المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دار الأيتام



نجم سهيل
September 19th, 2008, 13:31
(( 19 ))


دار الأيتام





----------------------------------




كان أبونجم يشغل وظيفة (معرف لأفراد قبيلته ) الذين يلتحقون بالجيش وكان مرتبه الشهري متواضعا جدا ولكنه كان يقوم بأعمال خاصة مثل صنع المساند والفرش والوسائد وبعض الأعمال التجارية البسيطه التي تدر عليه دخلا لابأس به

لم يترك والده ثروة سوى بيتين شعبيين متواضعين بدون وثائق أو صكوك شرعية
بادرزوج الأخت الكبرى لنحم من أبيه ويكنى بأبو مبارك وهو والد لنجم من الرضاعة من أخته من أبيه بادر
أبو مبارك بإلحاق نجم على وظيفة أبيه معرفا لقبيلته شكلا مع حضور متقطع وكان أبو مبارك حينها برتبة رئيس
حسب مصطلح المسميات العسكرية في ذلك الوقت
كان أبو مبارك عسكريا مخضرما شديد البأس حتى مع الريال الذي يجب أن ينضبط هو الآخر في غدوه ورواحه بين جيبه ومصاريفه وحتى مع أفراد أسرته وأقربائه وأصدقائه ولكنه كان شديد الإستقامة والإلتزام بمكارم الأخلاق

كما بادر خال نجم أبو فايزالذي كان يتمتع بسلطات واسعة حيث كان أبوفايز رجلا محبوبا وذا سمعة جيدة ونفوذ شخصي محترم كونه رجل وجوكر المهمات الصعبة في أمانة مدينة الرياض
بادر هو الآخر بتعيين نجم على وظيفة حارس وهمي على إحدى المنشآت التي لاتتطلب حضورا أو جهدا يذكر بعلم إدارتها التي تعاطفت مع وضع الرجل الصغير نجم


أبو فايز شخصية محبوبة للغاية فقد كان دائما متهلل الأسارير شديد الكرم يطلق العنان للريال في غير معصية ومن مظاهر كرمه أنه يستقبل أبناء قبيلته في منزله الخاص وقد أفرد لهم قسما خاصا لسكناهم ومعيشتهم على حسابه الخاص حتى بات منزله كالفندق والمطعم وكذلك مكتبا للتوظيف

كان يحب نجم حبا كبيرا كونه عرفه طفلاصغيرا قبل أن يرزق بالأبناء وكان كثيرا ما يصطحبه معه في جولاته متعاملا معه بعاطفة الأبوة وبعد أن رأى نجم في هذه الحال كان يمده بالمال سرا لمساعدته على مصاريف الأسرة وكان أبو فايز قد رزق إبان طفولة نجم بعدد من الأبناء والبنات من زوجتيه معظمهم إخوة لنجم من الرضاعة من والدته

بداء نجم ترتيب أوضاعه لمواجهة مهامه الجديدة فبادر للبحث عن وظيفة أهلية تعينه على مصاريف الأسرة فالتحق بشركة الجبس الأهلية في الرياض كمندوب مبيعات متجول ووفق في وظيفته ولكن
ستواجه نجم القلاقل والمشاكل في بداية مشواره

ففي ذات يوم وهو عائد من العمل فوجيء بوالدته تبكي بمرارة شديدة وحولها ثلاثة من أطفالها عبد الله إبن الإثنتى عشرة سنة الذي يليه من حيث الترتيب والصغار حسين إبن الأربعة أشهر ورقية إبنة الست سنوات وبضعة شهور

وتشتت ذهن نجم وهويتساءل ويسأل والدته بهلع شديد ويش اللي صاير يمه ؟؟
وين محمد وسعد فأجابته بكل حرقة ونقمة جانا ابوفهد وخذاهم لدار الايتام ومعه ابو فايز

كانت الصدمة الأولى لنجم والتحدي الكبير الذي يواجهه في أول مشواره في مسؤلياته استشاط غضبا شديدا و استل سكينا يريد بها أبو فهد وامتطى مركبته الخاصة بالشركة التي يعمل فيها قاصدا وباحثا عن أبو فهد في فيلته الفخمة في الملز فلم يجده

ولكن أثناء تجواله المحموم كان لصوت العقل في وجدانه مكان فاستعاذ بالله وتوقف عند أحد أصدقائه الذي رحب به وقص عليه ماحدث فهداء من روعه ودعاه للتصرف بحكمة واستشارة من هو أكبر منه سنا

أبو فهد ؟
هو زوج إبنة عم نجم التي توفيت وهي في عصمته وكان والد نجم
قد تعهد أبو فهد في صغره وقام على رعايته وتوجيهه حيث كان والد نجم عصاميا يعمل
في التجارة من خلال بيع الفول الذي اتخذه كستارلتجارته الحقيقية وهي بيع السجائر في الرياض خفية
حين كان متعاطي السجائر آنذاك كمتعاطي المخدرات في وقتنا الراهن أما الذي يمارس الإتجار بها فجرمه أكبر وعقوبته أشد وكانت هذه العمليات تتم أثناء
حكم الملك عبد العزيز آل سعود وكل الزبائن من بعض الحاشية والعسكريين
وكان أبو فهد وأبو فايز وجاسرالشقيق الأكبر لوالدة نجم كانوا ضمن فريق العمل الذي يعمل تحت إمرة أبو نجم

أبو فهد كان شابا مفعما بالحيوية والنشاط وكان شديد الإهتمام بطلب العلم ويحث عليه كل الشباب الذين يلتقي بهم وبصورة صادقة ولكنها لاتخلو من الدراما المسرحية في بعض جوانبها وكان قصير القامة ولكنه يتمتع بذكاء شديد ودهاء في معالجة كثير من الأمور ولكنه يتجاوز حدوده أحيانا وبشكل مفرط وكأي شاب متفتح ومتنور في مجتمع
يفتقر للوعي فإنه دائما ما كان يحيط نفسه بالأساتذة والأكاديميين وهذا ما كان يضعه دائما في دائرة الضؤ والإهتمام من المحيطين به بغض النظر عن مستوياتهم العلمية وينسحب ذلك على لفت نظر وإثارة إعجاب الفتيات وحتى السيدات

ومن العادات التي كانت سائدة وبإفراط إقامة الولائم فقد كان أبو فهد يتعمد التأخر في حضورها لغرض في نفس يعقوب
وقلما يحضر من دون حاشية لم تدعى أصلا وتجد نفسها في حرج شديد خاصة أصحاب المقامات الوظيفية والعلمية منهم
إلى جانب بعض الكمبارس الأشبه بالمرتزقه أو كمالة عدد الزفه

كانت وجهة نظره حيال الزج بشقيقي نجم في دار الأيتام والتي وصلت إلى مسامع نجم أنه مجرد غلام مراهق أي نجم
ولا يمكن أن يؤدي دورا تربويا لهؤلاء الأطفال الأيتام ومن المحتم انحرافهم سلوكيا ومن ثم ضياعهم نهائيا وهوغير جدير بتربية أيتام قصار

بعد المغرب وبينما نجم لايزال جالسا لدى صديقه يحلل الموقف هداه الله لفكرة ممتازة جدا فودع صديقه وقصد على الفور خاله جاسر الذي يسكن مع عائلته في نفس عمارة أبو فايز وبعد أن قبل رأس خاله بادره قائلا بلهجة حاسمه
ياخالي أنا لك والا للذيب ؟؟؟
فارتسمت ابتسامة عريضة على محيا جاسر وهو يدعوه للجلوس قائلا
أبشر بالخير وانا خالك

جاسر رجل بسيط جدا جدا فقير الحال وهو في العقد الخامس من عمره يتمتع يشخصية مرحة جدا جدا وعفويةإلى أقصى الحدود

ويتذكر نجم في أيام طفولته وهو في سن السابعة كيف كان يفرح فرحا شديدا مع أشقائه إذا وصلهم خاله جاسر زائرا فقد كان مربوعا متين البنية سمينا من غير ترهل
ومن فرط حبه لنجم وأشقائه كان يتركهم يتقافزون على بطنه وهو مضطجع على ظهره ويبادلهم اللعب والمرح وجلجلة ضحكاته المدوية

كان أميا لايقراء ولايكتب ولكنه يمسك بالريال كما لو كان له رسن ليس من شح ولكن من حرص ومن مقولة القرش الأبيض لليوم الأسود
تناول نجم القهوة مع خاله وبين له ماحدث

فاستشاط جاسر غضبا خاصة وأنه على خطي نقيض مع أبو فهد في كثير من الأمور من واقع اختلاف الثقافة والمكانة الوظيفية حيث يرى جاسر أن أبو فهد شخص يدعي الأورستقراطية مع التكلف في المظهر والتظاهر وهذا مالا يعجبه فيه
أو كما يحلو له أن يصفه
((جلاّخ ))

بينما يرى فيه أبو فهد شخصية هامشية عديمة التأثير في محيطها قياسا على مركزه الوظيفي المعدوم تماما ومستواه العلمي والمعدوم أيضاتماما
ومع أن موقفيهما تجاه بعضهما غير معلن إلا أن كلا منهما يعرف قدر صاحبه ولايصرح به إلا سرا وللمقربين جدا جدا

عدى الضابط أبو مبارك الذي لايجد حرجا في انتقاد أبو فهد علنا دون أدنى مقاومة من أبو فهد ربما لفارق السن بينهما وعدم رغبة أبو فهد الدخول في مصادمات عنيفة
اعتدل جاسر متربعا في جلسته وهو يتحدث إلى نجم
هات علومك وانا خالك
فأجابه قائلا
أبد والله سلامتك ياخالي واستطرد قائلا

أبو فهد استغل صداقاته حتى مع مديردار الايتام ودخل اخواني لدار الايتام ولو رحت اطالب بهم بيطردوني والقوه ماتنفع الا بالحجه أو الحيله
وتسائل جاسر طيب وش تبي تسوي ؟؟؟
أفكر اني اروح آخذهم بالحيله !!
قهقه جاسرضاحكا بعفوية وبطنه يهتز من ضحكاته التي كانت كافية لأن يفهم نجم أن رأيه من السذاجة وقلة الحكمه

صمت جاسر برهة وقد ارتسمت على وجهه سمات الجدية ووجه حديثه لنجم قائلا
ان شا الله تمر علي الصبح ونروح انا واياك لصلاح وناخذه ونروح للشيخ ونحطك وصي على اخوانك بصك شرعي واستطرد قائلا وخل عنك الهبال والخبال
قفز نجم من مكانه وهو يقبل رأس خاله على حكمته وبعد نظره

صلاح أحد أصدقاء أبو نجم رحمهما الله وهو تاجر سجاد في ساحة الصفاة في الرياض
ودع نجم خاله وذهب إلى البيت حيث قبل رأس والدته وطمأنها وهداء من روعها وأخبرها بما توصل إليه مع خاله جاسر

سلمان السلمي
September 19th, 2008, 20:13
السلام عليكم ورحمة الله :
ذكريات جميله وتسجيل ممتع للمواقف الشديده
ومانمر به من كتابات ابو سعود لهو اكتساب معرفة
بأمور الحياة ...

زادك الله صحة وعافيه
تسجيل شكر ومتابعه لما يخطه قلمك

مزاااج
September 19th, 2008, 22:12
توقيع متابعة واستمتاع .

نجم سهيل
September 21st, 2008, 04:52
السلام عليكم ورحمة الله :
ذكريات جميله وتسجيل ممتع للمواقف الشديده
ومانمر به من كتابات ابو سعود لهو اكتساب معرفة
بأمور الحياة ...

زادك الله صحة وعافيه
تسجيل شكر ومتابعه لما يخطه قلمك


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

شكرالك على الزيارة والمشاركة ولكن وين هالغيبة الطويلة ياطيب ؟؟

نجم سهيل
November 25th, 2010, 11:29
في الصباح الباكر وصل إلى خاله وذهبا مباشرة إلى صلاح الذي لم يتردد في مرافقتهما إلى المحكمة
حيث لم يستغرق الأمر أكثر من ساعة واحدة استمع خلالها القاضي إلى جميع الأقوال وبعد تيقنه من الأركان
الشرعية أقام نجم وصيا شرعيا على أشقائه القصار
وعلى الفور قام نجم بتصوير الصك الشرعي وطار مع خاله على مركبة الشركة التي يعمل فيها مباشرة إلى
دار الأيتام

ومن الطريف أن مركبة الشركة لم تكن سوى دراجة نارية لم يتردد جاسر في ركوبها كرديف خلف نجم الذي
كان يقودها بصعوبة بالغة بسبب ثقل خاله وتشبثه برقبته مع بعض الشتائم من جاسر لسائقي السيارات الفضوليين
وقهقهات نجم من توترات خاله الذي لايلبث أن يشاركه القهقهات مع علامات التعجب من بعض المشاة
من ضحكاتهما المجلجلة كمالو كانا ثملين

وتوجها فور وصولهما إلى مدير الدار وأطلعاه على الصك الشرعي وحاول مدير الدار أن يتلكاء عله يجد فرصة للإتصال
بصديقه أبوفهد ولكن جاسر كان يتمتع بهيبة مريعة إذا غضب فقال بلهجة هادئة ولكنها حازمة موجها حديثه إلى المدير
اسمع يا اللحية الغانمه سلمنا ورعانا من غير لف ولا دوران الصك وبين يديك وقدام عيونك ولا تطولها
عطنا ورعانا انهج علينا ورانا اشغال

أمام هذا الحزم والنبرة الصارمة الهادئة من غير مودة اتخذ المدير الإجراء وأخذ صورة من الصك الشرعي وأمر
أحد الفراشين بإحضار محمد وسعد وحين رأيا شقيقهما وخالهما أغرورقت عيناهما بالدموع وكان مشهدا تراجيديا
مؤثرا للغاية وهما يعانقان خالهما وشقيقهما الأكبر الذين بكيا من شدة التأثر حتى أن مدير الدار بلغ به التأثر
أن مسح طيف دمعة بطرف غترته

وكان الموقف عاصفا بالبكاء والدموع في مشهد إنساني عاطفي وأم نجم تحتظن طفليها بفرحة هستيرية
حتى أغمي عليها من فرط التأثر وغشيت البيت كله غاشية من رحمة الله تجلت في تلاحم الأسرة عناقا وبكائا
بمافي ذلك جاسر الذي احمرت عيناه أكثر مماهي حمراوين أصلا من كثرة البكاء وماهي إلا دقائق حتى اختلطت
البسمات بالدموع و الضحكات مع العبرات وجر التناهيد

وفي المساء جاء أبو فايز إلى المنزل
وكان هناك عتاب شديد من أم نجم ونجم وجاسر على موقفه فاعتذر بشدة وبرر موقفه بقدرة أبو فهد على
الإقناع خاصة عند قوله أن نجم لايزال شابا يافعا وليس لديه رصيد من علم أو خبرة في تربية الأيتام
ومن حيث المنطق فإن هذا الرأي في مكانه ولايختلف عليه العقلاء غير أن هذا التصرف كان ينقصه الصواب بالقياس

فكان من الواجب أن يؤخذ بعين الإعتبار الجوانب الإنسانية والعاطفية والمادية أيضا وكان الأجدر أن تترك مساحة من الوقت
حتى تلتئم جراح الأسرة ومن ثم يتم طرح هذا التوجه على أم نجم واستطلاع رأيها وكذلك رأي نجم
بصفتهما صاحبي الشأن بل كان الأجدر أن تتم دراسة وضع نجم من حيث سلوكياته وأخلاقياته ومتابعته وشد أزره
من خلال التقرب منه والأخذ بيده وتوجيهه في كثير من الأمور خاصة وأنه بين أعينهم جميعا

ولكن بأس نجم الرجل الغلام كان شديدا
فبما توفيق من الله أصغى لصوت عقله ونبض ضميره وقلبه فحين حانت الفرصة أقام مناظرة مع أبو فهد من طرف واحد
بادر نجم بأخذ زمام الحديث كما لو كان محاضرا لامحاورا أو معاتبا موجها حديثه لأبو فايز وأبو فهد معاوهو يتحدث
إليهما بثقة وحزم وبنبرة هادئة لاتخلو من المرارة قائلا
اسمع يابو فهد انت وابوفايز ومانيب قايل ياخالي ولا ياعمي لأن مالها مقام هنا

أنا في رقبتي أيتام وهم في كل طاري معي وين مارحت
انتوا يرضيكم أن محمد وسعد يجون كل آخر خميس من دار الايتام ويشوفونكم وانتم تحظنون عيالكم وتمسحون
على روسهم وتسلمون على خديداتهم واخواني يشوفون ؟؟ ويحسون باليتم ؟؟ واشتدت نبرة صوته الذي بدى
متهدجا فيما ازدادت لهجته حدة وهو يقول

إذا أنتوا ماحسبتوا لهذا حساب فانا ضربتله ألف حساب
هاه وش رايك أنت يابو فهد وانت راعي بيرق التربيه أقل شي شف اخوك من ابوك عبد الله اللي في سن عيالك
وش حاله وانت تنهره وتحقره قدام عيالك يامنه قليل حظ في التعليم
انا وانا على قولتك مانيب كفو لتربية اخواني تراي ناقدن عليك وانت استادي وتاج راسي في العلم وطلب العلم

العلم ماعادلي فيه حظ ولا يوكل هالايتام عيش
اللي ابيه منكم اتركوني انا وامي واخواني ورزقنا على الله سبحانه وبنعيش ولو على الخبز والما والله المستعان
ولاتدخلون في امورنا الا كان تشوفون اني سرسري سكرجي والا حشاش ؟؟؟ فدونكم رقبتي توطو عليها
وسلامتكم

وبعد أن حدد موقفه ورسم مساره بهذه اللهجة الحازمة الحاسمة لم يدع لهما مجالا للنقاش أو المناورة
وخرج من فوره منفعلا ومتأثرا يكاد يكفكف دمعة أسى لكنه انتهرها بكبريائه ورجولته فمالبثت أن جفت في مقلتيه
وتحجرت قبل أن تحسها وجنتيه وكأنها تأتمر بأمره طاعة وإكبارا لمبداء الرجل الغلام نجم