المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المدينة: غار المسك مَعْلَم تاريخي مرهون بجدل قصص وروايات



ام انس
March 12th, 2017, 18:51
المدينة المنورة - سلطان الحجيلي (الحياة) : تباينت الآراء والأقاويل حول ما يسمى بـ «غار المسك» في جبل أحد بالمدينة المنورة، إذ اختلفت أولاً حول سبب التسمية بـ «المسك» نسبة إلى وجود رائحة المسك في الغار، والبعض الآخر يرى أن الاسم الصحيح للغار هو غار «الطاقية» أو الخوذة نسبة إلى أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم دخله أثناء معركة واصطدمت خوذته بمدخل الغار.

http://www.alhayat.com/getattachment/ffcad597-522e-49db-880b-abdaa2938fce/

وبين تلك الآراء والروايات خرج عدد من الباحثين التاريخيين في المدينة المنورة بمنحى آخر يخالف تلك القصص، نافين ما ورد من قصص وآراء وتسميات، والتي وصفوها بالأساطير والخزعبلات، مبينين أن عامة الناس يغلب عليها الوصف الظني وليس الدليل القطعي خصوصاً في التراث الإسلامي، ومطالبين في الوقت ذاته بضرورة توثيق التراث الإسلامي من القصص والآثار، وذلك حفاظاً عليها من التحريف والتأويل. يقع (جبل أحد) الذي يحوي الغار شمال المدينة المنورة، ويقع الغار الذي ينسب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتقى إليه في سفح الجبل من الجهة الجنوبية، إلا أن الغار أغلق أخيراً من الأهالي في المدينة المنورة بسبب سوء بعض التصرفات من الزوار للموقع.

وطالب عدد من الأهالي والمؤرخين بضرورة الاهتمام بالمواقع الأثرية والقصص الأكيدة حول التراث الإسلامي، إذ تنعكس إيجاباً على الدين الإسلامي والبلاد في عنايتها بالمواقع المقدسة والإسلامية، وتبيان الحقيقة الغائبة عند كثير من العامة ودحض الإشاعات الخاطئة. فيما أرجع المؤرخ الإسلامي في المدينة المنورة فؤاد المغامسي إهمال بعض المواقع التراثية والتاريخية في السعودية إلى سبب القاعدة الفقهية التي استندت عليها بعض الجهات وهي سد باب الذرائع.

«مؤرخون» يتفقون على كذب القصص المتداولة عن الغار... ويختلفون حول «التسمية»

يرى الكاتب والباحث في تاريخ الحرمين الشريفين عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية ضياء محمد عطار أن ما يسمى بـ «غار المسك» أو «الخوذة» الواقع بجبل أحد القريب من (مسجد الفسح)، لم تثبت صحة تلك الأقاويل والروايات، ولم يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم الغار بتاتاً، وذلك بحسب المحققين من علماء تاريخ المدينة المنورة، كالإمام محب الدين ابن النجار في كتابه (الدرة الثمينة في تاريخ المدينة)، والإمام أبو بكر المراغي في كتابه (تحقيق النصرة)، إضافة إلى آراء عدد كبير من علماء السيرة النبوية الشريفة المؤيدة لذلك.

وقال لـ «الحياة» إن سبب تسمية الغار بـ «الخوذة» والتي اشتهرت عند العامة يعود إلى أن النبي دخله واختبأ فيه، إبان إحدى المعارك في عصر النبوة، والخوذة التي كانت على رأسه الشريفة أثرت في الصخرة التي بسقف الغار، فأسموه بغار الخوذة أو الطاقية وتلك الرواية غير صحيحة بحسب المؤرخين والمحققين.

وأضاف: «بحسب رأيي والعلم عند الله أن النبي صلى الله عليه وسلم انحاز يوم أحد إلى الشعب، وارتاح هناك وصلى الظهر والعصر في المسجد المعروف بمسجد (الفسح) أسفل الجبل، وذلك كما أورده ابن كثير، وعدد من مؤرخي المدينة المنورة من غير إنكار، فإذا صح أو ثبت صلاته بهذا المسجد فمن الممكن أن يكون دخله أو جلس فيه وكان ذلك سبب اشتهاره».

واعتبر المؤرخ ضياء عطار أن المعالم الإسلامية والآثار في مكة المكرمة والمدينة المنورة مهملة من حيث العناية والتوثيق في الروايات المتداولة بين الناس، داعياً إلى ضرورة الاهتمام بالغار كمعلم أثري في جبل أحد، وبقية الآثار الأخرى.

من جهته، اتفق الباحث في تاريخ المدينة المنورة السيد عز الدين المسكي مع رأي المؤرخ ضياء عطار في نفي الروايات والقصص التي يتم تداولها من العامة حول الغار، إذ لم يثبت ذلك وقد نفاه مؤرخ المدينة السيد السمهودي رحمه الله. وينحاز المسكي إلى الآراء التي تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم صعد إلى جبل أحد ودخل الغار حينما اهتز الجبل في القصة المعروفة، والذي كان برفقته أصحابه الصديق والفاروق وذو النورين رضي الله عنهم، إذ قال: (اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) بحسب الحديث الشريف.

وأضاف: «من خلال البحث وجدت أن كثيراً من الأماكن الأثرية المشتهرة بين الناس لها أصل ظني ولم يكن لها دليل قطعي، وأطالب الجهات المعنية بالمحافظة على هذه الأماكن التاريخية والأثرية وإبرازها للجمهور بطريقة تليق بأهميتها الكبرى، لارتباطها بالسيرة النبوية وذلك جزء من ديننا وثقافتنا وهويتنا الإسلامية والعربية».


http://www.alwatan.com.sa/Images/newsimages/4230/03-2.jpg

«مرشد سياحي»: الأهالي أغلقوا الغار بسبب سوء تصرفات الزوار

أوضح المرشد السياحي معاذ العوفي لـ «الحياة» أن المــصادر الـــموثوقة لكــتب السيرة النبوية لم تؤكد صحة الروايات والأقاويل حول سبب تسمية الغار، إذ إن الغار هو الغار نفسه الذي لجأ إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، مشيراً إلى أن الغار تم إغلاقه أخيراً، ولم يتم من جهة رسمية بل بواسطة أهل الحي، وذلك لما شاهدوا من بعض التصرفات غير المحببة من الزوار وبعض الزيارات المشبوهة له.

وأضاف: « نطالب من الزوار الحفاظ على قدسية المكان خصوصاً وأن الموقع ما زال يزار من جميع المعتمرين والحجاج، وعلى الجهــات المســؤولة في الــمدينة الــمنورة تأمين ناحــية الســلامة والأمان لتسهيل الوصول إلى الموقع وذلك لصعوبة الوصول إليه، والتوثيق من كافة الحقائق عن الغار في مركز بحوث دراسات المدينة وبأكثر من لغة حتى تعم الفائدة، وتدحض الإشاعات».


«باحث»: بعض المواقع التاريخية أهملت بسبب قاعدة «سد باب الذرائع»

بيّن الباحث التاريخي في آثار المدينة فؤاد المغامسي لـ «الحياة» أن (جبل أحد) الواقع شمال المدينة المنورة يعد من أبرز الحدود الطبيعية للمدينة، وله مكانة مهمة في السيرة النبوية إذ ارتبط ارتباطاً وثيقاً بغزوة أحد التي سميت باسمه، ويقع الغار الذي ينسب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتقى إليه في سفح الجبل من الجهة الجنوبية، وهو مطل على بعض المنازل.

وقال إن بعض المواقع التراثية لم يهتم بها ولم تثبت مواقعها بسبب القاعدة الفقهية التي استندت عليها بعض الجهات، سد باب الذرائع، ما جعلها مهملة، مضيفاً: «على هيئة السياحة والآثار وضع لوحة إرشادية حول الغار توضح مدى صحة القصص بلغات عدة، والموقف الشرعي والتاريخي منه، ووجود مرشدين تابعين لها للتوضيح والإرشاد، وأيضاً زيادة الوعي بأهمية الأماكن التاريخية كونها تاريخية ليس إلا».

ويفيد بأن ما يذكر عن غار المسك أو غار الطاقية في جبل أحد والمناداة بالحفاظ عليه ليس لها أساس من الصحة، وقد أضرت تلك الروايات بالمعالم التاريخية المثبتة والتي حصرتها هيئة السياحة والآثار وغيرها من الجهات الرسمية في كتبها وبياناتها، ويلفت إلى أنها أضرت بجهد المهتمين والمنادين بالحفاظ على المعالم التاريخية المثبتة، مثل بئر العهن وغيرها.


«أهالي المدينة» يطالبون بتكثيف العناية وتأمين الوصول إلى «جبل أحد»

إبراهيم أحمد زائر لموقع الغار قادم من مصر، واجه صعوبات بالغة عند صعود الغار وذلك بسبب وعورة الصخور على الجبل والطريق المؤدي إلى الغار، يقول إن الغاية الكبرى هي الوصول إلى قمة الجبل والدخول إلى الغار والجلوس محل النبي صلى الله عليه وسلم – بحسب اعتقاده -.

ويتمنى إبراهيم أن يوجد مرشد سياحي على معرفة بالتاريخ الإسلامي لإيضاح أثر الموقع ومدى ارتباطه بالسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، خصوصاً وأن الروايات والقصص في بلاده تدعو إلى بركة هذا المكان والفضل العظيم في زيارته، مشيراً إلى أن بعض الحجيج يسمي الغار بـ «صرخة الجبل».

وأضاف: «يسمى صرخة الجبل لورود حديث نبوي عن صعود الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر فاهتز الجبل وصرخ».

من جهته، يرى أحد سكان المدينة المنورة في الحي المجاور لجبل أحد عطا الله الجهني أن ما يسمى «غار المسك» يعتبر أحد المواقع المهمة والأبرز عند زيارة الكثير من الحجاج والذين يتوافدون عليه بكثرة، وبالأخص موسم الحج من الجنسيات الآسيوية، موضحاً أن ذلك يعود إلى كثرة ذكر الغار في كتبهم والقصص المتداولة بينهم.

ولفت إلى أنه في الماضي كانت توجد الكثير من البسطات والحركة التجارية بجانب الغار، مطالباً بضرورة وجود توجه مؤصل شرعاً بعدم المنع من زيارة الغار، إذ إن الكثير يأتي ومن ضمن برنامجه زيارة الموقع.

بدوره، أكد أحد ساكني المدينة المنورة موسى الحجيلي أن الصعود إلى الغار والمكوث فيه أحد أهم الأولويات لدى كثير من الحجاج القادمين إلى المدينة المنورة، برغم صعوبة صعود الكثير من الحجاج إليه، وذلك لما يحمله الموقع من إرث تاريخي، مفيداً بأن ما قيل عن وجود رائحة المسك في الغار قد يكون بفعل الزوار، لأن رائحتهم تنتشر في الغار.

وبيّن أن الغار يكتظ بأعداد كبيرة من الزوار من الجنسية التركية، وجنوب شرق أسيا، والباكستانية، إضافة إلى جنسيات عربية، مطالباً بضرورة تكثيف الجهود من الهيئة العامة للسياحة والآثار بالموقع، لتسهيل الوصول إليه والاستفادة منه كأثر اقتصادي وسياحي.