست البريطانية أن مائتي ألف شخص يموتون سنويا في إنجلترا بسبب الخمور . وواحد من كل خمسة أشخاص يدخلون المستشفيات في اسكتلنده ، يدخل المستشفى بسبب شرب الخمور وإدمانها .وتقدر الخسائر الناجمة عن شرب المسكرات في بريطانيا وحدها بـ 2000 مليون جنيه إسترليني في العام الواحد .
ويقول أحدث تقرير للكلية الملكية للأطباء في بريطانيا : " لم يكتشف الإنسان شيئا شبيها بالخمور في كونها باعثة على السرور ( الوقتي ) ، وفي نفس الوقت ليس لها نظير في تحطيم حياته وصحته .. ولا يوجد لها مثيل في كونها مادة مسيية للإدمان ، وسما ناقعا ، وشرا اجتماعيا خطيرا " .
ويقول كتاب Safe Food الشهير في طبعة 1997 :
" إن نصف عدد الجرائم في بريطانيا يقوم بها أناس سكارى ، وثلث حوادث السيارات تحدث بسبب الخمر ، والخمر مسؤول عن ثلثي حالات الانتحار ، وخمس حالات الاعتداء الجنسي عند الأطفال .
ويقدر الخبراء الإنجليز أن واحدا من كل أربعة رجال ، وامرأة من كل عشرة نساء يشربون المسكرات إلى درجة تعرضهم لفقدان عائلاتهم .. أو عملهم .. أو صحتهم .. أو أصدقائهم .. أو الأربعة معا " .
والحقيقة أن أهم تأثير للكحول هو تخديره لخلايا المخ جميعا ، ولكن أهم الخلايا التي تصاب هي خلايا قشرة الدماغ ، وهي الخلايا المتحكمة في الإرادة ، أو ما نعبر عنها بكلمة " العقل " .
يقول البروفسور لورانس رئيس قسم الطب العلاجي في جامعة لندن :
" إن أول ما يفقد من وظائف المخ بواسطة الكحول هو القدرات الدقيقة على التحكم والملاحظة والانتباه ، كما أن الكفاءة العقلية والبدنية تنخفض بتناول الكحول مهما كانت الكمية المتعاطاة قليلة " .
ويؤكد تقرير الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا : " أن المخاطر الصحية المتعلقة بتعاطي الخمور ليست ناتجة بالدرجة الأولى من العدد القليل الذي يتناول الكحول بكميات كبيرة، ولكن الخطر الأعظم على الصحة العامة هو من الأعداد الكبيرة التي تتناول الكحول باعتدال وانتظام "
ويقول كتاب Alcoholism ( إن التخريب الحاصل في أنسجة الجسم نتيجة شرب الخمر مرة واحدة يمكن أن يكون تخريبا دائما غير قابل للتراجع ) ولا غرابه حينئذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم شرب الكحول مهما كانت الكمية صغيرة : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
هل في القليل من الخمر فوائد ؟
شاعت بين الأطباء والناس في الغرب فكرة تقول : إن شرب القليل من الخمر ينقص نسبة الوفيات من جلطة القلب ، حيث يزيد من مستوى الكولسترول المفيد HDL .
والحقيقة أن الباحثين اليابانيين اكتشفوا حديثا أن المادة التي ترفع مستوى الكولسترول المفيد موجودة أصلا في قشر العنب الأحمر وتسمى هذه المادة : Resveratrol .
يقول الدكتور Mindel : " إن العنب الأحمر يعطي نفس الخصائص الموجودة في الخمر الأحمر ، فلماذا يعرض الإنسان نفسه لمخاطر الكحول ؟ "
وليس هذا فحسب ، بل إن البروفسور Sheehy يحذر من الكحول عند المصابين بتضيق في شرايين القلب فيقول : " رغم أن بعض الأبحاث أشارت إلى أن الكحول قد يوسع شرايين القلب ، فإن الخمر يهيئ لحدوث جلطة في القلب عند المصابين بضيق في شرايين القلب ، كما أن شرب الخمر يسبب الذبحة الصدرية ، واضطراب نظم ( ضربات ) القلب ، واعتلالا في العضلة القلبية ، ويؤدي إلى الموت المفاجئ .
ويحذر كتاب The Food Revolution من أخطار سهرة يشرب فيها الخمر فيقول :
" إن سهرة يفرط فيها شارب الخمر في تناول المسكرات قد يؤدي إلى حدوث اضطراب شديد في ضربات القلب ، وقد يسبب ذلك الموت الفجائي " .
ولا غرابة أن حرم الإسلام الخمر على إطلاقه فقال معلم هذه الأمة صلى الله عليه وسلم :
" كل مسكر حرام ، وما أسكر منه الفرق ، فملء الكف منه حرام " . والفرق كيلة تسع تسعمائة وعشرين رطلا .
ومن الأوهام المتعلقة بمنافع الخمر أنها تقوي الباءة وتزيد من القدرة الجنسية .
ومنذ آماد طويلة والإنسان سادر في غيه وأوهامه .. ويشرب الخمر على أمل أن تزيد من قدراته الجنسية . ولكن الشاعر الإنجليزي الموهوب شكسبير تنبه لهذه النقطة فقال عنها :
" إنها تحفز الرغبة ، ولكنها تفقد القدرة على التنفيذ "
( It Provokes the desire but it takes away the performance ) .
وأخيرا ، فإن مشكلة الخمور مشكلة عالمية لم يحلها إلا الإسلام ، وفي ذلك يقول المؤرخ العالمي أرنولد توينبي في كتابه " محاكمة الحضارة " ( Civilization on trial ) :
" إن الروح الإسلامية تستطيع أن تحرر الإنسان من ربقة الكحول عن طريق الاعتقاد الديني العميق ، والتي استطاعت بواسطته أن تحقق ما لم يمكن للبشرية أن تحققه في تاريخها الطويل . ولقد استطاع الإسلام أن يحقق ما لم تستطع أن تحققه القوانين المفروضة بالقوة ومن خارج النفس .
وهاهنا نقول : إن الإسلام يستطيع أن ينقذ الإنسانية من تأثيرات المجتمعات المدنية الغربية التي ثبتت شباكها في أنحاء العالم أجمع "
وصدق الله تعالى حيث يقول :
( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) المائدة (( 90 - 91 )) ) (4) .
وإذا أخذنا في الإعتبار ما أكده الباحث الأمريكي لوريل هرتون ( 50% من ابناء المدمنين على الخمرة مدمنون ) هذا يجعلنا ايضا نستدعي حديث النبي محمد مرة أخرى ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول )
حاولت امريكا في عام 1919 حل هذه المشكلة الكبيرة بطريقة قانونية بمنع تصنيع وبيع الخمر ، وانفقت الملايين على التوعية ، ولكن بلا جدوى ، حيث استمر الناس في شربها ، قدمت لهم مصانع سرية غير مرخصة الخمر الرديئة ، واُلغي القانون بعدها
وقد كان هناك تدريج في احكام الخمر في الإسلام ، والعرب كانوا مولعين كل الولع بشربها ، ولكن لما نزلت ايات التحريم النهائي ووصلت لأسماع بعض المسلمين الذين كانوا يشربونها ، افرغوا ما في افواهم ، وكسروا ما لديهم من زجاجات ، وكان الشعار ( انتهينا انتهينا ) .
________________________________________
(1) اوبري لويس مرجع برايس الطبي (2) د نبيل الطويل الخمر والإدمان الكحولي
(3)نفس المصدر (4) د حسان شمسي باشا اطباء الغرب يحذرون من الخمر

محمود توفيق
October 1st, 2008, 22:31
هذه كانت صفحات من مذكرات الآنسة (بنت مريم ) التي انكبت تقرأ وتكتب في أوراقها تأملاتها عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلَّم ، مستترة في غرفتها وتحت قليل من الضوء لتصل للحقيقة وحدها .

وقد حبَّرت صفحات طوال عن نبوة نبينا صلى الله عليه وسلَّم غير هذه الصفحات التي عرضتها هنا ، حتى وصلت ليقين كامل بصحة نبوته ، وعلوها عن كل شبهة

وآخر ما سجلته في أوراقها كانت تلك الكلمات

(( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ))

تجية لبطلتي التي أسلمت ، وتحية للقرَّا ء الأعزَّاء الذين صبروا على قراءة تلك المذكرات الطويلة

وبانتظار آرائكم

محمد بن سعد
October 2nd, 2008, 01:45
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله

http://www.doraksa.com/vb/attachment.php?attachmentid=140&stc=1&d=1222900893

الف مبروك

أستاذنا وأديبنا

محمود توفيق


ومن العايدين ومن الفائزين بإذن الله
وكل عام وأنتم بخير

نجم سهيل
October 2nd, 2008, 03:21
الأخ الكريم والأديب الأريب الأستاذ / محمود توفيق
كل عام وأنت بخير
أشكرك من كل قلبي أن اختصيت درة المجالس العربية السعودية
للفوز بقصب السبق في نشر هذه المذكرات القيمة قبل طبعها في كتاب
أنتظر بفارغ الصبر الإلتقاء بك في جدة قريبا إن شاء الله

محمود توفيق
October 5th, 2008, 20:15
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله

http://www.doraksa.com/vb/attachment.php?attachmentid=140&stc=1&d=1222900893

الف مبروك

أستاذنا وأديبنا

محمود توفيق


ومن العايدين ومن الفائزين بإذن الله
وكل عام وأنتم بخير

كل عام وانت بخير يا أستاذنا الركيم د محمد
ومن العايدين والفائزين

وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

محمود توفيق
October 5th, 2008, 20:17
الأخ الكريم والأديب الأريب الأستاذ / محمود توفيق
كل عام وأنت بخير
أشكرك من كل قلبي أن اختصيت درة المجالس العربية السعودية
للفوز بقصب السبق في نشر هذه المذكرات القيمة قبل طبعها في كتاب
أنتظر بفارغ الصبر الإلتقاء بك في جدة قريبا إن شاء الله

نسأل الله أن يكحل عيني برؤية العم نجم قريبا
وما نشر هدية متواضعة لشخصكم ولجميع الكرام أعضاء المنتدى

وكل عام وانتم بخير

محمود توفيق
October 13th, 2008, 20:58
الأستاذ الدكتور محمد بن حتان
تحية طيبة وبعد
بالنسبة لسؤالك عن رأي المسيجيين فيما ذكره القرآن عن حادث الصلب : أغلبهم ينكر ما ورد بالقرآن بدون أن يحاول أن يأوله ، بل ينظر للأمر وكان بالقرآن خطا تاريخي بنفي صلب المسيح .
وهناك من يأول كلام القرآن في هذا الشأن ( و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم ) باعتباره أسلوبا من التبكيت والتقريع لليهود .
وهناك من يرى التشبيه هنا ، يعني بأن الشهيد حي حتى لو مات جسده أمام الناس .

واغلب رأي المسلمين هو أن رجل قد ألقي عليه شبه المسيح وصلب مكانه
وهناك رأي تبناه أحمد ديدات مفاده أن التشبيه هنا يعني أن المسيح تعرض للصلب ولكنه لم يمت بل راح في شبه غيبوبة حتى أفاق بعد ذلك .

أعتذر عن التأخير في الرد ؛ فقد كنت في انشغال شاغل

تقديري لك